Wednesday, February 29, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -8

                                                        
                                                 بسم الله الرحمن الرحيم


لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد ما تنشقنا هواء الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تحقق الإستفادة للجميع  ...


                                                    قنوط وأمل

               إستشري يا أزمة ،، وضيقي الخناق ،، فقد قرب الفرج بأذن الله عز وجل ،، فقلبي عامر بالإيمان ،، ومهما أحاطتني الأزمات من جميع الجهات فأنا ماد يدي متضرعاً داعياً طالباً رحمة الله تعالى بالفرج ،،  مؤمن بهداه ،، وعارف أن نهاية الظلام نور وضياء ،، ومهما وقعت نتيجة أمور لم تكن في الحسبان بالغربة نتيجة أخطاء ... مثقل بالقروض والسلف التي هي هم بالليل ومذلة بالنهار لا يستطيع المهاجر أن يناضل ويكافح ويعطي الوقت الكافي للقضية العادلة النبيلة وباله مهموم بمتطلبات الحياة ،،
لا أريد الكلام عن نفسي حيث أضعت المال الكثيرالذي عرقت عليه السنين الطويلة  في سبيل الكرم والصمود والتصدي للطاغية ولم أحسب أن العودة سوف تطول للوطن ،، لم أتوقف يوماً عن مساعدة أي إنسان بالجهد والمال طالما السيولة متوفرة لدي ،، حيث لدي نظرات بعيدة ممكن تتراءى للكثيرين غريبة نظير الإقدام والمغامرة  التي في بعض الأوقات تزيد عن الحد والحدود يدخل فيها نوع من أنواع الجنون في نظر عديمي الرحمة والشفقة الأغنياء البخلاء ،، لكن في نظري ماقيمة المال الموجود المحبوس الجاهز تحت الطلب  ،،، والغير من الرفاق الأخوة محتاجون  للمساندة والدعم حتى ينهضون من العثرة أو المرض وبالأخص في الغربة خارج الوطن ،،
 لم أهتم لنفسي ولا لعائلتي وأولادي الصغار الذين مثل كومة اللحم بالغربة من غير وطن ،، فقط ولدت وعشت وترعرعت في بيت كرم ونبل ،، وتعلمت وعرفت أن المال زائل مهما بخل الإنسان ،، الكريم دائما يده في يد الله تعالى وما أنا غير وسيلة مسير بالقدر بأن أقوم ببعض الأشياء الفضيلة ،، والمولى عز وجل لن ينساني طالما أنا على طريق الخير وقلبي عامر بالإيمان ،، فالحياة لها دورة ومهما تصعبت في بعض الأحيان وغضبت على الإنسان ،، لها يوم تبتسم له وتفرح  ،، وعندها جميع المآسي والمشاكل المادية تزول وتذوب ولا تشكل أي عائق مهما كان ،، فنحن نعيش فى وقتنا الحاضر فى عصر المادة ،، كم لدى الأنسان من أرقام بالرصيد والحسابات ،، وليس عصر الشهامة والكرم إلا من القلائل الذين مازالوا يعيشون على الفخر وأمجاد الماضي الذي ولى ولن يرجع ،،
أنا الآن حائر وبالي مشتت ومستغرب على كثير من الأشياء التي تحدث بصور عادية وكأنها حق مكتسب ،،، أشاهد وأتطلع لساحة المعارضة الليبية ،، وأرى القوم يتصارعون يتناحرون على مراكز وهمية زائلة ،، ويملؤون بطونهم بالربا والسحت والحرام من أموال دفعت لأجل القضية وخلاص وتحرير الوطن ،،
إخوتنا الكرام ،، زعماء وقيادات التنظيمات المزايدون بالقضية الوطنية يصرفونها على تذاكر السفر والإجتماعات واللقاءات وترديد القيل والقال ،، وولائم وحفلات ،،، ويصدرون مناشير هزيلة  وصحف ومجلات وبيانات وخطابات رنانة قوية ،، وجميعها تدور في نفس الحلقات الفارغة من غير أي شيء جديد ينهض بالمسيرة  ،، وأبناء الشعب بالداخل  معظمهم يتضورون الجوع ،، غير قادرين على الحياة الحرة الشريفة الكريمة نظير النقص لكثير من الأشياء بالأسواق وعدم الإستيراد ،، تجويع متعمد بقصد حتى يركع الشعب ولا يقاوم ،،، تلبية لأوامر وأطروحات مجنون أهبل ،، ولا من يرفض ويقاوم الظلم ... وأي إنسان يتمرد العيون اليقظة تراقب ،، يدخل السجن ويعذب أو يقتل شر قتلة كما حدث للآلاف من الأبرياء ،، طوال الوقت أيام الجدب والضغط على المواطنيين والوطن ...
لقد عاهدت الله تعالى وآليت النفس أن أتكلم بصراحة ووضوح على الأخطاء التي إرتكبت والتي كل يوم يمرويمضى  ترتكب بأسم القضية ،، والتي أرجعتنا للوراء خطوات عديدة بدل أن نتقدم للآمام ،، لأننا مغرورون نعتقد في أنفسنا الكمال ولا نريد أن نراجع النفس والذات ،، لانريد أن نتوقف عن التراهات والمهاترات ،، نتشدق بالقضية وأننا نريد المصلحة العامة للوطن والمواطنين ،، عناوين كبيرة محتوياتها هزيلة لا نستطيع تحقيقها طالما نحن بهذا الشكل ،،، أنا في نظري عبارة عن كلام ودس وغش للبسطاء ،، لأننا نرضي  رغباتنا بالنفوس المريضة ،، طالبين الزعامة والوصول للقمة على حساب الجميع لمصالح خاصة ،،، أما حب الشهرة والسيطرة ،، وأما حب المال والقوة ،، أو لأمور أخرى عديدة حتى نشبع الشيطان داخلنا الذي يطالب طوال الوقت ،، بالشر والشرور ،،
لماذا لا ننكر الذات ونبدأ بأولى الخطوات السليمة وننتقد أنفسنا ،، نحن الذين ندعي إننا مناضلون وواجهة للمعارضة الليبية ،، ونكبح  جماح أنفسنا الأمارة بالسوء ،، وننسى الكبرياء الكاذبة وننكر ذاتنا ،، ونتمسك بأهداب الدين بقوة وشريعة الله عز وجل ،، ونناضل من أجل الخلاص والتحرير بأخلاق وشرف ،، كرجال قادرون على تحمل المسؤوليات التي وضعناها بالرغبة على أكتافنا ،، فمصيرنا مع الوقت طال أو قصر الموت والفناء...
قلبي يدمى عندما أشاهد آلاف الحالات الصعبة للمهاجرين وهم يمرون بالظروف الحياتية المعيشية الصعبة في دولة مصرالعربية الجارة في السراء والضراء ،،  غير قادرين على العمل ولا الحصول على الإقامات  الشرعية بسرعة من غير دفع بالدولار والغش والرشوة إبتداءا من الخفير وإنتهاءا بالمدير وكأنها حق مكتسب ،، إلا من القلائل ذوي الكرامة والقيم ،،، حتى يتم التجديد ،، يعيشون من غير جوازات سفر صالحة للسفر حتى يسترزقوا في دول أخرى ويضمنون العودة لأهاليهم بمصر ،، بالكاد مستمرين بالحياة ،، على الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ،، ( كان الله عزوجل في العون ) ،،
رحم الله عزوجل الرئيس أنور السادات الشهيد ،، الرجل العصامي الذي أثبت أنه إبن مصر الأبية الشامخة طوال الوقت مهما مر بها من إذلال ووهن وضعف ،،، الذي فتح أبواب مصر لكل ليبي لاجىء يطلب الأمن والأمان ،، وبلانا الله عز وجل بالعجوز المتصابي الرئيس حسني مبارك الذي نظير المصالح والمال باع روحه للشيطان القذافي والقوى الخفية نظير الحب لكرسي الرئاسة وضيع هيبة وشرف مصر عندما سلم للمخابرات الليبية الملاعين ،،، رجال وأبطال ليبيا الأحرار الشرفاء مقابل ملايين ،،، قروش زهيدة ،،
قلبي يدمى من الهم والغم ،، عندما أرى كثيرا من الأصدقاء المهاجرين مرضى طريحى الفراش ،، بعد أن دارت الأيام بظهرها ،، وقلبت لهم ظهر المجن ،،  ومن عز إلى شقاء ،، وأنا غير قادر على المساعدة إلا من البسيط الذي لا يذكر ... أمام كثرة الفواتير للعلاج والدواء ،،
قلبي يدمى عندما أشاهد وأعيش المأساة نحن الليبين المهاجرين الغرباء ،، نتكلم ونتشدق كثيرا ،، ونعمل قليلا ،، نتباكى على الوطن السليب من غير العمل والتنفيذ الجاد بالروح والدم ،، ووطننا يرزح تحت أقدام الشيطان الرجيم وحوارييه من اللجان والأمن والمخابرات والعسكر ،، وأحرارنا بالسجون قابعين ينتظرون  الفرج من الله عز وجل ،، أم شهداء أشلاء بالقبور موتى من التعذيب اللا إنسانى بدون رحمة ولا شفقة ،، ضد جميع الشرائع السماوية والأعراف والقوانين والدين الذي يوصى بالعدل والرحمة للسجناء ...
حكمتك يارب ،، فأنت العارف والعالم بالحال ،، إمنحنا البركة وصفي قلوبنا من الحسد والأحقاد ،، وآلف بيننا ،، حتى نتآخى ونتكاتف وننهض ونتقدم ،، ونخرج من دوائر اليأس والقنوط والأوهام ياأرحم الراحمين ،، إرحمنا ،،،
لم أجد أي إنسان ليبي بالخارج خلال لقاءاتي العديدة بأماكن كثيرة بمدن وعواصم بالعالم مع العديد من المهاجرين ونطرح الأفكار ونتبادل الهموم ،،، إلا ويوافق على كل كلمة رجاء وطلب التوحد والنصائح ،، فرسان كلام ينصحون ويعددون الحجج والبراهين ،،، والمؤسف كلها كلام وتمنيات ،، تذهب أدراج الرياح وتنتسى ،، لم تترجم إلى عمل ودراسات ومخططات وتنفيذ على الواقع ،، أليس بمأساة ؟؟
في نظري النفوس مريضة ،، والبعض من الإخوة عديمي الوفاء ،، المهم أن يكونوا بالمقدمة ،، جهلاء بالواقع المرير ،، أغبياء في التقدير ،، نسوا أو تناسوا أن العمل النضالي عمل جماعي ،، يتطلب إيماناً وضميراً ،، عقيدتاً ووفاءاً ،، فليس بإمكان فرد واحد من الزعامات الهشة مهما أوتي من جميع الصفات والمؤهلات ،، مهما لديه من طاقات ،، حيوية وعزم ،، أن يحرر ليبيا لوحده ،، مهما فعل ... بدون إجماع نسبة كبيرة من أبناء الشعب عليه ومساندته بما يرضي الله عز وجل ،، والعمل الجماعي ضمن مخططات ودراسات وطلب العون من الله تعالى حتى يضمن الفوز والنجاح ،، لأنه أن لم يقم الداخل ويعلنها ثورة مدمرة على الطاغية ،، لن يحدث شيء ...
مشكلتنا نحن الليبين أننا جميعنا نعيش فى حلم وخداع لأنفسنا بأننا قادرون على عمل المستحيل ،، والواقع المرير قيادات زعماء ورموز بقمة الهرم  من غير جماهير هادرة ،، جنرالات بدون ضباط صغار في الرتب وعساكر تنفذ الطلب ،، نطلق في المدفعية والقذائف الهادرة في الإعلام بالثرثرة بصوت مدوى كالرعد بدون مشاة وجنود تطهر وتكتسح الأرض ،، نسينا مصائب الجميع إبتداءاً من شرفاء وأحرار الوطن بالداخل وإنتهاءا بالخارج وكم من المرارة والمعاناة ... نسى بعض هؤلاء أنفسهم ،، حجم المسئوليات على عواتقهم وتمادوا بدون تخطيط يتخبطون كمن أصابهم مس من الجان ،، ضرب الله عز وجل على قلوبهم فجعلها هواءاً بدون جرأة ولا عزم ،، ختم على آذانهم وسمعهم وأبصارهم غشاوة فلم يسمعوا صوت الحق ،، لم يروا الصواب ،، فضاعوا وضيعوا الآخرين البسطاء وراءهم ،، وسؤالي الكبير المطروح ،، هل نرجى الخير من هؤلاء النوعيات حتى نجعلهم  قادة لنا ...
لقد بلانا الله تعالى بعقيد معقد مجنون أهبل بالوطن شيطان رجيم لديه أفكار هدامة ،، ونظرية هزيلة صرف عليها المليارات من الدينارات من خزينة المجتمع نظير عيش البؤس والحرمان أيام الصغر ،،، وإهانات عدم الأصالة ،، وأنه لقيط بدون أصل ولا فصل ،، فلته نشاز ،، سخرية من سخريات القدر في بعض الأحيان ،، إجتمعت فيه الأديان الثلاثة السماوية حسب مايروجون ،، الأب مسيحي إيطالي والأم يهودية والذي تبناه "أبو منيار" مسلم .
لدينا ضمن المهاجرين بالخارج  عشرات العقداء بل مئات ليبيون أصليون من أب وأم ،، عرب مسلمون  ،،، جميعهم زعماء ،، نظير حب التسلط ،، لا أحد يحب أن يتنازل للآخر تحت أي ظرف بقناعة والعمل يدا واحدة متكاتفين جماعة ،،  بدلاً أن ننتهي من عقيد واحد بالداخل ونستريح منه للأبد ،، نهانا جميعنا بالخارج بدعم من القوى الخفية التي ساندته ودعمته وأوصلته للحكم ،،، وأصبحنا مشردين ،، نلعق في أذيال الخيبة ونتحسر على الماضي بدون رجاء للمستقبل نظير القنوط والتشرذم ،،
قلبي يدمى ،، عندما أشاهد معظم التنظيمات الليبية بالخارج ،، لم تقم على أعمدة سليمة من أول يوم ظهرت للنور ،، البناء هش بدون قواعد ،، جمعتهم الحماسة وحب الوطن ،، ومع مرور الوقت والصعاب ونقص المال ،، وعدم الرضى على الزعماء والقيادات ،، تخلى معظم الجميع ،، وأصبحت التنظيمات أوراقاً هشة وعناوين ضخمة فارغة من أي محتويات  ،، يساوم بها البعض من أجل العيش والحياة ،،
أن قلبي يدمى على هذه الحال ،، حاولت قدر الجهد الإصلاح ،، ناضلت وجاهدت بالمتاح حسب القدرات ،، والله غالب فقد وجدت نفسي وحيداً إلا من البعض القلائل رجال ذوي العزم صامدون لآخر نقطة دم ونفس ،، بالساحة فيهم الخير والرجاء من عدة فصائل وتنظيمات مختلفة يناضلون بشرف ومصداقية ،، مما جعلني أرتاح نفسياً أن الدنيا لا زالت بخير ،، وأن جميع الأوراق الهشة الموجودة الآن بالساحة ،،، مصيرها مع طول الوقت وهبوب رياح فصول الخريف الباردة العاصفة والتغيير سوف تتساقط ،، وكأنها لم يكن لها وجود يوماً ما ،،  مر من عمر المعارضة القصير ،، لنظام القهر والإرهاب ...
مهما كانت الإختلافات والتشرذم والتمزق ،، في نظري حالات طبيعية تحتاج لبعض الوقت حتى تطبخ وتخرج بصور تشرف ،، تطمئن الجميع وتجعلهم يتسابقون على الفداء بالروح والدم للوصول للهدف ،،، لا مجال لليأس تحت أي ظرف كان ،،، لست قانطاً من رحمة الله تعالى ،، لدى الحلم والأمل إننا منتصرون  ،، مؤمن وأعلم أن الفرج قريب مهما طال الوقت والزمن ،، ونهاية النفق ضياء ونور ،، فيارب سترك دنيا وآخرة ،،، أن تهبنا القوة والعزم وطول العمر حتى نصل للوطن منصورين والله الموفق ،،

                                                          رجب المبروك زعطوط
                                                              سنة 1987م

No comments:

Post a Comment