Friday, February 3, 2012

رحلة التحديات ٥

                                    بسم الله الرحمن الرحيم



                                                             رحلة التحديات ( 5 )




                 حطت بنا الطائرة في مطار هيثرو ، لندن ،  وكان الطقس مشمساً مع أن الجو شتاء وبرد ،، وتقدمت الطائرة إلى المعبر ،، وليس مثل إسطنبول بالأمس النزول على السلالم والخوف من الإنزلاق والسقوط والمشي إلى الحافلة في الجو المكفهر ورذاذ الثلج المنهمر ،،، وفتح الباب وخرج الركاب بكل أدب الأول وراء الثاني بإنتظام حتى الآخر إلى الممشى الطويل الدافىء حتى صالات الإستقبال ،، التي كانت مليئة بعشرات المئات من الركاب من جميع أنحاء العالم في الإنتظار للصعود إلى الطائرات والذهاب في رحلاتهم الجوية عبر القارات ،،، وكل شىء يسير بهدوء ونظام مثل عقارب الساعة ،، وسرنا حتى وصلنا إلى المعبر الخاص برحلتنا القادمة على الطائرة الأمريكية ( أمريكان أير لاينز ) إلى مدينة دالاس في ولاية تكساس محطتنا الأخيرة للرحلة ،، ومررنا على نقاط التفتيش مثل السابق ،، وكان رجال وسيدات الأمن مهذبون ويعاملون  الركاب بمنتهى الأدب والأخلاق ،، مما هذه الأمور البسيطة تجعل الراكب يرتاح من حسن المعاملة ويشعر أنه إنسان بشر له إحترام وكيان ،، وليس مثل أوطان العالم الثالث مهان ،، وهذا هو قمة السمو والتحضر ،، نطلب من الله عز وجل أن  ننهض من التخلف والجهل ،، ويوفقنا كشعوب عربية مستقبلاً حتى نصل بالعلم والفهم والديمقراطية لهذه المستويات الراقية  ،، آمين .
بعد إنتظار حوالي الساعتين صعدنا على متن الطائرة العملاقة بوينج 777  وكانت معبأة للآخر ولا يوجد مقعد واحد شاغر حسب علمي ،، ووضعنا حقائب اليد والمعاطف في الرف بالسقف  فوق الرؤوس ،، وربطنا الأحزمة إيذانا بالإنطلاق للرحلة الطويلة عبر المحيط الأطلنطي ،، وبعد فترة من الوقت بسيطة ،، عندما تكامل الركاب أقفلت الأبواب وبدأت المحركات تعمل بهدوء وتحركت الطائرة ببطء وبدأت تسير على الممر حتى وصلت للمدرج للإنطلاق ،، وزأرت وهدرت المحركات الضخمة بالأصوات ،، وتحركت وكل لحظة تزداد سرعة حتى وصلت إلى مستوى الطيران وإنطلقت مثل الصاروخ  بسرعة لأعلى ،، وبدأت تشق عباب الأجواء ،، وبعد دقائق كانت فوق السحاب وغابت لندن وريفها الجميل ذو الخضرة عن الرؤية ،، فسبحان الله العالم الذي علم الإنسان كيف يصنع الطائرات العملاقة الضخمة التي وزنها عشرات الأطنان ،، ويطير بها في الأجواء بسهولة مثل الطيور .
إستمرت الرحلة الطويلة حوالي 11 ساعة ونيف ونحن معلقون بالأجواء ،، وحاولت النوم خلال الوقت ،، ولكن لم أرتاح في الجلسة لضيق المكان ،، وبالأخص الراكب أمامي مباشرة فتح كرسيه للآخر ،، بدون أن يلاحظ الإزعاج لي في الجلسة ،،، وتجاذبت بعض الحديث مع الراكب بجانبي وكان من أفغانستان ويعمل في الدنمرك  في بيع المجوهرات ،، وأنه في سبيل تسليم بعض البضاعة القيمة لأحد الزبائن في تكساس ،، وأعطيته إسمي ورقم الهاتف إذا أحب يوماً أن يأتي إلى ليبيا ففيها سوق كبير للمجوهرات وبالأخص الآتية من أفريقيا في الجيوب خلسة لبيعها في السوق الليبى ،، مما وعد ،، وحاولت مشاهدة بعض الأفلام ولكن لم تكن من النوع الدراما الذي يعجبني ،، وخلال الرحلة قدمت وجبات جيدة من الطعام ،، والشاي والقهوة والمشروبات طوال الوقت تقدم حتى نهاية الرحلة ،، مما أضفت راحة وسعادة للجميع ،، وكل مضي عدة ساعات كنت أقوم إلى الحمام وأتمشى في الممر حتى يجري الدم في الشرايين والعروق حتى لا تحتقن وأصاب بمرض ،،، حتى تم الإعلان بربط الأحزمة إيذانا بالوصول والهبوط على أرض مطار دالاس تكساس ونحن لا ندري... وهبطت الطائرة العملاقة بسهولة على المدرج ولامست عجلاتها الأرض ونحن سعداء فقد وصلنا بالسلامة وعبرنا المحيط العميق بسلاسة من غير أن نحس ،، وكانت فرحة لنا ،، فعن قريب سوف نشاهد أولادنا الأحباء ،، الذين بالنسبة لي مرت عدة شهور من آخر رحلة ،، ولم أشاهدهم .
توقفت الطائرة على المعبر وبدأ الركاب في النزول بسلاسة من غير دف ولا زحمة مثل بنغازي ليبيا ،، وإسطنبول تركيا ،، ومشينا حتى وصلنا إلى نقطة الدخول حيث وقفنا في الإنتظار  حتى أتى الدور لنا ،، وتقدمنا للضابط وحديث قصيرعن الوضع في ليبيا  وبعض الأسئلة ،، ووضع جواز السفر بالواحد على آلة التصوير للتأكد من الهويات وأن كل شىء سليم ،، ثم ختم لنا الجوازات وقال أهلاً وسهلاً إلى الوطن أمريكا  بكل تقدير وإحترام من غير عصبية وعنصرية كما تطبل الأبواق في الإذاعات والمرئيات العربية عن سوء المعاملة للعرب في أمريكا ،، والتي جميعها بطلان وكذب ،، مما كان له الأثر في النفوس  من المعاملة الطيبة ،، مما رفعت نفسياتنا إلى أعلى مستوى ،، وشعرنا بالعزة ،، وأن أمريكا وطننا الثاني ،، وليس مثل أوطان كثيرة من العرب ،، نشعر فيها بالمعاملة السيئة سواء الدخول أو الخروج ،، وبالأخص عند إستعمال جواز السفر العربي ،، وكأننا لسنا بشر محترمون ،، أليست بمأساة ؟؟؟ ،، نعاني منها نحن العرب ،، جهل وتخلف وعنصرية وعصبية وخوف من بعضنا البعض ،،، وعدم الثقة  أول ما تقفز للذهن لأي رجل أمن بالحدود ومراكز ونقط التفتيش ،، وكأننا قادمون لخراب وإفساد الأوطان ،، التي نحن وهي وحدة واحدة جيران ،، وطن واحد يجمعنا الدين واللغة العربية والأخوة والمصير ،، لا سبيل للإنفصام تحت أي ظرف كان ،، ولكن هكذا العقليات المتأخرة التي تحتاج إلى ثورة عارمة ،، ثورة تصحيح أمخاخ وتعليم وفهم ومعرفة وإحترام الإنسان كإنسان ذو كيان ،، حتى يثبت العكس وعندها يتهم ويدان بالحق ،،، والقصاص بالعدل حتى يتعلم بأن لا يخطىْ مرة أخرى ،، لو تعلمنا هذه الأمور وطبقناها تطبيقا سليما عندها وضعنا أرجلنا على الطريق الصحيح للسمو والحضارة والرقي ،، ونستطيع ترجيع أمجاد الجدود الأوائل ضمن الحق والعدل والمساواة والشوري وإحترام الرأي الآخر التي هي الأساس للملك وقيادة الشعوب للأفضل ،، ضمن هذا العصر ،، عصر العولمة الذي كل يوم يتقدم خطوات كبيرة في العلم والإبداع بحيث العالم أصبح صغير ،، وليس مثل السابق .
إستلمنا الحقائب ،، ومررنا على آخر نقطة للجمارك ،، حيث وجدنا سيدة ضابطة حولتنا إلى جهة أخرى للتفتيش كأجراء روتيني ،، حيث أدخلنا حقائبنا ضمن جهاز ،، ومرت بسهولة وسلاسة من غير تعطيل وسمح لنا بالخروج ،، ومررنا عبر آخر باب وأنا أدفع بالعربة ببطء مستنداً عليها يأعياء ،، ولولاها لكنت سقطت على الأرض حيث الرحلة طويلة وعدم الراحة والضغط الجوي لساعات عديدة ،، وعامل السن ،، جميعها مسببات ،، وبالصالة كانت إبنتنا هدى وزوجها عادل في الإنتظار ،، وقامت وسلمت علي بكل الإحترام وتصافحت مع نسيبي عادل ،، وقفزت على أمها تعانق ،، وهى وعادل فرحى مسرورين يحمدون لنا بسلامة الوصول الى مدينة دالاس تكساس ،،
كانت لحظات مؤثرة وسلامات وتحيات وأسئلة عديدة عن أحوال بقية الأسرة والحفيدين آدم ،، ويوسف ،، وعن كل المعارف والأصدقاء الموجودين في أمريكا ،، وعن بقية الأهل والمعارف الذين تركناهم في ليبيا ،، وركبنا السيارة  بعد أن تأكدت من الحقائب إنها بالمؤخرة ،، وكانت الساعة حسب التوقيت المحلي حوالي الساعة السابعة مساءا والطقس معتدل ،،  ومررنا على بيت إبنتي أميمة  لمشاهدة الحفيد يوسف ،، حيث كان في طريقنا إلى البيت في منطقة سالينا حيث نقيم ،، وكانت إبنتي أميرة المتزوجة من بدر شيفر والمقيمة في مدينة أورلاندو ،، ولاية فلوريدا  ،، قادمة من هناك  لإستقبالنا وفي ضيافة أختها أميمة وإجتمع الشمل مع البنات ،، وكان الحفيد يوسف يصرخ فقد تأخر عن ميعاد النوم لإستقبالنا ،، وشعر بالخوف عندما دخلنا فجأة وأحطنا به وهو متعود على الهدوء التام مما أنهينا الزيارة لمرة أخرى حيث كنا متعبون ،، ومازال مشوارنا للبيت يبعد حوالي نصف الساعة بالسيارة ،، فمدينة دالاس مساحتها كبيرة جدا وموزعة إلى عشرات المدن الصغيرة بداخلها وكأنها أحياء كبيرة ،، والسير بالسيارة مسافة ساعة  على الطرق السريعة والجسور المعلقة لتفادي الزحام حوالى 80 كم يعتبر مشوار بسيط داخلها .
 وأثناء الطريق مررنا على سوق ( وال مارت ) حيث نزلت الحاجة طالبا منها شراء دواء لطرد البلغم فأثناء الرحلة زاد عن الحد ،، وغابت دقائق وأحضرت الدواء ،، وتناولت قرصاً في الحال ،، وأخيراً وصلنا إلى البيت في المزرعة القائمة في أطراف المدينة ،، مدينة سالينا ،،  حيث كان إبننا المبروك فى الإنتظار مع الحفيد آدم الذي كان يقفز فرحاً مسروراً بوصولنا ،، ولم ننزل من السيارة حتى تأكدنا أن الكلاب ليست شرسة ،، مربوطة بالسلاسل حيث كبرت في شهور غيابنا وممكن نسيتنا وتهجم وتعضنا ،، وعناق مع الحفيد آدم ،، والمصافحة من المبروك مهنئا لنا بسلامة الوصول ،،
دخلت إلى حجرة نومي الخاصة وغيرت ملابسي ،، وسهرت بعض الوقت مع العائلة ولم أستطع المقاومة فقد شعرت بضيق كبير في التنفس ،، وإنسحبت لغرفة النوم محاولاً عدم لفت إنتباههم ونظرهم لحالتي البائسة حتى لا أزعجهم ،، وتمددت على السرير وأنا بالكاد أتنفس محاولاً سحب الهواء لصدري ،، وأتشهد فممكن تكون نهايتي قريبة فقد وصلت إلى داري وبيتي وبجانبي 2 من الأولاد الأربعة وبناتي الثلاث ،، ودخلت الحاجة وشاهدت حالتي وإرتعبت ،، وأصرت بأن نذهب إلى غرفة الطوارىء بالمستشفى،، ولكن رفضت بإصرار أنها حالة عرضية وتعب وإنهاك السفروالإرهاق  ،، وفارق التوقيت 8 ساعات متأخرة عن ليبيا ،، والمرض السابق وعوامل السن ،، وجميع هذه المسميات هي التي جعلتني في هذا الحال المزري ،، ووعدتها إننى أعرف حالتي ،، وإذا زادت سوف نذهب للمستشفي ،، مما خرجت مرغمة ،، وبين الفينة وأخرى تأتي لتطمئن حتى غفوت ،، وإستمرت الحالة طوال الليل بدون تحسن ،، وعند الضحى قمت من السرير وحمام دافىء مما إستعدت بعض النشاط ،، ولكن مازال ضيق التنفس ،، وجاءت بناتي أميرة ،، وأميمة وحفيدي يوسف ،، ثم جاء الزوج يوسف ، وكانت هدى وزوجها عادل قضوا الليل معنا في البيت ،، مما قضينا وقت عائلي جميل ،، وذهبت البنات عند المغرب حيث غدا يوم عمل ،،
العافية  في تحسن ،، وجاء إبني علي للزيارة بعض الوقت ،،، وتمت الإتصالات الهاتفية لعمل ميعاد مع الدكتور الجراح ،، حيث كان مشغولاً جداً ،، وبصعوبة تحصلت على ميعاد يوم الإثنين القادم للمعايدة والله غالب ،، فلا أريد أن أذهب إلى غرفة الطوارىء .
أن هذه الرحلة قصصتها خطوة بخطوة بجميع التفاصيل والمعلومات ،، لأعطى فكرة عامة عن أشياء عديدة جيدة حسنة ورديئة ،، وليعرف الباحث المجد من بين السطور ،،، الأوضاع في ليبيا وحالة الشعب ،، وكيف تسير الأمور للأحسن وللأفضل ،، وعن الجهل وعدم الوعي ،، وعن الطابور الخامس والطحالب الذين مازالوا يحلمون بالثأر والرجوع وحكم الوطن من جديد ،، وعن المعاناة التي بلا عدد ،، وضياع الأموال هدر ،، وعن الفرق بين التخلف والتحضر في قالب قصة رحلة .
وهذه الرحلة الخامسة إلى أمريكا وعبر دول عديدة خلال سنة من الوقت ،، إبتدأت من يوم الثورة ٢٠١١/٢/١٧م  حيث قمت بزيارات عديدة لمسؤولين في عدة بلدان ،، لشحذ الهمم وتأييد الثورة ومناصرتها في سرية وليس في العلن كما يحب البعض المباهاة والمغالون بأدوار بسيطة حباً في الشهرة والذين وصلوا لكراسي الحكم ودخول المجالس ،، كنت أنا مع غيري من الجنود المجهولين الذين دعمنا بكل القوة الثورة المجيدة ،، عن طريق العلاقات الشخصية نتيجة عقود طويلة من الجهاد والكفاح والصبر والتي بدأت بأمريكا ،، حتى تحصلنا على حصار الصنم وحربه والموافقة والإعتراف بالمجلس الوطني الإنتقالي ،، وقد أبلغت شخصياً السيد مصطفى عبدالجليل ،، رئيس المجلس الإنتقالي المؤقت ،، صديقي بالإعتراف قبل أن يعلم به المجلس وينشر في قناة الجزيرة بعشرة أيام .
إنني بنشري هذه المعلومات  ،، لا أبحث عن دور ،، وأعلم عن يقين أن مسؤولين ومعارضين كثيرين مازالوا أحياء يرزقون يعلمون بما قمنا... وبودي القول أن الكثيرين من رجال ونساء ليبيا ،، بالداخل والخارج ،، أبطال في الخفاء ووراء الستار هم الذين كان لهم الفضل في دعم الثورة ونجاحها ،، فقد وضعنا بصماتنا في تاريخ ليبيا الحقيقي عن حق وعمل وجهد ،، وليس المزور ،، ويوماً سوف تفتح الملفات ويظهر الحق مهما طال الوقت ،، فقد زرعنا البذور للثورة  أيام المعارضة في الثمانينات ،، ورويناها بالعرق والجهد والمال ،، والبعد عن الأحبة والأهل بالوطن  ،،، والمطاردات والنجاة من الإغتيالات العديدة ،،، والمنع من السفر للخارج 7 سنوات ،،، والسجن فترات عديدة قصيرة طوال 32 عاما من التحدي للصنم ،، والحمد لله عز وجل أطال لنا العمر وشاهدنا الحصاد بيد الشباب الأسود  ،، وسقوط وتحطم الصنم للأبد ،،
وأنا شخصياً ،، لا أريد الشكر ولا المزايدة ولا أي منصب ،، أريد مشاهدة الديمقراطية الصادقة تسود في ليبيا بالحق والعلم ،،، فعملي حسب جهدي وقدراتي خالص لوجه الله عز وجل ،، وولائي وحبي لليبيا الوطن ليس له معايير ولا حد ،، فهي أمي وأنا إبنها البار ،، أفديها بالروح والدم ،، طالما بي نفس بالحياة ،، والله الموفق .

                                                                   رجب المبروك زعطوط

                                                               سالينا ،، الجمعة ٢٠١٢/٢/٣م
                         

No comments:

Post a Comment