Thursday, February 2, 2012

رحلة التحديات ٤



                                             بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
                                               رحلة التحديات ( 4 )
 
 
                       دخلنا إلى صالة العبور بعد أن مررت خارج الجهاز اليكتروني للتفتيش عن أي مواد  مشبوهة تستعمل كسلاح على متن الطائرة ،،  حيث مزروع بصدري جهاز لتنظيم النبض وتنشيط القلب في حالة الهبوط المفاجىء ،، ولا يتحمل المرور عبر البوابة ذات الشعاع حيث يخشى أن تتسبب الذبذبات لي في  صدمة وأقع صريعاً نتيجة التسرع والخطأ والجهل ،، أنا في غنى عن مصائبها ،، وطلب مني الوقوف بعدها رافع الأيدي لأعلى ،، وجاء أحد حراس الأمن ،، للتفتيش وقام بتمرير يديه المدربة على جميع أجزاء الجسم  بسرعة ليتاكد أنني نظيف ولا أريد  التحايل ، وأنا أبتسم قائلا لرجل الأمن ( خذ راحتك  ) فهذا واجبك ،، وداخل النفس أنا سعيد ومبسوط من مثل هذه الإجراءات  الأمنية التي تبدو أنها معقدة وصعبة لأول وهلة وفيها إحراج في بعض الأحيان ،، وفي كثير من الأحيان عند السفر بالمطارات العديدة في العالم  ،، لقد تعودت أن  أقف وأرفع يدي لأعلى وأترك رجال الأمن يفتشونني باليد بدقة ،، وأهدأ وأرضى لأسباب عديدة أولها المرض بداء القلب ،، طالبا من الله عز وجل  ،، أن  يحفظ الجميع من المرض  ،، وثانياً إجراءات السلامة مهمة جداً وبالأخص لركاب الطائرات من الإرهاب والخطف أو التفجير ،، وثالثاً ،، عدم التجاوزات والفحص الدقيق للمسافرين تجعل الراكب يشعر بالأمان والطمأنينة طوال ساعلت السفر ،، ولا يوسوس عقله ويجعله خائفاً مرتعباً في كل لحظة حتى الوصول لآخر الرحلة وهو منهك الفكروالعقل  من حدوث أي شىء خطأ .
المهم مرت الإجراءات  بسلام ودخلنا صالة  الترانزيت وكانت شبه ممتلئة بالركاب المسافرين ،، وتحصلنا على كرسيين حيث جلست وأنا فرح جذل أنني لم أتعطل نظير إنتهاء  صلاحية جواز السفر والذي دائما أنا حريص في مثل هذه الأمور فقد جبت حول العالم مرات عديدة ،، وزرت أكثر من 50 دولة طوال نصف قرن مضى  ،، وإستعملت العديد من جوازات السفر المختلفة  ،، ولم يحدث لي من قبل أن أخطأت في تواريخ الصلاحيات لأي جواز ،، فكيف حدث هذا الأمر ،، وأنا الخبير في السفر والترحال عبر القارات ؟؟ وإرتاحت النفس عندما تذكرت أن لكل إنسان هفوة  ،، و لكل جواد كبوة مما أطمأنت للأمر ،، وشكرت الله عزوجل على أن الأمر مر بالتوفيق ولم أتعطل ،، وسوف آخذ مستقبلا عبرة من أن لا أنسى ... فلن تسلم الجرة طوال الوقت من الكسر ،، وأنا لست بحاجة للتعطيل وضياع الوقت في أخطاء بسيطة ،، عواقبها مريرة .
تعرفت الحاجة بسيدة تبدو عليها الرصانة وفي رفقتها إبنتيها  الشابات ،، وكانت في الأصل من درنة من آل العمامي ،، وتعيش في بنغازي ،، وكانت متعلمة فاهمة ذات حشمة وأدب وقد عرفت من خلال الحديث أنها قضت بعض سنوات العمر مع زوجها في عدة دول أوروبية أيام الهجرة والغربة ،، هربا من زبانية الصنم ،، وبعد إنتظار أكثر من ساعة فتح الباب للركاب ونهضت مثل الجميع ووقفت في الطابور وعندما حان الدور رجع البعض وإستغربت الأمر ،، وأخيراً عرفت الأمر ،، حيث كانت الرحلة إلى القاهرة وليست إلى إسطنبول ،، وقلت غاضباً ،، لم نسمع أي ميكروفون أو نداء ،، ورد أحد العاملين بالشركة  لا تزعل ياحاج  ،، فالجهاز به بعض الخلل وسوف يعمل خلال دقائق ،، ورضيت بالأمر ،، وإبتسمت من الغيظ وقلت في سري لنفسي ،، كان الله عز وجل في عون الوطن ،، مواضيع بسيطة تافهة ،، تربك الجميع لقاء أخطاء البعض والكسل من بعض العاملين ،، وعدم الصيانة والمراجعة ،، وفي نفس الوقت سعيد ومسرور فبثورتنا المجيدة والنصر الكبير ولدنا من جديد ،، وعلينا بالصبر فنحن مازلنا في فترة حرب ،، لم تنتهي بعد ،، طالما بعض الرؤوس من العائلة وحوارييها والطحالب مازالت حية ترزق قائمة ،، ولديها الأموال بأرقام فلكية ،، مازالت تحلم بأن تأخذ بالثأر وتستولى على السلطة من جديد ،، وتحكم الوطن ،، ونسوا وتناسوا أن الشعب الليبي عملاق قوي شباب  ،،، نهض من النوم ،، ولن يرجع إلى السبات  ببساطة تحت أي ظرف ،، وسوف يسحق الطحالب بسهولة ،،، ولن يحكم الوطن من أشباه رجال عديمي الأصل والفصل مرة أخرى بسهولة ،، فالآن تغيرت الصورة ،، والعصر عصر العولمة ،، ولا مجال للطغاة ،، فالديمقراطية والعلم والحوار والعدل والمساواة ،، ضمن الدين الحنيف والأخلاق الحميدة هي الأساسات السليمة لأي حكم سليم .
أخيراً سمعنا النداء عبر الميكروفون أن نستعد للسفر وفتح الباب وبدأ الركاب يمرون حتى وصل الدور لنا ،، وقدمت بطاقة الصعود المختومة وجواز السفر الأمريكي مفتوحاً على ختم الخروج ،، وأنا أتوقع أن ينتبه الشرطي أن جواز السفر لا يحمل تأشيرة فيزا دخول من أحدى قنصلياتنا بالخارج ويحدث أي تعطيل ،، ولكن تطلع الحارس لهما وسمح لي بالمرور بسرعة ،، وركبت للحافلة وأنا غير مصدق ،، وحمدت الله عزوجل على الحظ ،، ولو حدث هذا الأمر خلال العهد السابق لن أسافر  ،، بل أمنع فوراً حتى يتم التجديد ،، ووقفت الحافلة أمام سلم صعود الطائرة ،، والتأكد مرة ثانية من بطاقة الصعود المختومة وأخذ قسيمة منها ،، وصعدت السلم إلى داخل الطائرة حتى مقاعدنا المحجوزة ،، وبعد أن تكامل عدد الركاب ،، أقفل الباب ،، وزأرت المحركات الضخمة بقوة ،، وسارت وتهادت على أرض المطار كالطاووس وكل لحظة تزداد سرعة ،، وصعدت إلى الجو وهي تشق عباب السحاب في دقائق ،، وأنا أشاهد من خلال النافذة  كيف الأرض زاهية مخضرة تلمع والبرك العديدة من هطول الأمطار تسطع  ،، وحمدت الله عز وجل على النصر وهطول الأمطار بغزارة  مما طهرت الأرض والجو من رجس الشياطيين من أنس وجان العهد السابق ،،، والصنم المقبور مضى إلى غير رجعة من على كاهل الوطن ،، وتطلعت في بعض وجوه الركاب وكانوا سعداء فرحين ومعظمهم شاهدت شفاههم  تتمتم  يسبحون  يتلون في آيات القرآن الكريم  وبعض الأدعية بأن يرعانا الكريم الله عز وجل حتى نصل بسلام إلى إسطنبول .
كانت رحلة مريحة حوالي الساعتين والنصف ،، ووصلنا إلى المطار حيث جميع المنطقة  بيضاء إلى آخر البصر مغطاة بالثلوج ،، وهبطت الطائرة على المدرج تتهادى في سلام ،، وأنا خائف من الإنزلاق نظير السرعة العالية حتى توقفت في إنتظار أن يسمح لها أي معبر لتقف ،، وعندها وقف معظم الركاب يتزاحمون للخروج والطائرة لم تتوقف بعد ،، وزئير المحركات مازالت تدور ،، وإستمر الأمر دقائق وتم الطلب عبر الميكرفون بأن يجلس الركاب مما فعل الجميع وتهادت الطائرة حتى وصلت للمكان المحدد وتوقفت ،، ونفس القصة تكررت وتعطلوا في فتح الباب ،، فقد كان رذاذ الثلج ينهمر ،، وظهر من منتصف الطائرة أحد الأغبياء حامل في يده طفلة صغيرة ووراءه زوجته تحمل في يديها أكياس كبيرة ،، وهو يحاول شق الصفوف بدون أي مبرر ،، لا يريد الإنتظار حتى يفتح الباب ولا يتكلم أي لغة حتى يفهمه الركاب الآخرون ،، والركاب ممتعضون وحاولوا إفهامه أن الباب لم يفتح بعد ولا يستطيع المرور ،، ولكن كيف لجاهل أن يفهم ،، ووصل لجانبي ولم أنبس بأية ملاحظة ،، وتزحزحت قليلاً في الممر الضيق وفسحت له المجال للمرور حتى أشاهد المسرحية كيف تمضي ،، فلا أريد أن أبدأ بالمشاكل فهذا المعتوه مازال يعيش في عالم الفوضى عالم الصنم المقبور ،، يعتقد أن المرور والوصول إلى المقدمة شطارة ونصر ،، ولم يعلم أن الجميع ينظرون له بغرابة وعلامات التهكم ،، ولكن أحد الركاب الأتراك لم يتزحزح من مكانه ولم يهتم به مما زاد الغضب وتوقعت أن يبدأ العراك ،، ولكن إستسلم الغبي وهو يتمتم ووقف ولم يتحرك حتى أخيراً فتح الباب وبدأ الركاب في الهبوط   على السلم حيث الحافلة تنتظر وقلت لنفسي لماذا المهانة للركاب وممكن أي أحد من كبار السن أن يتزحلق ويسقط ،، لماذا لم تقف الطائرة على المعبر ورأسا للصالات الدافئة ،، ولكن نحن من دول العالم الثالث ،،  مازلنا متأخرين لا قيمة للبشر ..
نزلت على السلم بكل الحذر ،، ومشيت خطوات عديدة وأنا خائف من الإنزلاق والسقوط  لأن الأرض مغطاة بالثلج الخفيف حتى وصلت للحافلة ،، ودخل المعتوه ووراءه زوجته ،، وتطلعت لهم بعيون فاحصة متسائلا ماذا يعملون في تركيا والوقت شتاء وبرد قاسي ،، ولم يلبسوا ملابس دافئة ،، وتبادلت الزوجة مع الحاجة بعض الحديث مما عرفت أنهم قادمون للمراجعة الطبية على حساب الدولة ،، ومشاهدة أحد أقربائهم من الثوار الجرحى ،،، وقلت لنفسي كان الله عز وجل فى عون الطفلة البريئة  من هاذين الوالدين الجاهلين ،، الذين يتحركون بدون معرفة ولا فهم ،، وبالصالة لختم جوازات السفر والدخول حدثت نفس القصة وتقدم بكل برود أعصاب ولم يهتم بصفوف الركاب المئات من جميع أنحاء العالم وهم في الطابور ينتظرون الواحد وراء الآخر ،، وشق الصفوف ببلادة حتى وصل الأول ،، وعطل الجميع ،، وهم ينظرون بشذر لهذا الغبي ،، وقلت لنفسي لماذا الزعل ؟؟ فالخطأ ليس منه ولكن البيئة التي عاش فيها هي الأساس ،، فهذا الإنسان جاهل يحتاج إلى تعليم وترويض حتى يفهم الأصول ،، وشعرت بالخجل من تصرفاته الغبية ،، فآخر الأمر مواطن ليبي مهما كانت صفته يهمني أمره ولا أريد و لا أرغب أن أراه في هذه الصورة الشنيعة ،، والجميع يتأففون منه ،، وكيف أننا متأخرون وجاهلون ،، وقلت لنفسي مواسيا ،، نوعية هذا المواطن نتيجة ممارسات الصنم الجاهل وعدم التوعية السليمة ولا يمكن الحكم على الجميع من خلال أخطاء البعض ،، وعملت مقارنة وكم كان الفرق كبيراً بين السيدة من آل العمامي وبناتها حيث متحضرة وبين هذا الجاهل الدعي  ،، ولم أهتم به وأخذنا حقائبنا على أحدى العربات ومضينا إلى باب الخروج ،، وفي المنتصف شاهدت 3 أشخاص من الركاب حيارى لا يعرفون كيف يتصرفون يسألون أين المصرف لتغيير العملة ،، مما الحاجة  شاورت لهم على المكتب وكان  وراؤهم بعدة خطوات ،، وكان الكثير من الركاب الليبيين يرتدون ملابس خفيفة مع أنه  وقت شتاء وأمطار في ليبيا ،، ولكن ليس بقسوة وبرد إسطنبول ،، وقلت  لنفسي كان الله في عون الجميع ،، فلم يجدوا أناساً  صادقين ،، يشرحون لهم الطقس وكيف التصرف عند الوصول .
خارج المطار حاولت الحاجة الحصول على حافلة الفندق الذي لدينا به حجز منذ عدة أيام عن طريق الإنترنت ،،، ليقلنا إلى هناك ولكن قلت لها بأن نأخذ عربة أجرة بدلاً من الإنتظار في البرد القارص حتى وصول الحافلة ،، وأوقفت عربة أجرة ووضع السائق الحقائب بالخلف وأدار المحرك وطلب العنوان ،، وعندما عرف العنوان إمتعض لأن المشوار بسيط عدة كيلومترات خارج حيز ونطاق المطار ،، وأفهمته بأن لا يزعل وسوف أضاعف أجرة المشوار ،، مما إبتسم من حسن المعاملة ،، وبدأ السير حتى وصلنا في خلال 10 دقائق إلى الفندق الفخم وأسمه ( واو إسطنبول ) حيث لنا حجز به ... وخلال دقائق كنا بداخل الغرفة الدافئة مرتاحين ،، وتم إتصال هاتفي مع أبني مصطفى الذي كان بمطار طرابلس ينتظر في الصعود للطائرة آتيا إلى إسطنبول ثم ترانزيت عدة ساعات وبعدها عبر ألمانيا إلى العاصمة الأمريكية ، واشنطن .
العشاء الفخم في مطعم الفندق ،، فلسنا بحاجة للذهاب إلى وسط  المدينة في هذا الجو البارد المكفهر والثلوج المتساقطة مثل القطن  ،، وضياع الوقت في عربات الأجرة من ذهاب ووصول ،، وليس لنا الوقت الكافي للزيارة والسياحة فعند الفجر سوف نسافر ،، وحاولنا الإتصال بمصطفى ولكن كان في الجو ،، ثم السهرة في الغرفة ومشاهدة الإذاعة المرئية لأحد الأفلام ،، وبعد منتصف الليل رن الهاتف وكان مصطفى يخابر من مطار إسطنبول ،، وبيننا وبينه عدة كيلومترات ،،  وأعتذر بعدم المجىء لنا ،، لأن الوقت متأخر ورحلته الجوية إلى فرانكفورت ألمانيا باق عليها عدة ساعات وليس له الوقت الكافي لزيارتنا ،، مما تمنينا له رحلة موفقة ،، على أمل اللقاء عن قريب .
بعد صلاة الفجر ،، جهزنا الحقائب وأنزلناها إلى الدور الأرضي بجانب موظف الإستقبال في ذمة الساعي ،، وذهبنا إلى الدور الأول حيث الفطور الدسم مما لذ وطاب ،، بوفيه تأخذ منه ماتشاء ،،  وبعدها تم الدفع للغرفة وطلب عربة أجرة لتوصلنا إلى المطار ،، وكان الطقس بارد والثلج يهطل بالرذاذ مما ركبنا بسرعة حتى لا تبلل ثيابنا ونمرض ،، ووصلنا إلى المدخل ومررنا على الإجراءات الأمنية بنفس القصة السابقة من التفتيش ،، والساعة الثامنة صعدنا على متن  الطائرة البريطانية ( خطوط بريتش أير ويز ) في الطريق إلى لندن وكانت رحلة جوية مريحة حوالي 4 ساعات حتى وصلنا إلى مطار هيثرو ،، وتوقفت الطائرة بعض الوقت على المدرج في إنتظار فتح الأبواب ،، ولاحظت أنه لم يقف أي أحد من الركاب مثل ماحدث في مطار إسطنبول بالأمس ،، وتساءلت مندهشاً،، وردت علي زوجتي ببساطة وقالت هنا الفرق في التوعية والحضارة والفهم والأدب ،، عن الجهل والتأخر بالأمس ؟؟  والله الموفق .
 
                                                رجب المبروك زعطوط
 
                                            سالينا – تكساس ٢٠١٢/٢/٣ م

 
البقية فى المدونة القادمة ،،،
 
 

No comments:

Post a Comment