Thursday, November 29, 2012

شاهد على العصر 41



                               بسم الله الرحمن الرحيم 

                                  شاهد على العصر 

                                        41 

      ذهل الحاج يوسف من الإستقبال الجيد وكيف كانت الرحلة منذ البدايات ميسرة وسارة وتغلبنا على جميع الصعاب بسهولة حيث الله عز وجل فتح جميع الأبواب الصعبة حتى تمكنا من إجتيازها ، وكان الرجل الرفيق له أحاسيس بالفطرة وشعرت كم هو طيب ليس به أي نوع من أنواع الخبث وقلما الإنسان في الحياة العملية يتعرف بنوعيات مثل هذا الإنسان الصادق الطيب الذي لم يلوث بعد بصخب الحياة ورفاق السوء .

لم يكن لدينا مطوف حتى نقيم في معسكره في جبل عرفات وتوكلنا على الله تعالى وسرنا المسافة من مكة المكرمة حتى الجبل سيرا على الأقدام حتى أرهقنا من التعب فقد كان الطقس قائظاً في الليل من كثرة الأنوار وكأننا بالنهار ، وهناك شاهدت عربة حافلة كبيرة معطلة خردة مرمية تحت أحد الجسور العالية ، وقلت للحاج يوسف هذا فندقنا وسوف نقيم هنا مثل بقية الحجاج الفقراء …
أعرف المنطقة جيدا في حالة الضياع ، إذا حدث أي شئ لأي ظرف غير متوقع وإفترقنا ،  هنا نقطة اللقاء ، وقال أنه يريد أن  يشتري بعض الطعام  حيث نحن جياع ، وأعطيته بعض المال للشراء ، وقلت له لا تكثر فلن نستطيع الحمل في الزحام… أحضر تمرا ولبنا وماءا فقط لأن الصعوبة أيامها في قلة المراحيض في حالة الإنسان يريد بسرعة أن يذهب للحمام عليه الإنتظار فترات طويلة  حتى يتحصل على دوره ليقضي حاجته ويرتاح .

ذهب الحاج يوسف للشراء وبدأت أتطلع إلى عشرات الآلاف من الخيام وكلها تتشابه وكأنها طلبية من مصنع واحد في اللون الأبيض  وعرفت السر حيث اللون الفاتح الأبيض أو الأصفر الخفيف " الكاكي "  يعكس حرارة الشمس ولا تسخن الخيام بسرعة من الوهج المستمر طوال الوقت ليل نهار .

بينما كنت أتطلع حوالي لأعرف في أي إتجاه أسير ، فجأة حدثت المعجزة وتلاقيت بالصدفة مع الحاج فرج بوزيد وجها لوجه حيث الأمر غير متوقع وليس في الحسبان وصعب التعرف على أي حاج حيث الجميع باللباس الأبيض  يتمنطقون بلباس الإحرام. 

بعد السلام والتحية ، سألني الحاج أين أسكن ؟ وقلت له على باب الكريم ، ليس لدينا مطوف فقد وصلنا بالأمس إلى الأراضي المقدسة مما تهلل وجهه بالبشر وقال نحن نسكن هنا قريبا من هذا المكان مع الجماعة … وأهلاً وسهلاً تعال معنا وقلت له معي رفيق اخر ، وقال البيت يسع الجميع اهلا وسهلا ، وانتظرنا معا حتى وصل يوسف وعرفتهما على بعض ، وذهبنا معه إلى حيث يسكنون  لنقيم مع الجماعة .

كانت الفرحة والسعادة باللقاء فقد كان بالخيمة الواسعة مجموعة كبيرة متكونة من عدة عائلات من درنة أذكر منهم الحاج محمود رافع وإبنه ،  والحاج عثمان بوراشد وأمه ، وأختها التي كانت على ما أعتقد أرملة المرحوم حسن صداقة ، والحاج محمد بوزيد وزوجته وبناته وأحد أبنائه الكبار ، وعائلة الحاج فرج بوزيد ، والحاج صالح التاوسكي ، وقضينا معهم أجمل الأيام و منها  يوم وقفة عرفات المهمة للحج ومن غيرها لا يعتبر الإنسان حاجا لأنها هي الأساس في الحج وزيارة الأراضي المقدسة

بعدها قضينا الأيام الثلاثة في " منى " حيث الفرحة والهناء ورجم الشيطان الرجيم إبليس اللعين ، عليه اللعنة إلى يوم الدين وحدثت نوادر خلال الأيام الأربعة التي قضيناها معا فى الخيمة ، فقد رتبت الأمور بحيث  الرجال كبار السن يرتاحون ونحن الشباب نقوم بجميع الخدمات من إحضار الطعام الناشف والمياه وأهم شئ ألواح الثلج وقتها لتبريد المياه ، وتقوم النساء بتجهيز الطعام .

كان لدى الحاج يوسف  قميص فضفاض ذو خطوط كبيرة عريضة ذات لون أبيض والآخر أخضر وعندما يتسخ يلبس آخر ويغسله ويضعه على حبال الخيمة بالخارج ليجف في خلال وقت بسيط  ويلبسه من جديد بحيث معروف به وهو الوحيد الذي لديه هذا النوع ،  وكنت بالخارج أحضر ألواح الثلج  ودخلت إلى الخيمة المظلمة نوعا ما ، وكان الحاج منا عندما يدخل يحتاج إلى عدة لحظات حتى يهتدي ويعرف من أمامه! 
ودخلت حاملاً لوح الثلج الكبير ويداي تكاد تتجمد من الصقيع ووضعته بالآنية ليبرد الماء وتطلعت لجانبي ووجدت الحاج يوسف منحنيا يربط  أشياء وأمامه فراش من البلاستيك وبكل بساطة خبطته بقوة على أكتافه ، ضربة مزاح من أجل التسلية وقلت ياحاج يوسف من أجل المداعبة والمزاح خذ هذه الضربة ، مما سقط على فراش البلاستيك والجميع يضحك من الموقف … وفوجئت أن الذي سقط الحاج العجوز محمود رافع وهو يقول لست أنا بيوسف !  وقلت له ياحاج سامحني لا أقصدك أنت ! وقال مسامح … ولكن أنت لابس قميص يوسف وقال مددت يدي خارج الخيمة لأتناول قميصي المعلق وأخطات فيه ولبست قميص الحاج يوسف بدلاً عنه ، مما ضحك الجميع من الموقف .

الطرفة الثانية الحاجة أم صديقي وأخي عثمان بوراشد كانت رغبتها الشديدة أن ترجم الشيطان مباشرة وليس من بعيد  ، وكان المكان ضيقاً في منتصف السبعينات والزحام شديد وسعيد الحظ من يصل إلى الحافة للحوض ويرجم مباشرة ، وطلبت من إبنها عثمان الذي رفض  حيث  كان خائفا عليها من الزحام الشديد والضغط الرهيب الذي  ممكن أن يحدث لها  مضاعفات وتختنق أو تسقط وعندها النجاة صعبة من الدوس من عشرات الآلاف من البشر الذين مثل الفيضان المدمر  يجتاح أي شئ أمامه .

وجدتها غاضبة لأنني سمعت الحوار وتدخلت في الموضوع وقلت لها لا تغضبي ،  غداً بإذن الله تعالى  أنا والحاج يوسف سوف نتعاون ونوصلك وتواجهين الشيطان وترجمينه مباشرة في الوجه مما  إرتاحت  من العرض وإطمأنت .

في اليوم الثاني عند الظهر حيث الشمس عالية يخف الزحام نوعا ما حيث معظم الجميع يرجمون الشيطان وقت الصبح أو بين العصر وقبل المغرب حيث الطراوة نوعا ما ، أما من الساعة الحادية عشرة حتى الثالثة عز الحر ، كان معظم الذين يطوفون حجاجاً من أفريقيا حيث متعودون على الحرارة ولا تفرق معهم ولكن في هذه الأوقات عندما يصاب الحاج بوكزة في أي لحظة عليه أن يتحمل الألم حيث الوكزات صعبة لأنهم ذوي صحة وقوة خاصة .


المهم وقتها كنا في عز الشباب وساعدني الحاج يوسف ووضعنا الحاجة بيننا وجاهدنا بها وهي سعيدة حتى وصلنا إلى حافة الحوض في مواجهة مع الشيطان ، ورمت الجمرات مباشرة وهي سعيدة فرحة أنها حققت أمنيتها ، اما بالنسبة لي فقد كنت طويلا وأصابتني عشرات حبات الحصايات حيث الذين ضعاف وبالصفوف الأخيرة ليست لهم قوة الذراع حتى تصل أحجارهم إلى الشيطان "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " وكأننا نحن المستهدفون!  ولكن الرب الخالق يعرف وعالم بالأمر .

رجعت الحاجة إلى الخيمة وهي فرحة سعيدة حيث حققت أمنيتها ، وقالت ماذا تريدون من شكر وتقدير وقلنا لها أن تعمل لنا أكلة لذيذة  " قصعة رز " من باب التسلية وقالت أنا جاهزة وقلنا لها يا حاجة بإذن الله تعالى مؤجلة حتى نصل إلى ديارنا في درنة الحبيبة وقالت موافقة!  وفعلا عندما وصلنا إلى درنة بعدها بفترة كانت تبعث لنا في بعض الأحيان دعوات  لنأتي إلى البيت كضيوف حتى توفي بوعدها ونظير المشاغل لم نتحصل على الوقت ، وأصبح الموضوع نادرة وإحراجا لأبنائها السيد عاشور وعثمان حيث كنت طوال الوقت أقول لهم عليكم دينا مستحق على أمكم الحاجة ،عليكم تسديده في بعض المواقف الحرجة حتى أجذب أنظار البعض ويتساءلون  ماقيمة المبلغ المطلوب!  وهل الدين مبلغ مالي كبير ، والواقع " قصعة رز " لا تساوي أي شئ كبير وإنما من باب التسلية والمزاح الثقيل ، مع العلم أنني تناولت الطعام في بيوتهم عشرات المرات حيث تربطنا صلات دم وأخوة وصداقة عميقة نحن الشباب ،  وجيران العمر في حي " بومنصور "  مع بعض بين العائلات قبل ان نولد ونظهر للحياة 

رجعنا إلى مكة المكرمة بعد أن قضينا أربعة أيام في إقامة ورفقة مع المجموعة في رحاب " جبل عرفات "  حيث حضرنا أهم مناسك الحج وهو "الوقفة " ،  وأيام العيد في " منى " ورجم الشيطان الرجيم ، وقمنا بالطواف الأخير الوداع للكعبة وأصبحنا بقدرة الله عز وجل نستحق لقب حجاج ، وودعنا الجميع ، وأجرت عربة أجرة خاصة إلى المدينة المنورة ، لزيارة قبر الرسول  وأصحابه ، وعندما وصلنا أقمنا في فندق "الرحاب" وقتها قريبا من الحرم النبوي حيث كنا معظم الوقت نؤدي  الصلوات الخمس بالمسجد حيث أقمنا ثمانية أيام .

كنت تقريبا كل يوم أتابع بالهاتف ماذا يحدث في مدينة درنة من أخبار ومتابعا أعمالي بالمكتب وسمعت الأخبار الحزينة أن المهندس العجوز إبراهيم بيتنجانه قد توفي وإنتقل لرحمة الله تعالى ، وقررت في طريق الرجوع المرور على مدينة دمشق سوريا والتعزية في المرحوم  حيث كان شريكا وبيننا وفاء وطعام وماء وملح ، وفرصة طالما أنا قريب من دمشق حتى لا أرجع إلى ليبيا  وأضطر للرجوع مرة اخرى وسألت الرأي لرفيقي الحاج يوسف وأبدي إستعداده في الحضور وعدم الرفض .

تحصلنا بصعوبة على تذاكر العودة إلى دمشق في إحدى رحلات الحجاج ، وودعنا الحرم النبوي وكل شئ مرتب ووصلنا إلى المطار وقيل لنا أن الطائرة سوف تتأخر عدة ساعات ولا نعرف متى تحضر مما إضطررنا للمكوث بالمطار 

كانت معنا حقائب اليد وإشترى يوسف عدة أكياس بها أشياء مثل "السبح والصلايات" يحتاجها الحاج في الرجوع إلى مدينته  لتوزيعها كهدايا على المعارف والأصدقاء حتى يعرفون أنه لم ينساهم في رحلته وغيابه ، وفي نفس الوقت إعلامهم أنه كان بالحج وأنه الآن حاج ، حيث هذه هي العادات المتبعة وقتها والآن بدأت تخف قليلاً ومع الوقت سوف تتلاشى ، لأن أيام زمان  كان السفر صعباً وشاقاً ، أما الآن في عصر العولمة تغيرت الأشياء وممكن الذهاب إلى الحج وتأدية  المناسك في مدة خمسة أيام فقط ، حيث السفر والوصول ، أو الرجوع خلال ساعات بسيطة جوا من ليبيا .

إنتظرنا بالمطار ولم يكن أي مقصف ولا مطعم لشراء أي شئ للأكل موجودا وجعنا حيث نحتاج إلى الطعام والنقود بكثرة معنا ولكن للأسف جوعى في البطون!  وكانت عائلات سورية كثيرة مفترشة أرض المطار ويتناولون  الطعام الشهي ونحن جياع ، ولكن الحشم وعزة النفس غير مستعدين للسؤال ولا للطلب كالشحاذين وصبرنا وتحملنا آلام الجوع ، وخرجنا من القاعة الكبيرة الباردة إلى خارجها نتمشى ،  وفجأة وبدون توقع بدا أنف الحاج يوسف يهطل بنزيف دم أسود قوي كمية كبيرة مما جعل على الأرض بركة من الدماء ، مما إرتعبت من مشاهدة الحالة الصعبة فلم أكن متعودا عليها ، وأسرعت لمساعدته وأعتقدت أنه يودع وسوف يموت نظير الكمية الكبيرة من الدم الغير متوقعة ! 

حاول بمنديل وقف النزيف ولكن بدون جدوى ولم يكن معنا أي رفيق أخر حتى يهتم بالحقائب ، وطلبت منه الجلوس حتى أدخل للداخل وأسأل عن طبيب ، وبالداخل وضعت حاجياتنا  بسرعة في ركن وقلت للنفس  أمانة في عنق المكان الطاهر وسألت عن الطبيب وقيل لي  عن عيادة قريبة بالمطار مما أخذت الحاج يوسف وبصعوبة حتى وصلنا إلى العيادة وكان بها طبيب وأحد باكستاني وممرض ، وإستغرب من الحالة والنزيف المستمر وأعطاه عدة حقن وعبأ الأنف بالقطن حتى توقف النزيف ، وسألت الطبيب هل يستطيع السفر بالجو ؟ وقال لا أنصح حيث الضغط الجوي ممكن أن يتسبب له في  إنفجار بعروق الدماغ مما أرعبني وجعلني قلقاً على حالة رفيقي المريض 

سـألته ما العمل ؟ وقال أحسن شئ تذهب به إلى المستشفى داخل المدينة "مستشفى الملك  عبد العزيز"  إن لم تخني الذاكرة في الإسم …  وطلب بالهاتف على سيارة إسعاف وإنتظرنا حتى وصلت وكان الحاج يوسف ممددا على نقالة صابرا بالكاد يتنفس بصعوبة نظير حشو القطن بأنفه لوقف النزيف .

تم تحميل النقالة من قبل الممرضين بالسيارة ، وركبت بجانب السائق وأنا أفكر كيف الرجوع إلى المطار حيث صعب ولا توجد عربات أجرة وقت إداء فريضة الحج إلا بصعوبة حيث الطلب كبير والأمر الثاني الزحام الشديد أما سيارة الإسعاف تمر بسهولة نوعا ما ، وقررت الإتفاق مع السائق المصري حتى ينتظرنا في باحة المستشفى ، وسألته هل بالإمكان الإنتظار!  وقال لا  لا يمكن حيث تبع الحالات المطلوبة أجرى من مكان لآخر طوال ساعات العمل .

وقلت له لدي عرض لك … مما إنتبه وقلت كم تتقاضى بالشهر كمرتب وقال لي على الرقم ، وقلت له أعطيك مرتب نصف شهر لو إنتظرتنا لترجع بنا إلى المطار وفكر لحظة وقال موافق ويريد مبلغ عربونا حتى لا أتركه ولا أرجع! 

أخرجت المبلغ المطلوب بالكامل وهو يقود ويتطلع إلى ماذا أعمل وعيونه تلمع وشعرت بشعور أنه سوف يخذلني مع إننا بالحج ، وأمسكت بالورقات المالية ومزقتها من المنتصف ، وأعطيته النصف وتركت النصف معي وهو غير مصدق! 
وقلت له عندما نرجع وتوصلنا إلى المطار سوف أعطيك النصف الباقي … وإن تركتنا وذهبت لن تستطيع الصرف!

رجب المبروك زعطوط 

البقية في الحلقات القادمة ….

Tuesday, November 27, 2012

المركز المغاربي للتنمية في الأخبار التونسية

شاهد على العصر 40


بسم الله الرحمن الرحيم 


شاهد على العصر 

40 


في أحد الليالي عندما كنت ساهراً مع رفاقي ، الأستاذ محمد الهنيد والحاج صالح بودربالة والرفيق عثمان بوراشد وآخرين في البيت لتمضية الوقت ، حضر السيد يوسف امحيسن رفيقنا وهو متجهم الوجه و حزين فسألته عن السبب فقال: كل سنة عندما يقترب موسم الحج أصاب بكآبة وضيق نفس بدون أن أدري  حيث لدي الرغبة للحج وزيارة الأماكن المقدسة ولم يسخر المولى عز وجل الأمر وأسافر وأقضي الفرض ، ولا أعلم المستقبل وهل ستكتب لي الحياة وأزور  بيت الله الحرام أم لا…

كان على موعد الحج ثلاثة أيام فقط ، وهداني الله عز وجل القول ، وقلت يا أستاذ يوسف هل تريد الحج هذه السنة أم لا؟ وقال إنها أمنية العمر ولكن ليس لدي التأشيرة ولا المال  ولا الوقت الكافي حيث مازال على الوقت ثلاثة أيام فقط .

فقلت له إذا أنت مهتم وتريد السفر تعال الساعة الرابعة صباحا إلى البيت  هنا  ومعك بعض الثياب وجواز سفرك وسوف نسافر معا فقد حلت الساعة بأذن الله عز وجل ، مما تطلع لي بدهشة وإستغراب هل أنا أسخر منه؟ أم أقول الحق والصدق ، وأكدت الكلام والرفاق يسمعون كشهود الحديث وهو غير مصدق ، وقلت له لا تضيع الوقت فعندك فرصة العمر لا تضيعها حيث  الآن ساعة طرب وسوف نسافر بإذن الله تعالى ، لا تغيرها بساعة غضب  وترفض العرض… ورد قائلا ومن يكره الحج وزيارة بيت الله الحرام  إلا العاصي الغير مؤمن بوجود الله تعالى ولا يعرف ولا يؤمن  أن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة المفروضة والواجب الزيارة لها على كل مسلم " من استطاع اليه سبيلا " وقلت له إذا نحن متفقون على الرحلة والرفقة ، إذهب الآن وجهز نفسك وبلغ عائلتك الأمر وتعال في الميعاد حيث مازال باقيا على الموعد عدة ساعات فقط حتى نسافر إلى الحج .

توقفت عن الحديث وسهرة بسيطة وتمنى لنا الجماعة التوفيق في الرحلة المباركة وجميعهم مستغربين غير مصدقين كيف بهذه السرعة يتم الأمر ، حيث يحتاج إلى وقت طويل وتخطيط وترتيب لأشياء كثيرة حتى يستطيع الإنسان الحصول على الموافقة بالقرعة من ليبيا ،  والحصول على المال النقد الأجنبي والتاشيرة السعودية  وتذاكر السفر وغيرها من الأمور الكثيرة ، ولم يعلموا أنه لدي علاقات كثيرة وكبيرة في دول عديدة بالخارج وأستطيع من خلالها تدبر أمورا صعبة في نظرهم وسهلة في نظري ، والأهم هو توفيق المولى تعالى وطهارة القلب وإننا متوكلون عليه سبحانه وتعالى ومتأكد أنه لا يرفض ولا يبخل علينا وسوف يفتح جميع الأبواب على مصراعيها لأن النوايا طيبة .
بعد ما غادرت المجموعة نزلت إلى المكتب وقمت بإتصال هاتفي بالأخ فتحي السائق وأوصيته  بأن يأتي للبيت على الساعة الرابعة لتوصيلنا  إلى مطار بنينا ببنغازي ، وبعثت بتلكس إلى صديقي العزيز السيد فرانشيسكو بيلوتا في  روما إيطاليا كي يأتي للمطار غداً ويضمن السيد يوسف في الدخول إلى إيطاليا لمدة يوم واحد فقط كعبور وإننا بإذن الله تعالى سنصل على متن الطائرة القادمة من بنغازى بالضحى ، وأرسلت تلكس ثاني إلى أحد الأصدقاء السعوديين  في الرياض ليحجز لنا غرفاً في فندق الفتح في مكة المكرمة لموسم الحج حيث أنا قادم ومعي رفيق اخر ، وقمت بتحضير  نفسي حيث  أخذت حقيبة صغيرة ووضعت بها بعض الأشياء المهمة التي سوف أحتاجها … أما بالنسبة إلى التأشيرة الإيطالية فقد كانت متوفرة عندي حيث كنت كل مرة أجددها لمدة ستة أشهر وبإستطاعتي الدخول إلى إيطاليا  في أي وقت خلال المدد الممنوحة من القنصلية الإيطالية .

أبلغت زوجتي التي كانت نائمة بعد أن ايقظتها، أنني متوكل على الله تعالى وذاهب للحج مما إستغربت من الأمر وهي مازالت نائمة من المفاجئة ، ومازال على قدوم السيارة والرفيق يوسف بعض الوقت مما توضات وصليت عدة صلوات ودعوت الله عز وجل أن يوفقنا في الرحلة المباركة وأن كل شئ يتم ويمر بسهولة وأن لا نتعطل …

الساعة الرابعة وصل السائق وبعده بدقائق وصل الرفيق يوسف وتوكلنا على الله تعالى في الرحلة ، وبعد الساعتين والنصف كنا بمطار بنينا ، وقابلت أحد الأصدقاء المسؤولين بالأمن وقلت له أن صديقي يرغب في السفر إلى الحج ونحن متوكلون وليست له تأشيرة خروج ولا تأشيرة إلى روما ونريد مساعدته حيث هو  إنسان بسيط وسوف يدعوا لك في الحرم بإذن الله تعالى وقال ولا يهمك ياحاج! وسلم على يوسف وأخذ منه جواز السفر مع جوازي وخلال دقائق كان مختوما بالأختام المطلوبة وله الحق بالسفر .

كان لي صديق آخر من مدينة زواره من " آل افطيس " يعمل في مجال الحجوزات والتذاكر وطلبت منه التصرف حيث مقاعد الطائرة كانت محجوزة بالكامل ، وأعلم أنه يستطيع في حالة القبول أن يتصرف في الموضوع حيث دائماً يحتفظون بعدة مقاعد قبل الإقلاع لأي طارئ …  وقال طالما أنتم راغبون في الحج ،  لن ارفض! وتحصلنا على مقعدين بالدرجة الأولى …وصعدنا الطائرة والأستاذ يوسف غير قادر على التصديق ساهماً في  ذهول كيف هذه الأمور تتم بهذه السرعة وكان يعتقد أننا في مطار بنغازي لن نتحصل على الموافقة بالسفر وسوف يرجع إلى درنة  قبل الظهر .

رحلة جيدة إلى روما إيطاليا ولم نتعطل حيث الأمر بتاشيرة مستعجلة  للحاج يوسف موجودة بالمطار ، وصديقي الكفيل  السيد فرانشيسكو موجود في المطار ينتظر وصولنا ، وبعد التحيات والسلام راسا إلى مكتبه وكان يعمل لديه أحد الموظفين وأخته كانت تعمل في القنصلية السعودية كموظفة إستقبال لإستلام طلبات التأشيرات والقنصل السعودي لا يرفض لها أي طلب … وطلبت منه المساعدة وإتصل بأخته وقالت لا مانع فليقدم بسرعة قبل منتصف النهار .

قلت له من فضلك أعمل معروف لنا أن تذهب معه وأعطيته جوازات السفر وصور فوتوغرافية شخصية  خاصة بي  يحتاجها للحصول على التاشيرة ، وأن يأخذ الحاج يوسف صوراً فوتغرافية  سريعة من المحل الذي بأسفل العمارة وأعطيته بعض المال ليشتري لنا  أحذية خفيفة للمشي وفوط كبيرة "مناشف" لنستعملها في الطائرة قبل الوصول للإحرام ، وذهب مع الموظف وبقيت بالمكتب لأهتم بالحصول على المال ، وسحبت مبلغا كبيرا من الدولارات بحيث تكفينا عدة مرات ونستطيع الصرف ببذخ ، حيث في رحاب الأراضي المقدسة ، مكة المكرمة والمدينة المنورة ، لا يهمني الصرف المعقول ،  حيث طبعي سخي ولست بمقتر مثل الكثيرين من  البخلاء …

ذهب الموظف ومعه الحاج يوسف للحصول على التأشيرات من القنصلية السعودية وشراء المطلوبات التي نحتاجها … وأثناء فترة الغياب حجزت وإشتريت التذاكر للسفر إلى مدينة جدة على الخطوط الجوية السعودية على ما اعتقد فقد مر وقت طويل على الحجة والرحلة تغادر روما الساعة ١١ بالليل وكل الأمور سليمة من ناحيتي …

تأخر كثيرا الموظف والحاج يوسف عن الوصول إلى المكتب أو الإتصال الهاتفي حتى نعرف أسباب التأخير ، ألمت بي الهواجس والقلق وبدأت الظنون السيئة تنتابني ، هل التأخير سببه عدم الحصول على التأشيرات من القنصلية السعودية ؟؟ أو وقع لهم حادث سير؟ أو نتيجة الزحام ؟؟ أو وأو …

عشت ساعات قلق رهيب ووقتها لا توجد هواتف نقالة مثل الآن حتى أستطيع الإتصال والمتابعة وأعرف أسباب التأخير وعرض علي صديقي السيد فرانشيسكو بيلوتا أن أرتاح ونذهب إلى المطعم القريب لتناول وجبة الغداء ولكن رفضت حيث كنت  قلقا ولا أستطيع الراحة ولا الأكل  حتى أشاهد وصولهم وطلب على سندوتشات للأكل بالمكتب .

أخيرا حوالي الساعة الرابعة  بعد الظهر وصلوا إلى المكتب ووضع أمامي الجوازات وعليها التأشيرات مما فرحت في التوفيق من الله عز وجل  وكنت قبلها  في أشد القلق والأعصاب مشدودة وأكاد أنفجر من الغيظ والغضب ولكن الحاج يوسف بطبيعته الهادئة وكلامه الرزين المؤدب وطلاوة اللسان والشرح وأنه الذي سبب التأخير حيث أعجبته الأسواق وجعلني أبتسم  من الغيظ وكأن شيئا لم يحدث … ولا تأخير … والموظف قال انه ذهب إلى عدة أسواق حتى تحصل على الفوط  والنعال المطلوبة والطرق جميعها مسدودة بالسيارات نتيجة الزحام ، وهدأت النفس وتناولنا السندويتشات ونحن نضحك من الموقف والحاج يوسف دهش ينتابه الذهول من تتابع الأحداث السريعة خلال وقت بسيط عدة ساعات بدأت البارحة حوالي الساعة العاشرة مساءا بالبيت في درنة ليبيا ، والآن حوالي الخامسة مساءا من اليوم الثاني  ونتحصل ونقوم بكل هذه الأمور  وحمد الله تعالى أن الطريق ميسرة …

قضينا معظم الوقت بالمكتب في أحاديث وحوالي المغرب أوصلنا صديقي السيد فرانشيسكو بسيارته إلى المطار وشكرناه على المجهود الكبير في الحصول للحاج يوسف على التأشيرة المؤقته للدخول إلى روما ، وخدمات الموظف في الحصول على التأشيرات السعودية فقد كان له الدور الكبير وودعناه على أمل اللقاء في روما أو ليبيا  عن قريب بإذن الله تعالى .

دخلنا للمطار وأنجزت جميع الإجراءات خلال ساعة وجلسنا في مكان الصعود للطائرة ننتظر وتعرفت على أحد الحجاج من طرابلس وإسمه الحاج سالم قدح  ومعه زوجته ، وقدم نفسه إذا  لم تخني الذاكرة على أنه رئيس أو عضوا  بالغرفة التجارية في ليبيا ، وكان إنسانا مهذبا طيب الأخلاق ذو وجاهة ، يشرف الإنسان أنه تعرف عليه …

صعدنا الطائرة ورحلة هادئة  وقبل الوصول وقع إعلامنا بتوقيت الإحرام مما توضأنا وأحرمنا ولبسنا الفوط ونحن فرحى سعداء ونوينا الحج والعمرة ، ووصلنا قبل الفجر إلى مدينة جدة حيث فروقات التوقيت والرحلة ، وكانت وقتها المنع من الدخول إلى الأراضي المقدسة حيث بعد الغد الوقفة على جبل عرفات ، وتم وضع الحجاج في مستودع كبير جدا يسع عشرات المئات  به عشرات المراوح تعمل بقوة للتبريد من الحرارة الشديدة  التي كانت وقت الفجر وبزوغ الشمس …

بدأت الطائرات تصل متتابعة من أماكن كثيرة وبالأخص من أفريقيا ، والجميع يقادون إلى نفس المكان الرحب الواسع ، وشاهدت غرفة كبيرة مليئة بعشرات الآلاف من جوازات السفر وهي مرمية بدون إهتمام على الأرض تزن في نظري عدة أطنان …

بدأت الشائعات تدور في أوساطنا وأن بيت الله الحرام مقفل ولن نستطيع السنة أداء فريضة الحج مما أصبحنا في قلق وإنتابتنا الهواجس هل بعد كل هذا التعب والتضحيات والواسطات ونصل إلى المملكة السعودية وبيننا وبين مدينة مكة المكرمة مسافة قليلة لا تتعدى مائة كم  ويحدث المنع ؟؟؟ وأصبح الجميع في قلق ….

لكن الرب يعلم بالنوايا وأن القلوب طاهرة لبت النداء وجاء الحجيج من كل فج عميق  بعيد وسخر لنا أحد الأمراء السعوديين المسؤولين  الذي جاء في زيارة تفقدية وشاهد الآلاف ينتظرون وشاهدته من بعيد وهو يتجه حولنا يمشي ومعه ركب من المساعدين والحرس ، وعنف الذي أمر بالمنع وتردد الكلام منه وسط أوساطنا كيف يتم المنع لضيوف الرحمن الله عز وجل ! واصدر الأمر بالإفراج فجزاه الله تعالى كل الخير .

في دقائق بدأ الهجوم على الغرفة حيث  كل حاج يريد الحصول على جواز سفره ،  والجنود والحرس بصعوبة يحاولون جمعنا في صفوف طويلة حتى يتم الفرز للجوازات والختم بالدخول الذي إستمر ساعات وخرجنا من المطار ونحن فرحين سعداء أنه كتبت لنا الحجة ، وأجرنا عربة أجرة وإتجهنا إلى بيت الله الحرام بمكة  المكرمة .

عندما شاهدت الكعبة المشرفة إنتابني شعور روحاني وضياء بالقلب والنفس وشعرت بسعادة غامرة لا أدري من أين أتت ؟؟ ورأسا إلى الفندق " فتح " ووضعنا الحقائب البسيطة في مخزن الأمانات وبسرعة إلى الحرم ، حيث كنت الدليل والمطوف للحاج يوسف وقمنا بطواف القدوم سبع مرات حول الكعبة  وصلاة ركعتين في مقام سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وشربنا من ماء زمزم الطاهر وقمنا بالسعي بين الصفا والمروة وحلقنا الشعر "صفر" ، ورجعنا إلى الفندق ونحن مرهقين بعد حوالي الساعتين وقد أتممنا المراسم الأولى بخير وسلام .

بالفندق سألت على الحجرات وكان أحد الموظفين المصريين في الإستقبال ورد علي أنه لا توجد غرف بنظرة إستعلاء وكأنني أشحت منه طالبا صدقة وقلت له  ياسيد من فضلك تأكد من السجل أمامك ولم يعرني أي إهتمام مما اضطريت لرفع الصوت قليلا حيث الأمر الرباني لا جدال في الحج ولكن هذا المعتوه المجنون الذي ليس من عادة إخوتنا المصريين وبالأخص موظفي الإستقبال إلا البشاشة وحلاوة اللسان مما إستغربت كيف يرد بهذا الشكل السمج الذي لا يدل على أدب ولا أخلاق وبالأخص في بيت الله عز وجل فمنه لله تعالى الذي يأخذ الحق …

سمع المدير السعودي المجادلة ووقف من مكتبه بالغرفة المقابلة وجاء لمكتب الإستقبال وأخذ الدفتر الكبير للتأكد وطلب الإسم وأجبته وبدأ يراجع ووجد الإسم مكتوباً وبسرعة تهلل وجهه وقال مرحباً بضيوفنا الحجاج ، لديكم جناح محجوز لكم وطلب من أحد العمال رفع حقائب اليد التي معنا وأخذ المفتاح هو شخصيا وركبنا المصعد وفتح باب الجناح وكانت غرفتين وبالوسط صالون للجلوس وعلى الطاولة باقة زهور وورود للترحيب بالوصول وصحن كبير مليئ بأنواع من الفاكهة وأعطاني المفتاح وتمنى لنا قدوما وحجا مبرورا و ذنباً مغفوراً .

عرفت بعدها السر فقد كان الحجز من الديوان الملكي السعودي حيث صديقي السعودي والده ذو وظيفة عالية بالقصر ومن الأصهار للعائلة السعودية وأنا لا أعلم !  فالحمد لك يارب على العطاء الجزيل وأن  لدي معارف وأصدقاء من علية  القوم .

ذهل الحاج يوسف من الجناح والإستقبال الجيد …

رجب المبروك زعطوط 

البقية في الحلقات القادمة  …
  

Wednesday, November 14, 2012

شاهد على العصر 39


بسم الله الرحمن الرحيم 

شاهد على العصر 

 39


كبرت المؤسسة حيث مع الوقت أصبحت شريكة في عدة شركات خاصة من المقاولات وتجارة مواد البناء  وصناعة البلاط وتقطيع الرخام والأعمال البحرية من التفريغ ومناولة السفن ، والريادة في مدينة درنة الصغيرة التي كانت تجاهد في سبيل  الحصول على الأعمال حيث بها صراعات كثيرة خلقها النظام حتى لا ترتاح  ووضع إسفين العداوة والبغضاء بين أخوة الجد "الحضور والعبيدات" وشارك  البعض من قبائل المرابطين في القصة وإستفادوا من التفرقة والخصام والمنافسة الغير شريفة ، وقامت تراهات ومناورات ومهاترات وحيل ودسائس خبيثة بين التافهين الأوباش  والمنافقين المتسببين في الكراهية والفوضى من كل شريحة وقبيلة ، بحيث زاد العداء والنتيجة إستفاد المجرم القذافي ودفع الجميع مع الوقت الضريبة الغالية نظير الحساسيات الفارغة والعنصريات التافهة بدون دراية رغم أنهم  أخوة في الدين والجوار وعلاقات المصاهرة  والدم 

وصارت التحديات  تنمو وتكثر كل يوم والنار تزيدها وقودا وإشتعالاً  كل يوم بدل من أن تخمد ، وكنت طوال الوقت أسعى جاهدا بأن لا أتدخل في المتاهات القبلية واللجان الشعبية أو الثورية ، جاعلاً من الجميع أصدقاءا ، حيث لا أتدخل في السياسة القذرة  المحلية حتى لا أتوسخ من القيل والقال وكنت أؤمن وقتها أن المغفل هو من ينحاز إلى صف الإنقلاب الأسود ثورة الفاتح العظيمة كما يقولون ويخططون ويمجدون ، وكانت مهما تعرض علي من صفقات وأرباح خيالية ممكن في خلال فترة بسيطة أصبح من كبار رجال المال ، لو تنازلت عن المبدا والأخلاق والقيم ، وأصبح منافق عميل أمشي في الركب الزائف.

لكن دائماً أرفض بطريقة لبقة العروض لأنني عارف ومؤمن أن الأمور في نظري زائفة يوما سوف تسقط ببساطة كما جاءت بسهولة وبساطة  حيث يوما تذوب وتتلاشى ولا أريد أن اكون تحت أي ظرف من رجالها "لأن ما بنى على باطل مهما ارتفع ووصل باطل"

علق بالذهن إسم الريف حيث أقمت بالسابق في مدينة طنجة بفندق إسمه الريف وشاهدت الإسم على لافتات عديدة من محلات ومطاعم وشركات وسمعت الإسم يتردد كثيرا على الأفواه وقررت إنشاء شركة بالإسم ذاته عندما تسنح الفرصة ، وكان لدي مدير المكتب السيد "م ب" بدأ في الإزعاج حيث بدأ في بعض الإتصالات التجارية المشبوهة مع البعض وبالأخص أحد رجال الأعمال الإسبانيين بدون إعلامي وبدأ يستغل في المكتبي الخاص لإدارة أعماله الخاصة ولم تكن له الجرأة ليصارحني بالموضوع وأنه يريد أن يهتم بنفسه مما بدات أحجب عنه مواضيعا كثيرة مهمة لأنه لم يكن صادقا في التوجه وأمينا في تعهداته ووظيفته التي يتقاضى أجرا عنها وتحتم عليه التركيز وأن وقت العمل ليس ملكه ، 
وبدأت في حيرة أفكر تفكيرا جادا فقد بدأت المشاكل الأولى حيث عمله المشين بدأ يأخذ حيزا كبيرا من فكري حيث القاعدة التي بدأت بها بدأت تتهالك ببطء وتتشقق نظير الطمع والضغوط الكثيرة عليه من عائلته  وأحاديث المجتمع الضيق ضده كيف له أن يكون موظفا لدي  وعنده الإمكانيات للعمل لوحده والإثراء.

كانت لدي بدائل عديدة والسهلة هي صرفه وأعطاؤه حقوقه وتركه بتاتا حتى أرتاح من الظن وأعين غيره ،  فلا أريد حتى مجرد التفكير في الأمر وأنا شبه مخدوع وغافل عن ماذا يجري من أمور بالمكتب  خلف الظهر ، وبالأخص كنت دائم الترحال والسفر ، ولكن لكل مشكلة حلول  سهلة وأخرى صعبة وممكن إتخاذ القرار السريع وقتها والبتر ، ولكن ممكن  مع الوقت تظهر عوامل أخرى ليست بالبال وأظلم الرجل وتثبت أنني  أخطات وتنقلب علي الأمور وأواجه بعدو شرس وبالأخص له دراية بكثير من الإتصالات والأسرار أثناء وجوده معي خلال فترة عدة سنوات كمسؤول بالمكتب ومديره ، التي في حالة التحديات والمهاترات ، أكيدا  سوف تستخدم ضدي 

قررت القبول الصعب حيث على المدى القريب والبعيد أنا المنتصر وبدلاً من صرفه  بتعنت و ضجة ، قررت إخراجه بأدب من إدارة المكتب بتاتا وهو فرح سعيد وفي نفس الوقت  يظل تحت جناح المؤسسة وأحد المساندين لها من غير أن يدري  وأضمن سكوته وعدم الكلام  ضدي لفترة طويلة حتى ينتسى مع الأحداث المتعاقبة ، وفي نفس الوقت دعه يربح   الأرزاق من عند الله عز وجل ، حيث قناعتي وإيماني بالعمل الجماعي يدا واحدة بطهارة هو الأساس للنجاح دنيا وآخرة.

فكرت كثيرا ووصلت إلى الحل حيث هو مهتم بالوكالة البحرية حيث تتيح له الفرص للتعامل مع السفن والمناولة والقبض بالخارج العملة الصعبة وأمورا كثيرة ، وأحد الأيام  في جلسة صفاء طلبته وقلت له أنني فكرت ووصلت إلى قناعة أن المؤسسة بدأت تكبر وتزيد العمالة ولا أريد التعب له في الإجراءات الكثيرة والمزعجة في بعض الأحيان حيث التعامل  في كثير من الوقت مع البعض البسطاء من العمال ، وأريد أن أتعاون معك بحيث تصبح شريكاً وليس بأجير موظف.

شاهدت لمعان الأعين وهي تبرق فقد جاءت اللحظة الحاسمة من عندي ، زيادة في الإغراء حتى أعرف مكنونات صدره  وسره الخافي ، وقلت له ماذا ترغب من أعمال وأنا مستعد لعمل شركة والتعاون ، ورد بسرعة من غير أن يفكر بعض الوقت ، وإقتنعت أن الفكرة لديه منذ مدة تختمر بالرأس ، وقال الوكالة البحرية!  وقلت لامانع ، وبعد العصر أبلغت محرر العقود بعمل شركة جديدة بإسم شركة الريف للملاحة شراكة بالنصف مع المؤسسة.

وتم إستئجار شقة في عمارة أبوالنجا والسيد إبراهيم بوسدرة القريبة من الميناء وتم تأثيثها بالكامل وطلب أحد المساعدين الثقة كأمين مكتب السيد رمضان دوباج الذي له فترة طويلة بالمؤسسة ووافقت  على نقله بعد أن أخذت رأيه ، وبعد أسبوع سلم ما في عهدته بالمكتب وإنتقل للمكتب الجديد في شركة الريف  كشريك  ومدير بالنصف وتنازلت عن رخصة الوكالة البحرية بكل سرور وضمنت  سكوته وعدم المهاترات والقيل والقال في المدينة الصغيرة التي أوباشها يعملون من الحبة قبة ، وعينت مكانه أحد الأخوة الأفاضل الذي قلما الزمان يجود بأمثاله السيد "عبدالرازق بدر" الذي أصبح مديرا للمؤسسة لسنوات حتى تم الزحف والتأميم.

تنازلت عن الرخصة البحرية لصالح شركة الريف ومعها جميع العلاقات والمجهودات التي ضيعت العمر في الوصول والحصول عليها بكل طيبة قلب وبدون أي شكوك وحب للمادة والمال ، لأنني أعلم عن قناعة وإيمان أن الخالق الرازق موجود في علاه يعرف مافي القلوب وهو الرازق والعاطي الذي يهب الأرزاق لمن يشاء ومانحن إلا بشر نعيش فترة ثم نموت وننتهي.

بدأ المدير يصول ويجول وأنا أتابع في صمت خطاه وأسمع في الكثير عن المعاملات والعمولات بالخارج واستغل المكتب الذي أنا شريك به لأعماله الخاصة ولم أهتم ، حيث الرب العليم هو الرقيب والمراقب لأي عمل خاطئ.

آخر السنة قدم لي الحسابات والأرباح ولم يحسب حساب العمولات بالخارج ولم أدقق وأحاسب حيث الخير كثير لدي وعطاء الله عز وجل كبير ، والسنوات التي تلت حتى تم الزحف والتأميم وتم قفل الحسابات النهائية للشركة ودفع المبالغ المستحقة في ليبيا بالكامل. في ليلة من ليالي شهر رمضان حوالي الساعة الثانية صباحا بعد أتممنا السهرة وكنا على ضفة الوادي خلف بيته سألته سؤالاً واحداً فقط لقد قفلت الحسابات للشركة وماذا عن نصيبي في العمولات الخارجية؟؟ ورد بسرعة وقال لا توجد بالخارج أية أموال للشركة وقلت له ببساطة ، هذه صحابة رسول الله تعالى والمسجد  نشاهد فيها ، هل تعطيني يمين الله تعالى وتحلف أنك صادق وأنه ليست لدي أموال بالخارج معك!  وواجه الصحابة ورفع يده مؤكدا وحلف اليمين ، وأنا عن يقين أنه مخطأ وغير صادق حيث أخر عمليتين للإستيراد عن طريقي وأعرف أنه تقاضى عمولة كبيرة عن ذلك! وتركت الأمر لله تعالى  حيث لا أريد الدخول في مهاترات 

ليس عن ضعف وخوف ولكن الوضع السياسي المضطرب في الوطن وعنفوان اللجان الثورية والتي لو تكلمت بكلمة واحدة ووصلت إلى أذان غير أمينة سوف تجدها فرصة كبيرة  سوف ندفع الثمن الغالي من القبض والتحقيق والتعذيب وممكن القتل لقاء فتات  وتركت الحق لصاحب الحق الله عز وجل ، يوما إذا لم أكن مخطئا سوف أتقاضاه حسنات ، ومنذ ذلك اليوم لم أتكلم بتاتا في الموضوع ،  ومازلنا أصدقاء عندما نلتقي في بعض الأحيان في أي مناسبة نتصافح ونسلم على بعضنا بأخوة وصفاء.

المشكلة الثانية التي واجهتني كانت إبن العم إدريس حيث لا يريد الإستمرار في شركة مواد البناء حيث الأمور السياسية بدأت في الفوضى وتتشعب وتتصعب في الإستيراد للمواطنين والرخص الخاصة والإتجاه  الإشتراكي للعمل في القطاع  العام كل يوم ينمو ومستمر من خلال الخطابات الكثيرة التي تحث من خلال السطور  على التأميم للقطاع الخاص ، مما تدارك الامور قبل وقوع الفاس على الرأس وبدا في بعض الأحيان يتفوه بكلمات نابية  أنه غير مرتاح في العمل التجاري وكان التحريض الخفي وقتها من مدير المكتب حيث كنت أعاني في تنفيذ مشروع ترميم ورصف شوارع وطرق درنة 

نظير عدم الخبرة والأخطاء القاتلة في التصميم حيث الترميم يختلف كل الإختلاف عن الإنشاء ، وحاولت قدر الإمكان  الشرح  لعميد البلدية بالخطابات والمراسلات ولكن بدون إهتمام  وكان الآمر متعمداً من هؤلاء الجهلاء الحاقدين مما خسرت الكثير من الأموال ولولا لطف الله تعالى  لكنت أفلست وتوقفت عن الدفع وبالتالي سوف تضيع كل الشركات مع الآخرين ومنها شركة مواد البناء.

إرضاء له يوما قلت له ان يقوم  بالميزانية مع تقرير كامل عن الموجودات بالشركة من مواد وأملاك لنفضها بالرضاء التام ، وأن يتعاون مع المحرض مدير المكتب الذي كان يوحي له بانني أعانى ماليا مما دخل الخوف إلى قلب إبن العم لقاء مال زائل.

تم عمل الجرد بالمخازن  والتقرير والميزانيات في أسبوع  وبدل أن أتابع لأتحقق من صحة الأرقام  وافقت وأنا جالس بالمكتب حيث لدي ثقة عمياء في أبن العم الحاج إدريس بأنه أمين ، وقلت له بأن يختار حيث هو الكبير بالسن وأنا موافق مسبقا على أي إختيار سواءا باقيا أم خارجا من الشركة ، وقرر أن يأخذ الشركة ويدفع لي حصتي ووافقت على الأمر حتى أرتاح من الكلام الخفي البسيط في بعض الأحيان  الذي يؤلم مثل الرصاص.

بعد الحسابات تبين أنه مطلوب مبلغ كبير منه  لصالحي وليس معه للتسديد ، ولراحته تنازلت له رسميا على أن يدفع بالأجل عندما تتوفر السيولة لديه وأن يودع بالحساب خاصتي بالمصرف التجاري مع  علمي أنه لا يحب الدين ولا يرتاح حتى يسدد  وفعلا كل يوم كان يدفع في الحساب بعض الشئ حتى تم التسديد بالكامل خلال شهور والحمد لله تعالى ، وحافظت على الود والمحبة ، حتى وفاته منذ سنوات عديدة "رحمه الله تعالى بواسع الرحمة".

حياة رجل الأعمال والتاجر إذا صادفه الحظ ونجح ،  حياة حلوة جميلة حيث لا وظيفة رسمية تأسره ويصبح أسيرا لها ، ولا مديرا يشرف  و يتابع ولا لوائح وقوانين تقيد تحركاته ، بل حياة تعتمد إعتمادا كليا على الجرأة والصدق في الوعد والعهد والأمانة والثقة من الغير ، والمصداقية  والصبر والتأني في كثير من الأحيان والمغامرة المحسوبة بدقة ، حيث هذه الأمور جميعها الأساس والأعمدة الراسخة للنجاح ، والكثيرون يمرون بهذه الأساسيات وهم لا يعرفون الأساليب السليمة ولكن نظير الحظ والتأييد من الرب الخالق يربحون الأرباح الكبيرة. 

إرتحت من أهم الصعوبات التي واجهتني في بدايات الحياة العملية ، مدير المكتب "م ب" وتكوين شركة الريف للملاحة ، وفض الشركة مع إبن العم الحاج إدريس ، حيث تعاملت معهما بالصبر والحكمة ووصلت معهما إلى حلول مرضية ، وإرتاح الشركاء وإرتحت من القيل والقال والتحديات التافهة التي الكاسب فيها في نظري خسران على طول الطريق.

بدأت أشق الطريق مواجها ومتحديا جميع الصعوبات بقلب مؤمن و جرئ ، حيث أنا شخصياً بطبيعتي  مغامر و مجازف ، لا أخاف أبداً من التحديات! 

                                                        رجب المبروك زعطوط 

البقية في الحلقات القادمة    

Tuesday, November 13, 2012

شاهد على العصر 37

بسم الله الرحمن الرحيم 

           في احد الايام في منتصف السبعينات من القرن الماضي صديقي الاستاذ المحامي عبد الحفيظ الدايخ من مدينة  البيضاء، عرفني على احد حرفاءه السوريين، الذي كان له سوء تفاهم مع كفيله الليبي حول بعض الامورالخاصة  ويريد ان  يتركه  ويحتاج إلى كفيل آخر للعمل كمقاول من الباطن وبرفقته ابناؤه المهندسين، وإقامة الجميع في مدينة البيضاء مع عائلاتهم.  مما أعجبني الامر حيث جاهزين للعمل الفوري ، وأستطيع عن طريق مؤسستي التسجيل الرسمي في إدارة الجوازات والحصول على إقامات تتيح لهم البقاء والعمل في ليبيا والتحويل المالي عن طريق المصارف .

              وافقت نظير اشتراط  عدم الدخول في متاهات مع الكفيل السابق وتكوين شركة جديدة لإتاحة الفرصة للرجل  وأولاده العمل الحر وأن يكون هو شخصيا طرفا فيها شريكا حتى يتابع الامور القانونية وإدارة الشركة في البيضاء حيث  والده (الله يرحمه) من اعيانها وله علاقات جمة كثيرة مع المسؤولين وسوف يوليها الاهتمام والمتابعة اليومية ،   فلست بقادر على المتابعة والمراجعة وخاصة انني  كنت  دائم السفر ومهما كان عندي من محاسبين وأعوان ثقات. حيث أؤمن بالعمل الجماعي يدا واحدة.

             حاول الاستاذ عبد الحفيظ التملص بحجج واهية وانه لا يرغب بان يكون شريكا في اعمال مقاولات، بل التركيز على المحاماة، ولكن نظير الإصرار من طرفي وافق وكانت الموافقة بداية السعد والنجاح في الاعمال والثراء حيث غيرت مع الوقت مجرى حياته!   بعد ايام قام باحضار المقاول وأولاده إلى البيت في درنة يوم جمعة عطلة نهاية الاسبوع بعد العصر، بناءا على اتفاق مسبق بالهاتف،   في زيارة تعارف وكانت اول مرة اشاهد الرجل السيد ابراهيم بيتنجانة وأولاده الشباب مارسيل وموريس...  وتم الاتفاق على جلسات اخرى للنقاش والحوار عن العمل معا ووضع الخطوط الاخيرة للمشاركة في شركة مقاولات تضم الجميع بحصص ملائمة كل حسب مجهوده والراسمال الذي يودعه في حساب الشركة الجديدة المزمع إنشاؤها .

           واعجبنى الرجل  حيث قال بصراحة انه ليس لديه الرأسمال الخاص به وبأولاده في الوقت الحاضر ولا بسوريا ولكن لديه العقل والتصميم المعرفة والخبرة وانه متأكد من النجاح في فترة بسيطة وسوف يثبت ذلك في حالة الشراكة ... مما تغاضيت عن الإصرار في دفع حصته طالما كل العقود تحت إشرافنا نحن الليبيين حيث حسب القانون الليبي الأجانب غير مخولين بالتوقيع الا ضمن شروط كثيرة تحتاج لموافقات وإلى وقت طويل وقتها.

              والجلسة الثالثة ظهرت للنور شركة الهلال للمقاولات ومقرها الرئيسي مدينة البيضاء ، واللقاء الرابع  تم توقيع العقد لدى محرر العقود في درنة ، وكنا محظوظين جداً حيث تحصلنا على عدة مشاريع ضخمة وقتها بمدينة البيضاءً من البلدية التي كان يرأسها وعميدها السيد عبدالله بوسلوم اذا لم تخني الذاكرة فقد مر وقت طويل على ذلك ، نظير علاقات ومعرفة مع الاستاذ عبد الحفيظ.

            كان لدي امر تكليف مستعجل من إدارة الأشغال العامة للجيش بتنفيذ اعمال انشاء وتنفيذ معسكر جديد في منطقة البومبه ، وحيث ان الامر مستعجل وسرعة الانجاز فقد وزعت الأشغال العسكرية الاعمال على مجموعة آخرين مقاولين السادة  ونيس صوان والصابر مجيد والحاج علي النايض ومؤسستي ... وقررت إسناد حصتي إلى الشركة الجديدة شركة الهلال الجديدة كمقاول من الباطن تشجيعا لها حيث في البدايات ، وكان من احسن الاختيارات حيث شريكنا الجديد السيد ابراهيم بيتنجانه وأولاده المهندسين مارسيل وموريس معا ، اثبت وجوده فعلا وصدق في كلامه وتعهداته فقد كان حازما جازما في قراراته وسريعا في التنفيذ ، وقام بتنفيذ المرحلة الاولى في الوقت المحدد ستة اشهر حسب العقد .

                  نظير العمل المتقن والسرعة قبل المقاولين الاخرين الذين تأخروا في التنفيذ سنة اخرى، تم التكليف بعمل الأرضيات لساحة الدبابات الكبيرة بالخرسانات المسلحة لضمان عدم التشقق من مرور الأحمال الثقيلة المجنزرة عشرات الأطنان التي تتطلب دراسات خاصة في التصميم....  وعند استلام الخرائط والدراسة الجيدة الهندسية لاحظ المهندس ابراهيم وأولاده ان سمك الخرسانة المسلحة غير كافي وضروري من الإضافة لتحمل مرور الاحمال الثقيلة والتصديق عليها من عدة مكاتب هندسية استشارية حتى اضمن التنفيذ السليم ولا ادخل في مشاكل وبالاخص مع الجيش ، الذي مهما كان للمقاول حقوق ثابته لا يعتد بها الجيش حتى ولو عن طريق القضاء لا يستطيع التنفيذ تحت اي ظرف ، ولا اريد المغامرة، وضياع الوقت والمال والمنع من الحصول على الاعمال المستقبلية .

               وكانت اللوائح تنص فى حالة أية أخطاء في التصميم للخرائط ، من الضروري على المقاول ان يقوم بتنبيه إدارة الأشغال العسكرية صاحبة المشروع بخطابات رسمية موقعا عليها بالاستلام قبل التنفيذ او يكون مسؤولا مسؤولية كاملة عن أية خسائر مستقبلية ، في حالة عدم احترام الإجراءات السليمة.

            وقدمت الالتماس للضابط المسؤول على المشروع بطبرق بالموافقة على التعديل ، وللأسف كان جاهلا لا يفهم واعتبر الموضوع غير سوى حيث ذاك الوقت الجيش في اوج الزهو والغرور ، كيف لمقاول مدني ان يطعن في مهندسي الجيش الذين صمموا الخرائط؟ ودخلت في حرب خفية معه لاسباب كثيرة لا اريد شرحها اهمها العنصرية وعدم دفع المستحقات في وقتها وتعطل المشروع حتى البت  الرسمي.

             واتصلت بمدير الأشغال العسكرية الضابط المسؤول عن المنطقة الشرقية في مدينة بنغازي وكان من منطقة قمينيس لا اذكر اسمه الان والله يسامحه فقد كان إنسانا متفهما ومحترما ، ولا يريد تعطيل المشروع ، وطلب مني توثيق الامر رسميا من 2 مكاتب استشارية خاصة بالأعمال الهندسية معتمدة ، للتوقيع والاعتماد مما نفذت الامر.

               تحصلت على الموافقة الشفهية ، ومن جهته حتى يخرج من المسؤولية ، وجه الامر رسميا الى طرابلس المكتب الرئيسي للأشغال العسكرية للبت في الامر والاعتماد ،كتسلسل إداري مما زاد جنون الجاهل في مدينة طبرق الضابط المسؤول اننا تجاوزناه ، وحدث صراع خفي وضاعت الموافقة الرسمية في الطريق وسط المتاهات والمراسلات العديدة نظير الادارة الفاسدة .

              تم التنفيذ حسب المواصفات والزيادات فى شهرين من العمل المضني طوال الوقت الليل والنهار تحت إشراف المهندسين من الجيش ، وقدمت المستخلص للدفع وافاجا بالخصم والطعن من مسؤول طبرق في زيادة سمك الخرسانة المسلحة مما احدث فارقا تسبب في خسارتنا  لمبلغ كبير بمئات الالوف من الدينارات ، وقتها كانت مبلغا كبيرا ولم تستلم الشركة دينارا واحد منذ ذاك الوقت ، الله تعالى يجازي من كان السبب.

               الإجراء المتبع في تسليم المشروع  يتمثل في إرسال خطاب رسمي للجهة الرسمية للإستلام في حدود 15 يوم، مما وقعت الخطاب بعفوية حيث مازال بعض الوقت لقدوم اللجنة ، وأفاجأ باليوم الثاني وصول اللجنة نظير الصراع الخفي لإفشال شركة الهلال التي كنت على رأسها ، إلى بهو الضباط بمعسكر درنة على ان يتم الاستلام اليوم الثاني الساعة الثامنة صباحا بمقر المشروع!  تم استدعائي للحضور حوالي الساعة الثالثة ظهرا إلى المعسكر في درنة للاتفاق مع اللجنة على التسليم مما حضرت وكنت خالي البال وقمت بعزومة المجموعة لمأدبة عشاء بالبيت حسب العادة ، وخرجت من اللقاء ، وأبلغت العائلة بتحضير وليمة العشاء للمجموعة الكبيرة ، ورأسا إلى المشروع الذي يبعد مسافة حوالي الساعة  شرق درنة وكم فوجئت ان اللمسات الاخيرة وبالأخص تغطية مخازن الذخيرة تحتاج إلى كميات كبيرة من الردم بالأتربة والتسوية مما جننت واصريت على استكمال العمل طوال الوقت الباقي إلى صباح الغد لإنهاء الاعمال الناقصة قبل وصول اللجنة للمحافظة على الوعد وتحديا لأعداء الخفاء في الصراع!   ولسرعة الانجاز ضروري من تشجيع طاقم العمالة بالموقع الذين كان عددهم  حوالي 220 فردا من فنيين وسائقين للآلات وسيارات النقل الثقيل والعمال وملاحظين للإشراف على العمل المضني طوال الليل ، وضعت لهم حافزا قويا ومكافئة ضخمة دفع مرتبات وأجور شهر اضافي للجميع كل حسب مستحقاته في حالة العمل الفوري والتسليم اليوم الثاني للجنة مما قبلوا التحدي ووافقوا على العمل.... تم شحن من موقع درنة الرئيسي عدة الآت جرف إضافية (كواشيك) وإرسال العديد من سيارات النقل الثقيل للمساهمة في سرعة الإنجاز للعمل حتى الانتهاء ، ووصلت إلى البيت قبل وصول الضيوف بقليل للإستقبال ، وكانوا مجموعة ثمانية ضباط من رتب متفاوته برئاسة مدير فرع بنغازي ، وتم العشاء الجيد من كل مالذ وطاب والسهرة الجميلة في تناول أكواب الشاي الاخضر والأحمر والمرطبات والفاكهة ، وودعت الجميع امام البيت منتصف الليل.

            وغادرت إلى الموقع بدون نوم ولا راحة حيث في صراع وتحدي مع النفس ومع الآخرين سواءا رفاقا ام اعداءا حاقدين وحاسدين في الخفاء ، ووصلت إلى هناك والاضواء تسطع في الموقع من جميع الاتجاهات وكأنه ضوء النهار وحركة العمل في أوجها والجميع ينشدون ويغنون ، وقضيت طوال الليل في المتابعة حتى سطوع شمس اليوم الثاني واللمسات الاخيرة فى التسويات والنظافة للموقع من المخلفات.

             حوالي الساعة الثامنة حسب الموعد وصلت  اللجنة  للموقع مما قدمت لهم وجبة فطور شهية حتى يتعطلوا بعض الوقت  وبعدها قمنا بإجراءات التسليم وكان المعسكر كبيرا يحتاج إلى جهد في المشي ومراجعة للمباني العديدة ، وآخر شئ للاستلام كانت مخازن الذخيرة حوالي منتصف النهار.

            مما شاهدت الدهشة الشديدة على الوجوه من سرعة الإنجاز في الليلة الماضية ، واحدهم بالمقدمة بدون شعور وهو يسجل  الملاحظات ردد كلمات وقال: "هنيئا لك ياحاج على العمل هل معك جنون من العالم الآخر يعملون في الشركة ؟بالأمس حضرنا وتفقدنا المشروع وغير جاهز للاستلام ، ولدينا اوامر باللوم في حالة عدم الاستلام... والآن منتهية وكاملة" ...  وكان الرد بفضل الله تعالى وسواعد الرجال وحسن الادارة ، مما تم الاستلام للمشروع مع وضع ملاحظة بسيطة ان الردم للمخازن تمت بالليل وبدون حضور المهندس المشرف من قبل الأشغال العسكرية مما لم تكن ملاحظة مهمة حيث  أتربة وردم فقط وليس أعمالا خرسانية تحتاج إلى موافقات بالبدء مثل العادة .

             اوفيت بالعهد والوعد ودفعت للجميع مستحقاتهم مع المكافئة ، الذين قاموا طوال الليل بالعمل وبذل الجهد والعرق حتى تم الإنجاز ،مما كلفتنا المغامرة الكثير من المال ، ولكن في سبيل التحدي والفوز والنجاح، كل شئ يهون حيث الانتصار والفوز على الخصوم بشرف ، له ثمن كبيريحتاج إلى شدة وقوة عزم في القرار ، والله الموفق .

               رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقات القادمة...

شاهد على العصر 38


بسم الله الرحمن الرحيم 

شاهد على العصر 
38 


كل شىء من فوز ونجاح له ثمن غال في كثير من الأحيان ، وأحيانا أخرى "الشطارة" زيادة عن اللزوم والبخل أو التحايل والغش يؤدى بصاحبه إلى الهلاك والخسارة ، وحدثت مطبات كثيرة خلال المسيرة ورحلة الحياة العملية ،  ولكن نظير طيبة القلب وعدم الخبث والمتابعة القوية في الصمت بدون أن يشعر الآخرون حتى لا يحتاطون ويصبح الأمر أشد صعوبة وتظهر الألاعيب بسرعة ، ويتم البتر بسرعة حتى لا يعشعش الفساد فهو مثل مرض السرطان إذا إنتشر أودى بصاحبه للموت والهلاك بسرعة . 

إحدى الألاعيب من العجوز المهندس بيتنجانه التي وقع فيها بقصد أم بدون قصد، حيث رسا علينا عقد تزويد مستشفى مصحة شحات بأجهزة التبريد والتدفئة ، وتم إرساء العقد لمقاول لبناني ماهر شركته قادرة على التنفيذ الجيد المشرف  من الباطن لتنفيذ العقد ، حيث معظم الأعمال تتمثل في إستيراد الأجهزة والربط والتركيب  فقد قمت بفتح إعتماد من المصرف التجاري لإستيراد الكمية على دفعتين:المستعجلة عن طريق الجو حتى لا تتأخر والبقية عن طريق البحر ، وحدثت اللعبة حيث الشركة اللبنانية محتاجة إلى سيولة بإيعاز وموافقة المهندس العجوز السيد إبراهيم بتنجانه حيث يحتاج إلى دفعات في سوريا لتسديد مبالغ مطلوبة منه  للمصرف وإلا يتم الحجز ويفقد أملاكه التي رهنها كضمان.

تم الشحن بالطائرة لمواد بسيطة وتم السحب للمبلغ الكبير المفروض سداد بقية المواد والمعدات المفروض شحنها بالبحر والتي لم تكن جاهزة بعد  وتم الإكتشاف في مطار بنينا من قبل الجمارك وكبرت القصة وإن المؤسسة تهرب الأموال من ليبيا ، وزاد القيل والقال والهمس من الحاقدين الحساد  الشامتين من الكثيرين وللأسف البعض أقارب ذوي دم وصلات رحم وأصدقاء رفاق بيني وبينهم ماء وملح وطعام.

تم الإستدعاء الرسمي من قبل إدارة الجمارك وفتح باب التحقيق وبعدها التحويل إلى النيابة وممكن السجن على ذمة التحقيق حتى تنتهي القصة ، وسمعت بالخبر المزعج وأنا في بيروت ولم أنام الليل حيث العملية ليست ببسيطة في الظروف الثورية الصعبة التي تحاسب فيها دولة الفساد المواطن على تهريب دولار واحد ورئيسها وأولاده وأعوانه يسرقون عشرات الملايين بدون حساب ولا تحقيق  أليست بمأساة ؟؟؟

رجعت إلى بنغازي وذهبت إلى إدارة الجمارك وكان المراقب المسؤول نزيه نظيف وفي نفس الوقت جبار عنيد وذكي متمرس في العمل كل يوم تمر عليه عشرات القصص والنوادر  ويكتشف الحيل والألاعيب ويوقفها عند الحد بالقانون والضرب على اليد المخالفة عن قصد وسابق ترصد  بعنف للمجرمين  وبالأخص للأجانب الذين يحاولون العبث بأموال الدولة ، نسيت إسمه الآن من طول المدة 

كان يعرف إبن العم صهري ومن أصدقائه ولكن خلال العمل لا يرحم ، وقابلني بإستهزاء وإستياء وقال ، أنت ياحاج رجب الذي نثق فيه ولا نعطل أعماله تصبح في آخر العمر مهرباً  للنقد للخارج بحيل وطرق غير شريفة ؟؟؟

مما إستفزني بقصد ورديت عليه بعنف وحماس وقلت له عندما أريد أن أهرب الأموال ليس بهذه الطريقة  وليس بمبالغ زهيدة تافهة مثل الذي حدث ،   والمسألة حدثت فيها أخطاء والمجموع المالي  المواد الآتية بالجو والأخرى القادمة بالبحر تعادل المبلغ  حسب الإعتماد وأنا مستعد للتحدي! مما سكت برهة بسيطة وتوقف القلب لحظات في إنتظار الكلام والرد  هل لصالحي أم يمرر القضية إلى المرحلة التالية للنيابة حيث سوف تتصعب الأمور وتأخذ منحنيات أخرى ، وقال لا إفراج على البضاعة في المطار حتى تصل المواد الآخرى إلى الميناء ويتم الفرز من قبل لجنة من الجمرك ، وعندها سوف أقرر أنت مخطئ أم لا! 

لكن أريد القول لك أنني رحمتك الآن نظير أول مرة تحدث  حيث سجلك نظيف أرجو أن تحافظ عليه وإلا سوف تكون مستهدفاً طوال الوقت ، وطلب من ضابط آخر للذهاب إلى المطار والكشف على المواد وتحرير محضر بذلك ، ونفذت الأمر وزرت المخزن  بمطار بنينه وكم هالني الأمر حيث العملية مفضوحة والمواد تساوي مبلغا بسيطا مقارنة مع المستندات 

لم أرتاح حتى وصلت بقية المواد وتم الكشف من اللجنة المشكلة من إدارة الجمارك وتم الفحص الدقيق وطابقت المواد المستوردة جميعها مع الأسعار وتم رفع الحجز ودفعت قيمة الجمرك المطلوبة وقفل الملف إلى الأبد 

لكن بالنسبة لي عشت أوقاتا وأياما صعبة  فقد كنت قاب قوسين على الإتهام من قبل النيابة وتدخل  اللجان الشعبية والثورية وممكن تتطور إلى مآسي أخرى حيث لايخلو رجل أعمال ناجح من كثير من التهم لقاء العلاقات مع المسؤولين ، الذين البعض منهم تريد الدولة التخلص منهم نظير صراعات على السلطة والجاه والمركز من أوباش آخرين واصلين نتيجة النفاق ، لا يهمهم دمار وخراب الآخرين الأبرياء  الذين شاء سوء الحظ أن يقعوا في الشراك نظير أخطاء الآخرين و الثقة العمياء وعدم المحاسبة والمراقبة لمرؤوسيهم كما يجب.

ضغطت على المهندس العجوز والمقاول اللبناني بقوة حيث قلت لهم كنت بالسابق أتعامل معكم برجولة وصدق وثقة  وتريدون اللعب ووضعي في مواقف محرجة أو السجن ، وأريد أن أؤكد لكم أن وطننا ليبيا مهما تشاهدون فيها من ألاعيب وفساد ليست سائبة بها رجال وطنيون صادقون مستعدون للكشف والضرب على اليد بقوة مثل هذا المراقب الصعب الشريف!  مما خافوا وحافظوا على العمل بأمانة وصدق حتى النهاية وتسليم الأعمال 

واصلت في الأعمال وكل يوم أتقدم للنجاح والمؤسسة تكبر وتتحصل على مشاريع أخرى كبيرة ويزداد العاملين من فنيين وعمال مهرة  ومهندسين ومراقبين للأعمال يعرفون العمل المطلوب منهم بسرعة ويتقنونه ضمن المعايير المطلوبة وإستعنت برجال شرفاء ووفقت فيهم مع الوقت حيث كنت أدفع مرتبات مجزية وحوافز شهرية عالية لكل من يعمل ويعرق وبجهد في سبيل نجاح المؤسسة مما مع الوقت أصبح لدينا أطقم جيدة جاهزة للتنفيذ لأي أعمال بالمقاولات وأصبح لدي أسطول كبير من عربات النقل الثقيل وعشرات الآلات من جرافات وبلدوزرات وكاسحات للتربة  وكسارات لجرش الحجارة وخلاطات أسفلت  إحداها في منتصف السبعينات كانت لأول مرة تدخل قارة أفريقيا حسب قول شركة "ماريني" المصنعة ، حيث إنتاجها يبلغ 180طن في الساعة  أسفلت جاهزا للفرش على الطرق ، وركزت في أخر السنوات على أعمال الطرق وأصبحت خبيرا بلا منازع وتعلمت الكثير من الأخطاء التي وقعت فيها.

حدثت قصص كثيرة في التحديات مع الآخرين ، وأذكر إحداها  كعبرة حيث كانت شركة القناة المصرية لديها أعمال لصيانة الميناء بدرنة ومنها فرش الإسفلت وكانت الجهة المشرفة المسؤولة شركة إنجليزية  إستشارية للمتابعة والإشراف إسمها "هاورد هامفرس" ومدير المشروع المهندس المشرف من مدينة درنة من "آل الحصادي" لا أذكر إسمه الأول الآن نظير طوال المدة ، وكان في صراع كبير في الخفاء من مهندسين الشركة المصرية والمستشارين الذين لأي خطا في التنفيذ يرفضون الإستلام مما الشركة المصرية وقعت في الشراك وإضطرت لتحسين الأعمال والتنفيذ الجيد حسب المواصفات ، والحق يقال بصدق ، لولا وجود الشركة الإنجليزية لتم التنفيذ للمشروع غير جيدة أو بالعامية "أي كلام" … حيث الإعتماد للأسف على الغش والتحايل 

في أحد الأيام جاء للزيارة المدير العام لشركة القناة في مصر في زيارة تعارف إلى البيت بالمساء طالبا مني المساعدة في تنفيذ أعمال فرش الإسفلت بالميناء حيث لا يستطيعون إحضار آلات ومعدات الإسفلت على عمل بسيط ووافقت مقابل دراسة المواصفات والكميات وتقديم العرض بالأسعار ومن جملة حديثه قال أنا موافق من الآن على الأسعار المتعارف عليها من قبل البلدية ومؤسسة الإسكان ، وكان ردي سوف أعمل ما بوسعي ولكن أولا قبل الموافقة من الضروري الدراسة الفعلية لكي أعرف القياسات وما المطلوب بالضبط حيث كل حالة في المواصفات تختلف عن الحالات الأخرى مما وافق وعرف أنه يتعامل مع خبير  في أعمال الإسفلت ليس سهل خداعه بالحديث المنمق الحلو 

في اليوم الثاني وصلتنا المواصفات مع أحد المهندسين وتمت الدراسة الأولى لها ووجدنا بها أخطاء كبيرة قاتلة لو تم التنفيذ ، حيث تم الحساب على مواصفات بريطانيا وبرودة الطقس بها ونوعية الأحمال التي تمر وتمشي عليها والتي لا تتلاءم مع وطننا ليبيا.

طلبت اللقاء الأول بحضور جميع الأطراف في مكتب المدير المشرف على المشروع بالميناء ، وجلسنا على الطاولة للحوار ، وكان عدد الموجودين الحضور ستة أفراد  ، إثنان من المهندسين الإنجليز ومقابلهم إثنان من  المهندسين المصريين وعلى رأس الطاولة مدير المشروع "الحصادي" الذي جلست مقابله ، وبعد الحوار والنقاش لجميع البنود بندا وراء الأخر حتى وصلت للنقطة الرئيسية وقلت بصراحة حيث أنا المقاول من الباطن لن أستطيع التنفيذ لهذا البند الذي ينص على السمك البسيط لأنه لا يأخذ في الحسبان طبيعة ليبيا ، مما أصر المهندسون الإنجليز وسكت المصريون وهم بداخل أنفسهم  شامتين حيث أخيرا وجدوا مقاولاً ليبيا يفهم ويعرف كيف يتصدى لهم بالحق ، وشرحت لهم لماذا 

من حسن الحظ كانت توجد سفينة تفرغ حديد الخرسانة الذي يستعمل في البناء وطول الربطة التي تزن الطن يبلغ ستة أمتار وعربات النقل الموجودة بالميناء طولها أربعة أمتار مما عند التحميل جزء من الحديد يخط ويحتك مع الإسفلت مما يتسبب في شقوق ، وأثناء الصيف لا يحس بها أحد حيث الغبار يغطيها ولكن عندما تهطل الأمطار بالشتاء تظهر للعيان وتتسرب مياه الأمواج العالية عبر الحواجز  والأمطار مما مع الوقت تجعل الإسفلت ينتفخ ويرتفع لأعلى مثل وضع رغيف الخبز في صحن كبير من الماء.

للأسف لم يقتنعوا وحاول المهندس المشرف وحاولت عدم إحراجه أولاً وتحامل مع المهندسين الإنجليز وقلت له  بلهجة ساخطة حتى يفهم أن شركتي لا توافق ، هؤلاء الإنجليز في حالة التنفيذ حسب مواصفاتهم يوما سوف يرحلون إلى بريطانيا والمصريون إلى مصر ويبقى للسخط أنت وأنا حيث يوما سيقال عنا كلام بذيئ وشتائم من نوع ، "أخرب بيت المقاول الذي نفذ ، والمهندس الذي أشرف" وأنا شخصيا لا أحبذ خراب البيت وأتغاضى مقابل إرضاء الأجانب على حساب وطني وسمعتي مما خاف وسكت.

أخيرا طلبت منهم تنفيذ طبقة أخرى بنفس السماكة حيث الأولى الفرش 10 سنم وبعد الضغط من  المداحل "الرولات" تصبح حوالي 7.5 سنم ولو نفذ المشروع بطبقتين حيث السمك النهائي بعد الضغط 15 سنم عندها مضمون عدم التشقق مها كان من مرور وخدوش ، ورفض المهندسون الإنجليز وقلت لهم بسيطة إبعثوا طلبي بأمانة  بالتلكس إلى مقركم الرئيسي في لندن  كتحكيم وننتظر الرد ووافق الجميع على الحل للخروج من المآزق والحوار الهندسي الكثير الذي لا يوصل لحلول مرضية ، حيث ليست لدي شهادات علمية ولكن تعلمت الكثير من خلال التجارب والأخطاء وطوال الوقت الحوار مع أطقم المهندسين لدي بالمؤسسة بحيث مع الوقت أصبحت خبيرا مستعدا لمقارعة أي مهندس في أعمال المقاولات في الطرق من الألف إلى الياء والحمد لله تعالى 

بعد أسبوع وصل الرد من بريطانيا طالبين التنفيذ حسب طلب المقاول المحلي مما سعدت وفرحت من الرد والإعتراف وطلبت شهادة بذلك قبل البدء وتم وصولها بعدها بالبريد وعلقتها بالمكتب كدليل ولكن ضاعت أيام الزحف والتأميم بعدها بسنوات.

طلبت إغلاق الميناء لمدة يومين وخروج جميع الآلات وعربات النقل مما نفذوا الطلب ، واليوم الأول من الفجر دخلت الأطقم للتنظيف وتجهيز الموقع وبعد الظهر الرش بمادة "م س و" للحفاظ على الأرضيات من الغبار وبعدها طبقة "ر س ت" اللاصقة حيث تم الإنتهاء منها منتصف الليل ، واليوم الثاني من الفجر بدأ الفرش للطبقة الأولى والدحل والضغط وبعدها تم الرش للطبقة اللاصقة والفرشة الثانية وإنتهت الأعمال قبل المغرب وغادرت الآلات التابعة لي والعمال والفنيون وسلمت الميناء لمدير المشروع والجميع سعداء من سرعة الإنجاز.

                                               رجب المبروك زعطوط

 2012/11/10م                                              

البقية في الحلقات القادمة 

Monday, November 12, 2012

شاهد على العصر 36

   بسم الله الرحمن الرحيم 

شاهد على العصر
 36


الإنسان يخطط ، يريد أن يعمل كذا وكذا ولا يعلم الغيب وماذا سوف يحدث  ، والرب القادر له تخطيط آخر لا يعلمه الإنسان مهما قام به من حسابات وقراءات ، وقد حدث الأمر معي في كثير من الحالات حيث أقرر عمل أشياء معينة وأجد الطريق للوصول لها مقفلة مما أضطر إلى التغيير والسير في إتجاهات أخرى حيث أنا مسير ولست بمخير  .

حجزت على الطائرة من مطار ميلانو إلى أثينا اليونان وجابهت المشاكل حيث أولها بدأت بقفل المطار يومها ، لا سفر منه نتيجة الضباب وعدم الرؤية مما تغيرت الرحلة والسفر من مطار أحد المدن القريبة التي تبعد مسافة طويلة عن مطار ميلانو ، والمصيبة كيف الوصول إلى هناك في طقس مظلم وعدم رؤية واضحة بل ضباب كثيف أبيض  يلف جميع الأرجاء ، وخاطرت بالذهاب مع أخ أحد الأصدقاء الذي تبرع بتوصيلي إلى هناك .

وصلت في الوقت المناسب وأنا طوال الطريق على الأعصاب خوفاً من التعرض لحادث مع أي أحد أو الوقوع  والسقوط في مكان خارج الطريق  نظير عدم الرؤية الواضحة وكنت جالساً مع السائق وأزعجه  طوال الوقت بالتنبيه مما كان يبتسم من ملاحظاتي ويقول لا تخاف ياصديقي فأنا متعود على القيادة في الضباب الكثيف لأنني أعيش في قرية بأعلى الجبل في الحدود مع سويسرا وأعرف الطريق جيدا مما إرتحت بعض الشئ  حيث أنه قدير وماهر في القيادة  في الظروف القاسية الصعبة ، وقلت للنفس مهدءا بأن لا أزعجه في القيادة  حيث لا أستطيع منع القضاء والقدر في حالة حدوث أي شئ ولزمت الصمت حتى وصلنا بعد ساعات عديدة إلى المطار في اللحظات الأخيرة قبل إقلاع  الطائرة إلى اليونان .

كانت الرحلة البرية والجوية  طويلة والأدهى كيف أقلعت الطائرة وعلى متنها 7 ركاب فقط ، وكنت أنا احدهم ؟؟ ووصلنا إلى أثينا اليونان وكانت مصيبة ومشكلة أخرى في الإنتظار فقد كنت بالسابق متعودا على أخذ تأشيرة مؤقته من المطار لمدة 48 ساعة  أنهي خلالها أعمالي بسرعة وأرحل ، ولكن هذه المرة ألغيت جميع الإستثناءات وممنوع منعا باتا الدخول لأي عربي مهما كان بدون تأشيرة  دخول صالحة من أحد القنصليات اليونانية من أي مكان بالعالم!
 
تم المنع نظير الإعتداء السافر من إخوتنا الفلسطينيين على مكاتب شركة العال الإسرائيلية للطيران في أثينا مما حل السخط على العرب وأصبحوا يعاملون بنظرات الإرتياب وهم أبرياء من تصرفات البعض نظير أحداث سياسية قذرة يدفع ثمنها الأبرياء من الجانبين العرب واليهود المسالمين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع العرقي العربي الإسرائيلي على أرض فلسطين ، الذي يحتاج إلى رجال عقلاء حكماء شجعان من الطرفين ، يجلسون على طاولة الحوار الصادق الهادف أهمها توفر الثقة للوصول إلى حلول تشرف الطرفين ، ففي نظري كل شئ مهما كان كبيرا صعبا عويصا بالصبر والثقة والوقت له حل وحلول .

تقدمت لضابط المهاجرة والجوازات للختم ولكن رفض وطلب مني الرجوع إلى الخلف والبقاء في صالة العبور حتى أغادر اليونان  وعندما رفضت ضغط على زر خفي حيث في لحظات جاء ضابط آخر ومعه حراس جنود بلباس عسكري وبأيديهم المدافع الرشاشة وطلب مني المغادرة على أول طائرة مسافرة وكانت إلى لندن بريطانيا  ولكن عاندت وأصريت على عدم السفر إلى دول أحتاج فيها إلى تأشيرة دخول وأصبح في مشاكل مرة اخرى ، وبعد جدال كبير وافقت على السفر إلى ليبيا أولا ، وأن لا تتوفر الرحلة لها ،  عندها السفر  إلى أي دولة عربية من الجوار حيث أستطيع الدخول لها بدون تأشيرة وعندها سوف أتصرف …

أخيراً تحصلت على مقعد بالدرجة الأولى إلى القاهرة مصر على الطائرة اليغوسلافية في حدود منتصف الليل قادمة  من بلغراد وذاهبة إلى القاهرة مصر مما قضيت ساعات  طويلة في الإنتظار الممل وأنا منزعج  من سوء المعاملة وقتها وأعين الحراس تلاحقني إلى كل مكان  حتى الذهاب إلى الحمام وكأنني مجرم إرهابي دولي كبير بعيون يقظة خوفا من عمل أي شئ مخالف مخل ، وكان همي مركزا كيف أصل إلي ليبيا حيث  الذكرى السنوية  الأولى  لغياب الوالد ومفارقته للحياة .

العادات وقتها تجتمع جميع العائلة في بيت واحد "بيت العزاء" ويأتي المعارف والأصدقاء للتعزية والجبر بالخاطر وبالأخص في أول عيد للمرحوم ، والمفروض أن أكون موجودا مع إخوتي وبالأخص العزاء في بيتي الخاص ولكن الظروف القاسية أجبرتني على عدم الحضور مهما عملت وحسبت وأردت .

منتصف الليل صعدت على الطائرة اليغوسلافية ورحلة مريحة بدون مطبات جوية وصلت للقاهرة وبعد إجراءات عقيمة معقدة إستلمت حقيبة السفر وخرجت من المطار وذهبت إلى فندق الشيراتون على النيل وبالقرب منه بيت الرئيس أنور السادات وأنا منهك من التعب والإرهاق حيث قضيت حوالي  24 ساعة بدون راحة ولا ونوم !

حيث بدأ اليوم الصعب  من الرحلة بالسيارة في  الضباب الكثيف من ميلانو إيطاليا والرحلة بالطائرة إلى اليونان والتعطيل في صالة العبور في أثينا  والإنتظار الممل  ساعات عديدة وبعدها الوصول إلى القاهرة والإجراءات الصعبة المعقدة في المطار حتى الوصول إلى الفندق ، ولولا الصحة والشباب لكنت سقطت ومرضت من الإرهاق ، والحمد لله تعالى على جميع نعمه وعطاياه  حيث وصلت سليما معافى .

صادفتني مشكلة أخرى حيث دفتر قائمة العناوين  وأرقام التليفونات الخاص بالدول العربية لم يكن معي لأنني لم  اخطط الرحلة من قبل والمجئ لمصر والقاهرة ، مما تعلمت درسا أن تكون معي بالمستقبل جميعها حتى استطيع ان أتصرف بسهولة ، والمشكلة الثانية نفاذ المال والنقد من الجيب حيث مصاريف كثيرة حلت وشراء التذاكر والمصاريف زادت عن الحد حتى وصلت وكان التخطيط بالسابق زيارة فقط لعدة أيام لدول أوروبية .

أثناء النوم نهضت ليلة العيد من الأرق ولبست ثيابي وقررت النزول إلى أحد المقاهي بالدور الأرضي حيث صالة الإستقبال ووجدت أحد الزبائن الأصدقاء بالصدفة مما رحب كثيرا وقضينا أيام العيد معا في راحة وسعادة وأخذت منه مبلغا كبيرا من المال تحت الحساب مما كان عيدا سعيدا ، والأجمل بدون توقع … اليوم الثاني للعيد  بطريق الصدفة وجدت الصديق وإبن العم الشريك الحاج فرج تربح وبمعيته المهندس جميل وصهره من آل بوجازية في أحد المقاهي في الدور الأرضي للفندق يشربون القهوة ، مما كان فرحة ولقاءا بالأحضان .

في اليوم الثالث ذهبت للقنصلية اليونانية وقدمت على تأشيرة دخول وأخذتها بسهولة من غير تعطيل واليوم الرابع كنت على متن الطائرة لأثينا اليونان ، ووصلت للمطار ونفس الوجوه للضباط ولم أتعطل لحظة واحدة حيث تم الختم بسرعة وإستلمت الحقيبة وعربة أجرة إلى الفندق وبعد أن أتممت إجراءات الحجز أعلمت نائب مدير إدارة التصدير بشركة "هيراكليس" لتصدير الإسمنت أنني موجود بأثينا في الفندق وكانت الساعة حوالي الثانية عشر مما رد وأجاب هل أريد ان أتي اليوم أو الغد لتوقيع العقد وقلت له اليوم لأنني أريد أن أرجع إلى ليبيا بالغد .

أخذت عربة أجرة إلى مكاتب الشركة ووصلت إلى هناك في الوقت المحدد وقابلت المدير العام وبعد الحديث الموجز وقعت العقد الخاص بحصة ليبيا "الكوته" في المنطقة الشرقية لصالحي  وكنت سعيدا مسرورا حيث التعب والسفر لم يؤثر في كثيرا طالما أنا حققت الهدف ووقعت العقد لسنة أخرى طويلة!

تمت دعوتي لحفل عشاء من الشركة مما وافقت ، ورجعت إلى الفندق حيث تناولت غداء بسيطا والنوم للقيلولة والإستعداد للعشاء والسهرة ، وبالمساء حضر نائب المدير ومعه أحد المرافقين من الشركة ، وذهبنا إلى مطعم فاخر للعشاء وجلسنا في المقهى في إنتظار المدير العام للتصدير السيد "سكالاريو" الذي وصل بعد قليل وإنتقلنا إلى الطاولة المحجوزة لنا حيث تناولنا العشاء من أشهى وألذ الأطعمة والشواء وأحاديث جمة مع المدير وجميعها تدور عن العمل وثورة البناء في ليبيا وعن إحتياجاتها لكميات رهيبة من مواد البناء وبالأخص الإسمنت حتى تستطيع  تلبية الطلبات للبناء والتشييد والإعمار .

مما أخذت أفكارا عديدة حتى أستعد وأعرف كيف أعمل بطرق علمية مدروسة وأفوز وأنجح في السوق العطش  بدل القيام بأخطاء والوقوع والسقوط للهاوية نتيجة عدم الدراية والتخبط ، حيث الفرص الرهيبة متاحة للإثراء بسرعة تحتاج إلى قوة رأسمال وعزيمة وحظ حتى يستطيع التاجر رجل الأعمال الإبداع .

اليوم الخامس رجعت إلى بنغازي  مطار بنينا حيث سيارتي موجودة في  الموقف وعليها الغبار من عدم التنظيف والإستعمال نظير غيابي الطويل ، ومررت على محطة الوقود حيث عبأت الخزان وإنطلقت إلى مدينة درنة  وأنا فرح سعيد حيث بعد ساعات قليلة بإذن الله تعالى سوف أحظى بمشاهدة العائلة والأولاد .

                                                    رجب المبروك زعطوط 
البقية في الحلقات القادمة …