بسم الله الرحمن الرحيم
شاهد على العصر
35
من خلال الرفقة والمحبة للأستاذ محمد الهنيد التي تربطني به أخوة وعلاقات خاصة وأبناء عمومة بالقبيلة ، تعرفت عن طريقه بأحد الإخوان الصادقين الأستاذ يوسف امحيسن العوكلي ومع مرور الوقت أصبحنا أصدقاءًا وأخوة جمعتنا الرفقة وأصبحت المجموعة تكبر كل فترة بمزيد من الأصدقاء ، ويتساقط البعض من المدسوسين علينا حيث بطريقة ما إلاهية تظهر عيوبهم بسرعة ويخجلون من المضي معنا، وكان الأخ الجديد الأستاذ يوسف، نعم الرجل والصديق والأخ حيث كان دمث الأخلاق محترماً ، كلامه قليل وملئ بالقصص والنوادر والحكم.
أصبح من ضمن المجموعة وكل يوم عندما أكون في مدينة درنة نتقابل ونسهر ونتسامر معا في أحاديث وقصص ودعابات بريئة وعن ماذا يحدث من مهاترات وتراهات بالوطن وعن ضياع الوقت والجهد في تسيير المظاهرات والتمجيد للإنقلاب الأسود ثورة الفاتح وشخص الطاغية الديكتاتور معمر القذافي بحيث الشعب الليبي عاش في حلم زائف وشاهد مسرحية تدار من قبل زبانية ومع الوقت ضاعت الأخلاق والقيم للكثيرين لقاء العيش والجاه والسلطة ، دخلوا في مهاترات اللجان الشعبية واللجان الثورية وأصبحوا أدوات وأحجار شطرنج يلعب بهم الطاغية نظير إستشارات من رؤسائه من قوى الشر والشرور .
تعاونت مع الأستاذ يوسف حيث أثبتت فراستي أنه صادق وأمين له عفة فطرية وأخلاق رفيعة على بساطة أهل البادية في مجال تربية الأغنام وبناءا على طلبه إشتريت له قطيعا من الغنم أكثر من 300 شاة و جرار "تراكتور" وأشياءا أخرى ، حتى فتح له المجال للعمل والإثراء ، مقابل مشاركة بعد ترجيع الرأسمال بالنصف .
دخلت في عدة مشاركات صغيرة هنا وهناك مما مع الوقت البعض منها نجحت وحققت أرباحا معقولة والأهم بالنسبة لي ليس الربح والمال فقط ، بل بإيعاز من الله عز وجل تم فتح باب الأرزاق لكثيرين من الأفواه الجائعة مما وفقني الكريم ونجحت في المدينة الصعبة المنافسة فيها والنجاح حيث الكثيرون لهم ذكاء حاد، وإن لم تكن تعرف كيف تتصرف بدقة تجد النفس بقارعة الطريق خاسراً .
إستمريت في السفر المتواصل وركزت معظم رحلات الأعمال إلى لبنان واليونان وإيطاليا وألمانيا حيث بإستمرار كانت لدي أعمال وصفقات وكنت شبه شهريا ازور مارا بجولة تجارية لأن التجارة وقتها كانت صعبة لم تتطور بعد الإتصالات والإعتماد الكلي في الفوز والنجاح من كان يسافر ويحضر المعارض ولديه علاقات كبيرة وقوة قلب وعزيمة في الشراء للمواد الجيدة ضمن المواصفات والقياسات العالمية وفي نفس الوقت البيع المستمر بأسعار معقولة ضمن أرباح بسيطة حيث الآخرون من المنافسين لا يستطيعون المضاربة والتحديات في السوق لأنهم يريدون الربح الكبير مما مع الوقت تلاشوا من السوق لأنه في كثير من الأحيان كنت أرضى بأرباح لاتتعدى 3٪ مما لا يرضي الآخرين ، مما جذبت الزبائن وبالتالي كانت الدورة المالية كبيرة وأصبح لي الإسم الكبير في الأسواق الخارجية والمحلية وإستطعت أن أتحصل على تسهيلات خارجية من أسعار وتخفيضات معقولة و إستطعت المنافسة وفزت في جميع الجولات بإذن الله تعالى .
السوق الليبي مستهلك مهما وصلت من بضائع وكميات مواد من جميع الأصناف والماركات تذوب. بسرعة حيث السوق عبارة عن محطات عبور للدول المجاورة والتهريب قوي من جميع منافذ الحدود حيث التجار لا يعرفون الإستيراد ولا فتح الإعتمادات ولا ضد المستندات بل المعاملة فورية لمن لديه البضاعة جاهزة للتسليم وقتها ، وكثير من التجار نجحوا وحققوا الملايين في أسرع وقت نظير التنبوأ مقدما بإحتياجات السوق.
بين الفينة والأخرى كنت أخلط العمل مع الإجازات وأذهب في رحلات مع بعض الأصدقاء عندما تتاح الفرص بدون تخطيط مسبق حيث تأتي الفكرة للرحلة وليدة اللحظة والبهجة والبعض مقابل الصدف بدون تخطيط مسبق كما يفعل الكثيرون ، وأجمل شئ لدى التاجر ورجل الأعمال أنه حر ليس مقيدا بوظيفة ومديراً يشرف عليه ولوائح تقيده.
أذكر أحد الرحلات التي جاءت بالصدفة وكانت بدون تخطيط مسبق حيث تقابلت مع صديقي السيد نصوح أصفهاني الذي يعمل بالكويت ويأتي إلى بيروت بكثرة وكنا نتقابل مع بعض كثيراً ونقضي أياما حلوة ضمن المجموعة مع بعض حيث لديه قدرات خارقة في التعامل مع العالم الآخر بسهولة في أمور تجعل الإنسان في كثير من الأحيان غير مصدق وبالأخص إذا كان قوي الإيمان ليس بساذج كمعظم البشر …
عرض علي الرفقة في رحلة بحرية إلى بعض الدول في حوض البحر الأبيض المتوسط ووافقت مقابل أن نصعد على الباخرة في الدرجة الأولى وحاول قدر الإمكان مع الشركة السياحية ولكن للأسف لا توجد أماكن بالمرة ورفضت السفر متحججا بأنني لا أرتاح وأنا ضمن السواح الشباب مثل "الهيبيز" بل أفضل الدرجة الأولى لأن الفرص كثيرة وكبيرة في المقابلات بالصدفة مع رجال أعمال أو متقاعدين كبار في السن ولكن لديهم العلاقات الكبيرة والمعارف ، وتحدث صفقات تجارية رهيبة …
نتيجة التعارف ممكن للإنسان أن يدل على أطراف أخرى من معارفه وأصدقاءه رجال الأعمال والتجار أو أصحاب المصانع المغمورة التي ليست لها الدعايات الكبيرة والغير معروفة في الأسواق مثل الشركات الكبيرة "الدينوصورات" المتحكمة والمحتكرة للأسواق ويحدث العمل نظير المعرفة من واحد إلى أخر وبهذه الطريقة كنا بالسابق في السبعينات والثمانينات إلى نهاية القرن الماضي كانت تدار الأعمال بهذه الطرق التي الآن تعتبر عقيمة من الماضي نظير التطور السريع في العصر الجديد عصر العولمة والتكنولوجيا الجديدة في المعلومات وسهولة الإتصالات من خلال الحاسوب إلى أي مكان ووجهة بالعالم بدون التعب في التنقل واللقاءات كما كنا نفعل بالسابق حيث السفر صعب من حجوزات وعدم توفر المواصلات في النقل وليس مثل الآن السفر عبر القارات بسهولة ويسر.
لم نحصل على غرف بالدرجة الأولى مما رفضت السفر ، وقال لي حبا في الترغيب للرفقة والسفر مع بعض لا تغضب ، وافق على السفر وسوف تشاهد العجب وتتحصل على ماتريد … وكنت أعرف صدقه وجرأته والكثير من حيله ، وميزته مستعد في أي لحظة أن يتعرف بأي إنسان بسهولة بطرق تجعل الطرف الأخر يهتم وكأنه مخدر تحت التنويم المغناطيسي بدون إرادة يحاول قدر الإمكان معرفته والتقرب له نظير علمه الغزير بالعالم الروحي الآخر مع العلم بأنه لا يعرف أية لغة أجنبية أكثر من لغته العربية ولهجته الشامية ، أليس بأمر مذهل؟؟؟
وافقت على السفر وصعدنا على الباخرة الإيطالية "أزونيا" وكنا ضمن ركاب الدرجة السياحية وبدأت تخرج من مرفأ بيروت وحل ميعاد الغداء حيث الساعة حوالى 12 ظهرا وطلب منا الذهاب إلى المطعم مما نزلنا إلى أحد الأدوار الخاصة بمطعم الدرجة السياحية حيث تم التوزيع للركاب بحيث كل راكب يعرف مكان جلوسه طوال الرحلة من فطوراً وغداء وعشاءً .
كان التوزيع على طاولات كبيرة مستديرة تتسع لستة أشخاص وكنا 3 مما أضافوا 3 آخرين معنا وتم التعريف بذكر الأسماء وكانوا سواحا من النمسا ، وتقدمت عربة بها قدر كبير معبا بمكرونة سباجيتي حتى تحاذي كل طاولة وأحد المساعدين باللباس الأبيض يضع في صحن كل واحد غرفة كبيرة ، وكان صديقنا "نصوح" آخر واحد وشاهدته بأم العين وهو يضع في صحنه وتحرك المساعد والعربة إلى الطاولة الثانية وصديقنا تكلم مناديا المساعد وأشار له على الصحن وكان بقدرة القادر فارغا ورجعت العربة وعبأ له الصحن مرة ثانية على إعتبار أنه نسي في المرة الأولى ، وتكررت القصة مرة أخرى ، مما صرخ المساعد من الدهشة وطلب بصوت عالي مديره المسؤول عن الصالة من الجانب الأخر مؤكدا أنه عبا الصحن مرتين ولكن مازال فارغا ، وتطلعت جميع الأنظار لطاولتنا تريد أن تعرف وتفهم القصة ونحن رفاقه أصبنا بالخجل وشعرت بالعرق البارد ينساب من داخل الجسم على الموقف.
المهم المرة الثالثة تعبأ الصحن بالمكرونة وبدأ صديقنا في تناول الأكل ببرودة أعصاب وكأنه لم يحدث أي شئ ، ولكن تم جذب الأنظار من الجميع ووصلت القصة والنادرة إلى آذان القبطان مما في العصر ونحن نيام جاء أحد الضباط بدعوة عشاء على مائدة القبطان لصديقنا وكنت أنا المترجم وبكل أمانة قال أنا موافق ولكن مع رفاقي لأنني غير مستعد أن أتركهم ، وذهب الضابط وتحدث بالتلفون المعلق في الممر الطويل عدة دقائق وبعدها رجع وقال القبطان موافق والعشاء الساعة الثامنة في مطعم الدرجة الأولى الفخم ، وسوف نجد أسماءنا مسجلة في قائمة الحضور ، وكانت البداية ، ورد علي صديقي وهو يبتسم لقد عملت الضجة من أجلك يا صديقي العزيز حتى ترتاح ولا تغضب!
الساعة الثامنة إلا دقائق كنا في المطعم الفخم وقادنا أحد المسؤولين إلى المائدة حيث القبطان ينتظر ومعه إثنان من المساعدين وتم التعارف والقبطان مصر يريد أن يعرف وحاولت الترجمة بصعوبة حيث لغتي الإنجليزية وقتها ركيكة لم تتحسن بعد!
أراد أحد المساعدين أن يستفز صديقنا أن القصة عبارة عن كذب وزور وخداع نظر ورد عليه صديقنا وقال لا تكذب ولا تستفزني نحن في حضرة القبطان وعلى مائدته ، لا تعكر مزاجي وإلا سوف تدفع الثمن الغالي نظير التشكيك في قدراتي ، ولم أعرف ماذا كان يخطط من أمور ونوادر للرد على هذا المشكك ،
وكانت العادة أن كل ليلة على مائدة القبطان للعشاء أحد المشهورين من الركاب سواءا رجال أم نساء وبعد العشاء على أنغام الموسيقى الهادئة تبدأ السهرة والموسيقى الصاخبة للرقص إلى الساعة الثانية عشرة ويبدأ بها القبطان حيث يطلب للرقص إحدى السيدات بطريقة مهذبة تم الإتفاق معها مسبقا حتى لا ترفض وتحرجه أمام الجميع حسب ما فهمت من الأحاديث الجانبية مع طاقم السفينة التي أنشأنا معهم صداقات عديدة …
إنتهينا من العشاء الشهي وتناول الفاكهة والحلويات اللذيذة ، ونهض القبطان للرقص حسب العادة وطلب إحدى السيدات وبعدها نهض البعض من الركاب الجلوس مع زوجاتهم أو رفيقاتهم إلى الحلبة يرقصون ، ونهض المساعد الذي يشكك في قدرات صديقنا وكان قصير القامة وسميناً ولابساً الزي الرسمي للرقص وبعد دقائق وهو يصول ويدور حدثت المفاجأة حيث بطريقة ما حملات السروال تقطعت وبدا يسقط إلى تحت وهو يرقص مع أحد السيدات وإضطر أن يضع يده عليه ويحمله إلى أعلى حتى لا يسقط متطلعا بعيون طالبة التوقف من صديقنا، مما الوضع شاذ وإضطر أن يتوقف وجاء إلى الطاولة خجلا من الموقف ، وتأسف لصديقنا على التشكيك مما زاد أتباعه ومريديه ولم يسمحوا في قدراته وعشنا أسبوعا ممتعاً على ظهر السفينة وجميع طلباتنا موفرة ولم نرتاح حيث كل مجموعة تريد أن تتعرف بصديقنا عن قرب وتشاهد الحركات والقفشات التي يقوم بها في بعض الأحيان للبعض من الركاب للتسلية .
لو أنا شخصيا لم أكن معه ممكن أن أشكك في الموضوع ولكن الله سبحانه وتعالى يعطي ويهب للبعض من البشر قدرات يعجز الإنسان عن فهمها سواءا خيرا أو شراً حيث يضله ويبتعد عن طريق الحق والصواب المبين ويتعامل مع الشيطان الرجيم ، وهذه المصيبة والطغمة الكبرى فقد ضاع دنيا وآخرة إلى الأبد .
كانت الرحلة البحرية جميلة جداً وقضينا معظم الوقت في لعب تنس الطاولة "البنج بونج" ولعب الورق والجلسات العديدة مع البعض من المعارف الجدد حتى وصلنا إلى مدينة إسطنبول في تركيا حيث رست الباخرة بالأصيل في المرفأ وزيارة لبعض المعالم وبعدها العشاء في أحد المطاعم والسهرة في أحد المراقص حيث تم العرض لكثير من الرقصات التركية وأعمال الحواة من لعب وخداع بصر وكان صديقنا يشرح لنا في الخدع بسهولة مما عرفنا الكثير ومنتصف الليل رجعنا إلى السفينة للنوم وغادرت الميناء إلى جزيرة رودس اليونانية حيث رست قبل الظهر وجولة سياحية في الجزيرة بالحافلات والغداء الشهي الجيد من المشويات في العراء في أحد المطاعم تحت ظلال الشجر وعند الأصيل الرجوع إلى السفينة ونحن مرهقون نريد الراحة والنوم .
إستمرت السفينة تمخر في عباب الأمواج حيث الطقس تغير والبحر هاج بعض الشئ ولكن لم نشعر فقد كنا في غرفنا نيام طوال الوقت حتى دخلنا إلى بحر الأدرياتيك وبعد الغداء رست السفينة في مدينة تارانتو الإيطالية للتزود بالوقود وصناديق الطعام من عربات النقل الثقيل الثلاجات وقمنا بجولة سياحية في المدينة على الأقدام بسرعة والرجوع إلى السفينة قبل المغرب وحلول الليل والظلام .
إستمرت السفينة في السير وكان البحر هادئ طوال الليل حتى وصلنا إلى مدينة البندقية حيث ودعت الرفاق ونزلت مع السلم وأنا أشير وأرفع يدي بتحية الوداع ، ولم أعلم وقتها أن هذا الوداع كان الوداع الأخير لصديقي السيد نصوح أصفهاني حيث وافاه الأجل بعدها بشهور عندما رجع من الرحلة "رحمه الله تعالى بواسع المغفرة فقد كان صديقا وفيا" وخلال معرفتي به كان نعم الرفيق والصديق والأخ .
ركبت القطار من المدينة إلى مدينة ميلانو حيث أريد زيارة المعرض لمواد البناء والآلات من خلاطات وعربات نقل وصناعة البلوك وغيرها حيث مهم بالنسبة لي لأطلع على آخر صيحة في عالم البناء والتشييد من مواد وآلات من جميع أوربا وقتها …
وصلت إلى هناك وواجهت مشكلة كبيرة حيث لا وجود لأي فندق حتى أرتاح واقيم مما إضطررت للسكن مع أحدى العائلات التي سبق وأن عرفتها من خلال الرحلات وقد قاموا بالواجب من مبيت وعشاء حتى تحصلت اليوم الثاني على فندق رخيص في أحد الحواري حيث إنتقلت له لأنني لا أريد ان أكون ضيفا ثقيلا على أي أحد.
بعد أن زرت المعرض زيارة كاملة لجميع أجنحته في ثلاث أيام وأخذت معظم "الكاتالوجات" وعناوين الشركات التي مهتم بها للتواصل في المستقبل القريب حتى أدرس السوق في ليبيا وهل من الممكن إيجاد سوق رائجة لموادها وإنتاجها…
حجزت تذكرة للعودة مارا بأثينا اليونان وبعدها إلى بنغازي للوصول قبل يوم العيد ولكن ….
العبد في حسابات والرب الخالق له أخرى وهو الذي يقرر …
رجب المبروك زعطوط
البقية فى الحلقات القادمة …
No comments:
Post a Comment