بسم الله الرحمن الرحيم
شاهد على العصر
36
الإنسان يخطط ، يريد أن يعمل كذا وكذا ولا يعلم الغيب وماذا سوف يحدث ، والرب القادر له تخطيط آخر لا يعلمه الإنسان مهما قام به من حسابات وقراءات ، وقد حدث الأمر معي في كثير من الحالات حيث أقرر عمل أشياء معينة وأجد الطريق للوصول لها مقفلة مما أضطر إلى التغيير والسير في إتجاهات أخرى حيث أنا مسير ولست بمخير .
حجزت على الطائرة من مطار ميلانو إلى أثينا اليونان وجابهت المشاكل حيث أولها بدأت بقفل المطار يومها ، لا سفر منه نتيجة الضباب وعدم الرؤية مما تغيرت الرحلة والسفر من مطار أحد المدن القريبة التي تبعد مسافة طويلة عن مطار ميلانو ، والمصيبة كيف الوصول إلى هناك في طقس مظلم وعدم رؤية واضحة بل ضباب كثيف أبيض يلف جميع الأرجاء ، وخاطرت بالذهاب مع أخ أحد الأصدقاء الذي تبرع بتوصيلي إلى هناك .
وصلت في الوقت المناسب وأنا طوال الطريق على الأعصاب خوفاً من التعرض لحادث مع أي أحد أو الوقوع والسقوط في مكان خارج الطريق نظير عدم الرؤية الواضحة وكنت جالساً مع السائق وأزعجه طوال الوقت بالتنبيه مما كان يبتسم من ملاحظاتي ويقول لا تخاف ياصديقي فأنا متعود على القيادة في الضباب الكثيف لأنني أعيش في قرية بأعلى الجبل في الحدود مع سويسرا وأعرف الطريق جيدا مما إرتحت بعض الشئ حيث أنه قدير وماهر في القيادة في الظروف القاسية الصعبة ، وقلت للنفس مهدءا بأن لا أزعجه في القيادة حيث لا أستطيع منع القضاء والقدر في حالة حدوث أي شئ ولزمت الصمت حتى وصلنا بعد ساعات عديدة إلى المطار في اللحظات الأخيرة قبل إقلاع الطائرة إلى اليونان .
كانت الرحلة البرية والجوية طويلة والأدهى كيف أقلعت الطائرة وعلى متنها 7 ركاب فقط ، وكنت أنا احدهم ؟؟ ووصلنا إلى أثينا اليونان وكانت مصيبة ومشكلة أخرى في الإنتظار فقد كنت بالسابق متعودا على أخذ تأشيرة مؤقته من المطار لمدة 48 ساعة أنهي خلالها أعمالي بسرعة وأرحل ، ولكن هذه المرة ألغيت جميع الإستثناءات وممنوع منعا باتا الدخول لأي عربي مهما كان بدون تأشيرة دخول صالحة من أحد القنصليات اليونانية من أي مكان بالعالم!
تم المنع نظير الإعتداء السافر من إخوتنا الفلسطينيين على مكاتب شركة العال الإسرائيلية للطيران في أثينا مما حل السخط على العرب وأصبحوا يعاملون بنظرات الإرتياب وهم أبرياء من تصرفات البعض نظير أحداث سياسية قذرة يدفع ثمنها الأبرياء من الجانبين العرب واليهود المسالمين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراع العرقي العربي الإسرائيلي على أرض فلسطين ، الذي يحتاج إلى رجال عقلاء حكماء شجعان من الطرفين ، يجلسون على طاولة الحوار الصادق الهادف أهمها توفر الثقة للوصول إلى حلول تشرف الطرفين ، ففي نظري كل شئ مهما كان كبيرا صعبا عويصا بالصبر والثقة والوقت له حل وحلول .
تقدمت لضابط المهاجرة والجوازات للختم ولكن رفض وطلب مني الرجوع إلى الخلف والبقاء في صالة العبور حتى أغادر اليونان وعندما رفضت ضغط على زر خفي حيث في لحظات جاء ضابط آخر ومعه حراس جنود بلباس عسكري وبأيديهم المدافع الرشاشة وطلب مني المغادرة على أول طائرة مسافرة وكانت إلى لندن بريطانيا ولكن عاندت وأصريت على عدم السفر إلى دول أحتاج فيها إلى تأشيرة دخول وأصبح في مشاكل مرة اخرى ، وبعد جدال كبير وافقت على السفر إلى ليبيا أولا ، وأن لا تتوفر الرحلة لها ، عندها السفر إلى أي دولة عربية من الجوار حيث أستطيع الدخول لها بدون تأشيرة وعندها سوف أتصرف …
أخيراً تحصلت على مقعد بالدرجة الأولى إلى القاهرة مصر على الطائرة اليغوسلافية في حدود منتصف الليل قادمة من بلغراد وذاهبة إلى القاهرة مصر مما قضيت ساعات طويلة في الإنتظار الممل وأنا منزعج من سوء المعاملة وقتها وأعين الحراس تلاحقني إلى كل مكان حتى الذهاب إلى الحمام وكأنني مجرم إرهابي دولي كبير بعيون يقظة خوفا من عمل أي شئ مخالف مخل ، وكان همي مركزا كيف أصل إلي ليبيا حيث الذكرى السنوية الأولى لغياب الوالد ومفارقته للحياة .
العادات وقتها تجتمع جميع العائلة في بيت واحد "بيت العزاء" ويأتي المعارف والأصدقاء للتعزية والجبر بالخاطر وبالأخص في أول عيد للمرحوم ، والمفروض أن أكون موجودا مع إخوتي وبالأخص العزاء في بيتي الخاص ولكن الظروف القاسية أجبرتني على عدم الحضور مهما عملت وحسبت وأردت .
منتصف الليل صعدت على الطائرة اليغوسلافية ورحلة مريحة بدون مطبات جوية وصلت للقاهرة وبعد إجراءات عقيمة معقدة إستلمت حقيبة السفر وخرجت من المطار وذهبت إلى فندق الشيراتون على النيل وبالقرب منه بيت الرئيس أنور السادات وأنا منهك من التعب والإرهاق حيث قضيت حوالي 24 ساعة بدون راحة ولا ونوم !
حيث بدأ اليوم الصعب من الرحلة بالسيارة في الضباب الكثيف من ميلانو إيطاليا والرحلة بالطائرة إلى اليونان والتعطيل في صالة العبور في أثينا والإنتظار الممل ساعات عديدة وبعدها الوصول إلى القاهرة والإجراءات الصعبة المعقدة في المطار حتى الوصول إلى الفندق ، ولولا الصحة والشباب لكنت سقطت ومرضت من الإرهاق ، والحمد لله تعالى على جميع نعمه وعطاياه حيث وصلت سليما معافى .
صادفتني مشكلة أخرى حيث دفتر قائمة العناوين وأرقام التليفونات الخاص بالدول العربية لم يكن معي لأنني لم اخطط الرحلة من قبل والمجئ لمصر والقاهرة ، مما تعلمت درسا أن تكون معي بالمستقبل جميعها حتى استطيع ان أتصرف بسهولة ، والمشكلة الثانية نفاذ المال والنقد من الجيب حيث مصاريف كثيرة حلت وشراء التذاكر والمصاريف زادت عن الحد حتى وصلت وكان التخطيط بالسابق زيارة فقط لعدة أيام لدول أوروبية .
أثناء النوم نهضت ليلة العيد من الأرق ولبست ثيابي وقررت النزول إلى أحد المقاهي بالدور الأرضي حيث صالة الإستقبال ووجدت أحد الزبائن الأصدقاء بالصدفة مما رحب كثيرا وقضينا أيام العيد معا في راحة وسعادة وأخذت منه مبلغا كبيرا من المال تحت الحساب مما كان عيدا سعيدا ، والأجمل بدون توقع … اليوم الثاني للعيد بطريق الصدفة وجدت الصديق وإبن العم الشريك الحاج فرج تربح وبمعيته المهندس جميل وصهره من آل بوجازية في أحد المقاهي في الدور الأرضي للفندق يشربون القهوة ، مما كان فرحة ولقاءا بالأحضان .
في اليوم الثالث ذهبت للقنصلية اليونانية وقدمت على تأشيرة دخول وأخذتها بسهولة من غير تعطيل واليوم الرابع كنت على متن الطائرة لأثينا اليونان ، ووصلت للمطار ونفس الوجوه للضباط ولم أتعطل لحظة واحدة حيث تم الختم بسرعة وإستلمت الحقيبة وعربة أجرة إلى الفندق وبعد أن أتممت إجراءات الحجز أعلمت نائب مدير إدارة التصدير بشركة "هيراكليس" لتصدير الإسمنت أنني موجود بأثينا في الفندق وكانت الساعة حوالي الثانية عشر مما رد وأجاب هل أريد ان أتي اليوم أو الغد لتوقيع العقد وقلت له اليوم لأنني أريد أن أرجع إلى ليبيا بالغد .
أخذت عربة أجرة إلى مكاتب الشركة ووصلت إلى هناك في الوقت المحدد وقابلت المدير العام وبعد الحديث الموجز وقعت العقد الخاص بحصة ليبيا "الكوته" في المنطقة الشرقية لصالحي وكنت سعيدا مسرورا حيث التعب والسفر لم يؤثر في كثيرا طالما أنا حققت الهدف ووقعت العقد لسنة أخرى طويلة!
تمت دعوتي لحفل عشاء من الشركة مما وافقت ، ورجعت إلى الفندق حيث تناولت غداء بسيطا والنوم للقيلولة والإستعداد للعشاء والسهرة ، وبالمساء حضر نائب المدير ومعه أحد المرافقين من الشركة ، وذهبنا إلى مطعم فاخر للعشاء وجلسنا في المقهى في إنتظار المدير العام للتصدير السيد "سكالاريو" الذي وصل بعد قليل وإنتقلنا إلى الطاولة المحجوزة لنا حيث تناولنا العشاء من أشهى وألذ الأطعمة والشواء وأحاديث جمة مع المدير وجميعها تدور عن العمل وثورة البناء في ليبيا وعن إحتياجاتها لكميات رهيبة من مواد البناء وبالأخص الإسمنت حتى تستطيع تلبية الطلبات للبناء والتشييد والإعمار .
مما أخذت أفكارا عديدة حتى أستعد وأعرف كيف أعمل بطرق علمية مدروسة وأفوز وأنجح في السوق العطش بدل القيام بأخطاء والوقوع والسقوط للهاوية نتيجة عدم الدراية والتخبط ، حيث الفرص الرهيبة متاحة للإثراء بسرعة تحتاج إلى قوة رأسمال وعزيمة وحظ حتى يستطيع التاجر رجل الأعمال الإبداع .
اليوم الخامس رجعت إلى بنغازي مطار بنينا حيث سيارتي موجودة في الموقف وعليها الغبار من عدم التنظيف والإستعمال نظير غيابي الطويل ، ومررت على محطة الوقود حيث عبأت الخزان وإنطلقت إلى مدينة درنة وأنا فرح سعيد حيث بعد ساعات قليلة بإذن الله تعالى سوف أحظى بمشاهدة العائلة والأولاد .
رجب المبروك زعطوط
البقية في الحلقات القادمة …
No comments:
Post a Comment