Wednesday, November 7, 2012

شاهد على العصر 33




بسم الله الرحمن الرحيم

شاهد على العصر 

33


عام 1972م كما قلت بالسابق عام الأحزان لعائلة "آل زعطوط"  حيث فقدت عزيزين الشاب عبدالسلام والأب الكبير الشيخ الحاج  المبروك عميد العائلة ، ولكن دورة الحياة لاتتوقف بل مستمرة  إلى ماشاء الله عز وجل  حيث البعض ينتهي أجلهم ويرحلون عن هذه الدنيا الفانية ، ويولد مواليد آخرون جدد يبصرون نور الحياة لتستمر ، فالحياة مثل محطة القطار أو المطار ، ركاب راحلون إلى الآخرة وركاب مواليد قادمون  ونحن ننتظر الدور ضمن الأخرين الركاب المسافرين  للرحيل ، ولا أعلم الغيب حتى أعرف متى يحل الوقت والدور حتى أرحل 

منذ عهد الإنقلاب الأسود "ثورة الفاتح" الذي حل الشيطان أبليس على أكتاف الوطن والشعب الليبي مخدر يعيش الأحلام والأوهام  حيث كل يوم يفاجئ بجديد من الأمور والأوامر وكأننا جنود بمعسكرات الأساس نتدرب ، بأمور متضاربة صادرة من عقل مريض مجنون ، تراهات ومهاترات البطل الهمام معمر القذافي.

الذي على ما أعتقد حسب جميع القراءات والتوقعات ، فقد عشت من أول يوم نجح في الإنقلاب الأسود "ثورة الفاتح"  الزائفة  وشاهدت بأم العين في القنوات المرئية النهاية السوداء وهو يستجدي ويترجى آسريه ، طالباً الرحمة والعفو عنه وأنه كبير في السن وفي مقام والديهم ولكن من غير جدوى فقد إسودت قلوبهم وغاب الحنان وهربت الشفقة إلى غير رجعة نظير أعماله الإرهابية وقتله للأحرار بدم بارد وهم أبرياء  طوال عهده الأسود ، وحب الإنتقام من شخصه وتم قتله شر قتلة .

في نظري الشخصي ، هذا العقيد المعقد مريض بحاجة إلى العلاج ووضعه منذ اليوم الأول في مستشفى الأمراض العقلية للتأهيل ، وأكبر خطأ قبوله بالكلية العسكرية من اللجنة المختارة حيث عليهم مسؤولية كبيرة تجاه الشعب ، حتى إستغل الجيش لمآربه الخاصة وقام بإنقلابه الأسود بحجج واهية وإستغل براءة الشعب وهدير خطب الرئيس عبدالناصر الحامية الضارة لتهييج الجماهير الغافلة المتعطشة بدل النفع للأمة العربية 

الخير والشر يتصارعان بداخل نفسه ، والشر دائماً الغالب ، مثل القصة المشهورة من روائع الأدب العالمي "دكتور جيكل ومستر هايد في لندن" ليس له مثيل بالسابق في التاريخ الماضي عبر العصور ، ولن يكون له شبيه بالمستقبل ، فهو حالة شاذة مميزة فريدة ، حيث بأفكاره الجنونية خلط جميع الأمور والمعايير الغث مع السمين وضرب  الصادقة والحقيقية إلى  عرض الحائط وأخرج للعالم النظرية العالمية الثالثة ، الكتاب الأخضر الهزيل الذي يحدد ويعرف الفرق بين الرجل والمرأة وأن المرأة لها عادة ودورة شهرية تحيض والرجل لا يحيض ؟؟!!

أليس بأمر مؤسف ومأساة أن يحكمنا ويتحكم برقابنا مجنون حوالي 4 عقود ونيف من الزمن ويدمغ وطننا ليبيا عالميا بصفة الإرهاب ، وتصرف البلايين من الدينارات والدولارات على الإرهاب والفساد والإفساد وشراء الذمم للسلاطين والحكام والبغاء والعاهرات ونتأخر ونتقهقر سنوات عديدة للخلف والدمار نتيجة الجهل ، والسؤال الكبير هل  هو المجنون أم الشعب الليبي مجنون الذي رضي بحكم هذا المخبول ؟؟؟ إنني لا اعرف !!!

لا أريد أن أعرف حتى لا أجن من الحقيقة الساطعة أننا كنا على خطأ ومجانين ، نترك العهد الملكي السابق والملك إدريس الزاهد والخير الباسط الذي كل يوم يربو ويزيد مع التطور للمستقبل من الحكومات المتعاقبة تحت إرشادات الملك الذي سنة 1965م  رفض العرض الأمريكي بمساعدة الشعوب في أفريقيا حتى يرفع من شأن ليبيا أولا وإذا زاد الخير فلا مانع  ولا نساعد بالصمود والتصدي دفاعا عن الملك سليل السنوسية الطاهر  الذي أفنى العمر في سبيل إستقلال ليبيا من المستعمر الإيطالي ، بل نفرح ونرقص لمخبول تافه غير معروف الأصل والفصل وليس له جذور وأخوال حتى نعرف 

بدأت المشاريع لذر الرماد في العيون ، ولإلهاء أبناء الشعب عما يجري من أمور في الخفاء حتى لا يتذمر ويقوم بثورة وهو مازال ضعيفا سهل القضاء عليه ، وتم العرض لأعمال البناء والتشييد العمراني تعلن في الصحف بكثرة وبسخاء بأسعار مغرية ، وخرجت طبقة من المقاولين على السطح تنفذ الأعمال الكثيرة والبعض الأذكياء ذوي الخبرات واصلوا ومع الوقت وصلوا للقمم ، وأصبحوا ذوي ثراء فاحش في سنوات قليلة ، والبعض تقهقر وأفلس وتوارى وخرج من الساحة نظير الفشل ، وآخرون إستمروا ولكن بخطوات عرجاء أصبحوا بالوسط طوال الوقت بين البينين ،  وسبحان الله تعالى على الحظ يهب الثروة والسلطة والجاه لمن يشاء من  البشر 

شاركت السيد أبوبكر عريف البرعصي المقيم في مدينة درنة في أوائل السبعينات بكلمة شرف ومصافحة باليد بدون كتابة أي عقد ، حسب العادات وقتها التي تعتمد على الثقة العمياء حيث رسى عليه تنفيذ مشروع  بناء 50 مسكن شعبي في منطقة الساحل الشرقي بدرنة وأحتاج للتمويل وشاركته وزودته بمواد البناء من إسمنت وحديد وبعض المال لدفع الأجور في البدايات ، ونفذنا المشروع وكان نعم الرجل الصادق  الشريك الوفي ، الله عز وجل يسامحه في كل لحظة تعاملنا فيها مع بعض  وأن يوفقه في كل خطوة .
  
لقد تعاملت مع الكثيرين من المقاولين في المدينة والمنطقة وتم تزويدهم بمواد البناء الأساسية والدفع بالأجل حتى تدفع الدولة المستخلصات وعندها يتم الدفع ، وأذكر قصة أساسية هي التي غيرت مجرى حياتي وجعلتني أتجه بقوة إلى ناحية المقاولات وأستخرج رخصة بإسمي ، وأصبح مقاولاً  أصارع في الميدان  لقد كان لدي زبون إسمه السيد "فرج البرغثي" وشريكه السيد "سلامة" مقاول  فلسطيني كبير بالسن جار عليه الزمان وهاجر من غزة وإستقر بدرنة ، وكنت أكن لهما محبة وعلاقة روحية خاصة حيث بادئين في الأعمال من الصفر وليس لديهم رأسمال ، وإتفقت معهما بكلمة شرف حسب العادة أنني سوف أزودهم بجميع الطلبات من مواد البناء لإستمرار المشروع لديهم بشرط عندما يقبضون المستخلص الأول يدفعون جميع الحسابات والمبالغ المطلوبة منهم 

حافظت على الكلمة والعهد وساعدتهم في الخفاء بناءا على علاقتي الجيدة مع الكثيرين من المسؤولين حتى تم الدفع لهم بمبلغ كبير ، وأفاجا بغيابهم ، مما شعرت بالشك لماذا التغيب عدة أيام وطلبتهم وجاؤوا للمكتب يوما حوالي الظهر وقدموا لي صكا بمبلغ زهيد لا يتجاوز عشرة بالمائة من المبلغ المطلوب مما غضبت وقلت لهم ليس هذا الإتفاق ؟؟ وحاولوا إرضائي وأنهم سيقومون  بالتسديد الكامل في المستخلص الثاني .

لكنني صممت من الغيظ والغضب نظير الإنتظار عدة شهور من المساعدات والتمويل القوي والمساندة ، وأعامل بعدم إهتمام؟؟ وبأموالي يشترون معدات والمفروض يصارحونني حتى أوافق وأساعدهم ، وقلت لهم بصراحة بدون كذب ولا خداع ، العلاقة التجارية  إنتهت في المعاملة والبيع  بالأجل وسوف أصدر الأمر  بذلك لأمين المخزن!  لأنكم لم توفوا بالوعد ولا العهد وستبقى الصداقة والأخوة والعلاقات الجيدة بيننا إلى الأبد بإذن الله عز وجل .

فعلاً نفذت الوعد وأصدرت الأمر لأمين المخازن والميناء ، لا معاملات بالأجل تحت أي ظرف لشركتهم  حتى أتحصل على المبالغ السابقة وفعلا في خلال شهور عديدة أخرى كل مرة دفعة بسيطة حتى تم التسديد النهائي 
ذاك اليوم نظير الغيظ والغضب ، عصرت الفكر وقلت للنفس طالما أنا أساند  المقاولين بجميع مواد البناء بالأجل  وأصبح تحت رحمتهم في القبض ،  لماذا لا أنشئ شركة مقاولات خاصة بي تعمل في مجالات البناء والتشييد وأدخل في المناقصات والعطاءات وأتحصل على مشاريع وأمولها بنفسي بدلاً من البيع بالأجل للآخرين  وأضمن الدفع رأساً لحساباتي  بالمصارف؟؟ إختمرت الفكرة وقررت البدء فأنا بطبعي مغامر ومقامر ورائد في أمور عديدة عندما أقتنع … لأنه لدي قناعة كبيرة أن الذي لا يغامر ويصبح رائداً في المقدمة لا يصل للقمة ، بل دائماً يراوح في مكانه ونجاحه بسيط له حدود ويتوقف 

في اليوم الثاني طلبت من مدير المكتب السعي للحصول على رخصة مقاولات حتى أبدأ في تنفيذ الفكرة ، وخرجت مؤسسة رجب زعطوط للمقاولات العامة إلى السطح وأبصرت النور لأول مرة  وتحصلت على الرخصة المطلوبة بعد أسبوع من الجري والجهد ، وبعدها بفترة بسيطة رست علي عدة مشاريع للبناء ، نظير الثقة العمياء من بعض المسؤولين ، منها على سبيل المثال بناء مدارس في القبة ورأس تاجو والدبوسية ولملودة في وقت واحد وبعدها بحوالي الشهر وقعت عقدا مع شركة "ريكو" الألمانية لبناء الأعمال المدنية والقواعد الخرسانية للقواعد الحديدية  لمصنع الملابس الجاهزة في الساحل الشرقي بدرنة والذي مازالت هذه الأعمال قائمة حتى الآن  تشهد حسن وإتقان العمل والبناء ضمن المواصفات والقياسات المطلوبة .

حدثت عدة نوادر أحببت أن أذكر البعض منها ، فقد كان لي صديق يعز علي السيد عبد القادر بن طالب الذي تعرفت عليه عندما كان تاجراً  بمحل بقالة بسوق الظلام مع شريكه العزيز والصديق الآخر السيد رجب بودراعة في بدايات الستينات عندما كنت تاجراً في بيع مواد السلع التموينية بالجملة ، وجارا لهما في شارع إبراهيم الأسطى عمر  ليس بعيدا منهم .

كان السيد عبدالقادر نعم الأخ والصديق "رحمه الله تعالى بواسع رحمته" ملازما لي معظم الوقت ويلبس اللباس الليبي البسيط ، سروالاً ليبياً به "تكه"  طويلة على غير العادة يتمنطق بها مما تحصل على لقب بوتكه مع طاقية حمراء بالرأس وميزته يتكلم بطلاقة غريبة عجيبة 3 لغات أجنبية: الإنجليزية والإيطالية والألمانية. ويوم حضور مندوبي الشركة الألمانية للتباحث عن الأسعار والشروط لتوقيع العقد  وكنت حديث العهد بالمقاولات وأشياءا كثيرة لا أفقه فيها التفاصيل الدقيقة بل المعرفة  البسيطة كمعلومات عامة 

كنا يومها بأحد المواقع والسيد عبدالقادر جالسا على الأرض يطهو الشاي ، وإثنان من الألمان أحدهما مهندس إسمه رولاند بيرقر والآخر صاحب الشركة السيد كوسمان ، مع الوقت ربطتني بهما صداقة جمه ، يتناقشان معي عن الأسعار ، وقلت للسيد عبدالقادر لا تتكلم وأنصت جيدا للحديث وأنا سوف أقول الأسعار لكل بند على حدة ، إذا كان السعر عاليا جداً وتذمر الألمان إرفع البراد عن النار لأعلى حتى أعرف كيف أخفض السعر قليلا ، وإذا كان السعر قليلا مد يدك على البراد وحركه قليلا على جمر النار مما سوف أحاول الرفع ومزيدا من السعر لأعلى.

كنت أناقشهم في كل بند على حدة ومركزا بدون علمهم على حركات البراد من إرتفاع وهبوط مما ذهل الألمان من وضع الأسعار حيث كانوا يتحدثون مع بعضهم بلغتهم الألمانية وهم خاليين البال أن هذا الليبي البسيط الذي يقوم بطهي الشاي لهم خبير في اللغات ، مدسوس عليهم لسماع نقاشهم مع بعض عن العقد ، يخبرني أولاً بأول بلغتنا العربية الدارجة المحلية  التي لا يفهمونها ،، مما عرفت طريقة تفكيرهم وأسعارهم وعرفت كيف أفوز بالعقد ولولا الحظ والقدر ومشيئة الله عز وجل ووجود المرحوم عبد القادر لكنت ضيعت الكثير ولكن ربحت الربح الكثير وتعلمت مع الوقت كيف أصبح مقاولاً قديراً.

لقد تعلمت أن معرفة اللغات شئ أساسي لنهوض وسمو وحضارة أي شعب ، حيث نسينا قول الرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام  الذي يحث على طلب العلم ولو كان في الصين و على تعلم اللغات الأخرى حتى نعرف ونتقي كثيرا من الشر والشرور (فمن تعلم لغة قوم أمن شرهم)… ويأتي الجاهل السيد أحمد إبراهيم يوماً في العهد السابق للمقبور عندما كان مسؤولاً عن التعليم ،  ويلغي اللغات الأجنبية من تعليمها والتدريس في المدارس والمعاهد والجامعات الليبية بتاتاً  بإتفاق مع المريض الآخر القذافي أليس بمأساة و مصيبة ؟؟؟ 

بدأت في بدايات السبعينات في الظهور على السطح في المدينة وبدأت الإمبراطورية تتكامل وتصبح لها السيطرة في المدينة وكانت الفلسفة الرئيسية في الأعمال هو الإختيار الجيد للأعوان حيث أؤمن أن النجاح لأي إنسان مسؤول في أي عمل خاص أو عام  يعتمد إعتمادا كليا على الأعوان إذا كانوا جيدين ، ينهضون بالمسؤول أو صاحب الشركة ، وإن كانوا ضعفاء عندها الدمار والخراب مهما كان المسؤول أو صاحب الشركة جيداً .

أحد الأسباب الرئيسية للنجاح الذي حققته كان رضاء الله عز وجل والوالدين اللذان يدعوان لي دعوات صالحة للنجاح والفوز في كل خطوة ، مما فتحت الأبواب على مصراعيها وتحصلت على الرفقة الجيدة والقلوب الطاهرة وكل خبيث أو ذو سوء نية إلتحق بالمؤسسة نظير ظروف معينة  مع الوقت سقط وتلاشى من الخريطة للمؤسسة عندما تم الهز بالغربال ولم يستطيع المقاومة والبقاء مما مع الوقت نجحت وأصبحت من المشاهير بالمدينة الصغيرة ، مدينة الكناية المشهورة "قيادة الأحوال" التي  إن دلت على شئ فهي تدل دلالة واضحة على الذكاء الغير عادي لدى الجنسين من سكانها الأصليين.
                                                           رجب المبروك زعطوط 

البقية فى الحلقات القادمة 
  

No comments:

Post a Comment