بسم الله الرحمن الرحيم
شاهد على العصر
40
في أحد الليالي عندما كنت ساهراً مع رفاقي ، الأستاذ محمد الهنيد والحاج صالح بودربالة والرفيق عثمان بوراشد وآخرين في البيت لتمضية الوقت ، حضر السيد يوسف امحيسن رفيقنا وهو متجهم الوجه و حزين فسألته عن السبب فقال: كل سنة عندما يقترب موسم الحج أصاب بكآبة وضيق نفس بدون أن أدري حيث لدي الرغبة للحج وزيارة الأماكن المقدسة ولم يسخر المولى عز وجل الأمر وأسافر وأقضي الفرض ، ولا أعلم المستقبل وهل ستكتب لي الحياة وأزور بيت الله الحرام أم لا…
كان على موعد الحج ثلاثة أيام فقط ، وهداني الله عز وجل القول ، وقلت يا أستاذ يوسف هل تريد الحج هذه السنة أم لا؟ وقال إنها أمنية العمر ولكن ليس لدي التأشيرة ولا المال ولا الوقت الكافي حيث مازال على الوقت ثلاثة أيام فقط .
فقلت له إذا أنت مهتم وتريد السفر تعال الساعة الرابعة صباحا إلى البيت هنا ومعك بعض الثياب وجواز سفرك وسوف نسافر معا فقد حلت الساعة بأذن الله عز وجل ، مما تطلع لي بدهشة وإستغراب هل أنا أسخر منه؟ أم أقول الحق والصدق ، وأكدت الكلام والرفاق يسمعون كشهود الحديث وهو غير مصدق ، وقلت له لا تضيع الوقت فعندك فرصة العمر لا تضيعها حيث الآن ساعة طرب وسوف نسافر بإذن الله تعالى ، لا تغيرها بساعة غضب وترفض العرض… ورد قائلا ومن يكره الحج وزيارة بيت الله الحرام إلا العاصي الغير مؤمن بوجود الله تعالى ولا يعرف ولا يؤمن أن الحج أحد أركان الإسلام الخمسة المفروضة والواجب الزيارة لها على كل مسلم " من استطاع اليه سبيلا " وقلت له إذا نحن متفقون على الرحلة والرفقة ، إذهب الآن وجهز نفسك وبلغ عائلتك الأمر وتعال في الميعاد حيث مازال باقيا على الموعد عدة ساعات فقط حتى نسافر إلى الحج .
توقفت عن الحديث وسهرة بسيطة وتمنى لنا الجماعة التوفيق في الرحلة المباركة وجميعهم مستغربين غير مصدقين كيف بهذه السرعة يتم الأمر ، حيث يحتاج إلى وقت طويل وتخطيط وترتيب لأشياء كثيرة حتى يستطيع الإنسان الحصول على الموافقة بالقرعة من ليبيا ، والحصول على المال النقد الأجنبي والتاشيرة السعودية وتذاكر السفر وغيرها من الأمور الكثيرة ، ولم يعلموا أنه لدي علاقات كثيرة وكبيرة في دول عديدة بالخارج وأستطيع من خلالها تدبر أمورا صعبة في نظرهم وسهلة في نظري ، والأهم هو توفيق المولى تعالى وطهارة القلب وإننا متوكلون عليه سبحانه وتعالى ومتأكد أنه لا يرفض ولا يبخل علينا وسوف يفتح جميع الأبواب على مصراعيها لأن النوايا طيبة .
بعد ما غادرت المجموعة نزلت إلى المكتب وقمت بإتصال هاتفي بالأخ فتحي السائق وأوصيته بأن يأتي للبيت على الساعة الرابعة لتوصيلنا إلى مطار بنينا ببنغازي ، وبعثت بتلكس إلى صديقي العزيز السيد فرانشيسكو بيلوتا في روما إيطاليا كي يأتي للمطار غداً ويضمن السيد يوسف في الدخول إلى إيطاليا لمدة يوم واحد فقط كعبور وإننا بإذن الله تعالى سنصل على متن الطائرة القادمة من بنغازى بالضحى ، وأرسلت تلكس ثاني إلى أحد الأصدقاء السعوديين في الرياض ليحجز لنا غرفاً في فندق الفتح في مكة المكرمة لموسم الحج حيث أنا قادم ومعي رفيق اخر ، وقمت بتحضير نفسي حيث أخذت حقيبة صغيرة ووضعت بها بعض الأشياء المهمة التي سوف أحتاجها … أما بالنسبة إلى التأشيرة الإيطالية فقد كانت متوفرة عندي حيث كنت كل مرة أجددها لمدة ستة أشهر وبإستطاعتي الدخول إلى إيطاليا في أي وقت خلال المدد الممنوحة من القنصلية الإيطالية .
أبلغت زوجتي التي كانت نائمة بعد أن ايقظتها، أنني متوكل على الله تعالى وذاهب للحج مما إستغربت من الأمر وهي مازالت نائمة من المفاجئة ، ومازال على قدوم السيارة والرفيق يوسف بعض الوقت مما توضات وصليت عدة صلوات ودعوت الله عز وجل أن يوفقنا في الرحلة المباركة وأن كل شئ يتم ويمر بسهولة وأن لا نتعطل …
الساعة الرابعة وصل السائق وبعده بدقائق وصل الرفيق يوسف وتوكلنا على الله تعالى في الرحلة ، وبعد الساعتين والنصف كنا بمطار بنينا ، وقابلت أحد الأصدقاء المسؤولين بالأمن وقلت له أن صديقي يرغب في السفر إلى الحج ونحن متوكلون وليست له تأشيرة خروج ولا تأشيرة إلى روما ونريد مساعدته حيث هو إنسان بسيط وسوف يدعوا لك في الحرم بإذن الله تعالى وقال ولا يهمك ياحاج! وسلم على يوسف وأخذ منه جواز السفر مع جوازي وخلال دقائق كان مختوما بالأختام المطلوبة وله الحق بالسفر .
كان لي صديق آخر من مدينة زواره من " آل افطيس " يعمل في مجال الحجوزات والتذاكر وطلبت منه التصرف حيث مقاعد الطائرة كانت محجوزة بالكامل ، وأعلم أنه يستطيع في حالة القبول أن يتصرف في الموضوع حيث دائماً يحتفظون بعدة مقاعد قبل الإقلاع لأي طارئ … وقال طالما أنتم راغبون في الحج ، لن ارفض! وتحصلنا على مقعدين بالدرجة الأولى …وصعدنا الطائرة والأستاذ يوسف غير قادر على التصديق ساهماً في ذهول كيف هذه الأمور تتم بهذه السرعة وكان يعتقد أننا في مطار بنغازي لن نتحصل على الموافقة بالسفر وسوف يرجع إلى درنة قبل الظهر .
رحلة جيدة إلى روما إيطاليا ولم نتعطل حيث الأمر بتاشيرة مستعجلة للحاج يوسف موجودة بالمطار ، وصديقي الكفيل السيد فرانشيسكو موجود في المطار ينتظر وصولنا ، وبعد التحيات والسلام راسا إلى مكتبه وكان يعمل لديه أحد الموظفين وأخته كانت تعمل في القنصلية السعودية كموظفة إستقبال لإستلام طلبات التأشيرات والقنصل السعودي لا يرفض لها أي طلب … وطلبت منه المساعدة وإتصل بأخته وقالت لا مانع فليقدم بسرعة قبل منتصف النهار .
قلت له من فضلك أعمل معروف لنا أن تذهب معه وأعطيته جوازات السفر وصور فوتوغرافية شخصية خاصة بي يحتاجها للحصول على التاشيرة ، وأن يأخذ الحاج يوسف صوراً فوتغرافية سريعة من المحل الذي بأسفل العمارة وأعطيته بعض المال ليشتري لنا أحذية خفيفة للمشي وفوط كبيرة "مناشف" لنستعملها في الطائرة قبل الوصول للإحرام ، وذهب مع الموظف وبقيت بالمكتب لأهتم بالحصول على المال ، وسحبت مبلغا كبيرا من الدولارات بحيث تكفينا عدة مرات ونستطيع الصرف ببذخ ، حيث في رحاب الأراضي المقدسة ، مكة المكرمة والمدينة المنورة ، لا يهمني الصرف المعقول ، حيث طبعي سخي ولست بمقتر مثل الكثيرين من البخلاء …
ذهب الموظف ومعه الحاج يوسف للحصول على التأشيرات من القنصلية السعودية وشراء المطلوبات التي نحتاجها … وأثناء فترة الغياب حجزت وإشتريت التذاكر للسفر إلى مدينة جدة على الخطوط الجوية السعودية على ما اعتقد فقد مر وقت طويل على الحجة والرحلة تغادر روما الساعة ١١ بالليل وكل الأمور سليمة من ناحيتي …
تأخر كثيرا الموظف والحاج يوسف عن الوصول إلى المكتب أو الإتصال الهاتفي حتى نعرف أسباب التأخير ، ألمت بي الهواجس والقلق وبدأت الظنون السيئة تنتابني ، هل التأخير سببه عدم الحصول على التأشيرات من القنصلية السعودية ؟؟ أو وقع لهم حادث سير؟ أو نتيجة الزحام ؟؟ أو وأو …
عشت ساعات قلق رهيب ووقتها لا توجد هواتف نقالة مثل الآن حتى أستطيع الإتصال والمتابعة وأعرف أسباب التأخير وعرض علي صديقي السيد فرانشيسكو بيلوتا أن أرتاح ونذهب إلى المطعم القريب لتناول وجبة الغداء ولكن رفضت حيث كنت قلقا ولا أستطيع الراحة ولا الأكل حتى أشاهد وصولهم وطلب على سندوتشات للأكل بالمكتب .
أخيرا حوالي الساعة الرابعة بعد الظهر وصلوا إلى المكتب ووضع أمامي الجوازات وعليها التأشيرات مما فرحت في التوفيق من الله عز وجل وكنت قبلها في أشد القلق والأعصاب مشدودة وأكاد أنفجر من الغيظ والغضب ولكن الحاج يوسف بطبيعته الهادئة وكلامه الرزين المؤدب وطلاوة اللسان والشرح وأنه الذي سبب التأخير حيث أعجبته الأسواق وجعلني أبتسم من الغيظ وكأن شيئا لم يحدث … ولا تأخير … والموظف قال انه ذهب إلى عدة أسواق حتى تحصل على الفوط والنعال المطلوبة والطرق جميعها مسدودة بالسيارات نتيجة الزحام ، وهدأت النفس وتناولنا السندويتشات ونحن نضحك من الموقف والحاج يوسف دهش ينتابه الذهول من تتابع الأحداث السريعة خلال وقت بسيط عدة ساعات بدأت البارحة حوالي الساعة العاشرة مساءا بالبيت في درنة ليبيا ، والآن حوالي الخامسة مساءا من اليوم الثاني ونتحصل ونقوم بكل هذه الأمور وحمد الله تعالى أن الطريق ميسرة …
قضينا معظم الوقت بالمكتب في أحاديث وحوالي المغرب أوصلنا صديقي السيد فرانشيسكو بسيارته إلى المطار وشكرناه على المجهود الكبير في الحصول للحاج يوسف على التأشيرة المؤقته للدخول إلى روما ، وخدمات الموظف في الحصول على التأشيرات السعودية فقد كان له الدور الكبير وودعناه على أمل اللقاء في روما أو ليبيا عن قريب بإذن الله تعالى .
دخلنا للمطار وأنجزت جميع الإجراءات خلال ساعة وجلسنا في مكان الصعود للطائرة ننتظر وتعرفت على أحد الحجاج من طرابلس وإسمه الحاج سالم قدح ومعه زوجته ، وقدم نفسه إذا لم تخني الذاكرة على أنه رئيس أو عضوا بالغرفة التجارية في ليبيا ، وكان إنسانا مهذبا طيب الأخلاق ذو وجاهة ، يشرف الإنسان أنه تعرف عليه …
صعدنا الطائرة ورحلة هادئة وقبل الوصول وقع إعلامنا بتوقيت الإحرام مما توضأنا وأحرمنا ولبسنا الفوط ونحن فرحى سعداء ونوينا الحج والعمرة ، ووصلنا قبل الفجر إلى مدينة جدة حيث فروقات التوقيت والرحلة ، وكانت وقتها المنع من الدخول إلى الأراضي المقدسة حيث بعد الغد الوقفة على جبل عرفات ، وتم وضع الحجاج في مستودع كبير جدا يسع عشرات المئات به عشرات المراوح تعمل بقوة للتبريد من الحرارة الشديدة التي كانت وقت الفجر وبزوغ الشمس …
بدأت الطائرات تصل متتابعة من أماكن كثيرة وبالأخص من أفريقيا ، والجميع يقادون إلى نفس المكان الرحب الواسع ، وشاهدت غرفة كبيرة مليئة بعشرات الآلاف من جوازات السفر وهي مرمية بدون إهتمام على الأرض تزن في نظري عدة أطنان …
بدأت الشائعات تدور في أوساطنا وأن بيت الله الحرام مقفل ولن نستطيع السنة أداء فريضة الحج مما أصبحنا في قلق وإنتابتنا الهواجس هل بعد كل هذا التعب والتضحيات والواسطات ونصل إلى المملكة السعودية وبيننا وبين مدينة مكة المكرمة مسافة قليلة لا تتعدى مائة كم ويحدث المنع ؟؟؟ وأصبح الجميع في قلق ….
لكن الرب يعلم بالنوايا وأن القلوب طاهرة لبت النداء وجاء الحجيج من كل فج عميق بعيد وسخر لنا أحد الأمراء السعوديين المسؤولين الذي جاء في زيارة تفقدية وشاهد الآلاف ينتظرون وشاهدته من بعيد وهو يتجه حولنا يمشي ومعه ركب من المساعدين والحرس ، وعنف الذي أمر بالمنع وتردد الكلام منه وسط أوساطنا كيف يتم المنع لضيوف الرحمن الله عز وجل ! واصدر الأمر بالإفراج فجزاه الله تعالى كل الخير .
في دقائق بدأ الهجوم على الغرفة حيث كل حاج يريد الحصول على جواز سفره ، والجنود والحرس بصعوبة يحاولون جمعنا في صفوف طويلة حتى يتم الفرز للجوازات والختم بالدخول الذي إستمر ساعات وخرجنا من المطار ونحن فرحين سعداء أنه كتبت لنا الحجة ، وأجرنا عربة أجرة وإتجهنا إلى بيت الله الحرام بمكة المكرمة .
عندما شاهدت الكعبة المشرفة إنتابني شعور روحاني وضياء بالقلب والنفس وشعرت بسعادة غامرة لا أدري من أين أتت ؟؟ ورأسا إلى الفندق " فتح " ووضعنا الحقائب البسيطة في مخزن الأمانات وبسرعة إلى الحرم ، حيث كنت الدليل والمطوف للحاج يوسف وقمنا بطواف القدوم سبع مرات حول الكعبة وصلاة ركعتين في مقام سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وشربنا من ماء زمزم الطاهر وقمنا بالسعي بين الصفا والمروة وحلقنا الشعر "صفر" ، ورجعنا إلى الفندق ونحن مرهقين بعد حوالي الساعتين وقد أتممنا المراسم الأولى بخير وسلام .
بالفندق سألت على الحجرات وكان أحد الموظفين المصريين في الإستقبال ورد علي أنه لا توجد غرف بنظرة إستعلاء وكأنني أشحت منه طالبا صدقة وقلت له ياسيد من فضلك تأكد من السجل أمامك ولم يعرني أي إهتمام مما اضطريت لرفع الصوت قليلا حيث الأمر الرباني لا جدال في الحج ولكن هذا المعتوه المجنون الذي ليس من عادة إخوتنا المصريين وبالأخص موظفي الإستقبال إلا البشاشة وحلاوة اللسان مما إستغربت كيف يرد بهذا الشكل السمج الذي لا يدل على أدب ولا أخلاق وبالأخص في بيت الله عز وجل فمنه لله تعالى الذي يأخذ الحق …
سمع المدير السعودي المجادلة ووقف من مكتبه بالغرفة المقابلة وجاء لمكتب الإستقبال وأخذ الدفتر الكبير للتأكد وطلب الإسم وأجبته وبدأ يراجع ووجد الإسم مكتوباً وبسرعة تهلل وجهه وقال مرحباً بضيوفنا الحجاج ، لديكم جناح محجوز لكم وطلب من أحد العمال رفع حقائب اليد التي معنا وأخذ المفتاح هو شخصيا وركبنا المصعد وفتح باب الجناح وكانت غرفتين وبالوسط صالون للجلوس وعلى الطاولة باقة زهور وورود للترحيب بالوصول وصحن كبير مليئ بأنواع من الفاكهة وأعطاني المفتاح وتمنى لنا قدوما وحجا مبرورا و ذنباً مغفوراً .
عرفت بعدها السر فقد كان الحجز من الديوان الملكي السعودي حيث صديقي السعودي والده ذو وظيفة عالية بالقصر ومن الأصهار للعائلة السعودية وأنا لا أعلم ! فالحمد لك يارب على العطاء الجزيل وأن لدي معارف وأصدقاء من علية القوم .
ذهل الحاج يوسف من الجناح والإستقبال الجيد …
رجب المبروك زعطوط
البقية في الحلقات القادمة …
الحاج سالم قدح يكون جدي ربي يحفظه ان شاء الله
ReplyDelete