Sunday, October 11, 2015

قصصنا المنسية 56

 بسم الله الرحمن الرحيم

 خواطر الغرفة 101

الحلقة الثانية

 ساهمت في الكثير من المواضيع والإتصالات رفيعة المستوى مع بعض الدول العربية وعلى رأسها المملكة المغربية، أيام عهد الملك الحسن الثاني ، والجارة مصر أيام عهدالرئيس أنور السادات ، والقيادة الفلسطينية أيام الرئيس ياسر عرفات،  ودولة العراق أيام عهد الرئيس صدام حسين...  وبعض الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، وكان التنظيم أحد العوامل المهمة في إغلاق المكتب الشعبي في أمريكا، ولدينا العلم قبلها بعدة شهور، وساهمنا بجميع الجهود حتى لا يزور القذافي مدينة نيويورك ويخطب من على منبر الأمم المتحدة كرئيس لوفد إفريقيا، وقد نجحنا في ذلك الوقت، وأفشلنا الكثير من مخططات القذافي، في السر مع غيرنا من المعارضين حيث كنا نتبادل المعلومات مع بعض الدوائر الأمنية في دول عديدة لنحافظ على رؤوسنا كمهاجرين شرفاء، من أن تطالنا أذرع  الطاغية أو تنهشنا كلابه في غفلة .

            تعاطفت معنا بعض الدول العربية والغربية وعلى رأسها أمريكا، وعاملونا بشرف كأصحاب قضية وطنية ، ولم يحاولوا الإستغلال كما أشيع عند الكثيرين من البسطاء نظير كذب وتراهات النظام، وأننا عملاء للغرب، وللأسف نحن الليبيون وقتها لم تكن لدينا التجربة السياسية الواسعة ولا الخبرات الكافية للمعارضة حتى نستغل التعاطف للمصلحة العامة، ونصل للهدف بسرعة، بل بتشرذمنا وعدم وحدتنا، وكثرة الكلام والدس من قبل جبناء أشباه رجال خلق فتنا كثيرة بيننا، وإضطررت للتهدئة والتريث وإعادة الحسابات لفترة في شهر يوليو عام 1985 تاركا المجال للغير، طالبا راجيا من الله تعالى لهم التوفيق والنجاح .

                في الشهور الأولى من سنة 1985م صدرت نشرة إسمها "الحقيقة" للتشويه من بعض العملاء على إنني عميل للنظام والغرب نظير العلاقة والصداقة والعمل التجاري التي كانت تربطني بالأخ عبدالعالم الغرياني الذي قام بزيارة إلى ليبيا، مما كثر الكلام والشائعات والقيل والقال عنا... وأنا أضحك على العقليات التافهة التي تدور وتدور في مواضيع لا تؤثر على نظام القهر، بل دس فتن في أوساطنا بالغربة والمعارضة حتى نتمزق إلى شراذم بدل أن نتوحد ونجح النظام في ذلك... حيث لديه عقول الإجرام والخبث من جميع أنحاء العالم ، مستشارين مؤجرين للتصدي للمعارضة والتخطيط لهدمها ودمارها، والذي حز بالنفس أن بعض الإخوة والأصدقاء والرفاق، لا حظت أنهم كانوا متحفظين معي في الحديث بعض الأحيان وليسوا مثل السابق قلوبا مفتوحة لا أسرار بيننا...  لازمني هذا الشعور فترة طويلة بالنفس غير قادر على التوضيح الكبير وأنا بالداخل أحترق وسلمت الأمر لله عز وجل.

                   تكالبت الطرقات على الرأس، وبعدها بفترة نشرت جريدة ألمانية إسمها "النجمة" أنني إرهابي مطلوب في العديد من الجرائم والإختلاسات المالية بالوطن وأنني هربت خوفا من الإعتقال، وكلام ودش كثير، مما الكثيرون من أشباه الرجال المتسلقين على أكتاف المعارضة لم يعرفوا السمين من الغث، هل أنا عميل للنظام والغرب، أم معارضا وطنيا غيور؟

              وزاد الطين بلل نشرة مجلة الرأي العام من قبرص، صوت النظام المأجورة، بناءا على المجلة الألمانية من دش وتدليس، زادوا الكثير والكثير من المغامرات والجرائم بحيث أصبحت مثل البطل جيمس بوند في الأفلام، والواقع جميعها لا تمت للحقيقة، كذب وتزوير وبهتان... كانوا محتاجين لكبش فداء ضحية حتى يلام عن الأخطاء والفشل في القضاء على المعارضة الوليدة ، من قبل اللجان...  واللأسف البعض من قيادي المعارضة عديمي الخبرة والتجربة بنفسيات الرجال ومدى قدراتهم على  الصمود والكفاح صدقوا الأمر، بدلا من التقدير والإجلال والإكرام لأعمال التحدي التي قمت بها، بل جنحوا إلى التكالب والنهش والطعن في المصداقية ... مما تركت الأمر والحساب لله تعالى هو العادل والعارف بالأمر. 

                  طاردني النظام بعنف محاولا غلق جميع المنافذ  حيث يعلم عن يقين أنني خطر عليه، نظير العمل في الخفاء ولدي العلاقات الكثيرة وسرعة الحركة من مكان لآخر...  لم يتوقف عن بث الشائعات وبذر بذور الفتنة التي مع الوقت أينعت عند الكثيرين من أدعياء النضال والمعارضة أشباه الرجال، ووجدوها فرصة لإزاحتي من مسرح الأحداث بالمعارضة وكأنها ملك لهم، وليست إطارا وعنوانا للجميع .

              كتبت بعض الورقات أواخر 1986م وسميتها (صرخة حق ) حيث حسب رؤيتي أن المعارضة الليبية في مرحلة إحتقان كبير تمر  بعنق زجاجة غير قادرة على الخروج منها، نظير التخبط الأعمى وعدم الدراسات الواقعية على الميدان ووضع الخطط للمستقبل...  وشرحت الكثير بالحق وبدون تجني على بعض أدعياء الزعامة وقتها بدون ذكر للأسماء صراحة وفي العلن، وقامت القيامة ضدي، وكنت سعيداً لأنني كنت موفقاً، غضبهم وغيظهم أخرجهم من مكامنهم المختبئين فيها نظير الضعف يدافعون عن أنفسهم، لأن العقول ضحلة والنفوس ضعيفة لا تعترف بالواقع المؤلم  على مايدور على الساحة، فقد كنا نحتاج إلى وقفة ومساءلة للنفس والذات ماذا عملنا وماذا حققنا؟؟ وما الذي سوف نعمله حتى نحقق النصر وننجح؟ ولو كانوا شرفاء وواقعيين وصادقين في توجهاتهم، لا يهتمون للأمر ولا يكيدون،، حتى ينتسى مع الوقت ويحاولون الاصلاح للنجاح .

                إجتمعت اللجنة المركزية بدون إعلامي ولا حضوري في إجتماع طارىء في بغداد، بنية مبيته من البعض الحاقدين على الإستغناء عني في التنظيم، لأنني قلت الحقيقة العارية، حتى يتم الإصلاح والتوعية للنائمين، وللأسف لم يفهم بعض الرفاق المخلصين والمؤيدين الرسالة وبعد أخذ وعطاء، تم الإتفاق بينهم، أنه بناءا على نشري المنشور الذي يعتبر في نظرهم هدم وإستهزاء على كيفية أداء المعارضة وكأنهم أوصياءا عليها، مع أنه موقعا بإسمي الشخصي وليس بإسم التنظيم تم إعتباره إستقالة مني،  وكان وضعي حساساً جداً فمعظم الرفاق في البداية دخلوا للتنظيم عن طريقي وبجهودي الشخصية... وكان بالإمكان الرد عليهم بعنف وفضح الكثير منهم على التجاوزات، ولكن آثرت السكوت حتى لا يتم هدم المزيد، ونظهر أمام الرأي العام أننا ذوو عواطف،  ضعفاء  وغير مسؤولين وغير قادرين على تحمل المسؤوليات الجسام بالمستقبل .

                بالأمس كنت مؤيداً للجميع، وأشكرهم  وأدعمهم  بكل القوة والإستطاعة والمتاح ضمن قدراتي، واليوم أبدأ في العراك والشماته ونشر الغسيل القذر الذي نرغب ان يكون طي الكتمان...  آثرت الهدوء، ليس خوفاً من التحدي والصدام ولكن منعا لفتح جراح قديمة  لا تندمل ولا يتم شفاؤها بسرعة... يستغلها النظام وضررها كبيرا على رؤوس الجميع، وفي نفس الوقت أنا أصيل، تربيت على الأخلاق والوفاء وكلمة الشرف التي هي أساس الحياة، لأي إنسان مناضل يريد ويرغب في النصر والفوز والنجاح في المسيرة النضالية .

       قدمت على الجنسية الأمريكية مع العائلة، وتحصلنا عليها سنة 1987 م، وكنت صادقا في كل كلمة قلتهاودونتها في المستندات المطلوبة للدولة المضيفة التي شملتني برعايتها وضمتنا لها كبشر من حقنا العيش أحرارا، حيث وجدت الذي أبحث عنه،الأمن والأمان القانون والديمقراطية في أسمى معانيها في الفكر وحرية التعبير والإعلام ضمن القانون، متمنيا يوماً، أن تطبق في ليبيا الجديدة بعد زوال الطغيان وحكم الفرد الطاغية .

              في سنة 1987م تقدمت الحكومة الليبية عن طريق البوليس الدولي (الأنتربول)  بمذكرة لإعتقالي إلى الحكومة الأمريكية للقبض علي وتسليمي إلى ليبيا...  وتم التحقيق في الموضوع بإمعان وتروي من طرف مكتب التحقيقات الفدرالي (أف بي أي) وللتأكيد على البراءة وصحة القول في الإستجواب عرضت علي جهاز كشف الكذب ( البولي غراف) للتأكد من صدقي 8 مرات كاملة ، ونجحت بحمد الله عز وجل  لأنني برىء من جميع التهم المنسوبة لي...   وتم حفظ القضية حيث لا دلائل وبراهين قوية ضدي موثقة بل إدعاءات كيدية.. وحاول نظام القمع النيل مني وإصطيادي بأي طريقة وإغتيالي وقتلي في سبعة محاولات،   في مواقع عديدة بالعالم، وبقدرة الله تعالى نجيت من الموت في آخر اللحظات...   مرة في مطار باريس بفرنسا، وثانية في سيول بكوريا، وثالثة بجنيف بسويسرا، ورابعة بفرجينيا بيتش بأمريكا، وخامسة ببرلين وسادسة بفرانكفورت بألمانيا، وغيرها ببعض الدول العربية... حتى عجز ... وضغط على الحكومة الألمانية نظير المصالح المتبادلة في الخفاء والسر على مساندتهم في الإتهام لي بجرائم أنا بعيدا عنها نظير علاقتنا ببعض الألمان المتعاطفين معنا في القضية الوطنية .

                بجميع هذه المآسي والأحداث المتلاحقة والمحن، لم أضعف وألين في أي يوم من الأيام لأنني عارف نفسي إنني على الحق، وآليت النفس أن أستمر في المسيرة النضالية إلى آخر نقطة دم وجهد في سبيل القضية الشريفة ، وغير النظام الإستراتيجية إلى أخرى عندما فشل في جميع جهود القبض أو الإغتيال والقتل، وبدأ في الترغيب وعرض الأموال الطائلة عسى أن يسيل اللعاب وكنت وقتها في مسيس الحاجة للمال، بالكاد قادرا على العيش وإعالة العائلة وطابور الأولاد بالغربة، ولم أضعف لأنني لا أريد أن أشوه سمعتي وشرفي ومصداقيتي بمال زهيد مهما كانت الأرقام كبيرة، وأنا الذي كنت يوما ثريا سرقوا مني الملايين بزحف وتأميم كاذب.. من قبل لجان شعبية عوام صعاليك جهلة غير مقدرين الأبعاد المستقبلية والضرر للوطن والأجيال القادمة .

             سرحت بالخيال بعيدا وقت الانتظار محاولاً إسترجاع الماضي والأحداث التي مرت وإنتهت، شاعرا بالحسرة مشاهدا في الخيال وجه أمي بالفراش وهي تحتضر بالمساء من الصدمة نظير خبر التأميم يوم1978/9/22م حتى توفاها الله عز وجل (رحمها الله تعالى بالرحمة والمغفرة)، وأقسمت ذاك اليوم أنني لن أتوقف حتى أثأر من النظام العفن طالما أنا حيا أرزق، أتحسر على القتل والسجن للأبرياء  الأعزاء في ليبيا وبعد سنوات إغتيال إبن خالي في مانشستر ببريطانيا الطالب أحمد عبدالسلام بورقيعة، والمآسي التي تراكمت على العائلة في ليبيا بسببي، والسجن لأخي الأكبر الحاج صالح عندما رجعت الباخرة من الحج مباشرة إلى ميناء درنة حيث تم القبض عليه وهو مازال على ظهرها عند الرسو على الرصيف . مما سببت له صدمة وهو البريء من غير أن يدخل بيته ويشاهده الجمع الغفير من المستقبلين للتحميد بالوصول، حيث إتهم بأن له دوراً في تهريب الشباب الآخرين من الأسرة، أبناء أخي الثاني الحاج حسن،  فتح الله وصلاح ، على الباخرة وقت المغادرة... وكان مريضا ولم تتاح له الفرص حتى يعالج سواءا بالوطن أو بالخارج، وعندما إشتد المرض عليه وأصبح في حالة ميئوس منها الشفاء، سمح له بالعلاج والخروج من السجن التحفظي لدى الأمن الداخلي للمستشفى وهو في الرمق الأخير، حيث تم بتر الرجل مرتين نظير التسوس (الغرغرينا) وإرتفاع داء السكر والضغط في الجسم نظير المرارة، وتوفي بمستشفى الهواري في مدينة بنغازي وحيداً من القهر والغبن وهو مظلوم وتهمته القرابة وسوء الحظ في الرحلة التي هرب فيها الشباب إلى خارج الوطن وهو لا يدرى ولا يعلم.

              السجن للأقارب،  والد زوجتي، إبن عمي الحاج محمد زعطوط، وإبنه عبدالجليل، خال الأولاد حوالي الشهرين وتهمتهما القرابة القريبة فنحن من عائلة واحدة...  والتهديد والوعيد لأي إنسان من المعارف والأقرباء في أي إتصال مهما كان ولو بالهاتف لمجرد السؤال عن الصحة والأحوال فأنها تعلل بأن الإتصال مشفرا وبه معلومات وأسرار.. طرد جميع شباب العائلة من الإنخراط في كليات القوات المسلحة أو الأمن أو أية وظائف مهمة بالدولة، أو منح دراسية لمواصلة العلم في الجامعات في الخارج .... والإرهاب والتحقيق المستمر للعائلة والأصهار وكل من يمت لي بصلة أو رابطة دم، بحيث الجميع خافوا بعدها من أي إتصال معي خوفاً من الملاحقة والتحقيقات التي لا تنتهي بمجرد سؤال بل تؤول إلى أشياء أخرى وسجن وتعذيب لمجرد الإشتباه، لأي واحد منهم .

               إنني لست بمجرم خارج عن القانون كما يدعون، ولكن معارض للنظام والطاغية القذافي بشرف وضمير حي، الذي يوما مهما طال الوقت سوف ينتهي من على خريطة الوطن سواءا كنا أحياءا أو موتى!  ووقتها في الثمانينات كانت المعارضة الليبية تمر بأحلك أيامها وأسودها من التمزق والتشرذم والتفاهات، والشائعات والقيل والقال على البعض وتسرب العملاء لها نظير عدم الفرز في القبول، الجميع سكارى فقد ضاع الحابل مع النابل والغث مع السمين...  وكنت دائم الإيمان بأن الصبر جميل فمن خلال المخاض الرهيب الصعب سوف يأتي الفرج، فلا يضيع حق ووراءه مطالب واحد، وبالأخص عدة ملايين أحرار من الشعب الليبي الوطنيين الشرفاء يطالبون بالحق والعدل والمساواة .

        سرح بي الخيال في الغرفة رقم 101 ومرت الساعات الطوال ولم أحس بها ولم أشعر بالجوع، لأن الفكر والجوارح كانت مركزة على الهم والغم في الوطن السليب، حيث لدي الكثير من الأسرار والآهات بالصدر راغبا البوح بها وأفشاؤها للغير الآخرين الوطنيين الليبيين وغيرهم من المتعاطفين معنا حتى يعرفون مدى التضحيات التي الكثيرون لا يعرفون ولا يعلمون عنها أي شئ كان !!!!

          سرح بي الخيال مناجياً الرب الخالق أن ينصرنا على الظالم، وأن يوفقنا في النضال، فهي ضريبة الوطن على الجميع، علينا تلبية صوت النفير والنضال بمصداقية والدفاع عن الكرامة والقضاء على الطاغية في أسرع وقت كان... قبل أن نموت وتنتقل الى رحمة الله تعالى بدون ان نفرح بالخلاص. 

                 إستطرد الفكر وسرح الخيال في نقاط عديدة، حتى أفقت من حلم اليقظة، ووجدت نفسي جالساً بغرفتي الصغيرة، أعيش الواقع المرير بعيداً عن الوطن آلاف الأميال، والعائلة والأولاد في ولاية فرجينيا بالشمال الشرقي يبعدون عني الفان من الأميال ينتظرون عودتي ، وعاتبت النفس وتساءلت هل الذنب ذنبي إنني أتيت بالأولاد الصغار للغربة والعيش بدون حنان من الأهل ودفئ الوطن ؟؟ أم ذنب الطاغية المجنون الذي شردنا، وإضطررنا للهرب والهجرة حتى لانسجن أو نعدم، خوفاً على الحياة ، وأصبحنا بدون وطن... أم قدر مقدر في اللوح المحفوظ من اليوم الأول الذي تنسمت فيها الهواء ؟؟

           وطمأنت النفس والذات أنه علينا الإذعان وتقبل الأمر فهو قدر، وإسترحت من هذه التخيلات والتساؤلات بقوة الإيمان والصبر، عارفا عالما أن هذه مسيرة مقدرة لنا منذ الأزل بداية الحياة، وإمتحانات رهيبة عن مدى الصمود والتصدي والإيمان بعدالة القضية .

             رن جرس الهاتف بالغرفة وتم الاعلام بوصول الضيف الذي كنت في إنتظاره، مما خرجت من الغرفة ، وقابلته في غرفة أخرى مع كامل الثقة فيه ولكن منعا للشك... واستمر الحديث الشيق عدة ساعات وتحصلت منه على معلومات جيدة قيمة تفيدنا في فضح أعوان الطاغية  بالخارج وتفسد الكثير من مخططات الشر للنظام... ولما خرج وودعته على الباب بعده بفترة زمنية قليلة كنت فى المطار للسفر عبر مدن هيوستن واطلانطا جورجيا، راجعا إلى البيت في فرجينيا بيتش. والله الموفق .

 رجب المبروك زعطوط

 السبت 1987/7/18م 

قصصنا المنسية 55

بسم الله الرحمن الرحيم

 الغرفة رقم 101

 الحلقة الأولى


 يوم السبت 1987/7/18م حوالي الساعة 12 ظهراً، جلست وحيدا أنتظر قدوم أحد الرفاق القادم من ليبيا للإجتماع في غرفة بفندق شعبي في مدينة كوربس كريستي يملكه أحد الأصدقاء الذي إستضافني للإقامة لديه على خليج المكسيك في ولاية تكساس...  كنت محتاطاً أمنيا من المتابعة لعيون اللجان الثورية من الأوباش الذين يطاردون ويلاحقوننا نحن الليبيين الوطنيين الأحرار معظم الوقت حتى لا نرتاح في غربتنا، ونكف عن معارضة الطاغية... يريدون القضاء علينا بأي وسيلة كانت...  ولا أريد أن أذهب ضحية إغتيال في غفلة بطلقة رصاصة من مجرم مرتزق .

                 كان لدي ميعاد مهم للحصول على معلومات قيمة عمايحدث في ليبيا من خبايا وأسرار، تفيدنا في الصراع والكفاح، و في إنتظار حتى يصل واللقاء بعيدين عن الأنظار حيث تم التخطيط المسبق على اللقاء في السر والصمت والذي نظير ظروف أمنية للطرفين تغير عدة مرات الزمان والمكان في أضيق نطاق، وسرح بي الخيال في كثير من التصورات، ووجدت نفسي أدخن سيجارة وراء الأخرى راجعا بالذكريات إلى أيام العز بالوطن ليبيا، والراحة النفسية التي كنت أعيشها بالقرب من الأهل والأقارب والأصدقاء، والتي لم أتصور في يوم من الأيام بالماضي ولا حتى في الحلم مرت بالخاطر   أنني يوما سوف أهاجر من وطني هاربا تاركاً الجميع، وأصبح معارضاً مطارداً من زبانية الإرهاب، فرق الموت القذافية من اللجان الثورية المجانين ، في العالم الفسيح للقضاء علينا...

                    خرجت من الوطن وهاجرت من الظلم والغبن والإرهاب، حيث وجدت أيامها أنني غير قادر على المقاومة الفعلية من الداخل نظير سلب حرياتنا ونهب أرزاقنا، والتحكم في رقابنا، ونظرات الشك والإرتياب والملاحقة والبحث عن أي سبب كان مهما كان، للإتهام والقبض التعسفي من قبل أشباه الرجال من الوشاة اللجان الثورية التي إنضم لها الكثيرون من العوام عديمي الأصل والفصل والوطنية ، الذين ليس لديهم الحياء ولا الشرف والكرامة في المعاملة للرجال الوطنيين الأحرار تغطية للنقص الذي لديهم بالنفوس بإستغلال السلطات الفوضوية الممنوحة لهم من قبل الطاغية المجنون مما عاثوا في الوطن ليبيا الفساد والإفساد، والكثيرون من المعارف والأصدقاء الوطنيين أصبحوا مرضى بعلل وامراض مستعصية يعانون القهر وزمن الظلم والمظالم، أو توفاهم الله عز وجل شهداء نتيجة الإرهاب السجن والتعذيب القاسي عن  تهم ملفقة وهم أبرياءا مظلومين.

                   وقتها في تلك الظروف العصيبة التي مرت على الوطن من الهرج والمرج، كنت أعد الأيام والساعات، ,أتساءل متى يأتي دوري  ويتم القبض على للإستجواب في أمور كثيرة، نظير الصداقات والعلاقات مع الكثيرين الغير موالين للنظام وأنا أحدهم المشكوك فيهم، مما كنت على اللائحة الطويلة للمطلوب القبض عليهم بتهم تافهة وهمية،   عندما يحين الوقت على أمثالي من  رجال الأعمال.

                  والسبب في التأخير على ما أعتقد وقتها العيش والسكن في مدينة درنة المناضلة الصابرة بعيداً عن عيون الثورة لم يصلنا الدور بعد، التي تتابع الوطنيين للحفاظ على وجودها وبقائها في الحكم، و أصحاب القرار في  المدينة لم يلوثوا بعد بفيروس الطاغية القذافي وتراهاته وتعاليم الكتاب الأخضر التافه الذي كل من قرأه بالوطن او بالخارج ضحك وشعر ر بضحالة الفكر وأنه صادر من عقل مخبول مجنون .

                 هؤلاء المسؤولين الوطنيين من رجال درنة والمناطق حولها مهما قيل عنهم من نكايات وشرور غير ثابتة ولا دامغة، الكثيرون منهم كانوا رجالا عاقلين وبعضهم  ساعدني في التغطية بتزويدي بالمعلومات،  مما تجاوزت تهما كثيرة ودسائس حيكت ضدي جزافا ظلما وعدوانا ، والسبب أنني صاحب أملاك ومال ...  وكان مخططا كبيرا من أساطين الشر، للتسبب في إفلاس رجال الأعمال والتجار وأصحاب الأملاك الأثرياء،  حتى يصبحوا فقراء مع الوقت،   يمدون أيديهم رغما عنهم بدون دخل ولا مال إلا من اليسير للعيش،  ولا يتم مد يد العون والمساندة مستقبلا لأي دعم بالمال قد يحدث ضد التوجهات الثورية الهوجاء حسب  الإعتقاد لدى العقيد.

                    لم أجهز نفسي ولم أخطط ولم أتخذ الإحتياطات اللازمة، كما فعل  الكثيرون في هدوء صمت... لم اتصور  أننى في يوم ما سوف أضطر للهرب بسرعة في ليلة مظلمة،  خاوي الوفاض بدون مال ولا رصيد بالخارج للأيام الصعبة بالغربة ، رغم أنني أنا كان لدي المال الوفير بالداخل وأستطيع القيام بتهريب الكثير عن طريق المعاملات التجارية والتغطية عليها من غير أن يشعر احد. 

               ولكن حبي للوطن النابع من القلب والضمير لم أفكر يوما بتركه مهما كان الثمن غاليا  ولكن سبحان الله تعالى مغير الأحوال من حال لآخر، وجدت أنني مضطرا للهرب قبل أن يتم القبض علي، وليس مثل الشائعات الكثيرة التي ترددت من أبواق النظام أنني هربت العديد من الملايين، والأيام سوف تثبت صدق القول عن طريق المستندات وليس مثل الكثيرين من حواشي ومحاسيب الطاغية اللئام القطط السمان تهريب الاموال وتسمين الحسابات بالخارج بأرقام خيالية فلكية بالحرام والزاقوم وهي ملك للجميع وارزاق المجتمع.

               لم أخن وطني، ولن أكون خائناً تحت أي ظرف ومعطيات في أى وقت كان، لأنني أعرف وأعلم عن يقين أن مصير الطائر المهاجر، يوما سيرجع إلى عشه ووكره طالما كتبت له الحياة، وأنا مواطنا ليبيا مسلما موحدا بالله عز وجل والإسلام ديانتي وعقيدتي ومهما عشت بأوطان الآخرين من سنين في الغربة لن أتغير، مثل البعض التافهين حثالات ونفيات المجتمع أشباه الرجال الذين لقاء التلويح بالمال والجاه، أصبحوا عملاء للنظام باعوا الكرامة والضمير ومنهم للأسف الكثير.

                هاجرت إلى أمريكا وإستقريت بمدينة صغيرة على ساحل خليج المكسيك ( كوربس كريستي ) على الحدود فترة شهور، حتى خرجت العائلة من مطار بنينا بنغازي هربا بنفوذ ومساعدة البعض من المعارف الأوفياء، وكنت في إستقبالهم في روما إيطاليا، وبرضاء المولى عز وجل أعمى عيون زبانية الشر اللجان الثورية نظير التخبط والفوضى العارمة، ولم يحسوا ويشعروا بخروج وهرب العائلة حتى فوجئوا بالأنباء أنها في أمان بالخارج، وتم التحقيق مع جميع مسؤولي المطار على عدم الإهتمام واليقظة حيث تخرج عائلة  مطلوب عائلها حيا أم ميتا، زوجة وسبعة أطفال، بكل سهولة، عائلة معارض مطلوبا رأسه بأي ثمن كان.

                نتيجة هذا الحدث وأحداث عديدة أخرى وهروب الكثيرين من المطلوبين من الوطن ليبيا حيث بالمنطقة الشرقية تختلف إختلافا كبيرا في التوجهات عن الغرب نظير الجهل والعصبية الجهوية، مع أن الكثيرين أصولهم من المنطقة الغربية، حيث الولاء لله تعالى والقبيلة قبل الوطن، مما تم إلغاء السفر للخارج من بنغازي مطار بنينا، وتم التوجيه لجميع الرحلات الدولية من خروج وسفر للخارج والقدوم للوطن عن طريق مطار طرابلس الدولي حتى يتم الحصر والرقابة القوية الأمنية منعا للهروب المتواصل .

             أطلق الطاغية علينا لقب الكلاب الضالة، ووضعت قوائم بالأسماء المطلوبين وكنت أنا أحدهم في المقدمة وعلى لائحة المطلوبين للإعدام والتصفية الجسدية، والتهمة الهروب للخارج ورفضنا الظلم والنظام ، وتساءلت العديد من المرات مع النفس لو وقتها لم نهرب ؟ بقينا داخل الوطن مثل الآخرين وتحملنا القهر والظلم هل كنا سننجح في إفشال مخططاته وضربه عن قرب في عقر داره ... حيث إن الأيام أثبتت أنه من الخارج يصعب الوصول إلى الداخل والقضاء عليه شخصيا  وهو تحت الحمايات العديدة والحراسات الشديدة مما يستحيل الوصول له شخصيا !!!

               مر وطننا ليبيا بسنين سوداء قاتمة من الغبن والإرهاب وإلصاق التهم لكل من دب وهب مشكوكا فيه من غير ذنب وجيه القبض والعقاب القوي حتى يعترف كذبا وزورا تحت الضغوط الشديدة على البعض الشرفاء الوطنيين، والتجويع المتعمد بقصد مبيت لأبناء الشعب وعدم الإستيراد لكثير من السلع المهمة وتسلط الأفاقين من اللجان الثورية والشعبية والمحاسيب من العائلة على مقدرات الدولة حتى إستكان الشعب مضطرا غصبا عنه نظير الإرهاب والإفراط في العنف، وإستشهد الكثيرون تحت التعذيب القاسي من زبانية قساة القلوب بلا ذرة رحمة ولا شفقة بالنفوس يعذبون الضحايا حتى الموت وهم يتسامرون ويضحكون وكأن المتهمين حشرات ضارة وليسوا بشرا مواطنيين من حقهم الحياة .

             عشرات الآلاف من السجناء وراء القضبان بدون أي تهم ولا جريرة ولا عدل ولا قضاء وإنما ترضية للحاكم الطاغية وحقد وحسد من أي مواطن شريف من هؤلاء الحراس الأراذل المنافقين حديثي النعمة والسلطة، نظير تصفية حسابات سابقة، وعشرات الآلاف من المواطنين الشرفاء على مدى سنين الظلم والقهر، بوسيلة أو أخرى تمكنوا من النفاذ بالجلد هربا للخارج غصبا عنهم للحفاظ على الحياة .

              هربت من الوطن (قصة طويلة سوف يتم تدوينها) مثل الآخرين بدون أي تخطيط للغربة مسبقا معاهدا النفس أنني حسب القدرات وبالمتاح لن أتوانى عن الكفاح والمعارضة للطاغية الذي سرق أرزاقنا وطالبا رؤوسنا والموت لنا لضمان بقاء حكمه الملعون ونحن أبرياءا مظلومين، ولم أخرج للعلن والضوء على مسرح التحدي والمعارضة حتى ضمنت الزوجة والأولاد معي في الغربة حتى لا يتم الضغوط عليهم بالوطن ويستعملونهم سلاحاً فتاكا ضدي حتى أستكين وأرضخ وأرضى بشروطهم بأن أكون عميل عينا على الشرفاء الوطنيين!!!

              بدأت في الظهور وإنضممت لصفوف الرابطة الوطنية في مصر وأصبحت عضواً بمجلس إدارتها مع كثير من الإخوان عام 1980م برئاسة السيد مصطفى البركي الذي كان نعم الرجل المكافح، والذى ربطتني به أخوة وصداقة من القلب للقلب، عندما كنت في زيارة إلى هناك ولم أتحصل على تأشيرة عودة لأمريكا مما إضطررت للبقاء حوالي السنة عازباً وحيداً والعائلة في أمريكا معتمدا على وجود خال الأولاد حمدي المقيم معهم الطالب فى الجامعة ينتظرون الرجوع والقدوم سالما معافيا حتى تحصلت على تأشيرة عودة إلى أمريكا التي تم الرفض لى عدة مرات نظير الإشتباه فى الليبيين، وبمساعدة الأمير عبد الله عابد السنوسي الذي تعرفت عليه بالغربة بدون مصلحة ولا نفاق كما عمل الكثيرون أيام عزه فى ليبيا !!! وقضيت الوقت الطويل فى زيارات له شبه يومية ضمن بقية المعارف من رجال ليبيا الأوفياء المتقاعدين بالغربة.

               المساهمة المالية والتجميع للأصدقاء والمعارف لحضور المظاهرة الأولى للمعارضة في العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي كنت ضمن الشباب مقنعين نسير في شوارع المدينة ونهتف بسقوط الطاغية وكانت بدايات لفضح النظام الليبي وتعريته أمام الرأي العام الدولي والصحافة الغربية فى العلن.

              وكنت من الداعمين وشباب الحركة الوطنية الديمقراطية عدة شهور برئاسة المناضلين السيد نوري الكيخيا، والسيد فاضل المسعودي، وضمن الفريق للتحضير للإجتماع الأول للمعارضة وسافرت من القاهرة في رحلة جوية على الخطوط الملكية المغربية مع المناضلين،  فاضل المسعودي وجمعه عتيقه، إلى الدار البيضاء، وتعطلت الطائرة في الجو، وسترنا الله عز وجل بلطفه وكرمه وإضطررنا للهبوط الإضطراري في مطار قرطاج بتونس، ولو هبطنا في مطار طرابلس لكنا لقمة سائغة للنهش من كلاب الشر، المخابرات واللجان الثورية، مما بعد الحادثة جميع الرحلات الجوية التي قمت بها، لا تمر عبر ليبيا تحسبا للهبوط الإضطراري كما حدث للكثيرين الأحرار المتهمين .

                 حضرت الإجتماعات مع العديد من الرفاق في منطقة المحمدية، وتطوان سبتمبر 1980م وكان الرئيس الفخري للإجتماعات منذ البداية، الحاج محمد عثمان الصيد رئيس الوزراء السابق في العهد الملكي والذي ربطتني به صداقة وأخوة مع فارق السن حيث كان صديقاً لإبن عمي جد الأولاد الحاج محمد زعطوط عندما كان نائباً في مجلس النواب الليبي في الستينات، وكان الحاج الصيد نعم الرجل في الوقار والرزانة والحكمة، يشرف ليبيا إنه أحد رجالها الشرفاء الأحرار الوطنيين من الجيل القديم الذي تعرفت به في الغربة ، أيام التحدي والصمود .

                 سافرت للعديد من الدول وحضرت كثيراً من اللقاءات والمؤتمرات والندوات مع المناضلين الشرفاء للمصلحة العامة وكيف التخطيط للخلاص من الكابوس الطاغية، وأثناء ذاك الوقت ونحن في المخاض مستمرين، حدثت إختلافات في وجهات النظر مع قيادي الحركة الوطنية نظير عدم الفهم في بعض الأمور الجوهرية، مما تركتهم بشرف حيث كانت مهمتهم التركيز على الإعلام ونشر صحيفة (صوت ليبيا) ومن وجهة نظري وقتها أن الأمور سوف تطول حيث مهما كان لدينا من مال وجهد للتحدي سوف ينتهي ونصبح على قارعة الطريق، وعقيدنا كل يوم يزداد غنى وثروة تفوق الحدود نظير الدخل من النفط !!!!

            وفكرت في تكوين تنظيم خاص لنا حتى نستطيع أن نعمل حسب رؤيانا وتطلعاتنا بالعمل المسلح في السر، وتم الإتفاق مع رفيق العمر وأخ الدهر جاب الله حامد مطر ، وتقابلنا في جنيف سويسرا طيلة أيام عديدة قضيناها في إجتماعات مستمرة وإتصالات مكثفة مع الكثيرين، وظهر للوجود تنظيم جيش الإنقاذ الوطني الليبي يوم 1981/1/6م، وأعطيته كل الوقت ولم أبخل بالمال والجهد وقضيت 5 سنوات من العمر حاملاً لحقائب السفر والترحال من مكان لآخر على حسابي الشخصي من أجل القضية النبيلة، بدون أي عناية كبيرة للعائلة الزوجة والأولاد تاركاً الرعاية للصغار على أكتافها وهم في أمس الحاجة لوجودي، وتعرفت بالكثيرين وتعلمت الكثير، ومازلت أتعلم طالما بي نفس حياة، حيث قضيتنا مستمرة إلى أن يأتي اليوم للتمرد والثورة والخلاص عن قريب، والله الموفق.

 رجب المبروك زعطوط

1987/7/18م

Sunday, October 4, 2015

قصصنا المنسية 54

 بسم الله الرحمن الرحيم

 خواطر عن أمريكا


 مرت الأيام الأولى من شهر مارس عام 1988 م وأنا في أجازة جبرية بالبيت في فرجينيا بيتش بأمريكا ، حيث قررت الخلود فيها إلى الراحة البدنية وعدم السفر والترحال لفترة من الوقت وتنقيص المصاريف وتفادي زيادة الإلتزامات وتجنب الغرق في الديون التي تتكاثر نظير الحفاظ على العيش بكرامة...  معطيا للنفس حقها في أجازة طويلة حتى أرتاح من التعب والإرهاق في سبيل القضية الوطنية النبيلة... حيث كنت تاركا بالسابق الهم  على كاهل الزوجة الوفية،  والأولاد بدون رعاية وحنان كما يجب وحقهم علي أن أكون بقربهم وقت طفولتهم وصغرهم والبعض منهم في سن المراهقة الصعبة التي تحتاج إلى رعاية كبيرة !!!

               تركت أمهم تحل مكاني وأنا حي أرزق، وتصبح الأم والأب معا في رعايتهم وتربيتهم والأخذ بيدهم طوال الوقت مما تعلقوا بها وأصبحت مع الوقت غريبا ضيفا بالبيت بدون التواصل معي وطلب أي شئ مني في أمور كثيرة تخصهم ، وكان هذا الأمر خطئا كبيرا وسوء تصرف مؤسف قمت به حيث وجودي بالقرب منهم وبينهم مهم جداً!

        أثناء وجودي بالبيت كل يوم يفاجئني قدوم الرسائل العديدة بالبريد والتي معظمها فواتيرا للسداد، مما أضعها في السلة على المكتب بدون فتح حتى لا أفاجأ بالأرقام المطلوبة سدادها مع أنها بسيطة والتي لو جمعتها كلها لأصبحت رقما كبيرا... أنا عاجز في الوقت الحاضر على السداد، حيث السيولة ناقصة في هذه الأيام الصعبة، وأنتظر  مبلغا مالياً تم تحويله من الخارج مقابل دين سابق على احد الرفاق، ولم يصل ويصبح في الحساب المصرفي بعد!  وأنا أنتظر،  أعد الايام قائلا للنفس لماذا الحوالة تأخرت من الخارج ولو كان التحويل في أمريكا يصل خلال ساعات حتى أقوم بالسداد دفعة واحدة لجميع الالتزامات والفواتير المكدسة  وأرتاح من الهم والغم الذي كل يوم يزداد ضغطه ومعاناته وأنا أسيرا مكبلا بالقيود والهم والغم بالليل والمذلة بالنهار بالغربة .

                 حيث كل خطوة خطوتها في المدة الأخيرة في العمل لم تحقق النجاح كما توقعت،  وخططي باءت بالفشل. فالوضع العام الإقتصادي في أمريكا يمر بمرحلة صعبة وشلل وخسائر لمعظم الشركات وكساد قادم يطرق على الأبواب بقوة في مدينة فرجينيا بيتش بولاية فرجينيا وجميع الولايات الأخرى، ولا أحد يعرف إلى أين سوف تؤدي هذه الكوارث والأزمات المالية بالكثيرين من رجال الاعمال والتجار الذين يعتمدون على حركة السوق في النماء والرواج والدورة المالية تدور ويستحيل  التوقف وإلا حل الخراب والدمار للكثيرين ضعاف الرأسمال،  متسائلا مع النفس في حزن، إلى أين المسيرة سوف تصل؟  سبحان الله الكريم حيث لا أعلم الغيب ولا الذي سوف يحدث بالمستقبل القريب أو البعيد؟؟ ولكن تاركا الأمر له!! هو المفرج للأحوال والهموم عندما يرضى في لحظات وليست ساعات ولا أيام وشهور .

                الساعة الثامنة مساءا وصلت الزوجة للبيت بعد أن أغلقت باب المتجر (البوتيك) الذي نملكه لبيع الملابس والأحذية والحقائب اليدوية الجلدية للسيدات والكثير من الأشياء النسائية من أفخر الأنواع وآخر الصيحات بأوروبا، وسألتها  السؤال العادي الذي   أردده كل يوم : هل من مبيعات اليوم وسيولة لدفع المصاريف الحياتية؟ وترد علي بسخرية وأسف وتقول لا تسأل، السوق في كساد وموت بطئ ولا بيع لأي شئ طوال الوقت، حضرت البعض من السيدات وكلهن يتطلعن للمعروضات معجبات ولكن عاجزات عن الشراء.

             وقلت لها لعل الأسعار عالية؟ وقالت الأسعار مناسبة جدا ولكن السوق كل يوم يتضاءل وفي كساد...  وفي مجمع السوق الكبير حيث محلنا كل يوم يقفل أحد المحلات نهائيا من غير فتح الأبواب، وصاحب المطعم الكبير (الملعقة الفضية) بجوارنا أقفل الأبواب نهائيا وتغيب عن العمل غير قادر على دفع المصاريف الضخمة المستحقة للأيدي العاملة والإيجارات والمصاريف العامة التي بدون حساب، حيث لا زبائن مثل السابق يترددون وزحام كبير على الحجز، وسمعت همسا من أصحاب المحل المجاور لنا، أنهم آخر الشهر سوف يقفلون المحل، وينتقلون إلى مدينة أخرى عسى أن تتاح لهم الفرص للنجاح ،  مما السوق سوف تقفل فيه محلات كثيرة وبالتالي يخف الرجل والحركة للزبائن على المجمع... ففي المدينة عشرات الأسواق والمجمعات التجارية في كل ضاحية و ليست سوقا واحدة .

                هذه المشاكل العديدة سببها الإنهيار الكبير لسوق الأوراق المالية في نيويورك (البورصة) العام الماضي يوم الإثنين الذي سمي باليوم الأسود من أكتوبر 1987م .... فقد تمت خسارة المليارات وإفلاس معظم المضاربين خلال ساعات قليلة ، وأنا كنت أحد الضحايا ضمنهم، فقد خسرت الكثير من المال ، الرأسمال والأرباح ، مما ضاعت السيولة التي كانت لدي دفعة واحدة في ساعات ومرضت يومها فجأة من القلب لأول مرة ، نتيجة الصدمة القوية الغير متوقعة ... وبالأخص في الغربة وعلى عاتقي مسؤوليات كبيرة عائلية محتاجة لكثير من المصاريف ، ومازلت تحت العلاج ، وأعاني من  المصائب والصعوبات و سوء الحظ نظير الآثار للخسارة العميمة التي حلت على رؤوس الجميع وأنا كنت للأسف من بينهم !!! !


               معظم رجال الأعمال والتجار والأفراد العاديين الأمريكان، لهم طرق غريبة في التخلص من الديون لا تتماشى معنا نحن كعرب، عندما يعجزون عن الدفع، يعلنون الإفلاس الرسمي عن طريق المحكمة ، وبالتالي يتحايلون على الدفع وإنقاذ مايمكن إنقاذه من الأصول المادية بحكم القانون، ويدفعون نسبا بسيطة لقاء المبالغ الكبيرة التي تم العجز عن سدادها .

               يتخلصون من الماضي و مشاكله وهمومه وغمه بتوقيع ورقة ، ويبدؤون من جديد بأسماء أخرى جديدة وكأنه لم يحدث أي شىء...   أما نحن الغرباء المهاجرين العرب المسلمين المقيمين نظل على نفس مبادىء العالم القديم بدون تجديد ولا فهم للطرق الغريبة في نظرنا، ويستمر الغريب يناضل ويكافح ضد التيار الجارف على أمل الفوز والنجاح عسى أن يعوض الأمر حتى آخر رمق خوفا من الفضيحة، وبالتالي يضيع كل رأس المال ولا يستطيع النهوض من جديد إلا بعد عدة سنوات ، نظير التعنت وعدم مجاراة الآخرين والإستفادة من القوانين .

           كل يوم قضيته في أمريكا أحاول تعليم وتثقيف النفس قدر الإستطاعة والمعرفة والفهم حيث لم تتاح لي الفرص بتكملة الدراسة في الجامعات كطالب منتظم أو منتسب حيث ليس لدي وقت الفراغ المناسب لأتابع الدروس لأنه كنت طوال الوقت مشغولا بالقضية الوطنية ، وفي ترحال وسفر عبر القارات في حضور الإجتماعات واللقاءات الوطنية ، حتى أتحصل على شهادات جامعية تفيدني يوما من الأيام، وكانت خطئا كبيرا من أخطاء العمر لا تعوض ولا تغتفر ! 

              كنت أمضي  ساعات وقت الفراغ في الإطلاع على البرامج العلمية في بعض القنوات المرئية ، وأتابع الندوات السياسية وخصوصا قناة مجلسي الكونجرس محللا كيف يتم الحديث والردود وقوة الحجة والإقناع، مما بعد مرور الوقت في المتابعة والإطلاع والمثابرة والقراءات المستمرة للكتب الدسمة بالمعلومات ، تعلمت الكثير، توسعت المدارك وأصبحت ملما بكثير من الأمور السياسية، والتحليل لأي موضوع عابر يخص وطننا ليبيا بسهولة في نطاق المعرفة والفهم بطرق علمية يعجز عنها الكثيرون من أدعياء النضال والسياسة الليبية في المعارضة،  مع أن الكثير منهم  لديه شهادات جامعية عالية في تخصصات معينة ولكن إذا كان المسار يختلف في الطرح وليس في الإختصاص،   عندها يغرقون في شبر من الماء كما يقولون ، حيث ليست لديهم معلومات عامة كبيرة كثيرة دسمة تشفي الغليل ولا الشجاعة الأدبية في الإعتراف بالعجز في الموضوع نظير الكبر والجبروت، أليس الأمر بمؤسف ؟؟

               الميزة الكبيرة في أمريكا مساحتها الشاسعة وكثرة الولايات التي عددها 50 ولاية، وكأنها 50 دولة مجتمعة مع بعض ضمن الحريات والقانون الفريد المميز الذي يضمن حقوق الجميع ويحفظ السلام والأمن والأمان للمواطن والغريب....   ولايات فقيرة بها العجز والإفلاس وولايات تجاهد قادرة على السير ببطء، وولايات غنية تأثرت الأعمال فيها قليلا ولكن قادرة على الصمود والسير ضد التيار، محافظة على الاستقرار الإقتصادي بسهولة متناهية لمواطنيها نظير قوة الدخل والموارد الموجودة فيها... حيث يحتاج الغريب المهاجر إلى معرفة القوانين بدقة وطريقة التفكير والعقلية الأمريكية في البيع والشراء حتى يستطيع أن يتعامل مع السوق ويحقق الأرباح ويستفيد من القوانين في حالة العسر والغسرة ، الضيق أو الإفلاس .

              أمريكا وطن اللبن والعسل، وطن الفرص والنجاح والإثراء، لا أحقاد وحسد للغرباء عند النجاح والإثراء الكبير كما في أوطاننا العربية ... حيث يحتاج المهاجر إلى عمل دؤوب جاد ودخل يغطي المصاريف ضمن القانون حتى يقاوم الجرف وينجح مع الوقت إذا ساعده الحظ وفتحها الله عز وجل في الوجه ويصبح من الأثرياء بسرعة نتيجة التطور والتجديد  اليومي والمتواصل.

              ونصيحتي الثمينة  والتي دفعت الثمن الغالي فيها نظير الأخطاء العديدة، أن لا يوقع المهاجر على أي عقد ومستند مهما كان بسيطا حتى يستشير المحامي في الأمر، حيث أن خطئا بسيطا ممكن أن يجر الإنسان الغافل إلى المحاكم التي لا ترحم المغفلين... حيث كل إنسان مواطنا أم مقيما غريبا عبارة عن رقم في الحواسيب ضمن الضمان الإجتماعي ، وليس كأوطاننا العربية يعتمد على المركز وإسم العائلة والتجاوزات والمقابلة الشخصية والعواطف البشرية، والتحايل على القانون بحجة المعارف والواسطات والتأجيل الطويل ودفع الرشاوى الباهظة، وبالتالي نحن الشعوب العربية تدهورنا للقاع بدون نهوض وتقدم...  نتيجة التخلف والتأخر والمحسوبية .

             كتابتي لهذه الورقات وبالأخص عن أمريكا ، تعبيرا  لها عن حبي وإحترامي العميق فقد آوتني وقت الضيق، وحفظتني من العدو الطاغية القذافي و زبانيته وشطحاته وأنا مناضلا غريق، عندما تم الطلب الرسمي عن طريق البوليس الدولي (الأنتربول) للتسليم، رفضت الأمر ، ونحن معظم العرب الأصيلين ذوي الجذور أبناء العائلات الكريمة نحافظ على الجميل، وفضل أمريكا دينا على العنق والنفس طوال العمر لن ينتسى كما يفعل الكثيرون المنافقين ذوي المصالح، ولن أنساه طالما بي نفس ورمق حياة، وسأعمل جاهدا على تقريب وجهات النظر في حالة الرجوع يوما منتصرا للوطن، حيث الفرق كبير بين التغطية الإعلامية في القنوات المرئية والإعلام المأجور، وبين الواقع المرير الذي تعلم الإنسان المهاجر المقيم فيها والذي قاربت المدة لدي حتى الآن حوالي ربع العمر مقيما شرعيا مواطنا فيها تعلمت الطرق السليمة وكيف أفكر بالمنطق بالعقليتين العربية والأمريكية معا بعقل متفتح بدون تعصب وتزمت والإنحياز لطرف دون الآخر نظير الإعلام العربي السابق الجاهل في أوطاننا قبل الغربة وبعدها في الطرح مما سبب الكراهيات وتضييع الوقت من غير أن ندري .

              الله تعالى يسامحها على كل لحظة أقمت فيها وعشت و تنسمت فيها هواء الحرية وشعرت بالأمن والأمان، ومهما شكرت لن أوفيها حقها من الإحترام والتقدير، فهي الوطن الحالي لنا، الذي كل انسان بالعالم يتمنى ان يهاجر ويقيم ويعيش فيه نظير الحريات بدون حدود وفرص النجاح لأي غريب حيث لا فرق بين مقيم ومواطن مهما كان طالما ضمن القانون...  والله الموفق... 

     رجب المبروك زعطوط

 1988/3/5م

قصصنا المنسية 53

 بسم الله الرحمن الرحيم
 خواطر المرض

قضيت أسبوعا طريح الفراش مريضا بالحمى، حيث   أصابتني أنفلونزا حادة، مما جعلت الجسم يتهاوى فريسة الإعياء ويسقط من الضعف، غير قادر على الوقوف مثل العادة والرأس يكاد ينفجر من الصداع والألم ولا أستطيع السمع إلا بصعوبة، والرشح من الأنف كرذاذ المطر بدون توقف، والدمع ينهمر من العيون طوال الوقت، وشعرت بضعف شديد وإعياء كبير وعدم قدرة على الحركة أو التفكير الهادف الصحيح فقد أصابني الهذيان وعدم التركيز .

              الأعصاب مشدودة على الآخر من مشاكل عديدة حدثت نتيجة التسرع في إتخاذ بعض القرارات المصيرية وأكاد أجن من الإرهاق والقلق والضيق ينتابني بسرعة من الأصوات العالية وبالأخص في البيت العامر بالعائلة والآخرين من الأقارب الشباب المقيمين في ضيافتي لغرض الدراسة... حيث جميع المنافذ قد سدت في وجهي كسدود منيعة صعب تجاوزها بسهولة ولم أجد الراحة في الغربة كما كنت أعتقد، أعيش صابرا على مقادير القدر فقد عملت ما بوسعي حسب الجهد والقدرات، والباقي تركته على الله عز وجل فهو المسير للأمر طول الوقت .

              معظم الأيام الأخيرة قبل المرض قضيتها ساهما لوحدي مع النفس، أعيش في صمت لا أريد الكلام ولا كثرة  الحديث والنقاش، تجتاحني كآبة وأسف محاولا قدر الإمكان طردها والتخلص منها حتى لا تستمر طوال الوقت وتصبح مزمنة، وعندها المصائب تزداد ولا تتوقف، صعب الخلاص منها...  متسائلا مع النفس أخطط وأبحث عن أجوبة شافية، ماذا فعلت  لهؤلاء الأولاد والزوجة، حيث خاطرت وأحضرتهم لهذه الغربة البعيدة،  أمريكا، بدون سند ولا أهل ومعارف الا من القلائل، أفكر بقوة متسائلا مع النفس في حسرة وخوف  كبير عليهم طوال الوقت الذي يمر ببطء من غير أن أصل إلى إجابة مقنعة ليرتاح الضمير... لو حدث شىء لي وإنتقلت لرحمة الله عز وجل وفارقت الحياة، سوف يتعبون وهم مازالوا صغارا بالسن ، لم يتمرسوا بالحياة بعد!

            الله تعالى يجازي، الطاغية القذافي، الذي كان السبب في الهجرة القسرية ، رغما عني،  من وطني،    ولو تأخرت لكنت متهما وسجينا بالسجن مهانا تحت التعذيب والقهر أو أشلاءا في القبر !

              أعوذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم على الوسوسة الخبيثة بالفكر نتيجة الهذيان ، ذاكرا عظمة الرب الخالق معللا للنفس أن كل إنسان حي رزقه على الله عز وجل وما أنا إلا عبارة عن وسيلة وجسر لعبور الطريق إلى الحياة المتشعبة من خير وشر، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما يقول المثل الشعبي، حيث المعنى الحقيقي لهذا المثل، مطلوب من الإنسان الجد والعمل بلا كلل حسب القدرات والجهد، ولا ينام ويتوقع حصول المعجزات بدون أن يقدم ويدفع الثمن. الرب الرازق سوف يعطي ويهب العبد المؤمن الصابر المكافح من أجل العيش بشرف محافظا على الدين بقناعة وإيمان راسخ من الروح والقلب ، ذو قيم المولى العاطي الوهاب يدهشنا  بالمن والعطاء، وقد مررت بالماضي بالنعم، وأصبحت من الأثرياء في فترة وجيزة من الزمن في مدينتي درنة بليبيا حسب ذاك الوقت والمعطيات منتصف الستينات وأنا مازلت في بدايات فترة الشباب !!!

              جميع الأمور في مسيرة الحياة العملية التي مررت بها عمل مستمر،  جهاد وكفاح ، مررت بأفراح وأتراح كثيرة حتى الآن فأنا مسيرا ولست مخيرا ...  أراجع النفس عن ماذا فعلت ؟؟ هل بقرار الهجرة والهرب من ليبيا قد أصبت أم تسرعت ، إنني لا أعرف ؟؟ لكن النفس مرتاحة بها طمأنينة تامة وشعور غامر روحاني إنني لم أخطىء القرار والقدوم لأمريكا، ولكن لدي بعض الأخطاء التي جعلتني أندم على فعلها، وهذا هو السبب في الضيق والقلق، أما عن الوعكة الصحية والمرض بالحمى فهو شىء طبيعي يمر ويحدث طوال الوقت على أي إنسان بأي مكان كان، يحتاج للراحة والعلاج حتى يتم الشفاء بإذن الله عز وجل .

              ساعة العسر والضيق بالغربة تطلعت ولم أجد الرفاق الذين بالسابق كانوا عشرات ملتفين حولي مثل السوار على المعصم بدون فكاك ولا خلاص منهم مهما فعلت وحاولت نتيجة الرياء والنفاق من البعض. تطلعت ولم أجد أي أحدا منهم بجواري في الغربة يؤنسني ويخفف آلام المرض والهم والغم عني، وقلت للنفس سبحانك رب العالمين لو إحتجت لهم ماديا أو نصرة ضد عدو ، فما العمل ؟؟ حيث لست طالبا عونا ولا مالا منهم، لكن طالب تسرية نفس وحديث من القلب للقلب ورفقة أخوة نابعة من الضمير بشفافية وبصدق، حتى أشعر بالطمأنينة وأنني لست أصارع المرض والوحدة بالغربة لوحدي فلدي إخوان وأصدقاء وقت الحاجة.

             وكانت هذه "الغسرة"، الضيق والمرض درسا مهما تعلمته من الدروس للتوعية مهما دفعت فيها من أموال ، ليس لها ثمن حتى أتعلم أن لا أخطىء بالمستقبل وأندفع في مغامرات غير محسوبة بدقة، وبالأخص مع البعض المنافقين الذين صداقتهم ورفقتهم عبارة عن مصالح ونفاق، الضرر فيها أكثر من النفع .

              هذه الأيام الصعبة بالغربة لن أنساها طالما حييت، طالبا من الله عز وجل أن أتخطاها بسلام وأن تكون آخر التعب والأحزان، فأنا أسطر هذه السطور العديدة بسرعة من غير تدقيق ولا فحص بل أكتب وأكتب ممسكا بالقلم بيدي بقوة وأسطر بسرعة واضعا القلق والهم والغم على الورق حيث لا يتكلم وينطق ولا يشتكي ... أعبر عن ما يجيش بالنفس من خواطر وإنفعالات جياشة عن تدني الكثيرين من البشر الذين يحسبهم الإنسان إخوة ورجال، وأثبتت الأيام أنهم أشباه رجال منافقين متسلقين ذوى خداع يرتدون أقنعة جميلة حسب المصلحة والأمر. إعتقدت أنهم أوفياءً،  وهم صعاليك ونفايات المجتمع!

              أليس بشىء مؤسف من هؤلاء الأدعياء المنافقين الذين يلعبون على الحبال؟  فقد تعودت على القيم والكرامة وعدم مد اليد وإراقة ماء الوجه لأي إنسان مهما كان، فالعفة والشرف هو الأساس والمقياس الذي يقاس به الإنسان الشريف، هكذا تربيت في بيت العائلة والوالد رحمه الله تعالى،الحاج المبروك ، هو الأستاذ الأول والمثل الأعلى لي في تعليم الدروس القيمة التي الإنسان لو أخذ بها وطبقها التطبيق الصحيح لن يتعب، و يستطيع مواجهة الزمن  وقت الأزمات أو الخطر...   ولكن للأسف خدعت نظير طيبة النفس والعواطف وحب الخير والصدق في القول والإخلاص في العمل والعهد والوعد، فجميع هذه الصفات توجد عند بعض الشرفاء الصادقين مع الله تعالى وأنفسهم...  أما الكثيرون فقد ذابوا وتلاشوا مع الأيام ومرور الزمن بسرعة من غير أن ندري أو نشعر بهم... يعتبرون هذه الأوصاف الجيدة والقيم والأخلاق الحميدة بالية قديمة لا تصلح لهذا الزمن... همهم النجاح والفوز والوصول للقمم بأي ثمن كان وللأسف على حساب الكرامة !!!

              الغربة لها ثمنها القاسي وبالأخص للإنسان السياسي المناضل الذي  يبقى فكره مشغولا بقضية الوطن طوال الوقت،  بالجهاد والخلاص من الطاغية للرجوع في أقرب وقت منصورا ، مما تتعطل الطاقات ولا يعمل ويكافح بالعرق في وطن الغربة ليعيش، ولا يستطيع الرجوع لوطنه الأصلي في حالة الضيق والإحتياج حيث هاربا ومطاردا وبالتالي يضيع بين البينين ويضطر على العيش في الهم والغم ، وهذا الأمر قمة المأساة ، والحزن للغريب .

             شهدت بساحة الغربة خلال العقود السابقة والسنوات الماضية على أحداث رهيبة ومآسي محزنة نتيجة شائعات أطلقت على مهاجرين مناضلين شرفاء ونظرات الشك وأصابع الإتهام وجهت لهم من الجميع نظير الخبث والدس من أدعياء النضال الذين يدسون في االسر والعلن ، يعملون من الحبة قبة ، حتى تصفى الساحة لهم من الوطنيين الشرفاء، حيث يستغلون ويستعملون القضية الوطنية النبيلة كورقة للإبتزاز وقبض الهبات والدعم من الدول لقاء العمالة وتمرير المعلومات !!! والجماعات والأفراد المحسنين المتعاطفين مع القضية ، يعيشون أحسن العيش على حساب الآخرين في أمجاد زائفة، ناسين متناسين أنهم يأكلون ويطعمون عائلاتهم مالا حراما زاقوما، في يوم ما  سوف يرجع عليهم مهما طال الزمن والوقت بالدنيا أم بالآخرة بالضرر !!!!! .

              قصتنا نحن الليبيين الغرباء المناضلين المطاردين بأوطان الغربة، قصة طويلة تحتاج إلى شرح كثير، والجميع من الشرفاء الوطنيين الصادقين بالغربة الذين مارسوا السياسة من عظيم الشأن إلى قليله وصغيره ، قدموا الثمن الغالي ومروا بدرب المعاناة والضيق، الهم والغم بطريقة أو أخرى ،  طالبا من الله عزوجل الشفاء العاجل في أقرب وقت ، وأن نصل إلى تفاهم بشرف،  لا غالب ولا مغلوب  لأي أحد للمصلحة العامة ويتحد الجميع مع بعض يدا واحدة ضد العدو الطاغية الرابض على أكتاف الوطن عسى أن نلحق به الضرر البليغ ونرتاح منه بالأسر ومحاكمته في العلن أمام الجميع على كل الشرور في عهده المشئوم الأسود،  بالعدل والقانون، أو القتل وإزالته من الحياة وخريطة الوطن المستباح من الأشرار بأمر الله تعالى حتى نهدأ وترتاح نفوسنا من الهم والغم والمطاردات حتى نعيش مرتاحين ونرجع منصورين إلى وطننا، ليبيا الغالية،   عن قريب...  والله الموفق .

            رجب المبروك زعطوط

 1988/5/2م