الحلقة الخامسة
 
                                           بسم الله الرحمن الرحيم
 
                                                        5
 
                                               شاهد على العصر
 
                                                      

              إستمريت في السوق من نجاح لآخر في إدارة المحل وإستأجرت محلاً آخر مساحته كبيرة ضعف السابق من آل الحصادي حيث مالكه كبر بالسن يريد التقاعد ، مما وافق على تأجيره وكان مقابلاً لباب سوق الظلام الرئيسي الجنوبي في نفس الشارع ، شارع إبراهيم الأسطى عمر ،المعروف بشارع ( وسع بالك)  ، ويبعد عن محلي غرباً بحوالي 100م في نفس الإتجاه ، وكان نعم المالك القنوع ، الله يسامحه على المعاملة الطيبة حيث لا يأتي للمحل إلا بعض الأوقات لشراء بعض المواد وراضيا بعقد كلمة الشرف وبدون أي زيادات في القيمة للإيجار ، حيث المالك السابق وقت القبض والسداد السنوي  يرفع  قيمة الإيجارمحاولاً الحصول على الضعف للسنة القادمة ، نظير الزحام للزبائن والشهرة والطمع مما تشاجر معه أخى الحاج صالح يوما في مشادة كلامية ساخنة على الطمع الزائد عن الحد وليس الزيادة السنوية المعقولة حسب العرف وقتها حيث لا عقود مكتوبة مثل الآن بل كلمة شرف ومصافحة باليد 

عرفت أسباب المضايقة والضغط الذي يمارسه  صاحب الملك نظير النقص للمحلات حيث لا بديل جاهز للإيجار أو الشراء وطلبت منه إذا يمكنه بيعه لي فعليه تحديد السعر لشرائه ولكنه رفض البيع وقررت تسليمه له في أقرب وقت منعا للمشاكل المستقبلية حيث لم أشعر بالراحة في المكان وصاحبه بهذا الشكل اللحوح ، وعندما تسلمت المحل الثاني الذي تحصلت عليه بالصدفة والحظ ذو الإيجارالمعقول إنتقلت له، وقمت  بصيانة سريعة  للمحل الأول وتم طلاؤه من جديد وسلمته المفاتيح وسامحته فى بقية أيجار الشهور المدفوعة مسبقا ، مما كان شبه صدمة له غير متوقعة لأرتاح من مضايقاته ونظراته وحسده ،
غيرت رحلة الإجازة السنوية والسياحة بدلاً من مصر إلى بريطانيا ، لأن إبن الخال ورفيق وصديق العمر محمد بورقيعة كان طالبا يدرس في جامعات لندن للهندسة ، وتم الإتصال به وإتفقنا على الميعاد واللقاء ، ووصلت جوا عن طريق روما إيطاليا وكان بالمطار ينتظر ، وقضيت أياما جميلة في مجتمع آخر محافظ مغلق له عادات وتقاليد تختلف في معظمها عنا نحن العرب ، وكان إبن الخال خبيراً في السياحة ومعرفة الأماكن للزيارة حيث كان مقيما هناك منذ 5 سنوات ويعرف كيف يتجول بسهولة وبساطة 

كنت بطبيعتي أحب السفر ضمن ركاب الدرجة الأولى ولا أحسد النفس مقابل الإستمتاع بالحياة في حدود الطاقة والمعقول فلست بمبذر ولا مقتر ، وحجزت تذكرة الرجوع ويوم السفر إلى ليبيا ودعني في المطار بلندن بعد أن إستلمت بطاقة الصعود ، وبعد المرور على المهاجرة والجمرك والإنتظار بعض الوقت صعدت للطائرة المتجهة إلى روما إيطاليا وفترة ترانسيت عبور ثم تكملة الرحلة إلى طرابلس ليبيا وبعدها بنغازي ، ثم بالسيارة مسافة 300 كم إلى مدينتي الحبيبة درنة 

كان بجواري أحد رجال الأعمال الإيطاليين في الستينات ، وتجاذبنا أطراف الحديث بلغة ركيكة مزيجا من الأيطالية والأنجليزية أن أسمه سنيور " قراسى " وفهمت منه أن يملك مصنع لطحن الدقيق فى مدينة بارما بأيطاليا ولديه مشكلة عويصة مع أحد التجار الليبين فى مدينة طبرق عندما عرف أننى من المنطقة الشرقية ،، حيث بعث حمولة سفينة من الدقيق ضد المستندات وإستلمها التاجر ورفض الدفع بحجة أن بعض المياه أثناء الشحن تسربت للعنبر  ويرغب في خصم كبير كتعويض  مما سوف تسبب له خسائر ، وبكل بساطة قلت له ، الموضوع سهل وسوف أقدم لك يد المساعدة والتاجر المستلم للشحنة والذي معه المشكلة من أطيب وأنبل التجار الحاج محمد الجروشي بإذن الله تعالى سوف يدفع ويسدد المستندات لأنه من أصدقاء العائلة حيث فرح 

وهبطت الطائرة في مطار روما ، وعزمني وشدد العزومة ولكن رفضت حيث لدي إرتباطات ومحل ينتظر ، وإتفقنا أن يأتي إلى ليبيا في أقرب وقت ممكن ، ومر أسبوعان من الوصول إلى مدينة درنة ، ويوما في الضحى رن جرس الهاتف وكان السيد " قراسي " وتم الإتفاق بأن يأتي إلى مدينة درنة مع المغرب ، وجهزت له العشاء بالبيت وسهرة حضرها الوالد وبعدها النوم ، وبالصباح وجبة الإفطار وكان يعاملني بروح مترفعة وغطرسة وكأنني عامل عنده وصبرت حتى لا أوذي شعوره حيث ضيفا لدى والواجب وعاداتنا الليبية العربية الأصيلة إكرام الضيف والحفاوة به لآخر لحظة حتى التوديع والسفر 

قدت السيارة وهو جالس بجواري ونتناقش ونتحدث بصعوبة في الفهم من الطرفين وأخيرا وصلنا إلى مدينة طبرق ، وذهبت رأسا إلى  بنك باركليز ، وعندما دخلت وشاهدني الموظفون قاموا بالسلام والتحية وهو يشاهد ، ودخلت على المدير العام بدون إستئذان ، ودخل معي إلى المكتب وتحدثنا قليلا وقلت للمدير لا تقول له أنك نسيبي وصهري زوج أختي ، وتحدث معه بخصوص الدفع ، وطلب المدير التاجر بالهاتف الذي حضر ، وقال طالما فلان صهرك يعنيني أنا توسط في الموضوع  أنا مسامح في المطالبة بالخصم ، وتم الدفع فوراً من حسابه بسرعة وتم إعطاء السيد قراسى نسخة من سند التحويل البرقي ، وإنتهى الأمر في جلسة لا تتعدى الساعة بدلاً من كثرة المراسلات بين المصارف " باركليز وبانكو دي روما  " بدون جدوى مما دهش الإيطالي على المعرفة والنفوذ وإعتقد أنني من كبار الرأسماليين والتجار المعروفين المشهورين لدى البنك ، والواقع مدير البنك نسيبي 

الذي زاد أهمية دعوة المدير لنا على وجبة الغداء في بيته وأكرمنا وهو لا يعرف أن أختي شقيقتي زوجته ، ورجعنا إلى درنة وهو مستغرب وتغيرت تصرفاته معي وأصبح متحفظا في الحديث وكله ذوق وإحترام وتقدير حتى وصلنا إلى مدينة درنة ، وطلبت من أحد الأصدقاء أن يوصله إلى بنغازي بسيارتيي حيث كنت متعبا ولا أستطيع مواصلة السفر ، وودعته وتمنيت له رحلة طيبة  ، وأصر أن أزوره في إيطاليا في أول فرصة لرد الجميل على الخدمات وقد وعدته بالحضور والزيارة 

لقاء المساهمة والمساعدة في تسوية الموضوع وتحويل المال بسرعة أكسبني أهمية كبيرة في الأوساط التجارية الإيطالية إبتداءا من السفرة في طرابلس والقنصلية في بنغازي والغرفة التجارية مما فتحت آفاقا كبيرة واسعة في المعاملات التجارية الليبية الإيطالية وأصبحت بدون أن أدري مستشارا لبعض الشركات في إعطاء الرأي السليم نظير المشكلات العديدة التي بين الفينة وأخرى تحصل الخلافات فيها بين الأطراف ، نظير سوء الفهم 

سنة 1965م كانت سنة خير وفرح وسعادة وهناء حيث تغيرت فيها حياتي تغييراً كبيراً فقد حدثت فيها 3 مواضيع غيرت مجرى حياتي إلى الأحسن والأفضل ، الأول الزواج وتكوين عائلة خاصة بي ،  والثاني بداية التغيير من تجارة السلع التموينية إلى التركيز على إستيراد مواد البناء ، والثالث إستخراج رخصة عمل وكالة بحرية لمناولة وتفريغ السفن بالمواني  درنة ورأس الهلال المهدم رصيفه من الحرب العالمية الثانية  لتفريغ بعض السفن الخاصة حمولاتها بمواد البناء لشركات المقاولات الأجنبية  بالبيضاء ، مما فتحت أفاقا كبيرة واسعة في عالم التجارة ، الأرباح وأهمها الشهرة 

                                                                     رجب المبروك زعطوط

البقية في الحلقة القادمة