بسم الله الرحمن الرحيم
4
شاهد على العصر
رجعت إلى درنة وأنا فرح ومسرور فقد تحصلت على طلب الإستيراد لحمولة سفينة إسمنت ، وأمامي الذهاب غداً إلى البنك الوحيد بالمدينة ( باركليز بنك ) لفتح الإعتماد ، وكان لدي رخصة من البلدية مصدق عليها من الغرفة التجارية بالإستيراد العام لأي مواد ضمن القانون ، ماعدى الممنوعة في بعض الأحيان …
في اليوم الثاني وقت الضحى دخلت إلى المصرف ، وقابلت السيد سليمان بن عمران الموظف بالمصرف والذي في نفس الوقت كان قريبا لي تربطني به صلات دم ، حيث أمه ( رحمها الله ) إبنة عمي رأساً ، وبدل أن يشجعني ويشرح لي بهدوء ما المطلوب حتى أستعد ، رد علي ببرود بأن الأمر ليس بسهل وصعب وأحتاج إلى موافقة من إدارة البنك بتسهيلات إعتمادات حتى يوافق وكانت هذه أول عقبة لي فبدل من أن يشجعني ويشرح لي الأمور وماذا علي القيام به حتى أنجح لقيت منه كل الصد و الفتور ، ولكن أمام إصراري على الطلب ، حضر نائب المدير السيد حنا سعادة الفلسطيني البريطاني الجنسية وتدخل في الموضوع وقرأ طلب الشراء بإمعان وحاول بقدر الإمكان ثنيي عن الموضوع وردعي وأن لا أضيع الوقت في أحلام بلباقة ، وبدأ يضع العراقيل حتى أتراجع ولكن نظير إصراري مما إرتفع الصوت الغاضب العالي معه على الرفض وأنا لي الحق بفتح للإعتماد مما إسترعى الإنتباه لدى الزبائن المعدودين على الأصابع ، وكان المدير الإنجليزى المعاق أثناء الحرب العالمية في حادثة هو المسؤول والذي لا أذكر أسمه الآن في مكتبه وسمع الأصوات مما إستدعانا لمعرفة المشكلة والأسباب …
دخلت مع السيد حنا وكنت غاضبا من المنع وشرحت للمدير القصة وأنني زبون لدى البنك وأرغب في فتح إعتماد ، والسيد حنا ، النائب رفض ، وتطلع إلى نائبه بإستغراب ، وقال له لماذا؟؟ وكان الرد بأنني أحتاج إلى موافقة من الإدارة للتغطية المالية وحجة الترخيص وحجج واهية ، وقلت للمدير لا أحتاج إلى تسهيلات وسوف أغطي المبلغ بالكامل ، والرخصة موجودة وهذه نسخة منها ، وبعد لحظات من التفكير وأنا قلبى يكاد يقفز من صدري رهبة ، قام المدير بتوقيعه على طلب الشراء وقال لنائبه إفتح الإعتماد ، وكم كانت الفرحة ، وتطلعت إلى النائب وشاهدت علامة الخسارة والحزن والفشل على وجهه محاولاً قدر الإمكان التجلد وعدم الرفض ، وعرفت لا شعوريا من النفس أنني كسبت عدوا بالمصرف لن يرحمني أبداً في حالة الإحتياج ، وقررت أن أعرف الأسباب وراء المنع ووضع العراقيل ، وعرفت بعد مدة فقد كان يعمل لصالح بعض التجار في الإحتكار ضمن حلقة صعب إختراقها ، وقررت إستمالته بالهدايا والمال لجانبي مهما كلف الأمر من تضحيات حتى أجعله عينا لي في البنك للمستقبل ، حتى أعرف ماذا يحاك من أمور تجارية في الخفاء لكي أستعد …
خلال ساعة تم فتح الإعتماد وأخذت الرقم الإشاري وإتصلت من البريد المجاور للبنك بالوكيل اليوناني في بنغازي وأعلمته بالرقم مما كان مسرورا وتمنى لي النجاح والتوفيق ، ورجعت إلى المحل وأنا أكاد أطير من الفرحة لأنني حققت النجاح في أول خطوة !
وأشار الوالد ( رحمه الله ) بأن أتعاون مع أخي الحاج حسن ، حيث لم يوفقه الله عز وجل في العمل الذي إختاره ، وتم الإتفاق بحضور الوالد بأن يتولى الأمور والبيع للإسمنت سواءا مباشرة للزبائن أو من المخزن حيث لا أستطيع التواجد في عدة مواقع في آن واحد ، التسويق للسلع التموينية ومواد البناء …
وصلت الشحنة الأولى على ظهر السفينة الصغيرة " ديمتريوس " وصاحبها القبطان شرياكو حسب العهد والوعد وكلمة الشرف وكان مسروراً ولم يتوانى عن المساعدة في التفريغ بسهولة ، ثم الشحنة الثانية وبعدها الثالثة وشاء سوء الحظ أن السوق كاسد ولم يكن هناك بيع كثير مما تملل أخي من الموضوع والبيع للإسمنت كعادته ، ورفض الإستمرار في الشركة وتم تصفية الحسابات معه وخرج يعمل لحسابه الخاص …
أشار الوالد مرة أخرى بأن أتعاون مع إبن العم إدريس عبدالجليل (رحمه الله) في العمل ، حيث يريد ويرغب العمل ضمن العائلة حيث الثقة متوفرة بيننا وكان تحت العلاج من إلتواء في الظهر وجسمه الأعلى مغلف بالجبس ولديه عربة نقل ثقيل ولا يستطيع القيادة لمسافات طويلة ويحتاج للراحة وأحسن شىء له أن يتولى الأمر ومسؤولية بيع الإسمنت حيث كان أميناً في المعاملات المالية قمة الأمانة ولكن شديد صعب المراس دقيق ، وهوايته العمل طوال الوقت ليل نهار ، وبالنسبة لي كان نعم الشريك والسند ، وشارك في الرأسمال بمبلغ زهيد ثلاثة آلاف جنيه وكانت وقتها مبلغا كبير ، وإستمر العمل سنوات طويلة ، وساعد الحظ الشركة ونهض السوق من الكبوة وأصبح الطلب كبيراً ، وتوالت البواخر الواحدة وراء الأخرى وحققنا الأرباح الكبيرة ، سبحان مغير الأحوال من حال إلى حال ،
وقررت الذهاب إلى اليونان وزيارة الشركة التي أتعامل معها في أثينا ، محاولاً قدر الإمكان الحصول على التوكيل حتى أتحكم في السوق ، وأخذت معي بمعيتي كرفيق ومترجم إبن العم الحاج علي أمويلة سلطان ، وتحصلنا على التأشيرة اليونانية بسرعة وأبرقت للشركة بتاريخ الوصول لتحديد ميعاد مع مدير التصدير ، ووصلنا إلى مطار أثينا بسرعة حيث الرحلة جواً من بنغازي حوالي الساعة ، وكان في الإستقبال أحد موظفي شركة هيراكليس لصناعة الإسمنت الذي أوصلنا إلى فندق أومونيا الكبير في الميدان الذي سمي بإسمه وكان وقتها من الفنادق الجيدة ، وتم حجز الغرف ، والميعاد لزيارة الشركة بالغد صباحا الساعة العاشرة …
حضر موظف آخر من الشركة في الميعاد وكان يتكلم اللغة العربية بطلاقة بلكنة مصرية حيث من مواليد مصر المبعدين فقد تم إجلاء عائلاتهم من مصر أيام حكم الرئيس عبد الناصر ، لقد كانوا ضحية السياسة القذرة ، وضاعت الخبرات الجيدة على الوطن العربي نظير التعصب الأعمى والوطنية الزائدة عن الحد ، وشعرت بإرتياح كبير، وقابلت السيد سكلاريو مدير التصدير الذي كان ذو أخلاق رفيعة وتحدثنا عن ليبيا وعن الطفرة المستقبلية في البناء نظير الإحتياج للبناء والتعمير وبالأخص السيولة الآن متوفرة والدولة لديها الميزانيات الضخمة نظير تصدير النفط ، وعرفت الكثير عن الشركة وبأنها عامة و لديها عدة مصانع في اليونان وتنتج سنويا حوالي 4 ملايين طن وتصدر الإسمنت لأماكن عديدة بالخليج وأهمها السعودية حيث تستورد الكثير وطلبت منه التوكيل ، ولكن رفض في الوقت الحاضر حيث الطريقة المتبعة وقتها توقيع عقد حصة بكمية معينة يتم الإتفاق عليها مع إدارة الشركة لمدة سنة مع الزبون ولديهم الآن عقود مع الغير حيث ليبيا مقسمة إلى قسمين الشرق والغرب …
تحصلت على وعد للمستقبل في حالة تأخر وكيل المنطقة الشرقية عن التوقيع والتجديد سوف أكون المرشح الأول للحصة المقررة مما أثلج الصدر وعرفت لا شعورياً أنه مع الأيام نظير المعاملة الجيدة والمثابرة سوف أصل ، وطلبت كمية بسيطة كل أسبوعين حمولة سفينة أثناء فصل الصيف وحمولة واحدة كل شهر أثناء الشتاء حيث العمل في البناء والتشييد شبه متوقف نظير البرد وهطول الأمطار …
قضينا أياما جميلة في اليونان وقمنا بزيارة عدة مصانع وهي تعمل وتنتج الكميات الهائلة ، وكانت جولة كبيرة وتمت ضيافتنا من الشركة عدة مرات حفلات للعشاء مع البعض من كبار الموظفين بإدارة التصدير والبعض منهم يتكلمون اللغة العربية بطلاقة حيث أصولهم من المهاجرين المقيمين في مصر مما ساعدني كثيراً على التفاهم معهم بسهولة بدل الترجمة الغير دقيقة في بعض الأحيان التي يضيع المطلوب فيها نظير أخطاء عفوية غير مقصودة …
رجعنا إلى مدينة درنة بعد تمضية حوالي أسبوعين في العمل والزيارات لبعض الأماكن التاريخية ، وكانت تجربة كبيرة لي حيث تعرفت بالغير وإطلعت على أشياء جديدة بالنسبة لي في المعاملة التجارية خارج المملكة الليبية وقتها وجها لوجه وليس المعاملات عن طريق الوسطاء والرسائل والبرقيات ، مثل السنين السابقة في إستيراد السلع التموينية …
رجب المبروك زعطوط
No comments:
Post a Comment