Wednesday, August 1, 2012

المعاناة

    بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
 
                                                   المعاناة


                    تجولت بمدينة درنة حوالي الساعة 12 ظهرا قبل الصلاة  يوم  السبت  2012/7/28م   الموافق للتاسع من شهر رمضان المعظم الكريم بالسيارة من شارع لآخر في المدينة  حيث كانت خالية خاوية من الحركة وزحمة السيارات المكتظة  أيام العمل والدراسة ، حيث عرض الشوارع لا يتجاوز عدة أمتار ، بمقاييس اليوم  أصبحت مثل الأزقة ضيقة الإتساع لم تتغير حسب العصر والتقدم ، والإستيراد للسيارات المستعملة عن طريق البحر،  نفايات أوروبا منهمرة بالآلاف مثل المطر ، كل شهرتصل الشحنات الواحدة وراء الأخرى من الخارج للبيع لأبناء الشعب المحتاجين للمركوب والإستعمال ، وتزداد الأعداد للسيارات  أضعافاً مضاعفة بالليل بعد الإفطار ، حيث معظم سكان القرى حول مدينة درنة يأتون لها للتسوق من الأسواق أو السهر لدى الأقارب والمعارف مما يزداد  الزحام ويصعب الوصول بسرعة من مكان لآخر ، ويستغرب المواطن كثرة السيارات على الطرق ، ويعتقد أن هؤلاء البشر هم سكان المدينة وفي الحقيقة هم معظمهم من المناطق والأطراف …

كم كانت خيبة أملي كبيرة حيث الجميع نائمون إلا من بعض المارة أو الباعة بالمحلات ، وعدد بسيط يتحرك من السيارات ، وقلت للنفس سبحان الله العظيم ، الجميع قلب الموازين  ، نسوا قول الله عز وجل في كتابه القرآن المجيد ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وجعلنا الليل لباسا والنهار معاشا )  صدق الله العظيم ، خلق الليل للنوم والراحة والنهار للعمل والجهد وشهر رمضان عمل وعبادة للخالق الرحمن كالعادة مثل بقية الشهور ، حتى يشعر الصائم بآلام الجوع ويتعظ ، لكن البشر إتخذوا الدين الإسلامي قناعاً وخداعاً لأنفسهم وغيرهم حيث الواقع صائمون ممتنعون عن الأكل والشرب ، ولكن معظم الوقت بالنهار يغطون في النوم ويسهرون طوال الليل في السهر والسمر ولعب الورق  الغير مبرر إلى ضوء الفجر ، مما يضطرون للنوم طوال النهار متخذين من الصيام الأعذار …

خلال الشهر الكريم بعد المغرب مباشرة ، تبدأ الحياة الصاخبة التي  يتناول  الناس فيها الطعام والشراب  إلى الإمساك ، موائد الإفطار  شهية بما لذ وطاب من أصناف الطعام والحلويات ، أهالي المدينة يتفننون في الطبخ وكأننا في عرس كبير طويل لمدة شهر! معظم الجميع يصلون ويمارسون الشعائر والعبادات وصلاة التراويح وبقية السنة يخف المصلون عن الصلاة ، والسؤال الكبير هل الإيمان والهداية خلال شهر الصوم شهر رمضان عن عقيدة من القلب والضمير أم خداع لأنفسهم وللآخرين؟   لا أستطيع الجزم فأنا بشر لست عالما بما في القلوب من أسرار …

الليل سهر وفرح وإجتماعات ولقاءات الأحباب والعائلات ولم الشمل ، ولكن بالنهار كل شىء شبه معطل في الدوائر العامة وغيرها من خدمات وأعمال نظير التحجج بالصيام ، وعندما يحتج المواطن في الإدارات الرسمية على التسيب والإهمال ، الرد جاهز على الفور نحن  صيام  ، مما يسكت الإنسان عن المتابعة ، وبالتالي شهر كامل وأيام العيد الثلاثة شبه عطلة رسمية ، على المواطن أن يتعود الوضع والحال ولا يغضب وإلا يضيع الأجر والثواب ، ويقول ويتندر الناس عليه ، أن فلان ( محشش ) ، فقد الإتزان …

رجعت للمزرعة وصليت صلاة الظهر ، وأنا أفكر وألوم نفسي ، كم أخطأت وندمت على قراري بالبقاء في ليبيا ، مع أنني العارف بالأمر وأنه خلال الشهر كل شىء شبه معطل وفي إجازة ، ولم أذهب مع الحاجة الزوجة الوفية إلى أمريكا قبل حلول الشهر كما فعلت هي وأصوم هناك في صحبة بقية العائلة من الأولاد والبنات والأحفاد ، الذين ينتظرون قدومي بفارغ الصبر لتمضية الشهر المبارك معهم وأرتاح من الإرهاق والسفر والتنقل من مكان لآخر لكن نتيجة بعض الأعمال المعلقة التي لم تنتهي وتتطلب وجودي الشخصي بالوطن ، لا أريد الذهاب والبقاء مشغول البال  طوال الوقت معلق هناك بالجسد غير قادر على الإنهاء حيث الروح والعقل بالوطن ، أتابع الأمور بالإتصالات التي معظم الوقت لا تؤدي لنتائج ، بل تزيد الهم والغم حيث الأطراف الأخرى لا تهتم ، متحججة بشهر رمضان والصيام ، المشكلة الرئيسية في دول العالم الثالث وبالأخص في ليبيا ، الوقت ليس له حساب ولا ثمن …

أصبحت وحيدا بين طرابلس ودرنة أتنقل كل ليلة  إلى أحد البيوت العامرة مدعوا كضيف شرف لتناول الفطور ، ولكن بالنسبة لي أنا في أواخر وشتاء العمر أريد الإستقرار في مكان واحد ، إما ليبيا أو أمريكا طول الوقت ، حتى أرتاح ويرتاح الجميع  وأصبح رسوة وبيت العائلة المقر الرئيسي ، يأتي الجميع للزيارات وينطلقون بدل السفر والتنقلات الكثيرة بين القارات وقطع المسافات الطويلة طوال الوقت بدون راحة وضياع الجهد والمال وأنا صحتي الآن لا تسمح فلست بشاب وعلي أن أستيقظ من السبات ، وأخطط وأتقاعد بقية أيام العمر وأزهى حسب المستطاع ، فالحياة قصيرة مصيرها الموت والفناء والدنيا لا يقدر عليها أي أحد من البشر إلا خالقها الرب القادر القدير …

مشكلتي الرئيسية أنني بطبيعتي إنسان مغامر ومقامر لأقصى الحدود ، من خلال مسيرة الحياة والتنقل الكثير والعمل السري بالمعارضة ضد نظام المقبور ، عارف بمعظم الأمور وغير قادر على التوقف والتقاعد حيث لدي نفس مثابرة تريد الوصول لأعلى المراتب في أي شىء أقوم به ، سواءا في الأعمال والسياسة أو عمل البر والخير ، لدي قناعة أن الراحة زيادة على اللزوم تؤدي للمرض ، وأنا أحاول السعي والسير بكامل الجهد حتى أستجمع أموالي المبعثرة لدى الدولة منذ أيام الزحف والتأميم التي إلى الآن طالت أكثر من 34 عاما وأنا أجاهد وأنتظر في اليوم السعيد يوم القبض لأموالي المؤممة بإذن الله تعالى إذا أطال الله عز وجل لي العمر …

قامت الثورة المجيدة وساهمت فيها بالمتاح قدر الجهد وكنت من الأساس في صمت بدون ضجة وأبدعت ولم أترك بابا لنصل للنصر ، إلا طرقته ، وساهمت بالجهد والمال والمعدات والسلاح للثوار ، ولكن للأسف لست بطحلب متسلق منافق حتى أحشر النفس بأول الصفوف ، بل إحترمت الوضع  لأنني عزيز النفس لدي كرامة وقيم  ،  وإنتظرت ، ولكن للأسف كان خطأ مني لم أربض بالساحة وأركض مع الآخرين في السباق الجنوني للوصول للقمة ،  حيث تجاوزنى الآخرون بسرعة وأصبحت في المؤخرة  ، ولم أكرم التكريم الجيد من الدولة مع الآخرين الجنود المجهولين ، حيث لا وفاء من المسؤولين الذين البعض منهم مهتمون كيف يحسنون  أوضاعهم المادية على حساب المجتمع ، لهم ولحواشيهم بدون عدل ولا مساواة طالما الفرص مواتية قبل الرحيل وإنتهاء مهماتهم ، ولم أقبض مستحقاتي عرقي وجهدي حتى الآن ! والقول لنا طوال الوقت أن الآن مرحلة إنتقالية والدولة لم تقام بعد ، ولكن النهب للأموال مستمر على قدم وساق،  أليست بمأساة؟؟ رزقنا على الله عز وجل الوهاب الكريم العاطي بدون من ولا حدود …

لا أريد الخوض في الكلام عن الفقر والضيق والمعاناة للكثيرين من أبناء الشعب المهمشين بآخر الطابور يعانون ، ولا الحديث عن التسيب والإهمال ، ولا الهدر والنهب للثروات ، ولا إتهام أي أحد مهما كان من أبناء الوطن ، وإلا سوف أخرج عن الخط والحد ولن تتوقف الشكايات والمهاترات والتفاهات ، وأخلق أعداء بدون أن أدري ،، فكلمة الحق الآن في عصرنا هذا " وجاعة " تؤلم ، لأن الكثيرين لا يريدون ولا يرغبون في سماع كلمات الحق ولا الحقائق أن تظهر لأنهم سارقون مرتشون أو عملاء بدون علم ولا إتفاقات مسبقة مع سادة الشر ، يطبقون أجندات بدون أن يعرفوا بأنهم مسيرون بالإيحاء من قوى خفية دولية ، يؤخرون الوطن إلى الخلف بدل النهضة والتقدم ، غاطسون في الحرام إلى الذقون ، أليس الأمر بمأساة ؟؟

لكن الوطن له "عشم " وثورتنا إلاهية ، ومهما حاول وعمل  الطحالب  المستحيل للوصول للقمة والإحتكارات ، لن يوفقوا للخراب والدمار بإذن الله عز وجل ، حيث ليبيا مستمرة بهم أم بغيرهم ولن تتوقف المسيرة ولطالما شاهدت من ظلم وإرهاب طوال سنين الطاغية المقبور ، ونجحت وفازت وإنتصرت في التمرد والثورة المجيدة ، ثورة 17 فبراير الخالدة مدى الدهر التي سطرت دماء شهدائها وجرحاها وتضحيات جميع أبناء شعبها  بمداد من الذهب في تاريخ ليبيا الوطن إلى الأبد بإذن الله عز وجل ، وسوف نخرج من المتاهات والحفر والمكايد والدس ، ولا يصح إلا الصحيح مع الوقت ، والشوائب العالقة في الخضم  الطحالب المتسلقة  لا تستطيع المقاومة والبقاء ، مع الوقت سوف تتساقط إلى القاع والأعماق ، في مزبلة التاريخ الذي لايرحم ، يسجل كل شىء يحدث بالساحة الوطنية من خير وشر … والله الموفق ...
 
                                                                رجب المبروك زعطوط
 
                                                                     2012/7/28م
 
                                                     

No comments:

Post a Comment