Friday, February 28, 2014

مدينة درنة (8) 70

بسم الله الرحمن الرحيم 


   تحركت قافلة من السيارات العسكرية الثقيلة من الحامية،  بها العشرات من الجنود المدججين بالأسلحة بلباس الميدان وكأنهم ذاهبون إلى الحرب،  إلى ميدان البلدية بوسط المدينة، وتوقف الرتل في اماكن متباعدة،  ونزلوا فجأة بسرعة وبعض المواطنين  أصحاب المحلات والمقاهي التي تفتح على الميدان والزبائن والمارة  مستغربين يحاولون معرفة ماذا حدث ؟؟؟ ولماذا العجلة ؟؟ وحاصروا منافذ السوق  والأزقة التي تؤدي له وعلى غفلة وبدون سابق إنذار بدأ التعدي والضرب بالهروات على اي مواطن موجود هناك رغبة في الانتقام والتشفي على ضرب الجنود المعتدين الذين كانوا أسباب المشكلة، وإشتد الصراخ والعويل والهرج والمرج وقاوم التجار والباعة المعتدين  دفاعا عن النفس بالمتاح، وإنضم الكثيرون لمعرفة ماذا حدث، ومناصرة المدنيين، وكل دقائق تمر يزداد العدد من المدنيين، وعندما شعر الجنود ببوادر الضغط من كثرة الجمهور وخافوا ان يحدث العكس ويخسروا المفاجئة والمعركة  وتدور الدائرة على رؤوسهم.


     بدأ اطلاق الرصاص الحي لأعلى للتخويف والرعب حتى يتفرقوا، ولكن الفوضى عمت في وقت قليل  وانتشر الخبر بسرعة وهاجت المدينة وماجت وجاء الشباب من كل حدب وصوب مسرعين ليستجلوا الامر والنجدة  ودخلوا المعركة القائمة مساندين ومناصرين إخوانهم ومعارفهم ضد العسكر حتى توقفت وخفت  المشادة  مع المساء عندما حل الظلام وسقط الكثيرون جرحى من الطرفين  والبعض من القتلى الابرياء المدنيين وانتهت الجولة الاولى وجميع الجرحى من الطرفين تم نقلهم  للعلاج والإسعاف  في المستشفى الوحيد في المدينة،  والأعصاب لدى الجميع  مشدودة متوترة، ما بين مصدقين ومكذبين ما يجري من الأحداث


   اليوم الثانى حضرت للمدينة عدة تعزيزات للحامية من الجنود والآليات  وأصبح وسط المدينة ميدان البلدية العريق وساحة المصرف التجاري وطريق (وسع بالك)  ساحة معركة قتال، وقام الجنود مرة اخرى بالتعدي على الأهالي  بدل الهدوء وحفظ الأمن، وعدم التعدي حيث صدرت اوامر للشرطة بأن لا تتدخل…  وبدأ التشابك والقتال بين الطرفين بالهروات والعصي وقبضات الأيادي بعنف بين الكثيرين مجموعات مجموعات،  وكان الجنود لا يفرقون بين صغير او كبير في السن شاء القدر وسوء الحظ التواجد له  في المكان الخطأ  والوقت الغير مناسب،  فالضرب المبرح للجميع في السوق والميدان…وكان الأهالي عزل من السلاح الناري  وسقط الكثيرون جرحى…


      واليوم الثالث أثناء النهار عم الهدوء شامل على غير العادة، مما بدأت دورة الحياة عادية والجميع متوتر وينتظر ما الذي سوف يحدث…  وبالمساء تكررت المأساة و توقفت عدة سيارات عسكرية فجأة   بالميدان تحمل العشرات من الجنود  المدججين بالسلاح  وتم غلق ابواب داري الخيالة ( الزني + التاجوري ) المطلات عليه، وتم إطفاء الانوار ووقف الافلام عن العرض   واخراج المشاهدين بالقوة وعلى المداخل والابواب كانت اعداد كبيرة من الجنود تنتظر في الابرياء يبحثون عن البعض من الشباب المطلوب القبض عليهم  وكل مشاهد من الحضور خرج مذعورا يتلقى ضربة بقسوة وعنف من هراوة  او ركلة في اي مكان من الجسم بدون تمييز مما زاد الذعر ودافع البعض عن انفسهم بقوة وانتهت الجولة بالقبض علي الكثيرين ونقلهم الى الحامية (المعسكر)  للتحقيق ولتأديبهم وتعذيبهم بقسوة لقاء الدفاع عن انفسهم من الضرب والمهانة…
      استمرت المدينة في حالة تمرد وفوضى عارمة،  وأغلق السوق ابوابه  وقفل الجيش جميع الطرق الرئيسية على المدينة كطوق ممنوع الخروج او الدخول بقوة السلاح حتى لا يتطور الامر في المدن الاخرى وتصل شرارة الانتفاضة وتصبح ثورة شعبية  لا يستطيع الحكام الجدد إنهاؤها


     استمرت العمليات ضد ابناء الشعب الاهالي وكانهم غير ليبيين أجانب من جنس آخر بحاجة للتأديب  والدوريات تتجول في الطرق الرئيسية ليلا نهارا… أما الطرق الفرعية والأزقة المتشابكة في المدينة القديمة  ذات المتاهات معظم الجنود غرباء  من مدن أخرى، ليسوا دراونة من أهاليها حتى يستطيعون التجوال بحرية ضمنها من غير الإعتداء عليهم حيث الشباب الدرناوي  طوال الوقت متمركزين فيها ويصطادون في الجنود ويشبعوهم ضربا وركلا… حتى النساء ساعدن أهاليهن في رمي الحجارة والأواني الثقيلة على رؤوس الجنود من السطوح مما توقفوا عن الاقتحام مع انه بيدهم السلاح واصبحت المدينة تعيش في حالة تمرد، وتوتر في حالة حرب شعبية بين الطرفين


     واستمرت الحالة المزرية بالمدينة حوالي عشرة ايام،  وتدخل وسطاء الخير من أعيان المدينة على الصلح بشرط ان يخرج الجيش من الحامية وان تكون المدينة خالية من العسكر منعا للمشاكل، وتعويض الجرحى الذين لديهم حالات حرجة يصعب علاجها في ليبيا، وإيفادهم للخارج والعلاج على حساب الدولة وتعويض أهالي الضحايا القتلى التعويض العادل لهم ودفع الفدية حتى يرضون ويتنازلون عن المطالبة اولياء الدم، حسب العادات الأعراف والتقاليد المحلية السارية وقتها… ووافق العقيد القذافي رئيس مجلس قيادة الثورة مرغما، خوفا من تستمر الانتفاضة وتستيقظ المدن الاخرى من السبات والنوم وتتمرد عليهم  إسوة بدرنة


     رحل الجيش غصبا عنه من المدينة، وشاهدت بأم العين وكنت واقفا امام  مكتبي في شارع رافع الانصاري،  الطريق الوحيد وقتها إلى خارج مدينة درنة غربا وممتدا مع شارع  (اميل سان لا) إلى الشرق مرورا على المستشفى القديم والحامية الملاصقة  (المعسكر). ثم إلى الجبل للصعود على مرتفع هضبة الفتائح منطقة القرقف، حيث حدثت المعركة المشهورة ضد الغزاة الإيطاليين وقت الاحتلال للوطن… وشاهدت رتل طوابير السيارات الثقيلة حاملة المعدات والجنود وهي متجهة غربا إلى بنغازي والبعض يبكون على الهزيمة متأثرين من الموقف الصعب الطرد   (والهزيبة).


      كانت الانتفاضة والتمرد الاول ضد هيمنة العسكر الطاغية التي بدأت تظهر وتسيطر على الشعب الغافل الذي كان يعيش في الحلم الزائف من التطبيل والتجديف والتدجيل ولم تمر غير مدة بسيطة على قيام الانقلاب، وتم فرض الخروج على القيادة وجلاء العسكر من المدينة


     الإنتفاضة والتحديات والطرد للجيش بقوة والخروج من مدينة درنة كانت  الإسفين والخنجر  الذي تم غرسه في العلاقات بين الدراونة، والعقيد المعقد الحقود القذافي  مما كره  مدينة درنة وبدأ يحسب لها آلاف الحسابات حتى لا تنهض وتتقدم  وخطط ومنع عنها أية اعمال تشييد وبناء إسوة بالمدن الأخرى  لعدة سنوات وحرمها من عدة ميزانيات سنوية  لتركيع أهاليها وتلقينها درسا حتى لا تثور وتتحدى الثورة


     مما زادت فقرا وهاجرت الخبرات الوطنية المحلية غصبا عنها  إلى بنغازي وطرابلس والخارج للبحث عن لقمة  العيش الحلال الشريف، أليست بمأساة ان يتحكم لقيط في مقدرات الوطن  ويصل إلى هذا الحال المؤسف في الإرهاب والضغوط والمنع والمنح وكأنه الرب القادر


     وزاد الطين بللا وحلت المآسي وتم اختلاق مؤامرة مزيفة ليست لها أية جذور من الحقيقة للتخلص من كثير الضباط الوطنيين وبالأخص الدراونة  ذوي الخبرات العالية والأقدمية في التسلسل العسكري حتى يفتح المجال له ولبطانته من التدرج في الرتب العسكرية، مكانهم وبدلهم في تعداد الجيش الصغير.
الشهيد عبد الحميد الماجري
     وأول شهيد في الإنقلاب الاسود ( ثورة الفاتح )  تم تعذيبه حتى الموت بدون رحمة ولا شفقة كان درناوي من مدينة درنة صديقي الضابط الشهيد عبدالحميد الماجري الذي تم  اعتقاله وعذب أشد العذاب بالكهرباء والضرب بالسياط حتى توفي من تعذيب الجلادين القساة… 
وتم وضع الجثمان في صندوق من القصدير حديد مغلق غطاؤه باللحام داخل صندوق النعش الخشبي حتى تمنع خروج الروائح الكريهة من طول المدة في النقل، وممنوع الفتح عليه من ذويه حتى لا يشاهدوا التعذيب الوحشي والفظاعة  من قبل الآخرين، ولكن الله عز وجل أراد لهم الفضح، عسى ان يأخذوا العبر… 
     تم إحضار النعش من طرابلس ضمن حظيرة من الجنود مع ضابطهم للقيام بدفنه تكريما في  جنازة عسكرية كرياء ونفاق أمام ابناء الشعب، والواقع المرير التأكد من عدم فتح التابوت من اي أحد كان… ووضع النعش بغرفة الأموات في مستشفى درنة القديم، وحضر العديد من المشيعين  التأبين لنقل التابوت إلى المقبرة  للدفن، 
في أوقات الحزن والأسى يظهر بعض الرجال على السطح  فجأة من العدم، حيث وقف المرحوم خليفة الماجري شيخ العائلة  الذي كنايته ( الكيرطي ) وأصر على فتح الصندوق حتى يشاهد ذويه الجثة ويتأكدوا ان المرحوم  الميت  هو  قريبهم، وأصر الضابط على عدم الفتح  حسب الاوامر التي  لديه من رؤسائه وحدثت مشادة كبيرة معه وخاف الضابط على نفسه وجنوده من الضرب والتعدي من الجمهور الكبير  الذي يريد تشييع الجنازة

   وإنتهت بفتح الصندوق الحديدى ضد إرادته، وكانت الصدمة الكبيرة حيث شاهدوا عظام أصابع رجليه ظاهرا من كثرة الضرب بالسياط اثناء التعذيب حتى تقطع اللحم وتفتت، وآثار الضرب واضحة على الجسد،  فقد كانت جثة المرحوم مشوهة حسب ما قيل وقتها من أفواه الحاضرين، مما صعق الضابط والجنود من التمثيل بالجثة وبدؤا يبكون على المرحوم… 
     وتتبعت الموضوع فقد كان المرحوم صديقي وتربطني به وبالشيخ خليفة معرفة وود حيث نحن اولاد العم بالقبيلة التواجير  واعرف أولاد الشيخ معرفة جيدة… 
     كانت فضيحة كبيرة على النظام الفوضوي الذي بدأ يكشر عن أنيابه ويفرض سلطته وهيمنته على ابناء الشعب بالقوة والارهاب منذ البدايات… لم احضر الجنازة الضخمة من كثرة المشيعين حيث معظم رجال وشباب  المدينة خرجوا للتشييع وقتها، وكأنهم في مظاهرة صاخبة عندما ترددت أنباء التعذيب،  ودفن المرحوم في مقبرة الفتائح وهم يترحمون عليه ومتأسفين على الذي حدث له، هاتفين انهم يوما سيأخذون الثأر من الجلادين القساة  (حيث كنت مسافرا خارج المدينة وقتها) وكانت هذه البداية في سلسلة طويلة من الاحداث والمآسي المؤسفة من قبل رجال الانقلاب الاسود ( الثورة )  والتحديات والصمود من الدراونة من الجنسين  ضد النظام العفن… والله الموفق.
                                                                                              رجب المبروك زعطوط 

البقية في الحلقات القادمة

Thursday, February 27, 2014

مدينة درنة (7) 69

 بسم الله الرحمن الرحيم

   انتهت الحرب العالمية الثانية على خير وسلامة وفاز وإنتصر  الحلفاء على عدوهم المحور (المانيا + ايطاليا)  وكانت فرحة كبيرة في ليبيا تشفيا في هزيمة الإيطاليين المحتلين للوطن سنوات عديدة (34 عاما) ونسوا وتناسوا ساعة الفرحة والنصر التي  غطت ما حدثت من ويلات ومصائب ومصاعب  من قتل للأبرياء   والدماء التي  أريقت بسبب مدة بقاء الاستعمار السنين العديدة ووقت سنوات الحرب 1945/1939 م وما خلفت من دمار وخراب للمدن والقرى نظير الغارات الجوية  المتكررة من الطرفين، والكر والفر للجيوش المتحاربة بعنف على أرضنا ونحن كشعب ليبي بسيط لا ناقة لنا ولا جمل كي نقاسي ونتعذب وتستهلك طاقاتنا هباءا منثورا لمصالح وصراعات الغير


      فرح الآباء والأجداد الفرحة العارمة الكبيرة من الدهشة والمفاجأة الغير معقولة بعد أن وصلوا إلى مراحل يائسة ان حكومة ايطاليا بجبروتها وقوتها وجيوشها غير مصدقين بأنها تخسر الحرب وتغادر الوطن غصبا عنها مهزومة… ولكن عندما شاءت مشيئة  القدر ودقت ساعة الرحيل، فر وهرب الإيطاليون المحتلون بعائلاتهم ضمن طوابير جيوشهم  المهزمومين الأسرى  الطويلة بسرعة جماعات حتى لا تطالهم أيادي الانتقام الرهيب  من المقهورين الوطنيين المحليين على أعمالهم الشائنة اوقات كانوا سادة يحكمون  متكبرين بالقوة والإرهاب
وخرجنا من تعسف واحتلال المستعمر الظالم القاسي الإيطالي   إلى مستعمر آخر بريطاني  بطرق هادئة سلسة بدهاء وخبث ومكر، يستغل موقع الوطن الجغرافي الاستراتيجي لتدريب جيوشه  ويمتص خيراته ضمن تسميات يخيل للمواطن الليبي انها لصالحه ومصلحته حتى يستطيع حكم نفسه، والواقع  يختلف تماما في كثير من الأمور المهمة حيث تطلعات الشعب الليبي  تقرير المصير والاستقلال اولا قبل ان يرتبط بأي احلاف أومعاهدات


     وبدأت المسيرة النضالية من الرجال والشباب الوطنيين الذين لهم قدر من التعليم في ذاك الوقت  والخبرة فى امور السياسة  فى انشاء الاحزاب السياسية والجمعيات الأدبية والنوادى الرياضية تحت هيمنة الإدارة العسكرية البريطانية التي تختلق الأعذار العديدة  وتطلب طلبات شبه مستحيلة على ممن لا ترضى عنه حتى توافق وتعطي وتمنح  الرخصة بالعمل… وكان من ضمنها خروج جمعية عمر المختار في بنغازى ودرنة.


      وبدأ الحراك السياسي في التفاعل في مدة بسيطة مما أزعج الحكومة المؤقته للإدارة، وكانت مدينة درنة احدى أهم المدن في ليبيا،  في الرفض والتمرد ضد كثير من المغالطات وقامت المظاهرات العديدة  التي تندد بالمنع لكثير من الأمور مما أزعج الادارة البريطانية في الحكم بسهولة، وتم وضع مخططات سرية وتخطيطات لتهميش المدينة  في الخفاء حتى تتراجع وتتأخر ولا تنمو بسرعة منعا للمشاكل السياسية المستقبلية .


     وتحصلت ليبيا في المنظمة الأممية على الاستقلال الكامل  بدءا من يوم 1951/12/24م  بعد كفاح وجهد جهيد لتأليب الأعضاء في الأمم المتحدة  لصالح التصويت لليبيا من جماعة درنة السادة المرحومين عمر فائق شنيب والسيد عبد الرازق شقلوف ورفيقهم من بنغازي السيد خليل القلال، ممثلي برقة  الوفد الليبي.


     ويوم  التصويت فازت ليبيا بفارق صوت واحد من السيد أميل سان لاو  مندوب هاييتي في هيئة الامم المتحدة لتقرير مصير ليبيا… وكان الرجل شجاعا ربطته أواصر الصداقة مع الوفد الليبي خلال الجلسات سواءا بالأمم المتحدة او أثناء السهرات العديدة الخاصة وتناول (المكرونة المبكبكة  الحارة) في ليالي شتاء نيويورك الباردة القارصة، وصوت لصالح ليبيا مع ان الأوامر لديه من حكومته بان يمتنع ولا يصوت، مما تسبب في طرده من المنصب لقاء تصرفه


      عمت الفرحة جميع أنحاء الوطن وقامت وأبصرت النور  المملكة الليبية لأول مرة في التاريخ المعاصر  ذات سيادة ونشيد وعلم ضمن دستور يعتبر وقتها من أفضل الدساتير التي تحفظ حقوق الجميع  من أبناء الشعب الليبيين وبعض الأقليات من الآجانب المقيمين وقتها  ضمن العدل والقانون .
ولكن اياد الشر وأبواق الاعلام المصري لم تتوقف عن سرد الكثير من الأخبار الكاذبة الزائفة من ضمن حملات إعلامية مكثفة ضد دولة اسرائيل والغرب والتنديد بالقواعد العسكرية في مدن  طرابلس وطبرق  المؤجرة للغرب  من راديو صوت العرب، مما اختلطت الامور لدى ابناء الشعب البسيط النقي المتعطش للوحدة العربية وصدق الأكاذيب والتزييف لكثير من المغالطات  وكانت قمة الخطأ… 


      وبدأت المهاترات والتراهات تحل الواحدة وراء الأخرى والمملكة ورجالها يحاولون بلباقة ان يحدوا  من الاستفزاز ولكن بدون جدوى مع ان (ليبيا في الستينات كانت السباقة في الدعم المادي الكبير عندما توفر لها المال من دخل النفط).


     تمت عدة حروب واحتلال الضفة ومدن العريش والسويس والاسماعلية ايام العدوان الثلاثي عام 1956 م  وإكتوت مدينة درنة بالنار وإزادادت اشتعالا ضد كل مستعمر ولم ترتاح، وزاد الطين بلل النكبة والنكسة عام 1967 م  وخسارة ثلاث جيوش دول عربية،  المال والرجال، الارض والعتاد اللذان كان يستقطع ثمنه من قوت الشعوب العربية، خلال ساعات وأيام من دولة واحدة اسرائيل التي كان الزعماء العرب يستهزؤن عليها وقتها


     هاج وماج الشعب وحدثت احداث عديدة خطيرة في جميع المدن في ليبيا وعلى رأسها مدينة درنة وروع المستعمرون المدنيون الانجليز في المنطقة الشرقية  من الهيجان والغضب العارم  والخوف على حياتهم، وتآمر رجال القصر الذين يكرهون درنة والدراونة نظير الحقد والحسد وتم جلاء جميع البريطانيين من المدينة إلى مدن اخرى طبرق وبنغازي، ولحقتهم الجالية الصغيرة من اليهود الليبيين وهاجرت إلى بنغازي وجزء كبير إلى طرابلس مما اصبحت في وقت قليل مدينة  درنة  خاوية، وبدأ الكساد يعم نظير الأعمال المتوقفة  بعد ان كانت رائجة… مما اضطر الرجال والشباب الطموحين  المغامرين إلى الهجرة طلبا  للنجاح والثروة من ترك المدينة والعيش في المدن الاخرى ذات الرواج الإقتصادي !!!


     وزادت المصيبة قيام الانقلاب الاسود (ثورة الفاتح) كما اطلق عليه بقيادة ملازم مغمور غير معروف الأصل  ولا الفصل ولكن نتيجة الفرحة العارمة والدهشة لم يسأل اي أحد من المواطنيين من هو؟؟ ومن رفاقه الآخرين من الضباط ؟؟ حتى يستطيعون الحكم الصحيح من خلال سير حياتهم المهنية ومعاملاتهم مع الآخرين


     بل رقص معظم  الجميع في الشوارع والساحات والمياديين تشفيا في القصر ورجال الحكم العملاء المسيرين في نظرهم من المستعمرين  الأنجليز، وأثبتت الايام والسنيين ان معظمهم شرفاء يحبون الوطن عاملين في صمت حتى ينهض ويتقدم بالمتاح من المال القليل الذي كان في بدايات الاستقلال، ميزانية المملكة السنوية عبارة عن منح من بعض الدول الغنية والأمم المتحدة ضمن برامج مساعدات إنسانية  عديدة، ولقاء تأجير قواعد جوية في طرابلس الغرب ( قاعدة هويلس) لامريكا، وقاعدة (العدم) لبريطانيا وأبناء الشعب نظير عدم الفهم والجهل  هم الجناة الخاطئين


     نجح الانقلاب الاسود  بسرعة غير متوقعة نظير اسباب عديدة اهمها تأثيرات الخسارة الدائمة للعرب في قضية فلسطين والنكسة الرهيبة في نكبة عام 1967 م عندما خسر العرب الحرب في ساعات وأيام


     وإستغل الثوار الجدد احسن إستغلال المشاكل الكثيرة والخسائر لصالحهم في نجاح الانقلاب والشعب البسيط الغافل  يرقص مؤيدا لهم بدون ان يعلم ويعرف انها مؤامرة مخططة من أساطين الشر والشرور من القوى الخفية لدمار ليبيا وتأخيرها عقودا طويلة وتضييع ثرواتها في شراء معدات وأسلحة من روسيا الشيوعية عفى عليها الزمن مخلفات الحرب العالمية الثانية، بحجج قضايا التحرير وعلى رأسها قضية فلسطين، حتى لاتتقدم وتنهض الدولة الناشئة الجديدة، التي كانت وقتها كل يوم تتقدم خطوات للأحسن في جميع المجالات


    بدأت المشاكل تظهر على السطح  في أوساط المدينة وثارت درنة لقاء حادثة بسيطة فقد اعتدى بعض الجنود القادمين من الغرب الذين كانوا يعتقدون انفسهم انهم آلهة نظير نجاح الانقلاب الهائل بسرعة غير متوقعة، والغرور لدى العسكر ان العسكريين مميزين عن الآخرين وأنهم الأوائل وعلى الآخرين الطاعة،  والمواطن المدني يعتبر في تصنيفاتهم الخاطئة  درجة ثانية


      تم معاكسة احد الفتيات التي كانت واقفة تشتري بعض المنسوجات في احد المحلات  بسوق الظلام من احد الجنود حيث مد يده عليها بشكل مخزي فاضح وقرصها في نهدها كأنها غانية،  مما لطمته على وجه بضربة غير متوقعة منها نظير التصرف الخاطئ، وقام المعتدي بمد يده عليها وضربها مما صرخت متأوهة، وقام صاحب المحل ناهيا المعتدي بغلظة وطرده من المحل،  مما تمت النصرة عليه و ضرب بقسوة من قبل الآخرين بدل ان يتريثوا ويعرفوا الأمر


     وكبرت القصة وهب للنجدة  تجار السوق بسرعة وقاموا بضرب الجنود بعنف وقسوة وإعطائهم درسا في الأدب والأخلاق لهؤلاء الأجلاف المعتدين، وانتهى العراك وغادر الجنود وهم في حالة مزرية  إلى المعسكر وثيابهم ممزقة وبعض الكدمات والدماء واضحة على الوجوه…وعندما وصلوا لبوابة المعسكر أحيلوا إلى ضابط الخفر المناوب للسؤال ومتابعة ماذا حدث نظير قيافاتهم المزرية… وبدل قول الحقيقة خوفا من التحقيق معهم وتأديبهم بعقاب صارم، كذبوا في الرد وان جماعة التجار الدراونة في سوق الظلام بدرنة يتآمرون على الثورة، مما اصبح  الأمر خطيرا ولا يستحمل التعطيل والتأجيل  وتحول الامر إلى الآمر وكان احد الأقارب لعضو من أعضاء  مجلس الثورة  وقتها…مما تسرع ولم يتأكد من الأمر، وجهز فرقة كاملة بلباس الميدان والأسلحة وكأنهم ذاهبون لساحة قتال ومعركة، وذهبوا إلى السوق لإعطاء التجار درسا كبيرا بالضرب والإهانة على عدم التعدي على الثورة وحراسها  الجنود في اي وقت كان… وكانت خطئا كبيرا تم  اقترافه من آمر المعسكر الأرعن ضد أهالي المدينة الابرياء العزل من السلاح… وبدأت المعركة…
                                                                                  رجب المبروك زعطوط 

البقية في الحلقات القادمة

Wednesday, February 26, 2014

مدينة درنة (6) 68

بسم الله الرحمن الرحيم 


مهما تحدثت عن مدينة درنة في الحلقات السابقة لن أوفيها حقها… مدينة صغيرة في عدد السكان القاطنيين بها، والضعف مرتين يقيمون خارجها في ليبيا والعديد من دول العالم، إما للعمل كرجال اعمال وتجار وموظفين، أو للدراسة وتحصيل العلم في المعاهد والجامعات في الغرب، امريكا وكندا مرورا بدول عديدة في اوروبا والشرق الاوسط إلى اقصى دول الشرق ماليزيا وروسيا… أينما يذهب  الانسان  في العالم الفسيح يجد واحدا من أصل عشرة أفراد ليبيين من الجنسين أصله وجذوره من مدينة درنة المجاهدة …    الدراونة لهم شهرة كبيرة في الذكاء نظير حب الاستطلاع والمعرفة للغريب القادم لها، سواء بالمرور أو بالإقامة بها  حتى سميت المدينة بكناية "قيادة الأحوال" وقيل عنها الكثير من الحكايات والطرائف بدون حساب ولا عدد… والتي كثيرا ما تستعمل هذه الطرائف في الحديث الهاتفي كتعريف سري ورموز يصعب على الآخرين المتابعين من الأجانب معرفة المضمون والشرح له… الا الدراونة الأصليين…
       مدينة الفداء والتضحية من اجل البقاء احرارا كراما ذوو شهامة وعطاء بدون حساب…  كبيرة في الأحلام والتطلعات للوحدة العربية الشاملة  والعطاء وبذل الدم في سبيل رفع راية الاسلام خفاقة إلى أعلى مهما كلف الأمر والثمن من التضحيات بالروح والدم… لو أتيحت لها الفرص العادلة وعدم التهميش والقضاء على فقاقيع وظواهر التشدد الخاطئ بإسم الدين،  بالعقل والحكمة، بإمكان أهاليها الإبداع في جميع المجالات…
       مدينة مشهورة بمقام صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم  الذي ضم ترابها أجسادهم الطاهرة عندما سقطوا قتلى شهداء في المعركة الخالدة (معركة الصحابة) ضد فلول البيزنطيين الغزاة القادمين من البحر في المراكب، دفاعا عن العرض والكرامة للمسلمين سكان البلدة الحديثة في إعتناق دين الاسلام في ذاك الوقت العصيب ووقف المجزرة والنهب وسبي النساء والشباب صغار السن لبيعهم في اسواق النخاسة في العالم القديم كعبيد وجواري لمن يرغب في الشراء، منذ حوالي ثلاثة عشرة قرنا مضت… (القصة معروفة وسبق ان سردتها فى احد المواضيع السابقة)…
      روح التضحية والفداء تجري في الشرايين والعروق مجرى الدم بدون توقف طوال الوقت… مهما طال ومر الزمن عليها دائماً مجاهدة صابرة تزداد نشاطا وعنفوانا في التحدي للأعداء وتقاتل بالمتاح بدون ملل ولا كلل مهما جار عليها الزمن صابرة تنتظر الفرص حتى تقوم مرة اخرى في وجه اي طاغية، مهما كانت رمادا خامدا يخيل ويعتقد العدو انها منتهية، مهما حاول القضاء عليها بجميع الطرق دائماً بها جذوة نار بسيطة هامدة يتخيل الحاكم الطاغية انها خامدة، عندما يحين الوقت تبدأ في الاشتعال وتعلنها نارا حامية صعب إخمادها مهما فعل…  رجالها وشبابها مغاوير مجاهدين من قديم الزمن وحتى الآن تجرى بعروقهم دماء الحياة الساخنة وبالأخص في الذود عن الارض والعرض والكرامة، والدلائل موجودة بلا عدد لو تتبع الانسان الباحث لماذا الدراونة وصلوا لهذا المدى وتحصلوا على هذه الشهرة الكبيرة ؟؟ نظير العمل الفعلي والجهاد والتضحيات والصبر والفداء بالغالي والنفيس، لوجد الكثير من الوجوه المتعددة والتي تنتهي في قالب واحد مهما تعددت الطرق.
      ان جدودهم الأوائل مغامرون من الجزيرة العربية في بدايات الفتح لشمال افريقيا وبعدها بسنوات عديدة تم زحف قبائل بني هلال وبني سليم الأصيلة التي مدت نفوذها في جميع شمال افريقيا عندما تمردت قبائل البربر السكان الاصليين في الغرب على الحكام الجدد… هؤلاء الجدود الأوائل بداياتهم من الجزيرة العربية ضمن الدولة الاسلامية وعاصمتها آنذاك المدينة المنورة … ذوو شجاعة وكرم يعشقون قرض الشعر المحمول من الذاكرة بمقاييس العالم القديم، المتداول أبا عن جد حتى وقتنا الحاضر… لهم طابع خاص في النخوة وركوب الخطر والمناصرة للمظلومين والمستجيرين بالروح والدم دفاعا عن العقيدة، الدين والقيم، ولهم الفضل الكبير في نشر الاسلام في شمال افريقيا. لبوا نداء الواجب الجهاد، خرج معظمهم مجاهدين من الجزيرة العربية عبر شمال أفريقيا حتى حدود فرنسا واستقر المقام بهم في أسبانيا مئات السنين، حيث نشروا الحضارة والعلم والدلائل واضحة في عظمة البناء والتشييد في الاندلس قصور غرناطة وإشبيلية، والكثير من المعالم والعلوم التي طمست وحرفت مع الوقت… لا تريد القوى الخفية العالمية الاعتراف بالفضل ولا إعطاء العرب الجميل في نهضة اوروبا… وإخراجها من ظلمات الجهل والتأخر ايام وسنين الظلام، القرون الوسطى….

     اصول عائلتي بدأت من المدينة المنورة (ترجع أصول عائلتنا تاريخيا إلى قبيلة او عشيرة البلوي حسب ما علمت  من كبار السن في العائلة رحمهم الله تعالى) رحل الجد الكبير في البدايات كمتطوع مجاهدا محاربا ضمن جيش المسلمين حتى وصل إلى الاندلس في اسبانيا، واقامت ذريته مئات السنيين هناك تعيش حتى حلت المصائب وتفكك وتفسخ العرب نظير الصراعات على الحكم واللهو والمجون وسقطت آخر معاقلهم في غرناطة وتراجع الجدود الأوائل إلى شمال افريقيا بسرعة مهزومين حتى لا يبادوا ثأرا وقتلا لأنهم مسلمون خسروا الحرب….

      بعد إقامة مئات السنين في الحكم، رفضوا الخنوع والتنازل عن العقيدة المحمدية وترك الدين الإسلامي وتغييره بالتنصير بالإكراه بدون رغبة ليصبحوا نصارى مسيحيين كاثوليك، إذا أرادوا العيش والإقامة  في اسبانيا مواطنين، والحياة أذلة  بعد ان كانوا يوما سادة كرام، لهم شأن ومكان (محاكم التفتيش المشهورة بالتعذيب والإبادة للبشر الغير مسيحيين) .
      هربت العائلة عبر مضيق جبل طارق إلى المغرب بسرعة لقاء النجاة والحياة تنشد الأمن والأمان تاركة كل مالها من أموال وعقارات، واستقرت فترة من الزمن تاركة البعض مقيمين، ثم الرحيل للعائلة من مكان إلى مكان بمرور السنين وكل مرة جزء من العائلة يستهوى الإقامة ويستقر في احد المناطق ومدن المغرب العربي الكبير إبتداءا من المغرب والجزائر وتونس وليبيا حيث وقتها لا توجد حدود مثل الآن….حتى وصلت قلة إلى بلدة تاجوراء الملاصقة لمدينة طرابلس الغرب… وواصل الآخرون الرحلة وتوزعوا في مصر والعراق وبلاد الشام وتغيرت الكنيات واسماء العائلات بمرور الزمن، لكن الجذور مازالت باقية تحتاج إلى بحث وتحقيق طويل يحتاج إلى جهد كبير ووقت في المتابعة…

       جدنا الكبير أقام في مدينة تاجوراء فترة من الزمن، وعندما سمح بابا الفاتيكان وتنازل عن منطقة طرابلس لفرسان القديس يوحنا بالاقامة وحماية طرابلس، وكان يعرف من اجداده مدى الظلم والعسف والتشدد ضد الدين الاسلامي رحل جزء من العائلة واستقرت بمدينة درنة أيام هيمنة قبائل اولاد علي . أحد الجدود الريس محمد (قبطان) الذي تتفرع منه أسرتنا، مغامر قرصان لديه مركب حربي شراعي ومئات البحارة يعملون لديه تحت إمرته ضمن البحرية الليبية تحت لواء الباشا القرمانلي دافعا لخزينته والإتاوات عن كل رحلة غزو للباشا مقابل الرسو في ميناء طرابلس والحماية وعدم الإزعاج… مما مع الوقت والشهرة والخدمات الجليلة في مناصرته للباشا سمى احد الأزقة في مدينة طرابلس القديمة باسم ( زقاق زعطوط حتى الآن) تكريما له وعرفانا بالجميل… كان مشهورا في جبروته وغلظته وطاف غازيا مدنا كثيرة ساحلية في اوروبا وجزر صقلية ومالطة سابيا بالقوة والإكراه الفتيات الجميلات والشباب القادر على العمل والبيع لهم في سوق النخاسة في طرابلس لقاء المال، وتوقف عن المغامرات عندما توقف بيع الرقيق (العبيد ) وتوقفت التجارة وتقاعد في مدينة درنة التي أعجبته فقد كان يتردد عليها كثيرا، وكان مشهورا غنيا ذو مال مما اشترى اراض كثيرة في المدينة ومنطقة الفتائح الزراعية البعض منها موجودة حتى الآن لم يفرط فيها الأحفاد بالتنازل أو البيع…

      سردت جزءا من تاريخ العائلة حتى يفهم القارئ ان روح المغامرات والإقدام والذود عن العرض والدين يجري في جميع عروق أبناء المدينة  الذين جدودهم مغامرون اتوا من الغرب في الحملة القرمانلية لتأديب قبائل "أولاد علي" على التمرد ومحاولة تقسيم الشرق…..سميت الحملة شعبيا(تجريدة حبيب) لنصرة إخوة الجد من قبيلة العبيدات والمرابطين الذين طلبوا النجدة والغوث، حيت لم يسعفهم جيرانهم من قبائل الحرابي نظير الحروب والثأر ….
        في القرون الماضية كان لا يستطيع مقاومة الامراض والجوع ومصائب الحياة الا الاقوياء الأصحاء ذوي البنية القوية حتى تتاح لهم الحياة، لا رعاية صحية جيدة مثل الآن للأطفال، ولا دواء غير استعمال المتاح من الأعشاب والتطبيب القديم الذي يعتمد كثيرا على الخرافات من العزائم والرقيات من الحجابات والتجريب في المريض عسى ان ينجح ويشفى…  والدليل نسبة ولادة الاطفال عالية ووفاتهم اعلى نظير الظروف الصحية فوالدتي، رحمها الله، أنجبت  خلال حياتها 12 طفلا  من الأولاد والبنات  وعاش منهم 6 فقط، أنا شخصيا أصغرهم والباقي الوحيد على قيد الحياة الآن حيث الاخوة والاخوات توفوا إلى رحمة الله تعالى وآخرهما اثنتان من الاخوات توفين في العام الماضي 2013م  

     في ذاك الوقت منذ أواخر القرن التاسع عشرة وبدايات القرن العشرين، الامراض كثيرة والجهل مخيم نظير فساد وتهميش الادارة العثمانية والولاة، وبعدها بلانا الله عز وجل بقدوم المحتلين الطليان (1911-1945) وداست أقدامهم تراب الوطن، عندها هب الجميع للدفاع عن الوطن بالروح والدم، وبدأت مسيرة الأحزان الطويلة تتوالى في فقد الشهداء الأحباء الأعزاء من الإحتلال الغاشم من الغزاة ومن ويلات الحربين العالمية الأولى والثانية والمجاعات نظير المصائب والمصاعب والكر والفر بين الجيوش المتحاربة حيث لا سهر ولا إذاعات مرئية ولا حواسيب تجعل الانسان ساهرا طوال الليل… بل النوم بعد تناول طعام العشاء بعد صلاة المغرب مباشرة والقليل من السهر على اضواء الشموع والفنارات إلى صلاة العشاء، والتسلية الوحيدة هي معاشرة الزوجات بالحلال والنوم إلى الفجر للصلاة …  كانت حياة بسيطة لها قيم وأصول عالية فى المفاهيم،  لا إعتداءات ولا قتل وإغتيالات للغير في الخفاء غيلة من قبل المتشددين…..كما يحدث الآن يوميا نظير الصراع على السلطة…   ولا تراهات ولا مهاترات تدور في البلدة، الجميع يعيشون في وئام ضمن التقدير والاحترام يعرفون بعضهم البعض متعاونين يدا واحدة في السراء والضراء حامدين شاكرين الرب الكريم على حسن عطاياه…  والله الموفق.

                                رجب المبروك زعطوط

 البقية في الحلقة القادمة….

Tuesday, February 25, 2014

مدينة درنة (5) 67


 بسم الله الرحمن الرحيم


مدينة درنة الخالدة التي مهما مرت بها من عواصف وتيارات دينية  سلفية وتشدد في إحياء  الدين، ستبقى باقية خالدة على مر الزمن مهما عاثت أيادي الشر من فساد في الأرض… يختلقون الفتن حتى لا يرتاح المواطنون في سلام ويبدعون في العمل الجاد لرفاهية الجميع… مهما حدث فيها من إغتيالات ورعب ودم، فستحميها قدسية المجاهدين الأوائل من صحابة رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم، التي هي رمز المدينة وشرفها، وديننا الإسلامي الحنيف  يأمرنا بعدم التمثيل ونبش القبور والتفجير للأموات (قام المجرمون بتفجير ضريح القائد الإسلامي عبدالله بن زهير البلوي المدفون منذ حوالي الف وأربعمائة عام في مقبرة الصحابة بوسط المدينة) والقصة مجهولة حتى الآن….
بها أضرحة العديد من أولياء الله تعالى الصالحين المدفونين في اماكن عديدة البعض منهم معروفين لدى المواطنين المقيمين أبا عن جد في المدينة،  والكثيرين غير معروفة قبورهم حتى الآن، حيث البعض  استشهد وتم دفنهم بسرعة ساعات الحروب والوغى او ماتوا جوعا شهور وسنيين المجاعات حيث لا وقت  للعويل والبكاء حيث العبرة ليست بالإشهار بل بماذا قدم هؤلاء من أعمال خيرة لصالح المجتمع ايام حياتهم، حتى تستمر ذكراهم  إلى ماشاء الله تعالى
درنة مدينة الدين والدراويش، مدينة التصوف والعبادة، شعبها عربا مسلم سني يشمل جميع الاتجاهات والتصنيفات وبعض العداوات والحقد والحسد والكيد بين العشائر والعائلات نظير تفاهات، ولكن عندما تصل المهاترات الى التعرض الى  العقيدة والدين الإسلامى  تختلف الامور حيث شعب أذكياء بالفطرة  شرس لا يرضى بأنصاف الحلول ،، 
مدينة لم ترتاح وتستقر طوال الفترة الطويلة من الاستقلال وحتى الآن طوال ثلاثة وستون عاما ؟؟ الا خلال بعض الفترات القليلة البسيطة فى حين غفلة من الحاقدين والحساد، التى فيها إستقرت  نمت وترعرعت وتقدمت ولكن نتيجة الحقد والحسد والدس الخبيث من بعض القوى الخفية المحلية المؤجرة والتي تعمل بقصد او بدون قصد لا تعرف اسرار اللعبة الدولية الكبيرة التى تحاك وتنسج في الظلام والخفاءً من قبل   اياد الشر والحسد  التى عاثت الفساد والإفساد  والفتن بين المواطنين البسطاء  نظير الحاجة وعدم العمل والدخل الجيد  الذى بموجبه يهتم كل مواطن بالدخل والمال ليطور نفسه للأحسن ولا يحقد ولا يحسد ويتآمر   وينسى أمر الشر والشرور
مدينة سباقة للتضحية والفداء مهما كلف الامر من تضحيات جسيمة ودماء ،  فالحياة والموت سواء لدى مواطنيها  ؟؟ فقد كتبت عليها مجلة التايم الامريكية منذ عدة سنوات ماضية أنها مصنع انجاب الرجال الانتحاريين فى افغانستان والعراق الذين تم إلقاء القبض عليهم والتحقيق ،، جذورهم وأساساتهم  من المدينة الصغيرة درنة مما ذهلوا من الامر، وهذا من احد الاسرار التى الكثيرون من الخبراء والمحللين لم يعرفون الألم ومركز الوجع حتى يتعاملون مع المشاكل الضارة فى نظرهم  ويبترونها بالعقل والحكمة للأبد… 
لقد خلق الغرب الوحش الهائل  (الإرهاب) نظير مصالح معينة لصالحهم عندما كانت الحرب الضروس والصراع المميت  بين العرب واليهود فى قضية فلسطين منذ نشأتها عام 1948 م  وبالأخص فى الستينات والسبعينات حدثت حربين  النكسة والعبور ومئات العمليات الصغيرة التى أستشهد فيها الكثيرون ومات الابرياء من العرب واليهود  وحرب إجتياح لبنان  وصمود حزب الله فى الدفاع عن الارض والعرض  مما أثبت اللبنانيون وجودهم بالفعل على الساحة القتالية وداسوا على كرامة اسرائيل عندما أمطروها بآلاف الصواريخ الصغيرة ذات الصنع المحلي، ولو كانت لديهم الصواريخ الحديثة لكان الامر أصعب بكثير، حيث  جعلتهم في رعب وخوف
وزاد لهيب التطرف عندما استغل الدين كحوافز للجهاد مثل ما حدث ايام الحروب الصليبية في فلسطين، عندما أيد الغرب ثوار أفغانستان والشيشان المسلمين  ضد روسيا الشيوعية، وزاد الوقود على النار قضايا عديدة إحداها احتلال العراق وماسببت من مآسى بلا عدد للعرب ،، والغرب سواء !!! 
 الآن أمريكا نفسها تدفع الثمن الغالي والجراح تنزف والأموال تستنزف وتهدر،  إبتداءا منذ  أحداث عملية 11 سبتمبر 2011 م التى الى الآن كثر اللغط عليها انها مدبرة من أساطين الشر والشرور حتى لا تهدأ الأمور بين العرب والغرب وتستقر ويعم الأمن والأمان السلم والسلام فى العالم حيث الجميع مرتبط مع بعض ضمن منظومة وسلسلة واحدة لا يمكن فصل دولة او جهة عن أخرى…. 
 وبالأخص في  أمريكا  نظير سياساتها المتشددة السابقة، شعبها الآن ونحن العرب  فى بدايات عام 2014 م مازلنا نعانى فى الأخطاء العديدة من حكومات الرئيس بوش السابقة  طوال عهد دام ثمانية سنوات تخبط وحروب   الذى بتهوره وتشدد مسانديه وطاقمه كان السبب الكبير في الحروب المتواصلة بأسباب واهية، فالعنف يؤدي الى العنف والدائرة تدور مهما طال الوقت والأمر  والنصر! حيث  مئات الآلاف من الضحايا الابرياء في افغانستان والعراق من العرب والمسلمون والجنود الشباب الأمريكان القتلى نظير تنفيذ الأوامر،  لهم الرب القادر الذى يأخذ الحق من المجرمين  الذين دمهم لا يذهب هباءا منثورا من غير ان يدفع ويقدم المسيرون والمسببون للحروب والكوارث،  الثمن مهما طال الوقت.
فى جميع الأمثال والمقولات السابقة والحاضرة يقولون الجهل مصيبة، ونحن العرب بدأنا ننسى ديننا الحنيف مع الوقت وبالأخص عندما بدأ عصر العولمة الذى أخذ كل الوقت والجهد فى الجرى واللهث لتحصيل المال بأى وسيلة كانت، والعيش فى خضم المادة والإعلام المبرمج لتوجيه الرأى لامور دنيوية تافهة،  لا وقت كاف للعبادة والتركيز على العقيدة  والهداية بصفاء روح وقلب وهى الأساس للنجاح، عشنا نحلم بالأمجاد الماضية يوم كنا يدا واحدة… حضارتنا المبنية على العقيدة والإيمان بوجود الخالق الواحد الأحد  سبقت وفتحت الآفاق  الى العديدين من الشعوب وبالأخص انارت فى اوروبا شموع ضياء العلوم، ونحن العرب الأجيال الأخيرة منذ مئات السنيين  نظير الدس والتهميش  تأخرنا وتراجعنا الى الخلف نظير عدم الاهتمام بالعلم والتعليم مما  الجهل عم وأستشرى الفساد والإفساد فى عروق الدولة بحيث كل حاكم عربى ومسلم  وصاحب قرار منذ مئات وعشرات السنيين  نتيجة الغرور  يعتقد فى نفسه انه الأصلح والفاهم والمعلم والآخرين من أبناء الشعوب   بحاجة الى الاصلاح  والتقويم…
  لم نطبق دستورنا الإلاهى القرآن الكريم  بالحق والمنطق وبحكمة  ضمن العصر الحاضر القرن الواحد والعشرين  الذى نحن نعيشه الآن ونختار الرجل المناسب فى المكان المناسب بدون عواطف ولا تحيز جهوى لمنطقة أو قبيلة  معينة، والأسباب عديدة، أهمها وأولها  الجهل المخيم على العقول فى عدم الاختيار الصحيح نتيجة العواطف
 لن تنجح الجماعات الاسلامية المتشددة  بأن تتاح لها الفرص وتحكم  بالغصب والقوة  ضد ارادة الشعوب وإستعمال العنف القتل والإغتيال للخصوم  بدون قانون وعدالة  ولا إتاحة الفرص للمتهم للدفاع عن  النفس  قبل تحقيق وتطبيق  القصاص القاسى والقتل ،،، ( تجربة جماعة الاخوان المسلمين فى مصر ) حيث أى واحد منا  له كامل الحق بالحياة  التى هى هبة من الخالق الأحد وليست عطية من اى أحد من البشر مهما كان ،،  بأن يقطفها وينهيها  بدون وجه حق من الحكام الطغاة!
فالعالم تغير وتقدم للأفضل وكل يوم يمر يصغر وعلينا الوقوف بجد للمعتدين ونتصدى بجميع الطرق لكل من يحاول من المتشددين  ان يلعب بنا ويريد دمارنا بحجة التجديد للدين الإسلامى على الخطأ بدون إفتاء صادق صحيح  من رجال العلم شيوخ الاسلام الوسطيين  الغير متزمتين،  وهو جاهل يريد فرض الرأى بدون أن  يكون مختارا من الشعب عن طرق قانونية ونزاهة وإنتخابات حرة  حتى يحكم، لسنا عبيدا نباع ونشترى وننفذ عن طاعة وخنوع الامر  بدون اي سؤال، فقد ولى زمن الجهل الى الأبد ولن يرجع بإذن الله تعالى
مهما كانت الامور فى مدينتنا درنة  تبدوا صعبة على السطح… بالإمكان الوصول الى حلول بإتخاذ خطوات عديدة مهمة والعمل فى عدة اتجاهات معا فى نفس الوقت لإنقاذ ما يمكن انقاذه وتوجيه الشباب الى حلاوة الدين الإسلامى فى الترغيب واللين والسلام مع الآخرين  حتى ينهضون  من السبات والنوم والتخدير  ولا يستطيع اى مدجل دعى استقطابهم للجهاد  وتجنيدهم  للشر والشرور وقتل البشر المواطنيين بدون وجه حق .
ومع العمل الجاد والاستعانة بخبرات ودعم  الآخرين المتضررين من الامم  ضمن برامج وخطط مدروسة جيدة … باللين والترغيب وعدم التهميش للشباب بفتح ابواب الفرص فى العمل الشريف والتنافس لجنى المال الحلال   بالجهد والعرق… وليس بالإحتيال والسرقات والنهب من أموال المجتمع التي هي أمانة للجميع، والتركيز على الرياضة البدنية حتى الشباب تستنفذ طاقاتهم ولا يجدون وقت الفراغ  فى حضور  الاجتماعات الغلط الخاطئة التى نهايتها تؤدى الى الهلاك… أمورا كثيرة سوف تتغير للأحسن مع الوقت  حيث الخطأ الكبير مواجهة الخطأ بالخطأ بالقوة كما يحدث الآن، وصرف الوقت الثمين والملايين من الدينارات…والتى بالإمكان تحويلها وصرفها للخير بدل الشر والشرور… 

في نظري وحسب الخبرة حيث أنا ابن من ابناء المدينة، أعيش فى خضم الأحداث وأعرف الكثير عما يجري من امور خافية.. ممكن تحييد المدينة التى هى ترمومتر الوطن ليبيا، وتوجيهها وترجيعها الى عهد الإزدهار مع الوقت ضمن برامج عديدة خيرة، فالشعب الآن وصل الى حافة الانفجار فقد صبر بما فيه الكفاية على الاشرار وبالأخص  الأدعياء فى المؤتمر الوطنى والحكومة الحالية حكومة زيدان، ومن يؤيد فيهم عن قصد نظير المصالح والمنافع او بدون قصد نظير الجهل، حيث البعض منهم رؤوس الفساد، تحتاج إلى العزل بسرعة فقد انتهت المدة ولا نرغب في التجديد واعطاء فرص أخرى لهم  كما يريدون ويرغبون…على الجميع ان يعرف ان الشعب جاد يريد الحياة ضمن الأمن والأمان، السلم والسلام مع جميع البشر حتى ننهض ونتقدم… والله الموفق

                                                                  رجب المبروك زعطوط   

البقية في الحلقة القادمة

Tuesday, February 18, 2014

مدينة درنة (4) 66



بسم الله الرحمن الرحيم



    مدينة درنة التي كانت في الخمسينات والستينات جنة من جنان الرحمن حيث تفوح فيها روائح الورود والياسمين والعطور في الحدائق وامام البيوت، والنظافة في شوارعها وأزقتها تبهج الناظر لها وتلهج قلبه بالمديح والشعر والشكر، لمن قام بدور مشكورا في الحفاظ عليها من القمامة حتى لا تعم الأوبئة مما يدل على الحضارة والإهتمام بالصحة العامة للمواطنين… الأمن والأمان متوفر وقلما يسمع الانسان عن جريمة قتل واغتيال الا بعد فترات وسنين عديدة نتيجة  الأخذ بالثأر والذود عن انتهاك العرض في بعض الحالات الطارئة… الجميع مسالمون، لا نعرف الكراهية ولا الانتقام ولا الحسد ولا الحقد للبعض على البعض في الوطن ليبيا بصفة عامة…  
     كما يحدث الآن في وقتنا الحاضر من مصائب وإغتيالات وتصفيات حسابات بإسم الدين من متشددين بدون عدل ولا قانون… لا يفقهون من الدين الإسلامي إلا القشور حيث ديننا الحنيف له قواعد وأصول، ترغيب للضالين وليس ترهيب للمؤمنين…
      سبحانك رب العالمين مغير الأحوال من حال إلى حال، كم كانت مدينة درنة حلوة وزاهرة بالسابق ايام العهد الملكي تنمو رويدا رويدا وتنهض الدولة وكل يوم تتقدم إلى الأحسن، مع أن ليبيا في ذالك الوقت كانت فقيرة ومعتمدة في الدخل على العطايا والهبات من الامم المتحدة ومساعدات بعض الدول الصديقة… دخل الدولة كان بسيطا متأتيا من إيرادات الجمارك، سواءا في الإستيراد أو التصدير  لتسد العجز في الميزانية السنوية  للحكومة الليبية التي بالكاد قادرة على المضي متعثرة، نتيجة الدخل الزهيد الناتج من  تأجير القواعد العسكرية في غرب ليبيا بطرابلس "قاعدة هويلس الجوية" لأمريكا، و"قاعدة العدم الجوية" في شرق ليبيا  لبريطانيا، أيام الصراع على أشده في الحرب الباردة بين الغرب والشرق على البقاء في الريادة وسيادة العالم

     بدأت النكبات واللعنات تحل على المدينة نظير مهاترات وتراهات  راديو صوت العرب الذي يبث من القاهرة  بصوت مذيعه الجهوري المؤثر في المواطنين  (أحمد سعيد) وخطب الرئيس المصري الطويلة جمال عبد الناصر الذي لا يمل ولا يتعب وهو يردد بالساعات ويمسك بسماعة الميكروفون والعرق يهطل ويمسح بالمنديل بين الفينة والأخرى  وكأنه يحاضر ويدرس للطلبة…  مازجا الحقائق مع الخيال والأحلام والزور والبهتان لرفع الروح المعنوية للسامعين  والشعوب العربية من المحيط إلى الخليج تستمع حابسة الأنفاس تصدق التراهات وتمدح وتهتف طيلة سنين… وكنت أنا ورفاقي الشباب الصغار في مدينة درنة نصدق ونؤيد في الأمر بلا فهم عميق للسياسة وما يجري من امور في الخفاء،  من ضمنهم مشدوهين فخورين نحلم بترجيع الأمجاد السابقة للجدود، اللذين طواهم الموت والزمن والنسيان…  حتى حدثت الصدمة الأولى بحرب العدوان الثلاثي وتم احتلال مدن بور سعيد والإسماعيلية وضفة قناة السويس… ولولا لطف الله تعالى وتهديد الزعيم السوفيتي خروتشيف بالتدخل العسكري  وقرار امريكا بإيقاف الحرب وفرض الهدنة على بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بالانسحاب الفوري من مصر لما قامت للعرب قائمة منذ ذلك الوقت… 

      وقام الاعلام المصري المضلل بالتطبيل والتدجيل وقلب الهزيمة إلى نصر، وهاجت مدينة درنة الوحدوية وهاجمت الحامية البريطانية بمدينة درنة نتيجة العواطف وعدم التدبير والتفكير بالعقل والمنطق، وقامت الجماهير بالإضرابات ضد اي عمل للمستعمر المحتل،  سواءا عمالة أو بيع  مؤن ولحوم وخضروات ومنتجات زراعية  لإطعام حوالي عشرة آلاف جندي  بريطاني والكثير من عائلات الضباط المقيمين بالمدينة وضواحيها بالمعسكرات  تم عن جهل التعدي عليهم وايخافتهم…

     تم نتيجة تسرع واندفاع عواطف جياشة وجهل التحرش بهم وإرهابهم وإشاعة الخوف على حياتهم من أبناء الشعب الغاضب على وجودهم،  مما حلت النكبة الأولى وغادرت الحامية  والعائلات التي كانت مورد الرزق للمدينة إلى مدن طبرق وبنغازي تاركة مدينة درنة تواجه مصيرها… وخافت الجالية البسيطة من الأهالي اليهود على حياتهم من العسف والأنتقام رغم أن جذورهم دراونة منذ مئات السنين، وغادروا المدينة بناء على طلب زعمائهم الحاخامات في ليبيا، وتجمع يهود برقة في بنغازي ويهود الغرب والجنوب في طرابلس الغرب لحماية أنفسهم من الغضب الشعب وكأنهم هم المسؤولون عما حدث، وأصبحت المدينة خاوية بعد ان كانت رائجة وعامرة بالتجارة والاقتصاد

  وإضطر شبابها ورجال الأعمال عن البحث عن الاسواق للعمل والاستثمار وهاجر الكثيرون إلى بنغازي والبيضاء وطبرق وطرابلس والبعض للخارج سواءا للدراسة او العمل مما تسبب في حلول الكساد بالمدينة في سنوات قليلة… وخرج منها حوالي النصف من عدد السكان مهاجرين  للبحث عن لقمة العيش الشريف، وكانت عائلتنا احد الضحايا حيث توزعنا مؤقتا بين الحدود الشرقية بلدة امساعد الليبية وجزء من العائلة إلى بنغازي، مضطرين بدون رغبة تاركين أساسا وجزءا كبيرا من العائلة في درنة

     وكانت النكبة مصيبة وطعنة قوية في ظهر المدينة التي  مازالت تدفع الثمن الغالي إلى حد الآن نتيجة الهجرة الكبيرة والتشدد والتطرف في سبيل المساندة والتعاون والنخوة العربية ضد الانجليز المعتدين على شعب مصر العربية اخوتنا في الجوار والمصير
     المولى عز وجل احب ليبيا ووهبها الخير والثروة الرهيبة وتم استكشاف النفط بكميات رهيبة في بداية الستينات… وبين ليلة وضحاها انتقلت ليبيا من قمة الفقر إلى قمة الغناء والثراء لتعداد شعبها الذي كان يبلغ وقتها حوالي 2 مليون فقط. وتم لفت النظر للطامعين، القوة الخفية، على من يحكم ليبيا في السر ويستولي على خيراتها… وبدأت المهاترات والتراهات والدس في الأوساط المدنية والعسكرية من الدول والهيئات وشركات النفط التي كان لها الدور الكبير في الإنقلاب الأسود، عن طريق العملاء تجار الفرص و صيادو الثروات على من يخلف الملك في الحكم… وبدأت موضة الإنقلابات العسكرية في الدول العربية وبدأ الدم يهدر ودكتاتوريات العسكر تسود وتطغى متخذة من الإصلاح عناوين… 

     وحلت النكسة الثانية  عام 1967 م حرب العدوان من دولة اسرائيل التي كان الزعيم عبد الناصر يستهزء بها، غير واضع لها جل الإهتمام والحسبان نتيجة الغرور ونفاق العسكريين الرفاق اللذين كان يعتمد عليهم واثبتت الايام أنه على خطأ ساعة الجد والإمتحان…

حيث اسرائيل قامت  وحدها بالحرب الخاطفة  وشردت العرب وقهرت في ساعات وأيام بسيطة ثلاثة جيوش عربية (مصر وسوريا والأردن)، وكانت النتيجة استيلاء الكيان الصهيوني على هضبة الجولان (والتي لا تزال ترزح تحت حكمها إلى اليوم) من دولة سوريا، واستولت على الضفة الغربية لنهر الأردن وشبه جزيرة سيناء بالكامل… 
 وانتصرت اسرائيل وكانت درسا قاسيا لجميع العرب وتلاشى الحلم الزائف وظهرت الحقيقة العارية على الملأ، وكانت نكسة شديدة ومأساة مع الوقت قضت على زعيم العرب الرئيس جمال عبدالناصر قبل أوانه  وتنازل عن الكبرياء والغرور، وبدأ يخطط في السر لرد الضربة والنكسة الخطيرة لكن الموت لم يمهله ووفاته المنية والموت قبل أن يفرح بالنصر ويسترجع الكرامة التي تخدشت وتمزقت بالنكبة والنكسة الحزينة… في تلك الآونه العصيبة ونتيجة النكسة حدث تمرد الضباط الليبيين في الجيش الصغير المنظم والمدرب تدريبا عاليا بمقاييس ذلك الوقت على الطاعة وتنفيذ الأوامر بدون تردد… بقيادة ملازم مغمور معتوه غير معروف الأصل ولا الفصل، وقام بالإنقلاب الأسود على الملك ادريس السنوسي الزاهد في الملك الذي كان في رحلة علاج إلى الخارج متنازلا لإبن أخية عن العرش… 
     حل الشيطان المقبور معمر القذافي على كرسي الحكم وكاهل الوطن بمساعدة القوى الخفية الدولية والطامعين لاستغلال النفط وخيرات الوطن… وبدون سؤال حول هوية القادم، هتف الشعب وأيد العسكر بجنون وحلت المأساة بعد ان استقر الحكم وتغير الحال كل يوم إلى الأسوء، نغوص إلى أسفل… 

      التاريخ لا يعيد نفسه حيث الحياة دورة تدور  وقيادات العرب كانوا صبورين يعملون بجد في السر والخفاء… فخلال سنوات بسيطة ردت الجيوش العربية الصاع صاعين في حرب اكتوبر المجيدة بقيادة الرئيس المصري الراحل السيد محمد أنور السادات (الذي فقدناه ولم نعرف قدره والذي اثبت انه سياسيا داهيه)  وأثبت الجنود المصريون انهم رجال محاربون  وجنود أشداء عندما تم تطهير الفساد من قيادات الجيش  وتوفرت القيادات السليمة  والسلاح المطلوب والتعبئة في السر وفي الخفاء وعبروا القناة  وتوغلوا في سيناء… كسروا بعنف وقوة وجرأة  حاجز الرعب والخوف، "خط بارليف" على ضفة القناة ومرغوا في التراب المقولة التي شاعت في الأوساط لتحطيم معنويات العرب  و حطموا الأسطورة القائلة بأن "جيش الدفاع الاسرائيلي لا يقهر"
      ولولا بعض الاخطاء البسيطة في ثغرة الدفرسوار والسياسة الدولية الخبيثة  والدعم الأمريكي الغير محدود (الجسر الجوي على مدى 24 ساعة)  والاصرار على بقاء اسرائيل مسمارا في خاصرة العرب، لتنفيذ مآربهم الخاصة، لإنتهت دولة اسرائيل من الخارطة والوجود .

     وكانت الفرحة لجميع العرب على رد الكرامة والمهانة وخطوة أولى لتحقيق السلام ونشر الأمن والأمان، فليس من صالح العرب ولا اليهود البقاء على طول الزمن في حالة حرب وخصام… ممكن بالسلام والحوار الوصول إلى حلول وتسويات مشرفة للطرفين  مهما طال الوقت، فنحن وهم أولاد عم، جدنا سيدنا إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وسيدنا اسماعيل أبو العرب، ونبيهم ورسولهم سيدنا موسى عليه السلام وأخوه سيدنا هارون عليه السلام، نؤمن بهم جميعا عن ظهر قلب فقد ذكروا في القرآن الكريم عشرات المرات

     نحتاج إلى وقت وفهم، استعمال العقل والحكمة ،  حتى تذوب العصبيات الجاهلة والتطرف الأعمى من جميع الأطراف من عرب ويهود حيث نحن الآن نعيش في عالم عصر العولمة… انتهت الغزوات  والعصبيات والتحديات  إلى غير رجعة، حيث في وقتنا الحاضر تحضرنا بالعلم وتقدمنا يقاس بمدى معرفتنا… تغير الزمن،  نعيش في عصر العلم والتكنولوجيا، سرعة الإتصالات والمواصلات وكل يوم زيادة في التجديد والتطور للأحسن…

العالم الآن بدأ يصغر ويصغر ومعظم الدول تتوحد لتنهض وتتقدم، ناسية خلافاتها السابقة نظير المصالح وحرية التجارة…   وكلنا نحتاج إلى بعضنا البعض حتى نتطور وننهض لخدمة الانسانية والبشرية بدل القهر والدم والتطرف الأعمى، الذي لا يؤدي إلى نتيجة إلا للعنف والإنتقام…وعلى اخوتنا الفلسطينيين الرضاء بالموجود والواقع المرير ويقبلون بنصيحة المرحوم الرئيس الحبيب بورقيبة التي قالها في بداية الستنينات، ولم يهتم بها أي احد من زعماء العرب نظير الجهل والغرور الأعمى…  ويتحصلوا على البعض من الحقوق وينشؤون دولة فلسطين كأول خطوة  ويعيشون في سلام  ومع الوقت يطالبون ببقية الحقوق إلى ماشاء الله تعالى…
     ونتعلم نحن العرب جميعا الدرس القاسي ونأخذ عبرا…  إن دولة اسرائيل باقية طالما أمريكا شامخة تسود العالم، ولن تنتهي كما يجعجع الكثيرون اللذين اتخذوا القضية الفلسطينية للمساومات والعيش السهل….  فلا يعلوا ويستمر إلى ماشاء الله تعالى، الا الحق الشرعي للشعوب المظاليم، سواء كانوا عربا أم يهودا…
      وعلى جميع الأطراف دراسة التاريخ فلا شئ يدوم إلى الأبد،  كم من  حضارات سادت ثم بادت وانتهت إلى غير رجعة ولا يبقى في الوجود إلا الخالق الله عز وجل الواحد الأحد.  والله  الموفق…            
           رجب المبروك زعطوط  

البقية في الحلقة القادمة