Friday, February 14, 2014

مدينة درنة 63

بسم الله الرحمن الرحيم

      مدينتي درنة،  مدينة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشهورة بالشلال وبالعطاء والجهاد، مدينة "قيادة الاحوال" نتيجة الذكاء الفطري لمواطنيها وتحصيل العلم منذ مئات السنين، مشهورة في الآونة الأخيرة  بالإرهاب والقتل والإغتيال من الجماعات الإسلامية التي اتخذت منها عاصمة على امتداد شمال افريقيا لتصدير الشباب المجاهد للدفاع عن حمى الاسلام في أماكن ودول عديدة منها أفغانستان والعراق وسوريا وغيرها،  ضد كل من يخالف ويتعامل مع إبليس والأعداء  من الإنس والجان  بدون حساب، الواقعة على ساحل البحر الابيض المتوسط  في شرق ليبيا، تبعد عن الحدود الشرقية لدولة مصر العربية حوالي ثلاثمائة وعشرون كم فقط، وعن العاصمة طرابلس الغرب بألف وثلاثمائة وخمسون كم
     أصول أهاليها من الغرب عندما لبوا النداء وجاؤوا رجالا محاربين من تاجوراء وزليتن ومصراته وورفلة وغيرهم من العشائر من الغرب منذ مئات السنين لنصرة أخوة الجد العبيدات والمرابطين عندما طلبوا الغوث والنجدة  في حربهم ضد قبائل اولاد علي حتى تم النصر في عدة معارك ضارية  ونزوح الخاسرين من فلول القبائل (أولاد علي) إلى الساحل الشمالي في مصر الآن… والتي كانت أرضا ليبية وقتها ولكن الاستعمار البريطاني والايطالي هما الذان غيرا الحدود بالخط الرأسي حتى اصبح الحد الفاصل الآن بين بلدتي (إمساعد الليبية والسلوم المصرية) إلى الجنوب حتى دولة السودان .

     أيام العهد القرامانلي كانت من ناحية الترتيب الثانية في التصنيف، الأولى طرابلس الغرب العاصمة والباكاوية في درنة… وفي العهد التركي الثاني أصبحت الثالثة  فقد أخذت منها مدينة بنغازي المرتبة  الثانية… ووقت الاحتلال الايطالي  للوطن، وعهد الاستقلال وقيام المملكة حافظت على  المركز الثالث، وفي العهد الجماهيري بقيادة المقبور القذافي نتيجة الثورات المتكررة والمظاهرات والشغب،  همشها بقصد مبيت لإذلالها وتركيع شبابها ورجالها، وأصبحت الثامنة في الترتيب


    مهما كتبت عنها لن أوفيها حقها… فهي مدينة صغيرة عدد سكانها لا يتجاوز المائة والخمسون الفا المقيمين بها، وعدد الدراونة الأهالي  من حضر وبادية الذين أصولهم العرقية من الغرب في جميع أرجاء ليبيا والعالم في وقتنا الحاضر  في حدود نصف المليون نسمة، يؤلفون حوالي  نسبة عشرة بالمائة من عدد سكان ليبيا الوطن… 
      لا توجد احصائيات دقيقة لها حيث جميع الحكومات منذ عهد الاستقلال،  المملكة وعهد المقبور الذي مضى إلى غير رجعة وعهد ثورة 17 فبراير 2011 م، مازالت إلى الآن مهمشة منسية موضوع عليها خطوط حمراء من جميع المسؤولين  كأنها لعنات شريرة  حتى لا تنهض ولا تقوم من كبوتها، والأسباب عديدة وكثيرة  حيث أهاليها ثوار بالفطرة وأذكياء دائماً رافضين اي حاكم وحكم لا يتماشى مع الحق… 
      شعبها وأهاليها ليسوا من  أصحاب الغنائم والاحتكار أو جوعى طماعين، هم ذوو نفوس عالية وكرامة يؤثرون الخير أن يعم على ليبيا بدل ان يحصروه في انفسهم ويهتمون بالمدينة والدليل واضح على الواقع… مع ان الكثيرين من أبناء المدينة وصلوا إلى أعلى المراكز وأصحاب القرار وكان بالإمكان نهب الكثير وإستغلال  الكثير لمدينتهم من المصالح والمزايا… مثل ما عمل الكثيرون ممن إستغلوا السلطة لصالح مدنهم أو أبناء قبائلهم وعشائرهم  في التشييد والبناء أو في التعليم أسوء الاستغلال في ارسال شبابهم للجامعات بالخارج… وعطلوا الآخرين عن الإيفاد وبالأخص شباب درنة… بناءا على التوصيات والتوجيهات من الطاغية المقبور وأعوانه المجرمين، أليست بجرائم ؟؟؟


     الدراونة متحضرون يسري العلم في دمهم… الفهم والذكاء  في عروق المدينة  أبا عن جد مما جعلهم مميزين في العلم والثقافة، في الشجاعة والإقدام والذود عن الحمى والوطن… حارب شبابها منذ عشرات السنين في مواقع كثيرة إبتداءا من الدفاع عن مصر عندما قامت مجموعة  مجاهدين  شباب من المدينة ،حوالي خمسمائة مجاهد، بقيادة احد الرجال من عائلة الكيلاني الدرناوية وانضموا مساندين طواعية إلى جيش عرابي باشا في المعركة الفاصلة النهائية ضد المستعمر البريطاني، وحاربوا إلى آخر رجل ولم يرجع إلى المدينة إلا القلائل الذين رأوا الجولات والبطولات… ولم يذكرهم ويخلدهم أي  احد للأسف حتى الآن!!!


     الدفاع عن الوطن عندما قام بحارة أسطولها الصغير بالقبض على السفينة (فيلادلفيا) الامريكية مع طاقمها التي كانت تعتبر وقتها مفخرة البحرية الامريكية وتم قطرها إلى طرابلس وإصبحت أسيرة وعندما لم يتمكن الأمريكيون من استلامها من الباشا، تم تدميرها من فرقة كوماندوس حتى لا يستعملها الباشا ضمن اسطوله ضدهم… والقصة طويلة… 
      لم يكتب عنها في أي يوم عن الأبطال الدراونة الذين استولوا عليها بقوة السلاح  حتى اضطر قبطانها للإستسلام بدلا من  القتال الشرس بالسيوف  الذي نهايته هلاك جميع جنوده وبحارته، ولا الإشادة بالفضل لهم وذلك من العوامل الرئيسية للتهميش والنسيان لإفشال اي ذكرى حسنة للمدينة حيث لا يوجد للأسف الوفاء…


     عشرات ومئات القصص عن الفداء والتضحية ضد الطليان، عندما تم الغزو للوطن في شهر اكتوبر 1911م من قبل دولة ايطاليا بدون وجه حق… وعشرات الشهداء والقتلى والسجناء الذين تم ابعادهم في البداية إلى السجون العديدة في الجزر الايطالية لتمضية فترات طويلة فى العقاب ولم يرجع الا القلائل نتيجة الظروف القاسية والسخرة وعدم إعطاء  الدواء للمرضى ولا الطعام ولا الغطاء الكافي أيام البرد القارص نتيجة المعاملة القاسية مثل الحيوانات…


     الكثيرون من الشباب والرجال الدراونة  انضموا إلى الجيش السنوسي في الأربعينات في مصر وقاموا بأدوار رهيبة في التسلل خلف خطوط الأعداء قوات (المحور) الطليان والألمان، لنسف وتدمير مستودعات وخزانات  البترول والنفط، والطائرات الجاثمة على الارض في المطارات  وإنقاذ الطيارين الحلفاء عندما تضرب طائراتهم بالقذائف فى الاجواء ويهبطون بالمظلات في ربوع الجبل الاخضر والصحراء، يذوبون بسرعة ويختفون  نتيجة الانقاذ السريع من قبل المواطنين المحليين مما أربكت قوات الاحتلال فى البحث وتضييع الطاقات والجهد بدون نتيجة تذكر…


     حارب شبابها الذين كانوا يدرسون في تركيا في المدارس العسكرية   مع الزعيم التركي مصطفى كمال عندما تعرضت تركيا للإحتلال من قبل الحلفاء،    واستشهد الكثيرون دفاعا عن ارض تركيا…  والأحياء  تدرجوا فى المناصب حتى وصلوا الى رتب عالية جنرالات في الجيش التركي وأذكر منهم المرحومين الجنرال عمران الجاضرة، والجنرال حسن قصار ،، خال الوالد ،، وغيرهم من أبناء مدينة درنة والمنطقة  الذين طواهم النسيان والزمن…


     التضحيات العديدة من الشباب الدراونة  ضد الانقلاب الاسود للطاغية المقبور إمعمر القذافى طوال عهده الاسود وآلاف الضحايا والقتلى بالداخل والخارج منهم أكثر من ثلاثمائة ضحية فى عدة ساعات فى مجزرة سجن ابو سليم فى طرابلس الغرب فى منتصف التسعينات من القرن العشرين  دليل  وشاهد الى ما لا نهاية عن الاستبداد والأجرام من  الطاغية


     انها مدينتي درنة التي بها ولدت  وترعرعت وهاجرت منها سنين إلى الخارج ورجعت… لن انساها… فليبيا أمي وأنا إبنها ومدينة درنة جوهرة فريدة في تاج الوطن مهما تم تهميشها ونسيانها يوما بإذن الله تعالى سوف تنهض وترجع إلى سالف مجدها وازدهارها… والله الموفق… 
                                                                               رجب المبروك زعطوط 

البقية في الحلقة القادمة

No comments:

Post a Comment