Wednesday, February 29, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -8

                                                        
                                                 بسم الله الرحمن الرحيم


لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد ما تنشقنا هواء الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تحقق الإستفادة للجميع  ...


                                                    قنوط وأمل

               إستشري يا أزمة ،، وضيقي الخناق ،، فقد قرب الفرج بأذن الله عز وجل ،، فقلبي عامر بالإيمان ،، ومهما أحاطتني الأزمات من جميع الجهات فأنا ماد يدي متضرعاً داعياً طالباً رحمة الله تعالى بالفرج ،،  مؤمن بهداه ،، وعارف أن نهاية الظلام نور وضياء ،، ومهما وقعت نتيجة أمور لم تكن في الحسبان بالغربة نتيجة أخطاء ... مثقل بالقروض والسلف التي هي هم بالليل ومذلة بالنهار لا يستطيع المهاجر أن يناضل ويكافح ويعطي الوقت الكافي للقضية العادلة النبيلة وباله مهموم بمتطلبات الحياة ،،
لا أريد الكلام عن نفسي حيث أضعت المال الكثيرالذي عرقت عليه السنين الطويلة  في سبيل الكرم والصمود والتصدي للطاغية ولم أحسب أن العودة سوف تطول للوطن ،، لم أتوقف يوماً عن مساعدة أي إنسان بالجهد والمال طالما السيولة متوفرة لدي ،، حيث لدي نظرات بعيدة ممكن تتراءى للكثيرين غريبة نظير الإقدام والمغامرة  التي في بعض الأوقات تزيد عن الحد والحدود يدخل فيها نوع من أنواع الجنون في نظر عديمي الرحمة والشفقة الأغنياء البخلاء ،، لكن في نظري ماقيمة المال الموجود المحبوس الجاهز تحت الطلب  ،،، والغير من الرفاق الأخوة محتاجون  للمساندة والدعم حتى ينهضون من العثرة أو المرض وبالأخص في الغربة خارج الوطن ،،
 لم أهتم لنفسي ولا لعائلتي وأولادي الصغار الذين مثل كومة اللحم بالغربة من غير وطن ،، فقط ولدت وعشت وترعرعت في بيت كرم ونبل ،، وتعلمت وعرفت أن المال زائل مهما بخل الإنسان ،، الكريم دائما يده في يد الله تعالى وما أنا غير وسيلة مسير بالقدر بأن أقوم ببعض الأشياء الفضيلة ،، والمولى عز وجل لن ينساني طالما أنا على طريق الخير وقلبي عامر بالإيمان ،، فالحياة لها دورة ومهما تصعبت في بعض الأحيان وغضبت على الإنسان ،، لها يوم تبتسم له وتفرح  ،، وعندها جميع المآسي والمشاكل المادية تزول وتذوب ولا تشكل أي عائق مهما كان ،، فنحن نعيش فى وقتنا الحاضر فى عصر المادة ،، كم لدى الأنسان من أرقام بالرصيد والحسابات ،، وليس عصر الشهامة والكرم إلا من القلائل الذين مازالوا يعيشون على الفخر وأمجاد الماضي الذي ولى ولن يرجع ،،
أنا الآن حائر وبالي مشتت ومستغرب على كثير من الأشياء التي تحدث بصور عادية وكأنها حق مكتسب ،،، أشاهد وأتطلع لساحة المعارضة الليبية ،، وأرى القوم يتصارعون يتناحرون على مراكز وهمية زائلة ،، ويملؤون بطونهم بالربا والسحت والحرام من أموال دفعت لأجل القضية وخلاص وتحرير الوطن ،،
إخوتنا الكرام ،، زعماء وقيادات التنظيمات المزايدون بالقضية الوطنية يصرفونها على تذاكر السفر والإجتماعات واللقاءات وترديد القيل والقال ،، وولائم وحفلات ،،، ويصدرون مناشير هزيلة  وصحف ومجلات وبيانات وخطابات رنانة قوية ،، وجميعها تدور في نفس الحلقات الفارغة من غير أي شيء جديد ينهض بالمسيرة  ،، وأبناء الشعب بالداخل  معظمهم يتضورون الجوع ،، غير قادرين على الحياة الحرة الشريفة الكريمة نظير النقص لكثير من الأشياء بالأسواق وعدم الإستيراد ،، تجويع متعمد بقصد حتى يركع الشعب ولا يقاوم ،،، تلبية لأوامر وأطروحات مجنون أهبل ،، ولا من يرفض ويقاوم الظلم ... وأي إنسان يتمرد العيون اليقظة تراقب ،، يدخل السجن ويعذب أو يقتل شر قتلة كما حدث للآلاف من الأبرياء ،، طوال الوقت أيام الجدب والضغط على المواطنيين والوطن ...
لقد عاهدت الله تعالى وآليت النفس أن أتكلم بصراحة ووضوح على الأخطاء التي إرتكبت والتي كل يوم يمرويمضى  ترتكب بأسم القضية ،، والتي أرجعتنا للوراء خطوات عديدة بدل أن نتقدم للآمام ،، لأننا مغرورون نعتقد في أنفسنا الكمال ولا نريد أن نراجع النفس والذات ،، لانريد أن نتوقف عن التراهات والمهاترات ،، نتشدق بالقضية وأننا نريد المصلحة العامة للوطن والمواطنين ،، عناوين كبيرة محتوياتها هزيلة لا نستطيع تحقيقها طالما نحن بهذا الشكل ،،، أنا في نظري عبارة عن كلام ودس وغش للبسطاء ،، لأننا نرضي  رغباتنا بالنفوس المريضة ،، طالبين الزعامة والوصول للقمة على حساب الجميع لمصالح خاصة ،،، أما حب الشهرة والسيطرة ،، وأما حب المال والقوة ،، أو لأمور أخرى عديدة حتى نشبع الشيطان داخلنا الذي يطالب طوال الوقت ،، بالشر والشرور ،،
لماذا لا ننكر الذات ونبدأ بأولى الخطوات السليمة وننتقد أنفسنا ،، نحن الذين ندعي إننا مناضلون وواجهة للمعارضة الليبية ،، ونكبح  جماح أنفسنا الأمارة بالسوء ،، وننسى الكبرياء الكاذبة وننكر ذاتنا ،، ونتمسك بأهداب الدين بقوة وشريعة الله عز وجل ،، ونناضل من أجل الخلاص والتحرير بأخلاق وشرف ،، كرجال قادرون على تحمل المسؤوليات التي وضعناها بالرغبة على أكتافنا ،، فمصيرنا مع الوقت طال أو قصر الموت والفناء...
قلبي يدمى عندما أشاهد آلاف الحالات الصعبة للمهاجرين وهم يمرون بالظروف الحياتية المعيشية الصعبة في دولة مصرالعربية الجارة في السراء والضراء ،،  غير قادرين على العمل ولا الحصول على الإقامات  الشرعية بسرعة من غير دفع بالدولار والغش والرشوة إبتداءا من الخفير وإنتهاءا بالمدير وكأنها حق مكتسب ،، إلا من القلائل ذوي الكرامة والقيم ،،، حتى يتم التجديد ،، يعيشون من غير جوازات سفر صالحة للسفر حتى يسترزقوا في دول أخرى ويضمنون العودة لأهاليهم بمصر ،، بالكاد مستمرين بالحياة ،، على الفتات الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ،، ( كان الله عزوجل في العون ) ،،
رحم الله عزوجل الرئيس أنور السادات الشهيد ،، الرجل العصامي الذي أثبت أنه إبن مصر الأبية الشامخة طوال الوقت مهما مر بها من إذلال ووهن وضعف ،،، الذي فتح أبواب مصر لكل ليبي لاجىء يطلب الأمن والأمان ،، وبلانا الله عز وجل بالعجوز المتصابي الرئيس حسني مبارك الذي نظير المصالح والمال باع روحه للشيطان القذافي والقوى الخفية نظير الحب لكرسي الرئاسة وضيع هيبة وشرف مصر عندما سلم للمخابرات الليبية الملاعين ،،، رجال وأبطال ليبيا الأحرار الشرفاء مقابل ملايين ،،، قروش زهيدة ،،
قلبي يدمى من الهم والغم ،، عندما أرى كثيرا من الأصدقاء المهاجرين مرضى طريحى الفراش ،، بعد أن دارت الأيام بظهرها ،، وقلبت لهم ظهر المجن ،،  ومن عز إلى شقاء ،، وأنا غير قادر على المساعدة إلا من البسيط الذي لا يذكر ... أمام كثرة الفواتير للعلاج والدواء ،،
قلبي يدمى عندما أشاهد وأعيش المأساة نحن الليبين المهاجرين الغرباء ،، نتكلم ونتشدق كثيرا ،، ونعمل قليلا ،، نتباكى على الوطن السليب من غير العمل والتنفيذ الجاد بالروح والدم ،، ووطننا يرزح تحت أقدام الشيطان الرجيم وحوارييه من اللجان والأمن والمخابرات والعسكر ،، وأحرارنا بالسجون قابعين ينتظرون  الفرج من الله عز وجل ،، أم شهداء أشلاء بالقبور موتى من التعذيب اللا إنسانى بدون رحمة ولا شفقة ،، ضد جميع الشرائع السماوية والأعراف والقوانين والدين الذي يوصى بالعدل والرحمة للسجناء ...
حكمتك يارب ،، فأنت العارف والعالم بالحال ،، إمنحنا البركة وصفي قلوبنا من الحسد والأحقاد ،، وآلف بيننا ،، حتى نتآخى ونتكاتف وننهض ونتقدم ،، ونخرج من دوائر اليأس والقنوط والأوهام ياأرحم الراحمين ،، إرحمنا ،،،
لم أجد أي إنسان ليبي بالخارج خلال لقاءاتي العديدة بأماكن كثيرة بمدن وعواصم بالعالم مع العديد من المهاجرين ونطرح الأفكار ونتبادل الهموم ،،، إلا ويوافق على كل كلمة رجاء وطلب التوحد والنصائح ،، فرسان كلام ينصحون ويعددون الحجج والبراهين ،،، والمؤسف كلها كلام وتمنيات ،، تذهب أدراج الرياح وتنتسى ،، لم تترجم إلى عمل ودراسات ومخططات وتنفيذ على الواقع ،، أليس بمأساة ؟؟
في نظري النفوس مريضة ،، والبعض من الإخوة عديمي الوفاء ،، المهم أن يكونوا بالمقدمة ،، جهلاء بالواقع المرير ،، أغبياء في التقدير ،، نسوا أو تناسوا أن العمل النضالي عمل جماعي ،، يتطلب إيماناً وضميراً ،، عقيدتاً ووفاءاً ،، فليس بإمكان فرد واحد من الزعامات الهشة مهما أوتي من جميع الصفات والمؤهلات ،، مهما لديه من طاقات ،، حيوية وعزم ،، أن يحرر ليبيا لوحده ،، مهما فعل ... بدون إجماع نسبة كبيرة من أبناء الشعب عليه ومساندته بما يرضي الله عز وجل ،، والعمل الجماعي ضمن مخططات ودراسات وطلب العون من الله تعالى حتى يضمن الفوز والنجاح ،، لأنه أن لم يقم الداخل ويعلنها ثورة مدمرة على الطاغية ،، لن يحدث شيء ...
مشكلتنا نحن الليبين أننا جميعنا نعيش فى حلم وخداع لأنفسنا بأننا قادرون على عمل المستحيل ،، والواقع المرير قيادات زعماء ورموز بقمة الهرم  من غير جماهير هادرة ،، جنرالات بدون ضباط صغار في الرتب وعساكر تنفذ الطلب ،، نطلق في المدفعية والقذائف الهادرة في الإعلام بالثرثرة بصوت مدوى كالرعد بدون مشاة وجنود تطهر وتكتسح الأرض ،، نسينا مصائب الجميع إبتداءاً من شرفاء وأحرار الوطن بالداخل وإنتهاءا بالخارج وكم من المرارة والمعاناة ... نسى بعض هؤلاء أنفسهم ،، حجم المسئوليات على عواتقهم وتمادوا بدون تخطيط يتخبطون كمن أصابهم مس من الجان ،، ضرب الله عز وجل على قلوبهم فجعلها هواءاً بدون جرأة ولا عزم ،، ختم على آذانهم وسمعهم وأبصارهم غشاوة فلم يسمعوا صوت الحق ،، لم يروا الصواب ،، فضاعوا وضيعوا الآخرين البسطاء وراءهم ،، وسؤالي الكبير المطروح ،، هل نرجى الخير من هؤلاء النوعيات حتى نجعلهم  قادة لنا ...
لقد بلانا الله تعالى بعقيد معقد مجنون أهبل بالوطن شيطان رجيم لديه أفكار هدامة ،، ونظرية هزيلة صرف عليها المليارات من الدينارات من خزينة المجتمع نظير عيش البؤس والحرمان أيام الصغر ،،، وإهانات عدم الأصالة ،، وأنه لقيط بدون أصل ولا فصل ،، فلته نشاز ،، سخرية من سخريات القدر في بعض الأحيان ،، إجتمعت فيه الأديان الثلاثة السماوية حسب مايروجون ،، الأب مسيحي إيطالي والأم يهودية والذي تبناه "أبو منيار" مسلم .
لدينا ضمن المهاجرين بالخارج  عشرات العقداء بل مئات ليبيون أصليون من أب وأم ،، عرب مسلمون  ،،، جميعهم زعماء ،، نظير حب التسلط ،، لا أحد يحب أن يتنازل للآخر تحت أي ظرف بقناعة والعمل يدا واحدة متكاتفين جماعة ،،  بدلاً أن ننتهي من عقيد واحد بالداخل ونستريح منه للأبد ،، نهانا جميعنا بالخارج بدعم من القوى الخفية التي ساندته ودعمته وأوصلته للحكم ،،، وأصبحنا مشردين ،، نلعق في أذيال الخيبة ونتحسر على الماضي بدون رجاء للمستقبل نظير القنوط والتشرذم ،،
قلبي يدمى ،، عندما أشاهد معظم التنظيمات الليبية بالخارج ،، لم تقم على أعمدة سليمة من أول يوم ظهرت للنور ،، البناء هش بدون قواعد ،، جمعتهم الحماسة وحب الوطن ،، ومع مرور الوقت والصعاب ونقص المال ،، وعدم الرضى على الزعماء والقيادات ،، تخلى معظم الجميع ،، وأصبحت التنظيمات أوراقاً هشة وعناوين ضخمة فارغة من أي محتويات  ،، يساوم بها البعض من أجل العيش والحياة ،،
أن قلبي يدمى على هذه الحال ،، حاولت قدر الجهد الإصلاح ،، ناضلت وجاهدت بالمتاح حسب القدرات ،، والله غالب فقد وجدت نفسي وحيداً إلا من البعض القلائل رجال ذوي العزم صامدون لآخر نقطة دم ونفس ،، بالساحة فيهم الخير والرجاء من عدة فصائل وتنظيمات مختلفة يناضلون بشرف ومصداقية ،، مما جعلني أرتاح نفسياً أن الدنيا لا زالت بخير ،، وأن جميع الأوراق الهشة الموجودة الآن بالساحة ،،، مصيرها مع طول الوقت وهبوب رياح فصول الخريف الباردة العاصفة والتغيير سوف تتساقط ،، وكأنها لم يكن لها وجود يوماً ما ،،  مر من عمر المعارضة القصير ،، لنظام القهر والإرهاب ...
مهما كانت الإختلافات والتشرذم والتمزق ،، في نظري حالات طبيعية تحتاج لبعض الوقت حتى تطبخ وتخرج بصور تشرف ،، تطمئن الجميع وتجعلهم يتسابقون على الفداء بالروح والدم للوصول للهدف ،،، لا مجال لليأس تحت أي ظرف كان ،،، لست قانطاً من رحمة الله تعالى ،، لدى الحلم والأمل إننا منتصرون  ،، مؤمن وأعلم أن الفرج قريب مهما طال الوقت والزمن ،، ونهاية النفق ضياء ونور ،، فيارب سترك دنيا وآخرة ،،، أن تهبنا القوة والعزم وطول العمر حتى نصل للوطن منصورين والله الموفق ،،

                                                          رجب المبروك زعطوط
                                                              سنة 1987م

Monday, February 27, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -7

                                                      بسم الله الرحمن الرحيم


لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعدما تنشقنا هواء الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها.  لقد وجدت من المفيد سرد هذه الخواطر والقصص ،، حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجيا من الله عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع.  



                                             رحلة لندن

            يوم الأربعاء 1987/7/22م  الساعة الرابعة عصراً كنت في الجو إلى نيويورك على متن رحلة شركة الطيران بيدمونت ،، بعد أن أوصلني الأخ عاشور بسيارته إلى مطار نورفولك وقضينا بعض الوقت في أحاديث عامة في الإنتظار قبل الصعود للطائرة  التي تهادت وكانت جديدة على المطار في خيلاء وزهو وصعدت الجو في نعومة وهي تشق عباب السحاب ،، وقدمت لنا بعض المشروبات الغازية ،، ورحلة مريحة حتى الوصول ،، لمطار نيويورك بعد ساعة طيران جوية  وأثناء الإنتظار للصعود للرحلة القادمة  ،، إتصلت بالهاتف للعائلة  سائلاً إذا كان هناك أي شيء جديد ؟؟ وكان الرد كل شيء على مايرام ،،، وإنتظار بسيط  في بوابة  ( تي دبليو أي )  ثم صعدت للطائرة  العملاقة ( الجامبو ) رحلة 708 عبر المحيط  إلى لندن ،،
إسترجعت حديثاً للأخ عبدالعالم الغرياني على مائدة العشاء في البيت عندما كان ضيفاً مع عائلته وقضى يومين بالزيارة ،، الحديث كان يدور على الغربة والهجرة والبعد عن الوطن ،، وقال أن الغربة سوف تطول ،، وساحة المعارضة الآن في هدوء ونوم وخمول ،، وأذكر أنني رددت عليه ،، هذا الهدوء عبارة عن وقفة إستراحة قبل أن تهب العاصفة بقوة من جديد  وتزيل النظام من على كاهل الوطن ... وقد ضحك من كلامي ولم يستحسن الجواب ،، وقال أنت تحلم ... وفعلاً أنا كنت أحلم لأنني مؤمن أن النظام مهما طال الوقت يوما سينتهي ولكن لا أعرف متى ؟؟ فهذا قدرمقدرفي اللوح المحفوظ من الأزل  ،،العلم عند الله عز وجل ...
كان صديقي وضيفي مهموماً مغموماً من بعض المشاكل التي يمر بها وغير قادر على حلها ،، ورددت عليه محاولاً التسرية عنه ،،، لو يعلم كم من المشاكل أعاني سوف يرتاح ،، فأنا أعاني عشرات المرات أكثر وأصعب عن الذى عنده ،، ومازلت صابراً وأقاوم وأضحك ،، تاركاً الأمر للعارف تعالى حتى يفرجها يوماً من الأيام ،، وأفرح ،،
لدي عادة كل يوم مهما كنت مرهقاً ، أقرأ وأطالع بعض الوقت  وأنا بالفراش قبل النوم  ،،، والبارحة إطلعت على الخواطر وإستهوتني وعشت معها بجوارحي ومضت الساعات بدون أن أدري ،، وتطلعت للساعة ووجدتها حوالي 2 صباحاً ،، وقلت كان الله عز وجل في عوني ،، لأن غداً هناك عدة أشياء لتنفيذها قبل السفر وأحتاج للراحة ،،
في المدة الأخيرة مررت بتجربة مريرة كبيرة وطعنة في الظهر من أعز الرفاق نظير أختلاف وجهات النظر والدس والخبث من بعض الوصوليون المتسلقون ،،، ولا أستطيع العتاب ولا السب ولا نشر الغسيل القذر للبعض فقد كنا يوماً ضمن تنظيم واحد ،، إخوة في المصير ورفاق في الطريق النضالي ،، ونظير ظروف معينة وحسابات في نظرهم يعتقدون إنها صادقة نظير رؤيات معينة ومصالح وقتية تفيدهم ،،، وفي نظرنا خاطئة تصرفوا تصرفات عشوائية بدون مشاورات مما أضر بالجميع ،،وتقهقرت بالقضية الوطنية للوراء .
 المعدن الأصيل دائماً مثل الذهب ،، حتى لو تكسرممكن صياغته من جديد ،،، أما  الزائفة مثل جرار الفخار عندما تنكسر لا يمكن إرجاعها مثل قبل من جديد ،، وهذا هو الفرق الكبير في نوعيات الرجال ،، بدون ضغوط قوية وأخطار وطول الطريق لا يمكن الفرز السليم والمعرفة لقوة التحمل والطاقة ،، لأنه في الواسع والهدوء ووقت الراحة والسلام الجميع الغث والسمين  رجال ،، والسؤال ،، من هو الرجل الحقيقي الصامد المؤمن بالقضية ويعمل في صمت من أجل الوطن مهما عصفت الرياح والأعاصير ،، ومن هم الذين يدعون الرجولة والقوة والصمود ... وهم أدعياء وأشباه رجال ،،حتى يعرف المناضل مع من سوف يدعم ويخاطر ،،،
 والواقع أن أدعياءا كثيرون أشباه الرجال عبارة عن مناظر وصور خدعوا الكثيرين بعض الوقت ،، سقطوا للقاع والحضيض عند أول هز للغرابيل ،، لم يستطيعوا الصمود لأن قلوبهم هواء ،، ليس لديهم الجرأة والتحمل والعزم الذي هو الأساس للرجال .
يوماً من الأيام سوف ينتهي الطاغية من على كاهل الوطن ،، ونصبح أحراراً ،، وسعيد الحظ من يطول عمره ويشاهد النهاية للنظام ،، وسوف تفتح الملفات وتظهر حقائق غريبة عن أمور عديدة لا تصدق من الكثيرين من أبناء الشعب ،، عن قيادات ورجال ،، والواقع المرير عبارة عن أشباه رجال لظروف عديدة والحظ إستغلوا عرق وجهد ودم الآخرين المهمشين ووصلوا للقمة ولكن هذه الأمور طبيعية ،، فنحن الآن نسجل في تاريخ الوطن بدون أن ندري ونعرف من خلال كفاح وتجارب عديدة ،،، البعض منها قاتل ،، ولكن فى نظري من خلال المحن يفرز ويخلق الرجال ذوي العزم ،، فليبيا أنجبت الكثيرين من الأبطال ،، ومازالت تنجب في الغث والسمين إلى ماشاء الله عز وجل ،،
أنني لا أهدد أي أحد ،، وإختلاف وجهات النظر رحمة ،، وكل إنسان قيادي وله طريقته الخاصة في العمل والمواجهة ،، وخوفي ليس من أعدائي ،، بل أصدقائي ورفاق الدرب النضالي ،، أخاف كيدهم والغدر يوماً ما ... من جانبهم وأنا غافل عن الأمر ...
كثيرون من الشباب الطلاب بالخارج المتحمس للقضية ،، ضحوا بإتمام دراساتهم وتخلوا عنها بطيب خاطر وهم من الأوائل بالصفوف الدراسية نظير الحب للوطن ،، إستغلهم البعض أسوء إستغلال وتحصلوا على الجاه والأموال والضحايا نظير الإندفاع وعدم التجارب  تهمشوا مع الوقت وأصبحوا بآخر الطابور ،، أليست بمأساة ؟؟
حزين بسبب هذه القيادات الفاشلة التي لولا الجاه والدولار ،، فإنهم مستعدون للإنسحاب أو التخلي عن المباديء وقضية الوطن ،، وتساؤلاتي للنفس هل أستطيع أن أضم الجهود مع بعض في بوتقة واحدة ،، وأدلل بالرأس وأخاطر بالحياة مع أمثال هؤلاء ،،؟؟
لقد صدق من قال أحذر عدوك مرة واحدة ،، وإحذر أصدقائك ألف مرة  ،، فالعدو ظاهر للعيان وممكن الإحتياط ،، ولكن الأخ والرفيق عالم ببعض الأسرار ،، وممكن بقصد أو بدون قصد نظير المباهاة ،، يردي للتهلكة نظير زلة لسان ،،
كثيرون من المهاجرين تسلقوا عربات قطار المعارضة لأغراض خاصة ،، البعض نبيل وصادق وأحب القضية والكثير عبارة عن حسابات خاصة للوصول لهدف معين ،، وما أكثر من هؤلاء الأدعياء الذين أجهدوا المسيرة من المضي بسرعة ،، لأن مشاكلهم لا تنتهي طوال الوقت ،، من الدس والخبث والمزايدة ولا يعجبهم العجب ،، وكان الله عز وجل في عون الشرفاء الذين مروا بالأيام السوداء وهم طوال الوقت يحاولون المصالحة حتى لا يتوقف القطار في أحد المحطات النائية ،، وعندها المصائب ،، تحل على رؤوس الجميع ،،
في أحد الأيام في مدينة لندن تحدثت مع أحد الشباب الليبين  الذي كان والده من الأثرياء أيام الغفلة ،، وكان يبلغ الثلاثين من العمر ،، وأثناء النقاش كان يسب ليبيا والليبيين  و يقول أنهم سلبيون وكلام كثير مبتذل في نظري ،، وقال أنه سعيد أنه يعيش في بريطانيا ،، وبدأ يعدد في الفروقات ،، وجاملته بعض الوقت وأنا أحترق داخل النفس على مثل هذه العقليات الجاهلة في نظري مع أنه يحمل شهادة جامعية  ،، وقلت سبحانك ربي الكريم ،، هل ليبيا يوما سوف تنهض بعقليات حقودة حاسدة جاهلة مثل هذا الدعي ؟؟ الذين عائلته أكلوا لحم ليبيا بالنهب بالسابق ويعيشون في الغربة على أموالها ،، ويتشدقون ويزايدون ،، بدل من مد يد العون أو العمل النضالي مع الآخرين من أجل الأم الحنون التي الآن بحاجة إلى العون ...
ونصحته بصدق ،، وقلت له مصير الغريب يوماً يرجع للوطن ،، ولا تقل هذا الكلام المبتذل وتسب  الوطن ،، يوماً ما سترجع وتكون منبوذاً من الجميع نظير تراهات اللسان ،، وصدم من الرد والصراحة ،، وإنني لم أخدعه ،، ورجع لعقله وحاول الإعتذار ولملمة الموضوع ،، وخرجت من المحل وأنا حائر ومتعجب أن بعض هؤلاء الشباب الليبي بالمهجر ليس لهم ولاء ولا إنتماء للوطن ،، وفي نفس الوقت أعطيته بعض العذر ،، لأنه ممكن إختلط مع نوعيات تافهة ،، أو المرارة والحرقة وهو يسمع في المظالم التي تحدث بالداخل والتمزق والتشرذم للمعارضة بالخارج ،،، وقلت للنفس لو إستمر النظام عقوداً طويلة أخرى ،، ماذا يكون الحال ،، مع شباب الغربة والمهجر ،، ؟؟
كنت ضيفا في أحد الولائم ،، وتطرق الحديث وتشعب عن خيرات ليبيا ،، وسهولة النجاح بها وقلت له بإستهزاء أنت تحلم ... النفوس تغيرت وستجد منافسة كبيرة أمامك فالليبيون تغيرت نفوسهم وليسوا مثل أيامنا في  السابق  ... ورد قائلاً ياحاج  إذا رجعت يوماً للوطن أنا رجل أعمال وسوف أدخل للسوق بمواضيع كبيرة يعجز عليها الكثيرون وسوف أنجح من جديد ،، ولكن سوف أحول جميع المال للخارج وأترك ديون لدى المصارف حتى لا يتم الـتأميم على من جديد ...  وقلت سبحانك رب العالمين ،،، هل ليبيا منكوبة إلى هذا الحد من التفكير الشيطاني لبعض رجال الأعمال والتجار بدل من التفكير في الخير والمساهمة في البناء والتشييد والإعمار ،، يخطط البعض من الآن كيف يستغلون الأمر ...
ونقاش آخر مع أحد الضباط الكبار عواجيز العهد الملكي ،، الذين تشردوا بعد الإنقلاب الأسود يوماً في ساعة صفاء ،، فتح قلبه وقال لو تتاح لي الفرصة مرة ثانية وأُصبح من ذوي القرار ،، سوف أصفي الحسابات وأنتقم من عديدين وعدد بعض الأسماء ،، وكان ردي عليه بسيط دع الخلق للخالق فهو العادل والمنتقم ، وأحسن شىء أن تنظف قلبك من الأحقاد ،، فأنت الآن على أبواب الثمانين من العمر ومازلت تطمح في الوصول والإنتقام ،، جهز نفسك للرحيل حتى تلاقى الرب بقلب طاهر ،،، وتبسم وقال ياحاج عندك حق ،، وشكراً على النصيحة،،
تساءلت مع النفس وقلت لماذا يزداد العويل والضجيج عندما تتم إتصالات مع البعض بالداخل ،، أو اللقاءات بالصدف في المطارات والمستشفيات أو بالأسواق صدفة بالخارج أو عن مواعيد عن طريق ثقات ،، وتلوك الألسن علينا ونوصم بالعمالة نظير الجهل ،، ولولا الإتصالات مع الداخل بطرق كثيرة وتسريب المعلومات القيمة كيف كنا نستطيع المقاومة ،، وإفشال المخططات للقذافي ... وأي خطأ بسيط هؤلاء الذين بالداخل سيدفعون الثمن الغالي معرضين حياتهم للخطر ،، أما بالخارج ذوي الجعجعة ،، أيادي القذافي السوداء قاصرة عن الوصول لهم بسهولة حتى يدفعون الثمن ،،
أحد الأصدقاء المتعاونين مع المعارضة قدم إلى إيطاليا للعلاج ،، بعد أن تحصل بعد سنة على تأشيرة الخروج بالسفر ،،، ولما فحص من الأطباء تبين أن المرض نتيجة عوامل وهواجس نفسية تتعلق بالخروج والسفر وليست لديه أية أمراض لعلاجها ،، وبعد بعض الفحوصات البسيطة خلال فترة أسابيع رجع إلى طبيعته العادية ولم يشكي من أي شىء ،، والمرض عبارة عن كآبة وضغوط شديدة نظير المنع ،، وآلاف الحالات التى أودت بكثير من أبناء الشعب الليبى موارد الهلاك نتيجة حكم التسلط والقهر والأرهاب من مجنون أهبل ،،،وتمت إتصالات هاتفية عديدة مرتبه عن طريق أحد الثقات من الطليان ،، بحيث صعب متابعتها من النظام ،، وتحدث المريض بالكثير من المعلومات القيمة والتحذير من بعض أسماء العملاء المندسين في أوساطنا بالخارج والتي تهمنا كجالية مهاجرة حتى نستطيع أن نعمل من خلالها إفشال الكثير من مخططات اللجان بالخارج ،، وتم العمل بها وكانت ذات فوائد كثيرة ؟؟
 وياما من رجال في مناصب كبيرة بالدولة كنا نخاف منهم على أنهم عملاء للنظام وهم أبرياء ،، يعطلون في كثير من الأمور بالتعطيل والتأجيل والتسيب المتعمد عن الإنجاز السريع مما تفشل كثير من الأوامر والأمور العشوائية وتتاح الفرص للكثيرون للهروب قبل لأن يتم القبض عليهم والتحقيق العشوائي والتعذيب العنيف الذي أدى إلى موت الضحايا ،، يتحملون في المسئوليات الجسام ويخاطرون بالحياة ويسربون في معلومات كثيرة ،، والظروف أجبرتهم لتقلد المناصب الكبيرة كحضور وأجسام مناظر لها الرهبة والخوف منها ولكن الضمائر حية ،، يحبون الوطن ،، يضعون الحياة ورؤوسهم على أكفهم في مخاطر نظير خطأ أو زلة لسان ،، أحسن من كثيرين بالخارج يزايدون وهم أدعياء متسلقون ،،
لقد إرتكب النظام أخطاءا عديدة نظير الجهل وقوة الدخل والمال ،، لو كانت عندنا التجربة الكاملة والخبرات لكنا إستغلينا الأمر أحسن إستغلال ،، ولكن المشكلة النظام يتخبط طوال الوقت ويجرب ،، ونحن كذلك كمعارضة نتخبط بدون تفاهم ووحدة عبارة عن إعلام وكلام وتراهات ومهاترات وكيد ودس من كثيرين من الأدعياء ،، لدينا الهدف واضح ،، إطاحة النظام ،، وليست لدينا  الأدوات والدراسات الجيدة في التنظيم والتخطيط لمعايير النجاح والفوز فنحن نلعب في مباراة طويلة شبه خاسرة من البداية ،، لأن الأساس لنجاح الثورة هو الداخل إذا لا يهب ويعلنها ثورة قاتلة الفشل أكيد فلا يمكن محاربة النظام من الخارج وإنهاؤه ونحن بيننا وبينه محيط شاسع ،،؟؟
 المعارضة بالخارج عبارة عن إعلام قوي وتشويه وفضح النظام في جميع المحافل والمؤتمرات الدولية ،، مثل طنين النحل المزعج بالقرب من الإنسان ،، تحلق وتكرر الدوران عدة مرات بإصرار ،،، تذهب العقل "تدوشن" ،، وتجعل الجسم يتراقص خائف من اللدغة الحارة والواقع عبارة عن طنيين لا تقتل ...
لقد إستفحل الداء بالوطن نظير حكم الإرهاب ،، ولا يمكن محاربة النظام إلا بنفس الأسلوب عن طريق الخوف والإرهاب لأعوانه المقربين الذين يعيثون الفساد ،، يتجولون كما يحلو لهم في مدن وعواصم العالم من غير أي خوف ،،  حتى يتحرك الشعب من الداخل ويشعرون ببصيص الأمل وتبدأ المقاومة بالنمو كل يوم للأحسن والأفضل ،، حتى يوماً تهب بقوة جامحة تخنق أنفاسه وتنهي نظامه بثورة عارمة ،،
الخميس يوم 1987/7/23م  وصلت لمطار هيثرو لندن وبعد المعاملات للدخول أخذت عربة أجرة ورأسا إلى فندق رويال لانكستر ،، وقبل النوم تم إتصال هاتفي مع أخ الدهر الصابر مجيد الذي أتى حوالي الساعة الثانية ظهراً إلى الفندق والذهاب للغذاء في بيته ،، وبالطريق إلى البيت قلت له عن الغرض للقدوم إلى لندن ،، وكان رده آسف لا أستطيع مما كتمت الأمر ولم ألح وأزيد في الشرح للموضوع حتى أدع له الوقت للتفكير ،،، جاء قريبي مفتاح بن عمران وحضر معنا مأدبة الغذاء ،، ونقاشات كثيرة معظمها تدور عن الهم الذى نعاني فيه وندور ،، وبعد الغذاء خرجت مع الصابر لوحدنا للحديث الخاص ومقابلة الأخ رمضان بن موسى الذي حضر إلى لندن مع العائلة والأولاد لعلاج زوجته المريضة ،، وكان نعم الرجل الواثق من نفسه ،، قليل الكلام والشكوى ،، يحب الوطن من أعماق الروح والنفس ،،، وتحدث بمصداقية وكم يعانون بتحفظ ،، مما أكبرت فيه الصراحة ،، ولم أضغط في الطلبات وتأييد المعارضة بالمعلومات والدعم بالمال وبالأخص مثله لا غبار عليه ،،، حتى لا أصاب بالإحباط من الرفض ،، وتركت الأمر للأيام فهى الفيصل ...
ركز الصابر على سوء التفاهم الذي حدث مع أخ العمر جاب الله ،،،  وحاول رأب الصدع ،، والوحدة مع الجبهة الوطنية معاً  ونتوحد بدل الفرقة والتمزق ،، وحسب قوله الجملة جمل صعب إبتلاعه بسرعة ،، وشكرته على السعي والوساطة والمصالحة التي نحن في أمس الحاجة لها ،،، ولكن كانت لدي تحفظات وهواجس سابقة منذ البدايات مع الجبهة نظير أخطاء قاتلة مازلت أدفع في ثمنها إلى الآن عن الخداع وعدم الصفاء في الشراكة النضالية ولن أستطيع تحت أي ظرف المغامرة مرة أخرى ،، وكنت عنيداً لم أرضخ مهما حاول ،، فأنا غير مستعد لأي ظرف أن أتعاون مع قيادات تريد السلطة بأي طريقة وهي مازالت بأول المشوار ،، وشرحت له الأسباب ولم يقتنع ... وأثبتت الأيام صحة القول ،، حيث بعد سنوات تغير المسار إلى الفرقة والعراك والتشرذم  بعد الدعم القوي ،،  المال والمعلومات من جماعة درنة الصابر مجيد والعراب أحسين وأثبت إنني كنت على حق وصواب ... والصابر شخصياً أكثر من مرة قال لي عدة أشياء بمرارة عن المعاملة السيئة والتهميش ،، ولا داعي للذكر ونشر الغسيل القذر ...
إتصالات كثيرة سواءاً بالحضور أم بالهاتف مع عديد من الرفاق والأصدقاء فقد كنت أقود شبكة رهيبة من المعلومات السمين والغث حتى نحافظ على أنفسنا والغير من البسطاء المهاجرين من أن يضيعوا هباءاً بالإغتيال وهم أبرياء ،، فالنظام يقتل بالخارج لإشاعة الرعب في الجالية حتى تستكين ولا تقاوم ،، ولم أهتم بأي مورد عمل وعيش ،، ولم أمد اليد لأي إنسان وأريق ماء الوجه كما عمل الكثيرون ،، بل عشت صابراً على الأيام ،، وتحصيل بعض الديون السابقة وقرض كبير من الصابرهو الذى أعانني على الإستمرار في العيش الكريم ،،
رجعت إلى أمريكا بعد أن قضيت أياما فى لندن جميعها تعب وقلق من المجهول ،، حائرا لدى شعور غريب ينتابنى طوال الوقت من شىء سوف يحدث أو حدث ولا أعلم به ،، عسى أن يكون خير ... وسمعت الأخبار المؤسفة أن جد أولادي الحاج محمد زعطوط وأبنه عبدالجليل  ،، تم القبض عليهم والإيداع بالسجن من قبل عقيد الأمن الداخلي السنوسى الوزري ،، والتهم الموجهة نظير بعض المكالمات الهاتفية المتبادلة مع العائلة في أمريكا ،، وكم تأسفت للأمر ،، ولكن ليس باليد حيلة حتى أساعدهم  ويتم الأفراج عليهم ،، وزادتنى هذه العملة الخبيثة للضغط علي من خلال الأقارب القريبين ،، الأصرار في العمل النضالي والكفاح لآخر نقطة دم ونفس ،،
لا أنسى هذه الرحلة فلها ذكريات خاصة تحتاج إلى وقت طويل فقد تعلمت أن الإنسان المناضل من غير دعم ومال لا يستطيع المضي في المشوار ،، وأكبر خطأ صرف المال الخاص بالعائلة والأولاد على السياسة ،، المفروض لكل شيء ميزانية قبل البدأ والتقدم إذا أراد الإنسان البدأ بأول خطوة نجاح ،،، ويعمل بعض الإحتياط للصرف ساعة الصفر والحاجة الماسة ،، ففي حالة النضوب الضياع على الجهتين والوجهين ،، وهذا الذي حدث ،، خططنا للرجوع للوطن منصورين بسرعة خلال سنوات بسيطة مرت ،،، ولم نحسب التعطيل عقود من السنيين الطويلة ،،،
الصبر الصبر فالله عز وجل موجود في الوجود ولن يتأخر عن العون للشرفاء الأتقياء ،، وكل بداية لها نهاية ،، ومهما طال الوقت للنظام ،، يوماً سوف يسقط وينتهي من الوجود مهما طغى وتجبر فالقضية الوطنية يهون فيها بذل كل شيء ،، الأرواح والدم وليس المال فقط ،،، لقاء الفوز والنجاح بشرف وكرامة ،، والله الموفق ،،

                                                              رجب المبروك زعطوط
                                                                  1987/7/30م 

Sunday, February 26, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988م -6



 بسم الله الرحمن الرحيم


لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعدما تنشقنا هواء الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها.  لقد وجدت من المفيد سرد هذه الخواطر والقصص ،، حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجيا من الله عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع.  
                                  
                                                  نوعيات الرجال

               في بعض الأحيان تشدني رغبة كبيرة للكتابة وتسطير الخلجات والخواطر التي تتردد بالنفس بعض الوقت تريد الخروج والإنطلاق إلى الأجواء بالعالم الفسيح ،،، أشعر بألف خاطرة تجيش بالنفس أريد كتابتها على الورق قبل أن أنساها وتضيع مع الوقت ومرور السنين ... كتبت الكثير والكثير عندما أجد بعض الوقت ،، وقال لي أحد الأخوة الأوفياء الذين ربطتني به صلة أخوة وصداقة في الله تعالى من أيام الشباب والدراسة بالسابق أيام الوطن وزادت الأواصر بالغربة ،، ووقت الضيق ،،، قال لماذا تتعب في نفسك وتكتب طوال الوقت وتسطر  ؟؟ فنحن جميعا لدينا خواطر ونعيش في نفس المأساة ...
ورددت عليه قائلاً ،، ياصاحبي أنا أعرف ذلك ،، والفرق بسيط بيني وبينك ،،فأنا أسجلها على الورق حتى لا تضيع وتنتسى مع الوقت ،، أو أتوفى فجأة أو أصاب بمرض ،، أولادي من بعدي يقرؤن بعض الذكريات عن مامر بوالدهم من صراع وتعب بالغربة والنضال ويعرفون كم عانيت من أجل البقاء والعيش بكرامة ضمن القيم ...ويوماً ما إذا أطال الله عز وجل الحياة والعمر ،، سوف أتابع قراءتها ،، وإذا أردت نشرها ممكن صياغتها من جديد ،، أما أنت ياصاحبي  فأنك تضيع  الوقت مع أنه عندك وقت فراغ الكثير ،، وبالأخص عازب طليق بدون مسئوليات عائلية  ،،، بدل أن تضيعه في مشاهدة الأفلام العديدة كل يوم والزيارات ،، تعمل شيء مفيد ،، ولم لا تحاول أن تسطر كل يوم بعض الكلمات كمذكرات وذكريات ،، يوما سوف تحتاج لها ،،، تفيد بها الآخرين ؟؟
كتاباتي هذه يوماً سوف تصبح موسوعة  بها كثير من المعلومات والتجميع للأحداث الحلوة والمرة لبعض الدارسين ، ،، الذين يرغبون تقديم بحوث ودراسات  عن القضية الليبية  المعارضة بالخارج  في فترة الثمانينات  ،،، وتعدد الفصائل الكثيرة  وتناحرها مع بعض ،،، من بعض الزعامات الهشة  أو الأدعياء على تفاهات شخصية من الدس والخبث وتدخل  عملاء النظام ،،  وأشباه الرجال المتملقون المتسلقون ،،، مما زادت الفرقة والتمزق والتشرذم ،، بدل الوحدة والتعاون ضد العدو الجاثم بالوطن الصنم المجنون ،، ضاع الشرفاء وسط الخضم وهم كثيرون ولكن في الظل وفي صمت لا يريدون الظهور في العلن حتى لا تطالهم الألسن ،،،  وأن يستشف منها بعض الذي دار على الساحة بالغربة ،، فقد كتبتها بكل الصدق والإخلاص حسب القدرة والفهم ،، ومتحمل جميع المسئولية في أي كلمة سطرتها وكتبتها فهي أمانة تاريخية ،، وأنا إنسان مؤمن متدين ،، لا أخون مهما كان الظرف ،، فإنني أريد الفوز والنجاح بالآخرة وليس بهذه الحياة والدنيا الزائلة ،،
تبسم صاحبي  ولم يعلق ،، ولدي القناعة داخل النفس من غير أن يقول ،، أنه غير مقتنع بالرد والحجة ،، وهو حر في نفسه سواء أقتنع أم لا ... فأنا مقتنع بالذي أعمله وسوف لن أتوقف ، فالكتابة جزء من حياتي مثل القراءة والإطلاع المستمر  ،،، ففي الكتابة أجد راحة نفسية تنتابني وتخفف الآلام بالنفس عن المعاناة والمرارة بالغربة والنضال ،، حتى لا تسيطرالهموم والمصاعب والآلام على الذات وأسقط مريض بحاجة إلى علاج طويل  ،، مثل ماحدث للكثيرون الآن مرضى نتيجة الضغوط الكبيرة  والإصابة بمرض االعصر ،، الكآبة ،، وعندها المصائب سوف تحل بلا نهاية ...
عن قريب  إذا أطال الله عز وجل العمر ،، وأقمت في مكان مريح ،، آمن بدون خوف ولا ضغوط و إرهاب  ،، سوف أجمع جميع الورقات التي كتبتها الموزعة بين ليبيا وأمريكا في عدة أماكن ،، حتى أضعها بالترتيب وتصبح يوميات رحلة حياة عما شاهدته وقمت بعمله وماذا حدث من أحداث وطرائف ومغامرات من البداية ،، من أفراح وأتراح وحزن ومخاطر ،، فالحياة مستمرة ويوماً سوف تكون ذات قيمة وفائدة للبعض سواءا العائلة أو الغير ،،، وأنا فخور بماذا قدمت وعملت وأرجو من الله عز وجل الصلاح والتوفيق في الطريق النضالي الذي إخترته بمحض الرغبة ... حتى أرجع يوماً لوطني منصورا رافعاً الرأس كريماً ،،،
لقد مررت بتجارب وأهوال كثيرة ،، وفي بعض الأحيان عندما أكون لوحدي في جلسة صفاء ومراجعة للذات والنفس ،، راجعا بالذكريات للوراء ،، أشعر بالعرق يتصبب من الجسم وأشعر برعدة ورعشة خفيفة تنتابني من بعض الأحداث الصعبة التي مرت منذ زمن وإنتهت وقفلت الملفات للأبد ،، وأتساءل هل معقول أنا الطرف الرئيسي فيها ،، أنا بطلها ،،، ومازلت حيا أرزق ؟؟ ولو لم أكن عارفا وملما بجميع التفاصيل الدقيقة ،، فممكن أخدع النفس وأقول لست أنا ... بل عبارة عن تخيلات وإدعاءات بالنفس ...
الكثيرون يقولون عن بعض الأحداث ،،، شجاعة وبطولة ورجولة ويعددون ويكررون في الحدث ويزيدون عليه بعض الزيادات مما يتضخم ويصبح أسطورة ،، وردي بسيط من خلال التجارب الصعبة أن ( الرجال محاضر وليسوا مناظر ) فياما من رجال كنت مخدوعا مغروراً إعتقدت أنهم ذوي شجاعة وإقدام ،، وأثبتت الأيام أنهم في قمة الجبن والخوف ساعة الخطر ،، أشباه رجال لا يعتمد عليهم خطوة واحدة لحظة النداء والفداء ،، عبارة عن خشب مسندة ،، يتراؤون  للكثيرون أنهم يعتمد عليهم نظير بسطة الأجسام وقوة العضلات وحلو اللسان والكلام وهم مناظرهشة ،،، وياما من رجال كثرت الأقاويل عليهم ولاكتهم الألسن باتهامات كثيرة ،،، نظير الحقد والحسد لتهميشهم وجعلهم بآخر الطابور ،، حتى لا يهتم بهم أي أحد ... وساعة الصفر والخطر ،، أثبتوا الوجود بأنهم رجال أقوياء في العزم والجرأة ،، ذوي قلوب صلدة جبارة في التحمل ،، يعتمد عليهم في وقت الأزمات والخطر  ،،
لقد مررت بمواقف صعبة جداً ،، ولحظات الغضب والخطر تتفتح الشرايين ويتدفق الدم بغزارة هادراً بالجسم وتشد العضلات ،، ويتوقف العقل عن التمييز ،،، والحواس جميعها في حالات إستنفار قصوى حتى يمر الحدث  بالخير أو بالشر وينتهي ،،وتختلف من شخص لآخر ،، فالبعض يسقطون ويتداعون بسرعة ويصابون بشلل وإعياء وضعف وقتي ،، مع أنهم مفتولو العضلات ولديهم القوة البدنية ولكن ينقصهم العزم والإقدام والجرأة ،، قلوبهم هواء  يوصمون بالجبن ،، والبعض لديهم العزيمة وقوة القلوب والجرأة ،،، يقومون بأعمال بطولية أكثر من قدراتهم وإمكانياتهم في اللحظات الحرجة يوصمون بالشجاعة والإقدام ،، وفي نظري خلال ماشاهدت وشفت على الواقع المرير ومواقف الخطر،، أن الشجاعة والإقدام موهبة ،، وليست إكتساباً من الأيام ودروساً للفهم ،،
لقد تعلمت من الأيام ،،، وخدعت في كثيرين مع طول الوقت والمسيرة وتساقط العديدون مثل أوراق الشجر أيام فصول الخريف العاصفة ،، وبدأت أتحسس محاولاً الفهم للخلفيات عند حدوث أمور تعتبر بسيطة تافهة  لا يهتم بها أحد ،، ولكن مع الوقت تصبح قاتلة ،، فالحكم على الرجال من أصعب الأمور ،، إذا لم يكن عن طريق أشياء كثيرة أهمها ،، الإختلاط والسفر ،، المعاملة المادية والجيرة ،، رفقة النضال والجهاد ،، الكرم ،، ففي نظري ومن خلال التجارب ،، البخيل لا يعتمد عليه في أي ظرف نضالي ،، وسهل إغراءه وسقوطه ،، لأنه يعبد المال ... وإن كان شريفاً يحسد الآخرين في أي شىء ولو في لقمة طعام  ،، لا يحب الصرف والدفع ،، ويشكك في أي موضوع يحتاج للعطاء والصرف والتبرع ،، تجده متردد في القرار ،، مثل شيخ الدين والفقيه يحب أن يأخذ الصدقات ولا يتكرم ويعطي ...
حالات كثيرة مررت بها في خلال رحلة الحياة ،، وأتذكر عشرات بل مئات الحالات ،، وسوف أذكر البعض للتدليل بدون ذكر للأسماء ،، مع العلم أنه لو أتيحت الفرص وقرؤوا هذه المدونة سيعرفون أنفسهم ،، وأن كلامي حق وصدق ،، وليس كيداً وكذباً ،،،محاولاً النيل منهم ،، أو الإدعاء عليهم بدون وجه حق ؟؟ وأترك الحكم لهم ليحكموا بشرف ؟؟
لقد تعرفت بأحد الأشخاص فترة طويلة حوالي 16 عاما ذقنا فيها الحلو والمر مع بعض ،، وكنت أعتبره من إخوة الدهر ،، ولم أبخل عليه طوال الوقت بكل ماهو متاح ومستطاع بجميع الجهد ،، والنهاية نظير ظروف صعبة عديدة ،، وتشويش ودس الأراذل من الخبثاء نسى الماء والملح والعشرة ،، وإنني صادق معه في كل لحظة ،،  وإنتهت المصلحة  ،، تآمر مع بعض أشباه الرجال ،، نظير الحصول على مركز وجاه زائل ... وعرف الخطأ الذي إرتكبه بعد بعض الوقت لما جرب الآخرين  وعرف كم كنت أعاني منهم في صمت ...  وحاول بكل الجهد الإستمالة والرجوع كما كنا من قبل ،، وجاءني أخ العمر الحاج الصابر كوساطة  لرأب الصدع حتى ترجع المياه لمجاريها ونصبح رفاقاً كما كنا من قبل ولكن الأساس ضاع ،،  الثقة زالت ،، والجرة تكسرت ! وكان رأياً قاطعاً  لا شراكة ولا عمل مع بعض ،، أما الصداقة سوف تستمر فقد أكلنا عيش وماء وملح مع بعض ولم أحرق الجسور بل تركت الأمور تجري في أعنتها ،، ولكن ليست مثل السابق ،، إحتفظت به كصاحب ،،، حتى يتعلم ويعرف قيمة الرجال وقت الضيق والمعاناة ،،، فليس الحقد و الحسد والتشفي من أخلاقياتي ،، وتركت الأمر لصاحب الأمر الله عز وجل ... فلي عشم ... والآن في رحمة الله عز وجل ،، الله يرحمه ويحسن له فقد كان نعم الرجل ولكن للأسف خدع من أراذل القوم ...
أحد الحالات والنماذج ،، خدعنا في أحد الرجال ،، وتم تقديمه كمناضل يرغب في الإنضمام للتنظيم ،، وكنت أعرفه معرفة سطحية ومن أبناء العمومة من بعيد ،،، كان يدعى الشجاعة والعزم وخدع الكثيرون ولكن كان لدي شعور داخلي ما ،،  أن هذا الإنسان أجوف ،،  لا أعرف لماذا ؟؟ وساعدته قدر الإمكان  بتحفظ ،، وحدثت معه عدة حوادث من خلال الممارسات عرفت أنه متسلق  يحب الدس والفتن وسبب لي إحراجات كبيرة عندما تسرعت بسبب معلومات خاطئة من طرفه وطردت بعض الشباب من العمل والسكن في شهر رمضان وكانوا أبرياء ،، كان متفانياً في الخدمات لأغراض شخصية ،، دائماً بالجوار يتملق و يستقطب الأخبار ،،، ونسيت مع كل الفهم والمعرفة التي لدي نظير الثقة ،، أنه يلعب على الحبال ذو وجهين ،، هو الذي سبب الشرخ في التنظيم مع غيره ،، حتى حدثت المشاكل العديدة داخلنا بسبب الدس والكيد والحسد  ،، والحمد لله  طول الأيام  أثبت أنه أجوف جبان ،،سقط فى الإمتحان  ،، وطردته شر طردة بأدب ،، سيتذكرها طوال حياته ،، ونسى عشم الصداقة والرفقة والكرم ،، وأقفلت ملفه طوال الحياة .. ولا تعليق عليه سواءا خير أم شر ،، فالرب القادر عارف وهو صاحب الأمر ،،،
أخطر الحالات التي مرت علي من أحد أدعياء العلم والمعرفة ،،، تعرفت به في الغربة ،، ورشحه أحد الرفاق المحترمين بأنه من أبناء عمومته ومنطقته وفي الثمانينات حاول قدر الإستطاعة وعشرات الإتصالات أنه يرغب في الإنضمام معنا في التنظيم ،، وتم السؤال عنه والتحقق أنه ليس عميلاً مدسوساً ،، ووافقنا عليه ،، وزكيته وشملته بالرعاية ،، ودافعت عنه الكثير ،، وإقترض مبلغاً وإلى الآن لم يرجع ...  حتى تدرج في المناصب وفي وقت قليل وصل إلى الإدارة ،، وتعرف بالرفاق ،، كان ذكياً بخبث مستور في الخفاء يعرف كيف يأكل الكتف السمين ،،، وبعد مدة أثبت أنه دون المستوى وصولي ،،،عرف الكثير مما دار في الخفاء من أمور ،، رؤوس مواضيع وليس بالتفاصيل  ،، حاول تغيير المسار للتنظيم  نظير أفكاره اليسارية التي لا تتمشى معنا ،، وعندما وجد التصدي ،، إنقلب إلى عدو كاسر في الخفاء ،، يدس الفتن وسط الرفاق بفن للوصول ،، وإستغل غباء وطيبة البعض وزين لهم كثيراً من الأمور ،، وأنا أعرف بماذا يدور عسى أن يرجع ويهديه الله عز وجل ... لا أريد التصرف بعنف فأنا الذي رشحته ،، وهذا الأمر يهز مصداقيتي في نظر الآخرين ،،
 والنهاية للقصة منعا للشر أن يستفحل ،،، أنا الذي تراجعت حتى أتخلص من الرفقة المزعجة وإنسحبت في هدوء من غير أن أغضب أي أحد ،، بدل العراك ونشر غسيلنا القذر على الجميع فقد كان يعرف مواضيع خطيرة ،، ممكن مع الوقت تضر الجميع ،،، وقلت للنفس إتق شر من أحسنت إليه ... فممكن هذه العثرة والدس لمصلحتي ،، قدر مقدر وضع العراقيل في الطريق ضدي ،،، حتى أتنحى وأترك هذا الطريق ،، فهذه الرفقة السيئة يوماً سوف تجلب المصائب  ،، وأنا لا أعرف ... فأنا  لدي عشم ،، نظير الإخلاص والثقة وكل من حاول النيل مني بطريقة أو أخرى دفع الثمن ،،، وأثبتت الأيام صدق القول ،، عندما تركتهم في صمت وسكون بدون ضجيج ،، ليس خوفاً ولكن قمة الشجاعة الأدبية ،،، والله يسامحه على الفعل ،، وأنا متأكد أنني مظلوم من الإدعاءات وهو يعرف ...
مهما كتبت عن هذه الحالات ،، سأحتاج إلى ملفات كثيرة للذكر ،، لا أدعي البراءة ولا أنني معصوم من الأخطاء ،، وأكيد علي ملاحظات من طرفهم ،، ولكن المشكلة أنهم لا يواجهون الأمر بقلوب نظيفة وحجج دامغة حتى يتحاور الإنسان معهم ونصل إلى حل وحلول ،، وأعتبر الأمر جميل أنهم نبهوني للخطأ حتى لا يتكرر ،، وتتجدد الأخوة والصداقة لباقي العمر ،، ففي نظري لا يمكن أي عمل سريع يتم من غير بعض  الأخطاء... وأنا آسف إذا أخطأت في حق أي أحد ... ولكن هؤلاء كانوا يحاولون إزاحتي فقد كنت سداً منيعاً ،،
أنا دائماً أعطي الأعذار لغيري ولا أحب أن أتسرع فقد تعلمت من بعض الأخطاء السابقة التي إلى الآن دائما أمام ناظري حتى لا أكررها مع آخرين ،، والحمد لله عز وجل ،، لدي موهبة عظيمة ،، عندما أنام كل ليلة وأضع رأسي على المخدة ،،، لا أحمل حقد ولا حسد لأي إنسان مهما كان مسامحاً الجميع ،، طالباً السماح لأنني لا أعرف  اليوم الثاني أصبح حيا أرزق أم  ميتاً في ذمة الله تعالى ،،،
 إن سردي لهذه الحالات من عشرات ومئات خلال رحلة الحياة ،، لا أريد الإدعاء بأنني الفاهم والعارف ،، أردت ذكرها بتجرد وصراحة ولو على النفس حتى يتعلم غيري من الشباب أن لا يتسرعوا في الحكم في أي موضوع مهما كانت الأسباب حتى يتأكدوا من صحة الأخبار والمعلومات ،، وإنها ليست وشايات ودس وخبث ،، وأن لا يقعوا في الأخطاء مثلنا ،، ويقدمون الثمن الغالي من جهد ومال وتضييع للوقت الكثير الذي نحن في مسيس الحاجة لإستغلاله للوصول للغايات النبيلة منصورين ،،، ويختصرون الوقت نظير التجارب الرهيبة التي مرت بنا  خلال المعاناة والغربة والمعارضة التي إستمرت سنين طويلة  للنظام بدون أية أطماع مستقبلية ،، والله الموفق .
                                                         رجب المبروك زعطوط
                                                             
                                                           شهر 7 عام 1987م  

Saturday, February 25, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988م -5

                                            بسم الله الرحمن الرحيم

لقد سبق أن كتبت هذه الخواطر من سنوات عديدة ، ولم تسنح لي الفرصة لنشرها ،، والآن بعد ما تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، أتى الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سرد هذه القصص حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من الله عز وجل أن تتحقق الإستفادة للجميع . فقد كتبت هذه المدونة في تاريخ 1987/8/30 م ... 

                                                   مناجاة

              إنها حالة صعبة عندما يكون الإنسان بالغربة بدون عمل ودخل حتى يغطي مصاريف الحياة الصعبة التي تزداد كل يوم ،، خصوصاً عندما يكون مسؤولاً عن عائلة وطابور أولاد ،،، فالعيش في أمريكا يتطلب مصاريف ضخمة كل شهر ،، والمال بدأ ينفد والدخل بسيط بالكاد يستطيع الإنسان التدبير ،، ومهما حاول الإنسان التقشف لا يستطيع ،، فالأفواه مفتوحة بلا عدد ،، وكل يوم يأتي ساعي البريد بالفواتير التي لا تنتهي مهما دفعت وسددت ،، حتى كرهت الحياة ،، فلم أكن متعوداً على هذا النمط من الحياة ،، العيش في صعوبة وضغط ،، وأنا الذي كنت أعيش طوال العمر في بحبوحة ،، حتى أتى اللعين الصنم وإستولى بالزحف والتأميم  من رعاع غوغاء على كل شيء أملكه من مال وعقارات ،، وضاعت الملايين وذاب شقاء العمر والعرق ومجهود السنيين بجرة قلم من مجنون لعين وأصبحت بقارعة الطريق مهاجراً غريباً مطارداً بفرق الموت والإغتيالات لأنني رفضت الظلم وقاومت النظام ،،
هربت من الوطن خاوي الوفاض ،، إلا من بعض المال والمدخرات التي بدأت تنضب مع طول الوقت ،،، وإضطررت لأخذ القروض والسلف حتى تستمر الحياة ،، وعللت الأمر أن هذه ضريبة وإستحقاق علينا الدفع لقاء التحدي للكافر الصنم ،، ضروري من المعاناة والمرارة فترة من الزمن حتى نصل للقمة وننهي نظام الفرد  عن طريق  المقاومة والتحدي ،،، ضروري من ضحايا ودم على مذبح الحرية التي تحتاج لجهود جميع الأحرار الشرفاء من بني الوطن حتى بلوغ  النصر ،،، والرجوع للوطن رافعاً الرأس كريم ،،
أنا سعيد إنني أنفقت الملايين على التحدي للنظام خلال سنوات الغربة والحرمان من الوطن حتى وصلت إلى حدود الضياع وعدم السيولة ،، معلل النفس عن رضاء ،، أن ضياع المال في معارضة شريفة ومساعدة المحتاجين وقت الحاجة ،،، والكرم أحسن ألف مرة من ضياعها فيما يحرمه الله عز وجل مثل ماحدث للكثيرون من رجال الأعمال الأغنياء الذين ضيعوا ثروات كبيرة على الفساد والعاهرات والقمار ،، فالفقر ليس عيباً  ،، والغنى ليس فخراً  ،، عند الرجال الصادقين الصابرين ،، فالأيام تمر وتتقلب ويوماً لك ويوماً عليك ،، والأهم هو الصبر حتى يغير الله عز وجل ،،، الحال من حال إلى حال ،،ولكن الكثيرون لا يعرفون المباديء ولا الأخلاق همهم المال والجاه والحصول عليهما بأي طريقة ولو ببيع أنفسهم للشيطان الرجيم ،، لا يهمهم ماذا يقولون عنهم من شائعات وأقاويل ،، كل الهم كيف يصبحون أغنياء ذوي جاه ومراكز ،، ونسوا وتناسوا أن المال ليس كل شيء في الحياة له حدود عندها يتوقف ولا يستطيع الإستمرار ،، فالأخلاق والشرف والكرامة والقيم ،،، أغلى مافي الوجود لمن يعرف ويعلم أن الحياة دورة لا تتوقف مستمرة إلى ماشاء الله عز وجل ... وإن مصير المهاجر الغريب الرجوع مهما طال الوقت في الغربة ،،
إنني أحلم بكثير من الأشياء والأمور التي يمكن تحقيقها بعزيمة الرجال ،، وأجد نفسي في بعض الأحيان غير قادر على المضي حيث مكبل بقيود وأغلال الإلتزامات ونقص المال ،، لم أستطيع لملمة شتات افكاري ،، وأضع همي وكامل قدراتي وطاقاتي للعمل النضالي ،، نظير عدم السيولة ،، فأي معارضة لا يمكن أن تنجح وتستقيم بدون دعم وتدعيم ،، فكل خطوة للأمام تحتاج إلى المال الوفير ...
لا تأجيل في أمريكا لأي فواتير مهما كانت ،، ضروري من الدفع ! لديهم طرق عديدة قانونية للتخلص بإشهار الإفلاس ،، ولكن لا أرضى أن أعملها تحت أي ظرف ،، وإضطررت لبيع البيت الذي أسكنه ،، وعشت فترة سنوات بالإيجار ،، وتنازلت عن الشركة التي أسستها لبيع الرخام حتى أدفع الإلتزامات بدلاً من أن تزيد كل يوم  لقاء العيش رافع الرأس موفور الكرامة ،، ففي أمريكا ،،، يتعاملون بالعقل الآلي طوال الوقت وفي جميع المواضيع ولا يضيع أي شيء سواءاً لك أم عليك ،،،  فكل شيء محسوب بدقة متناهية ،،  الإنسان مسجل برقم وليس بإسم على شاشة الحاسوب ،، ولا وجود للتملص والمهاترات مهما حاول الإنسان العبث ،، والصدق هو سفينة النجاة في أي أمر .
عشت سنوات عديدة  حوالي ربع العمر بمجتمع غريب وعجيب ،، لم أستطع الإنصهار في البوتقة إلى الآن ،، جيراني ،، في الأصول العائلية خليط من جميع الجنسيات ،، لا تربطني بهم أية  أواصر أخوة و دم ،، دين وعقيدة ،، بل جيرة فقط ،، أول من بدأ التعارف الصغار حيث كانوا مع بعض في المدارس ،، ثم الأمهات مع الأم ،،،  وبعدها تم التعارف مع الرجال ،، والله يسامحهم على كل يوم  مضى كنا  فيه جيران خلال 9 سنوات من العمر تبادلنا فيها الزيارات والأعياد والأتراح ،، وكأننا عائلة واحدة ،،
لقد مررت بإمتحانات صعبة ،، والحمد لله عز وجل لم أمد اليد ،، ولم أتنازل عن الكرامة ،، وحافظت على القيم وضحيت بالمال والأصول المادية ،، حتى أربى الأولاد على المصداقية والشرف ،، وأجعلهم يوما يفخرون أن والدهم ،، مهما تعب وضاق به الحال بالغربة فترة من الزمن حتى نهض من جديد ،، ودارت الدورة وأصبح  مرتاح ذو دخل كبير لقاء بعض الأعمال ،، لم يرضخ ويتنازل مع العروض الكبيرة المغرية من النظام ،، وكان بالإمكان القبض ويعتبرها جزء من المال الذي سرقوه بالتأميم والزحف يوم      1978/9/22م 
في بعض الأحيان بالغربة ساعات الضيق ،، أتساءل مع الذات ... لو لم أهاجر هل كنت سوف أتعب مثل الآن مطارد من اللجان ،، بالكاد أعيش بلقمة الحلال ؟؟ وترد الذات وتقول أرضى ياحاج وأحمد الرب الخالق على عطاياه من صحة وعافية ،، وأولاد شباب وشابات ،، تعلموا في أحسن المدارس والجامعات ،، ولولا التأميم والهجرة والأزمة المادية التي مررت بها بعض الوقت حتى تحسنت الأمور للأفضل ...  لكنت جاهلاً بالوطن ،،  ضيق الأفق بدون حنكة وعلم وأفكار متحررة ... مما أرضى على الحال بقناعة ،، وأشكر وأحمد الله عز وجل على العطاء والكرم فطموحاتي كبيرة مثل الجبال لا تتوقف طالماً بي عرق ينبض ونفس يدخل ويخرج بهذه الحياة ،،
لقد تعلمت دروساً وخبرات قوية عديدة في أمور كثيرة من المحك بالحياة ،، لا أجدها مهما عملت ودرست ،، لا يمكن تحصيلها ولو قرأت آلاف الكتب وتحصلت على أعلى الشهادات ،، فتجربتي على الواقع المرير من الممارسة الفعلية العملية للحياة حيث تعرفت بالكثيرين من الوطن والأجانب ،،، معظمهم سقطوا مع الوقت ولم يبقى إلا البعض من الرجال ذوي الشهامة والكرم ،، الذين عاهدت النفس ،، وقلت للعائلة والأولاد ،، للتذكير وللمستقبل في حالة الغياب  ،، أن هؤلاء إخوة من الدهر وليسوا من الظهر ،، حتى يزيدوا في الإحترام والتقدير لهم ،، ويعرفون مدى المعزة المتبادلة مع والدهم ،،، فى حالة أية خدمة يطلبون ويريدون ،، فأحسن الأخوة الطاهرة النقية من غير شوائب ،، أيام الغربة والنضال والضيق ،، حيث تظهر معادن الرجال الأصيلة ،،
الحمد لله عز وجل على جميع العطايا والنعم ،، ومهما تعب الإنسان فترة وضيق وقلق ،، مصيرها الفرج ،،، فأهم شيء الصبر والصمود والتصدي ،، والإنسان يستطيع أن يكيف نفسه وقت الضرورة والحاجة ،، ويستطيع العيش بشرف بأي طريقة تحفظ فيها الكرامة والقيم ،، وعدم مد الأيادي وإراقة ماء الوجه ،،،  المهم رفع الرأس والحفاظ على الكرامة والقيم ،، ولا يتنازل لأشباه الرجال تحت أي ظرف ،، والصبر الصبر الذي هو مفتاح الفرج ،، والله الموفق .
                                                          رجب المبروك زعطوط

                                                               1978/8/30م 

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988م -4


                                             بسم الل الرحمن الرحيم

لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر من سنوات عديدة  يوم 15/5/1987م  ،، ولم تسنح الفرص لنشرها ،، والآن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، وأتى الوقت المناسب ،، لأطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سرد هذه القصص حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيرا لكهولنا وشيوخنا ،، راجيا من الله عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ،،

                                                 التحدي والصبر

             سأظل متحدياً رافع الرأس موفور الكرامة ،، مهما عصفت بي الرياح وجرفني التيار وكثرت وتلاحقت  المصائب والمحن الواحدة وراء الأخرى ،، فإيماني وعقيدتي بالرب الخالق ليس لهما حد ولا حدود ،، صابراً على القدر ،، منتظراً مضحياً بكل مأ أملك  من طاقات وجهد حتى أرجع يوما لوطني منصوراً ،، إذا أطال الله تعالى العمر ،،
منذ 3 أسابيع وصلني طلب إستدعاء من إدارة الهجرة والجنسية  ،، بالمكتب الرئيسي في مدينة نورفولك ،، ولاية فرجينيا ،، طالبين الحضور الشخصي يوم الجمعة  1987/5/8م  الساعة الواحدة ظهراً لموضوع هام ،، وأن أحضر معي جميع مستندات الإقامة  ،، وأقابل أحد المسؤولين  ...
وإنزعجت من هذا الطلب فجميع مستنداتي بالإقامة ضمن القانون ،، وكنت مسافراً خارج أمريكا ،، وذهبت الزوجة لتسأل ماهي الأسباب ؟؟  عسى أن تعرف رأس الموضوع ؟؟ وكان الرد موضوع خاص  وخطير ؟؟ وخابرتني بالهاتف وأعطتني الأخبار فقد كنت يومياً على إتصال مع العائلة ،،، ورجعت إلى أمريكا ،، وقضيت أياما عصيبة من غير راحة ولا نوم فى الإنتظار أقلب في الأمور جميعها رأساً على عقب ،، أحلل محاولاً الوصول لمعرفة ماذا يريدون حتى أستعد للرد ،، ولا يكون مفاجأة ...
يوم الخميس 1987/5/7م  تم إتصال  هاتفي من الإدارة  يعلمونني بتغيير الميعاد إلى موعد قريب ،، مما إرتحت قليلاً نظير الخبرة ،، وإقنعت النفس لو أن الموضوع خطير كما يقولون ،، لن يأخذ هذا الوقت الطويل ولا التأجيل ... ويوم الإثنين تحدد الميعاد الساعة التاسعة والنصف يوم الجمعة  1987/5/15م ...
ليلة الخميس سهرت طوال الليل مع الأخوة عاشور بن خيال ،، ومحمد قندرة ،، حيث كانوا ضيوفاً عندي بالبيت على مأدبة الإفطار فقد كنا بشهر رمضان الكريم ،، والسهرة طالت إلى الفجر ،، وذهبت للفراش محاولا النوم لبعض الساعات ولكن نظير القلق لم أرتاح ؟؟
يوم الجمعة الساعة الثامنة والنصف إنطلقت في الطريق للإدارة ،،  ووصلت قبل الميعاد بدقائق ،، ووضعت الرسالة فى الصندوق المخصص على الطاولة ،، وجلست على الصالون ،، وأنا لا أعرف ماذا يخبئه القدر لي ؟؟ والتاسعة والنصف بالضبط تم الإستدعاء إلى مكتب آخر ،، حيث كانت سيدة في منتصف العمر قاضية ،ومعها سكرتيرة تسجل في الكلام  والحديث المتبادل بالإختزال ، وبعد التحية طلبت مني النهوض والقسم بأن أقول الحق ،، وأن أي كلمة أنطق بها ممكن تكون لصالحي أو ضدي ،، وأقسمت اليمين وأنا صائم ... وسلمتني ورقة بها جميع الشروط والحقوق ،، وإذا كنت أرغب في حضور محامي معي أم لا ؟  وقالت إن الموضوع خطير وممكن يؤثر على إقامتي وعائلتي  في أمريكا إذا كان الإتهام صحيحاً ... وأجبتها  ببساطة بأنني  أريد أن أعرف الموضوع والإتهام حتى أقرر ...
أخرجت من أحد الأدراج ملفاً سميناً بالأوراق العديدة مكتوب عليه الإسم بخط عريض واضح ،، وتصفحت بهدوء وقالت ،، لدينا طلب رسمي من الحكومة الليبية عن طريق البوليس الدولي ( الإنتربول ) بالقبض والترجيع إلى ليبيا ،، للمحاكمة ،، والتهم  اولاً ،،، أواخر 1979م إستلمت مشروعاً لبناء وحدات سكنية بالظهرة في طرابلس وإستلمت قيمتها بالكامل وهربتها للخارج ... وثانياً ،، عندما تم تفتيش البيت بدرنة من قبل أجهزة الشرطة والأمن وجدوا أكثر من 30 قطعة سلاح مخبأة ،، وطلبت منها أن أشاهد الرسائل والطلب ولكن رفضت ،، ولاحظت الكتابة بالعربية باللون الأخضر وشعار الفاتح الأسود ،، مما إرتحت بعض الأمر ،،
وقالت هل أنت مستعد لنفتح التحقيق ،، ورددت عليها بكل ثقة وعزم ،، وبدون تلعثم وإرتباك من هول الطلب ،، نعم جاهز ،،وطلبت كأجراء روتيني مرة أخرى إذا كنت أرغب في إستدعاء محامي ,, وشكرتها وقلت لا فأنا أعرف بنفسي أكثر من أي أحد ...
وبدأت الأسئلة وكانت 15 سؤالاً صعباً ،، ورددت عليها بالحق ،، وأثبت بالتواريخ على جواز السفر الملابسات الخاطئة والكذب في المطالبة بالقبض ،،، وأنا داخل النفس أحترق من الكذب والزور وأخطاء التواريخ التي يطالبون فيها القبض علي ،، وأنا وقتها كنت خارج الوطن ،، مما كانت أسبابا جوهرية أقنعت القاضية أن العملية والطلب كيد وزور وبهتان  وليس عدلاً ،،
وبعد الطباعة أعادت  القول مرة أخرى الأجوبة التي صدرت مني ،، ووافقت ،، وطلبت المدير حيث حضر كشاهد ووقع المحضر وقفل التحقيق ،، وقالت مع السلامة سوف أرفع التقرير للجهات المختصة وإذا في أي شىء سوف نتصل ... وقلت لها متسائلاً أنا كثير السفر فهل من موانع ؟؟ وردت على بإستغراب وقالت لديك جواز سفر وتستطيع السفر متى تشاء وترغب ،، لا توجد أي موانع ...
خرجت من التحقيق وأنا فرح مسرور ،، فقد أزحت الهموم  والغموم التي كانت على كاهلي من تاريخ الطلب بالإستدعاء وأنا أفكر من غير راحة ،، وإبني مصطفى يقود السيارة ،، وأنا شبه نائم فقد غلبني النعاس ،،
و وصلت للبيت وكانت الزوجة متشوقة لسماع الأخبار ،، فقد كانت قلقة على أحر من الجمر ،، لا تعرف ماذا سوف يحدث لي ولهم في حالة حدوث مكروه ،، وحكيت لها القصة وطمأنتها ،، وقلت لا تخافي الرب العادل موجود وعارف إنني مظلوم مما أدخل الإرتياح عليها ،،
جلست بالمكتب في البيت وجاء الأخ عاشور وهو مشغول يريد أن يعرف ماذا حدث معي ،، وقلت له القصة ،، وبعض الإتصلات الهاتفية ،، وفاتتني تأدية صلاة الجمعة بالجامع حيث كان بعيد عن البيت حوالي 80 كم  والساعة الثانية والنصف لم أستحمل ضوضاء الأولاد دخلت لغرفة النوم لأرتاح وأنام ،،
بالفراش وأنا أغالب النوم ،، إستعرضت الحدث وكأنه شريط مصور ،، وضحكت في سري وقلت ،، هل أفلس النظام وهذا آخر سهم في جعبته  أطلقه ؟ حتى أعيش بقية أيام العمر في هموم وغم الملاحقة بالغربة مهموماً طوال الوقت في المشاكل ... أو النظام الأهبل يتوقع أن أمريكا بلد الحريات والعدالة ،، فوضى لا تحكم بدستور وقوانين عادلة ؟؟؟ أو يحاول التشويه للسمعة وإنني مجرم  حتى تسحب الثقة وأطرد من أمريكا ؟؟ أو هذه الأمور المعقدة عبارة عن بدايات ،، وسوف يأتي الكثير والكثير من المشاكل والمصائب والمحن بالمستقبل ،، طالما الصنم المجنون  الأهبل حى يرزق وعلى رأس السلطة ... أو أو أو ،،،؟؟؟
شكرت الله عز وجل على الصحة والعافية ،، القوة والصمود ،، الطمأنينة والسكينة إنني لم أضعف أمام نظام جائر جاهل متخلف يطالب برؤوسنا ونحن بالخارج لأنه أجوف فارغ بدون محتوى ،، ورددت القول ،،، مهما قتلت وطاردت الأحرار ،، فأنا فرد من ملايين يطالبون بالثأر ،، لو قُتلت وإستشهدت ،، فهذا منايا ورغبتي لأنني أريد الفوز بالآخرة وليس بالدنيا ،، لو عشت وطالت بي الحياة ،، لن أتوقف لحظة عن الحرب ضدك حتى أشهد النهاية والنصر وأفرح ،، فأنا في جميع الحالات الكاسب ،، وأنت الخاسر !
سأظل صابراً مجاهدا رافعاً راية العصيان والثورة للنهاية ،، لا هدنة ،، ولا سلام ،، مهما عملت من دسائس وحيل ومطالبات للدول ،، والله الموفق ،،
                               
                                                            رجب المبروك زعطوط
                                                             الجمعة 1987/5/15م