Sunday, February 5, 2012

مشكلة تاورغاء



                                              بسم الله الرحمن الرحيم 


                                                  مشكلة تاورغاء


                  منذ فترة راودتني الكتابة عن قضية  أهالي وسكان تاورغاء المبعدون عن ديارهم بالقوة ،، وبالأخص عندما مررت منذ حوالي الشهرين على الطريق الساحلي من طرابلس إلى درنة بالسيارة ،، وشاهدت بأم العين البيوت المهجورة من غير سكانها على جانبي الطريق ،، تبكي على أهاليها  ،،  لم تتاح لي الفرصة لضيق الوقت حتى أدخل إلى وسط بلدة تاورغاء ولكن الصور والبيوت الخالية هي عنوان كبير عن أخطاء قاتلة ،، نظير الجهل والإنتقام ورد الفعل  القاسي الغير مطلوب ،، فالتاورغيون  نظير أخطاء كثيرة من الأطراف المتعددة وقعوا في نار جهنم مع إخوتهم المصراتيون  نظير تأييدهم للصنم الطاغية ،، وشباب كثيرون من تاورغاء أيدوا النظام السابق وحاربوا في صفه حتى إنتهوا بالهزيمة ،، وقلة حاربوا مع الثوار من أجل الخلاص وتحرير الوطن  ،، وبعد النجاح والنصر للثورة المجيدة أصر المصراتيون على شطب بلدة تاورغاء من  خريطة الوطن ،، نظير أعمال بربرية من هتك أعراض لعائلاتهم  ،، ومساس بالكرامة ،، يندى لها جبين الإنسانية ،، وتعد من الجرائم الوحشية التي قام بها البعض من التاورغيون ضد الأهالي العزل جيرانهم ،، عندما إحتموا بهم من نار كتائب الصنم وقت الهجوم الشنيع ،، والحصار الطويل ،، والكر والفر على مدينة مصراته ،، ولم يحسبوا أن الصنم سوف يتحطم ويقتل ،، ويتعرضون للهوان والحساب .
إنني أخط هذه السطور  وأنا موزع القلب محاولاً قدر الإمكان أن لا أتحيز إلى فئة دون أخرى ،، إلا بالحق والصواب ،،، وآثرت إستعمال العقل الذي هو الأساس السليم ،، لإيجاد حل لهذه المشكلة التي تتفاقم كل يوم وتزداد سوءاً ،، والأطراف العديدة من جميع شرائح الوطن والمجلس الإنتقالي حاولوا التدخل والوصول إلى مصالحة وطنية تنهي الأمور العالقة المتشابكة بين الأطراف المتنازعة ،، وللأسف الشديد لم يصلوا إلى حل ،، نظير تجبر وتعنت إخوتنا المصراتيون ،، حسب ماسمعت وما يتردد من أقوال في الساحة .
وفي نظري وحسب قراءاتي ومعلوماتي ،، لا توجد أي مشكلة وليس لها حل ،، إذا رغبت الأطراف للوصول إلى إتفاقات ،، فنحن الآن في القرن 21 وليس في عهود الظلام ،، عهود القرون الوسطى ،، القوي هو الذي يفرض الشروط القاسية ،، وحسب ما أسمع في الساحة وماذا تتردد من أقاويل أن إخوتنا المصراتيون زادوا عن الحد في المغالاة في أمور كثيرة ،، يوماً سوف ترجع عليهم بالوبال والمصائب ،، ولا يستطيعون ردعها ،، فمدينتنا درنة تضم شريحة كبرى من عدد السكان أصولهم من منطقة مصراتة ،، وبيننا صلات أخوة ومصاهرة وعلاقات نسب ودم ،، وأنا شخصياً أعرف الكثيرون من عقلاء مصراته سواءا بالشرق أم بمصراته نفسها ،، ويحزنني أن أشاهد وأسمع هذا التعالي والتجبر على أهالي تاورغاء العزل المساكين الموزعون والمهجرون من ديارهم في أماكن كثيرة بالوطن ،،، لقاء أخطاء البعض القاتلة منهم ،، ومهما حدث من أخطاء قاتلة ،، لا يحكم على مجموعة وشريحة كبيرة  بهذا التشفي والعنف ،، وإلا سوف نعيش تحت طائلة قانون الغاب ،، وكل فئة قوية بالوطن مستقبلاً ،، سوف تتجبر على فئة أخرى ضعيفة  بأسباب عديدة صادقة أو مزيفة وكاذبة  نظير التنافس والحقد والحسد  ،، سوف تجدها حجة لطردها من بيوتها ومنازلها ،، وندخل في نفس الدوامة ،، قانون الغاب ،،، أليس هذا بقمة الخطأ ؟؟
ولنرجع إلى الأساس ، من هم سكان تاورغاء ؟ حتى نستطيع أن نلم بالمشكلة ونجد لها بعض الحلول التي من  الممكن  أن ترضي الأطراف المتنازعة ،، وتتم المصالحة ،، فحسب معرفتي وما سمعت والله أعلم  ،، أن البدايات الأولى لتاورغاء هم تجار الرقيق المصراتيون وأولاد سليمان والمغاربة وزويا من منطقة واحة الكفرة إلى أجدابيا ،، الذين بالسابق في القرون الماضية أيام العهد التركي الأول ،، والقرمانلي الثاني ،،، كانوا يغزون كتجار رقيق على بلدان إفريقيا مثل السودان وتشاد والنيجر ومالي ،، ويأسرون المئات أو الألوف من الوطنيين بقوة السلاح ،، ويتم تقيدهم بالسلاسل ،، والمشي حفاة عبر الصحراء ،،في ظروف صعبة قاسية ،، وقلة تغذية وجلادون حرس كل من يحاول الهرب أو يعارض سادته الجدد ،،، يضرب بالسياط بقسوة وعنف لتخويف وإرهاب الآخرون حتى يستسلموا للأمر الواقع ولا يقوموا بأي معارضة وتمرد  ،، والبعض مات تحت الضرب العنيف من جلادين قساة  لا توجد ذرة رحمة  أو شفقة بقلوبهم ،، نسوا الله عز وجل فأنساهم أنفسهم  ،، يعتبرون الرقيق حيوانات ناطقة وليسوا بشراً  لهم الحق بالحياة والعيش ،، نسوا حديث رسولنا الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ( لا فرق بين قريشي وعبد حبشي إلا بالتقوى ) فنحن جميعنا عبيد الله عز وجل .
      أعداد  كبيرة من الرقيق ماتت  في الطريق ،، وقد كتب أحد الرحالة الأجانب أنه عندما عبر الصحراء في بداية القرن 18  ،، ذهل من  كثرة هياكل الموتى والعظام من الرقيق المرمية على جوانب الطرق المعروفة ،، أو التي برزت من قبورها نظير هبوب الرياح العاصفة القوية التي كسحت الرمال من فوقها  ،، حيث الصحراء جافة والعظام تلمع بالليل من نسب الفسفور بها  ،، فقد كانت في ذاك الوقت تجارة مشروعة ،، بيع وشراء البشر السود  ،،، يساق الأسرى حتى يصلوا إلى منطقة تاورغاء مكان التجمع والبيع ،، أو الزويتينه عبر أجدابيا ،، حيث يأتي القراصنة الأوروبيون والأمريكان بمراكبهم إلى شواطىء ليبيا  ،،، ويشترون الرقيق للعمل في أمريكا فقد كانت وقتها بحاجة للبشر وبالأخص اليد العاملة ،، للعمل في المساحات الشاسعة للزراعة والخدمة في البيوت للسادة البيض الجدد  ،، وكان المريض والمنهك من الرحلة الطويلة عبر الصحراء لا يجد سوقا ولا مشترياً مما يبقى ذليلاً في المنطقة ويعمل لدى سادته البيض بدون أجر ولا حرية ،، مقابل  طعامه البسيط الذي يقتات به ،، ومع الوقت والتجانس والزواج  المختلط  ،،، ظهرت تاورغاء على السطح وأصبح لها كيان ،، فأصول سكانها إفريقية من مختلف المناطق ،، إختلطت الدماء مع  مسلمين وعرب ليبيين بمرور السنين الطويلة ،، وخلقت هذا المزيج المتجانس من البشر ،،  ليبيون مع الوقت لهم كامل الحق ،، هم ونحن في الأرض ،، وليبيا للجميع وليست لفئة دون أخرى .
     إن الكراهية من الجدود الأسرى من مئات السنين لهؤلاء  التجار وأحفادهم  ،، تجري في الدم حتى أحفاد الأحفاد ،، فالتجار المصراتيون هم الأساس لقاء الربح والأموال ،، هم من بدأ بالمشكلة ...  هم من أحضر أجدادهم كرقيق إلى المنطقة ،، وعلى أحفادهم  تقبل الأمر ؟؟  
     في نظري الحل لهذه المشكلة العويصة ،، يحتاج إلى قوة قلوب وضمائر وقول الحق ولو على النفس ،،، وأي إنسان متهم من التاورغيين ،، قتل أي إنسان أو هتك أي عرض ،، أو أساء لأي إنسان ،، بالإثبات والأدلة الدامغة يتم التحفظ عليه ،، وبدون إهانات وتعذيب وتقديمه للعدل والمحاكمة ،، وتنفيذ القصاص العادل في حال ثبوت الجرائم ،، مهما كان العدد ،، وفي نفس الوقت كل من تجاوز الحد من أبناء مصراته الثوار وظلم وتعدى بدون وجه حق نظير التجبر والإنتقام ،، أن يقدم كذلك للمحاكمات حتى يستتب العدل والمساواة على الجميع ،، إذا أردنا ليبيا الجديدة أن تكون منارة سلام وأمن وأمان للأجيال القادمة ،،، ضروري من سيادة وإحترام القانون ،، ويرجع أهالي تاورغاء إلى مدينتهم وبيوتهم معززين كرماء ،، فما ذنب الأبرياء ؟؟ وبالأخص العجزة والأطفال الأبرياء ؟؟ أليس في قلوب أعيان وعقلاء مصراته رحمة وشفقة ؟؟ وهم مروا بتجارب القهر والظلم من الصنم ؟؟.
 إنني أهيب بهم أن ينظروا للأمر من زوايا خيرة ،، فالعفو من شيم الكرام ،، وأهل مصراته رجال كرام  ،،، والوقت كفيل حتى تهدأ النفوس الغاضبة وترجع لعين العقل والحق حتى نصل للحل ،، والله الموفق .

                                                                 رجب المبروك زعطوط

                                                                      ٢٠١٢/٢/٥م     


1 comment:

  1. بسم الله الرحمن الرحيم

    أحيّيكم من إسطنبول بتحية الإسلام
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.وبعد،

    أسأل الله أن يُنزل الخير والبركة والعافية على صاحب هذه السطور الطيّبةِ. فهنيئًا لك أيها السيد الكريم رجب المبروك زعطوط، وبارك الله تعالك في قلمك، وأثابك على نيتك الحسنة وأكثر من أمثالك في أمة محمد صلى الله عليه وسلم.

    قدّمتُ مقالتك لعلاّمة الديار التركية: فضيلة الإستاذ الشيخ فريد صلاح الهاشمي، فولله ما وجدته إلاّ وكأنه يطير من فرحه، فأمر تلاميذه أن يرفعوا أيديهم بالدعاءِ لسيادتك. فدعا لك طويلاً: أن يرفع الله قَدْرَكَ وَأنْ يَحْشُرَكَ في زمرةِ النبيين والصديقين والشهداءِ والصالحين، ثم كلفني بكتابة رسالك موجهةٍ إليكم. واسجابة لدعوته الكرية، سجلتُ هذه السطور. وعسى أن يجعلكم الله وسيلة لاصلاح ذات البين، ويبعث الرحمة في قلوب إخوتنا المصراتيين الأبطال، ويولف بينهم وبين أخوتهم التاورغيين.

    ودمتم عزيزًا سعيدًا ومكرّمًا عند الله وعند الناسِ.

    أخوكم: عدنا باكصوي
    مسؤول بريد الشيخ
    اسطنبول المحروسة، حرسها اللع تعالى وجميعَ بلاد المسلمين
    ‏الجمعة‏، 06‏ ذو القعدة‏، 1433هـ.
    ‏الجمعة‏، 21‏ أيلول‏، 2012 م.
    baredalshayk@gmail.com

    ReplyDelete