Saturday, February 4, 2012

ذكرى المولد النبوي




                                           بسم الله الرحمن الرحيم


                                             ذكرى المولد النبوي


                الحمد لله على الصحة والعافية ،، إننا عشنا سنوات عديدة في هذه الحياة الحلوة والمرة ،، وبالنسبة لي شاهدت الكثير خلال  عمر ومسيرة حوالي سبعة  عقود من أفراح وأتراح ،، وعادات حلوة كانت موجودة تمارس بالطبيعة والفطرة  ،، كنا نعيش أوقاتها في فرح وسعادة  ،، والآن أصبحت بالية نظير تقدم العلم  ،، وفي نظري إن الإنسان بدون ماض كريم له أساسات ودعائم تجعله مرتبط روحياً بأمور كثيرة تتعلق بالدين  ،، ترتاح وتطمئن النفس لها ،، يفقد معايير كثيرة إيمانية وبالتالي مع مرور الوقت تنتسى وتصبح في زوايا النسيان ،،  لأننا الآن نعيش ونجري ونلهث وراء العالم الغربي بحجة العلم والتقدم ،،، ونسينا ماضينا المشرف وحضارتنا وشعلة النور التي أضاءت العلم للغير ،، ونظير التنافس والحقد والحسد على السلطة ضاع علماؤنا ،، وأصبحنا نعيش في الظلام  ،، حتى وقتنا الحاضرالآن  بالكاد قادرون على فهم بعض الأمور التي سادت يوماً والآن بادت ،،  نظير خضم الحياة  التي تتصعب كل يوم  في عصر العولمة والحواسيب والتقدم العلمي الهائل الذي يعتمد على المادة ،، ونسوا الأساس الروح الإيمانية الدافعة والخلاقة لأشياء كثيرة  تسمو بالإنسان وتجعله مؤمن قريبا من الله عز وجل ،، يعبده ويخشاه ،، راغباً في الرحمة والغفران حتى يفوز وينجح دنيا وآخرة .
عادات جميلة مع الوقت ماتت وإنتهت في صمت ،، ومع مرور الوقت تم نسيانها من قبل الأجيال الشابة الحاضرة  ،، والبعض في قيد الإحتضار على وشك الموت ،، فغداً ذكرى مولد رسول الله ،، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ،، لم أشعر بقدومه وحلوله حتى قالت لي زوجتي الحاجة في المساء كل عام وإنت بخير ،، وإستغربت عن المناسبة ،، وقالت هل نسيت  ؟ ؟ غدا ذكرى المولد النبوى الجليل ،، مما فوجئت كيف الحياة وخضمها أخذت تفكيرنا وسلبت عقولنا ونحن نجري وراء العيش كالآلات ،، ونسينا الأهم والمهم ذكرى ميلاد رسولنا الكريم ،، الذي أنار لنا طريق الهداية والإيمان ،، وبين لنا عزة الله عز وجل الرب الكريم الذي خلق ،، حبيب الرحمن ،، ونحن غافلون عن الإحتفاء والإحتفال به ،، أليس بشىء مؤسف ومأساة ؟؟
إنني لا أفتي في الدين الإسلامي فلست بعالم ولا مستشار ولا شيخ دين ،، ولكن القلب دليلي قائلاً ماذا عندنا من معايير إذا بدأنا ننسى شعائرنا الدينية وأخلاقنا الحميدة مع الوقت الذي مثل الغول يقرض فينا مضغة بمضغة ،، وتذكرت أيام الصبا في بدايات الخمسينات ،، كيف كانت لنا عادات وتقاليد جميلة بالإحتفال بالمولد العظيم ،، فقد كان الإحتفال عظيما ،، فالوالدة ،، وأختي الكبيرة الحاجة خديجة وزوجة أخي الحاجة عزيزة الله يرحمهم جميعاً ،، يصبغن شعر رؤوسهن وأياديهن بالحناء ليلة المولد ،، والنور الكهربائي يشع ضياءاً في كل مكان خارج البيت طوال الليل والشموع مضاءة بعدد أفراد الأسرة الحاضرين والغائبين تعبيرا عن الفرحة ،، ونحن الصغار ، جميع أولاد الحي كنا نحمل قناديل مضاءة بالشمع  ونمر على بيوت الجيران ،، حتى يعطونا حلوى وبعض القروش كهدية .
 وبعد صلاة الفجر ،، تضع أختي الحاجة قدر كبير تملؤه  بالماء على المنصب وتشعل النار ،، فقد كنا نستعمل الحطب في الطهي ولم نعرف بعد الغاز في البيوت ،، وتبدأ في وضع الدقيق بمغراف ،، الواحد  وراء الآخر حتى يمتلأ  بالكمية المطلوبة  ،، وهى تزغرد وتدلك في العصيدة حتى تستوي ،، وتساعد فيها بالعمل والزغاريد زوجة أخي والوالدة ،، ويجتمع الجيران في بيتنا الكبير يهنؤن الوالد بذكرى المولد ،، وعندما تستوي العصيدة ،، يوزعنها  ويضعنها مثل القبة في قصاع  كبيرة تسمى الطابونية ،، وتعمل فيها  فراغات بمقبض اليد   بالمنتصف تعبأ بالسمن البلدي  والعسل على جميع الجوانب ،، ويرش السكر  وكل قصعة يحملها رجلان إلى الصالون الأرضي والجيران جلوس يتسامرون ،، وعندما تدخل القصاع  يحملها الرجال ،، كان الوالد يخرج مسدسه ويطلق عدة أعيرة نارية في فناء البيت فرحاً جذلاً بالإحتفال والنساء تزغرد ،، وأنا صبي كنت أمر على كل واحد من الجيرا ن حاملاً  الطشت بالغسول ليغسل يديه ،، وأعطيه فوطة قماش ليمسح يديه من الماء ،، فقد كان الجميع يأكلون بالأيدي ،، وليس مثل الآن العادات تغيرت إلى ملاعق .
وأذهب مع الوالد لـتأدية صلاة العصر في الجامع الكبير بوسط مدينة درنة في ذاك الوقت ومشاهدة الإحتفال  حيث الدعاء يشق عنان السماء من حناجر الجميع ،، طلباً للرحمة والغفران من الله عز وجل ،، بجاه خاطر النبي وذكرى المولد ،، ثم صلاة العصر ،، وبعدها توزع كميات الحلوى على الجميع ،، ويمر أحد الشيوخ ممسكا بزجاجة فيها شعرة من لحية النبى محفوظة من مئات السنيين ،،، والجميع يتزاحم يحاولون الوصول لتقبيلها  فهي مقدسة ،، ( أيام الإنقلاب الأسود للصنم سرقت من الجامع ) .
ولم أنتبه من الذكريات ،، حتى تكلمت الحاجة وقالت أين أنت ؟ ففكرك مشغول ولست معنا تتابع في الحديث ،، وقلت لها آسف فقد كنت أعيش في ذكريات الماضي والعادات الجميلة ،، أتمنى أن تستمر ،، وأجيالنا الشابة تحافظ على التراث ،، فلا مستقبل منير إذا لم نعيش الحاضر بفهم  وفكر متنور  ونتذكر الماضي بكل الخير ،، ونحافظ على الإحتفالات بمولد رسول الله عليه السلام حتى تترسخ ذكراه في عقول وقلوب أجيالنا وأبنائنا الصغار ،، حتى لا ينتسى مع الأيام ،، كما يقول ويفتي كثير من الشيوخ الآن ،، في أمور كثيرة بدون علم ،، وعندها المصائب ،، فالذكرى العاطرة في نظري مهمة تتداول مع الزمن ،، والله الموفق .

                                                             رجب المبروك زعطوط

                                                              سالينا  السبت ٢٠١٢/٢/٤م




No comments:

Post a Comment