Monday, February 27, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -7

                                                      بسم الله الرحمن الرحيم


لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعدما تنشقنا هواء الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها.  لقد وجدت من المفيد سرد هذه الخواطر والقصص ،، حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجيا من الله عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع.  



                                             رحلة لندن

            يوم الأربعاء 1987/7/22م  الساعة الرابعة عصراً كنت في الجو إلى نيويورك على متن رحلة شركة الطيران بيدمونت ،، بعد أن أوصلني الأخ عاشور بسيارته إلى مطار نورفولك وقضينا بعض الوقت في أحاديث عامة في الإنتظار قبل الصعود للطائرة  التي تهادت وكانت جديدة على المطار في خيلاء وزهو وصعدت الجو في نعومة وهي تشق عباب السحاب ،، وقدمت لنا بعض المشروبات الغازية ،، ورحلة مريحة حتى الوصول ،، لمطار نيويورك بعد ساعة طيران جوية  وأثناء الإنتظار للصعود للرحلة القادمة  ،، إتصلت بالهاتف للعائلة  سائلاً إذا كان هناك أي شيء جديد ؟؟ وكان الرد كل شيء على مايرام ،،، وإنتظار بسيط  في بوابة  ( تي دبليو أي )  ثم صعدت للطائرة  العملاقة ( الجامبو ) رحلة 708 عبر المحيط  إلى لندن ،،
إسترجعت حديثاً للأخ عبدالعالم الغرياني على مائدة العشاء في البيت عندما كان ضيفاً مع عائلته وقضى يومين بالزيارة ،، الحديث كان يدور على الغربة والهجرة والبعد عن الوطن ،، وقال أن الغربة سوف تطول ،، وساحة المعارضة الآن في هدوء ونوم وخمول ،، وأذكر أنني رددت عليه ،، هذا الهدوء عبارة عن وقفة إستراحة قبل أن تهب العاصفة بقوة من جديد  وتزيل النظام من على كاهل الوطن ... وقد ضحك من كلامي ولم يستحسن الجواب ،، وقال أنت تحلم ... وفعلاً أنا كنت أحلم لأنني مؤمن أن النظام مهما طال الوقت يوما سينتهي ولكن لا أعرف متى ؟؟ فهذا قدرمقدرفي اللوح المحفوظ من الأزل  ،،العلم عند الله عز وجل ...
كان صديقي وضيفي مهموماً مغموماً من بعض المشاكل التي يمر بها وغير قادر على حلها ،، ورددت عليه محاولاً التسرية عنه ،،، لو يعلم كم من المشاكل أعاني سوف يرتاح ،، فأنا أعاني عشرات المرات أكثر وأصعب عن الذى عنده ،، ومازلت صابراً وأقاوم وأضحك ،، تاركاً الأمر للعارف تعالى حتى يفرجها يوماً من الأيام ،، وأفرح ،،
لدي عادة كل يوم مهما كنت مرهقاً ، أقرأ وأطالع بعض الوقت  وأنا بالفراش قبل النوم  ،،، والبارحة إطلعت على الخواطر وإستهوتني وعشت معها بجوارحي ومضت الساعات بدون أن أدري ،، وتطلعت للساعة ووجدتها حوالي 2 صباحاً ،، وقلت كان الله عز وجل في عوني ،، لأن غداً هناك عدة أشياء لتنفيذها قبل السفر وأحتاج للراحة ،،
في المدة الأخيرة مررت بتجربة مريرة كبيرة وطعنة في الظهر من أعز الرفاق نظير أختلاف وجهات النظر والدس والخبث من بعض الوصوليون المتسلقون ،،، ولا أستطيع العتاب ولا السب ولا نشر الغسيل القذر للبعض فقد كنا يوماً ضمن تنظيم واحد ،، إخوة في المصير ورفاق في الطريق النضالي ،، ونظير ظروف معينة وحسابات في نظرهم يعتقدون إنها صادقة نظير رؤيات معينة ومصالح وقتية تفيدهم ،،، وفي نظرنا خاطئة تصرفوا تصرفات عشوائية بدون مشاورات مما أضر بالجميع ،،وتقهقرت بالقضية الوطنية للوراء .
 المعدن الأصيل دائماً مثل الذهب ،، حتى لو تكسرممكن صياغته من جديد ،،، أما  الزائفة مثل جرار الفخار عندما تنكسر لا يمكن إرجاعها مثل قبل من جديد ،، وهذا هو الفرق الكبير في نوعيات الرجال ،، بدون ضغوط قوية وأخطار وطول الطريق لا يمكن الفرز السليم والمعرفة لقوة التحمل والطاقة ،، لأنه في الواسع والهدوء ووقت الراحة والسلام الجميع الغث والسمين  رجال ،، والسؤال ،، من هو الرجل الحقيقي الصامد المؤمن بالقضية ويعمل في صمت من أجل الوطن مهما عصفت الرياح والأعاصير ،، ومن هم الذين يدعون الرجولة والقوة والصمود ... وهم أدعياء وأشباه رجال ،،حتى يعرف المناضل مع من سوف يدعم ويخاطر ،،،
 والواقع أن أدعياءا كثيرون أشباه الرجال عبارة عن مناظر وصور خدعوا الكثيرين بعض الوقت ،، سقطوا للقاع والحضيض عند أول هز للغرابيل ،، لم يستطيعوا الصمود لأن قلوبهم هواء ،، ليس لديهم الجرأة والتحمل والعزم الذي هو الأساس للرجال .
يوماً من الأيام سوف ينتهي الطاغية من على كاهل الوطن ،، ونصبح أحراراً ،، وسعيد الحظ من يطول عمره ويشاهد النهاية للنظام ،، وسوف تفتح الملفات وتظهر حقائق غريبة عن أمور عديدة لا تصدق من الكثيرين من أبناء الشعب ،، عن قيادات ورجال ،، والواقع المرير عبارة عن أشباه رجال لظروف عديدة والحظ إستغلوا عرق وجهد ودم الآخرين المهمشين ووصلوا للقمة ولكن هذه الأمور طبيعية ،، فنحن الآن نسجل في تاريخ الوطن بدون أن ندري ونعرف من خلال كفاح وتجارب عديدة ،،، البعض منها قاتل ،، ولكن فى نظري من خلال المحن يفرز ويخلق الرجال ذوي العزم ،، فليبيا أنجبت الكثيرين من الأبطال ،، ومازالت تنجب في الغث والسمين إلى ماشاء الله عز وجل ،،
أنني لا أهدد أي أحد ،، وإختلاف وجهات النظر رحمة ،، وكل إنسان قيادي وله طريقته الخاصة في العمل والمواجهة ،، وخوفي ليس من أعدائي ،، بل أصدقائي ورفاق الدرب النضالي ،، أخاف كيدهم والغدر يوماً ما ... من جانبهم وأنا غافل عن الأمر ...
كثيرون من الشباب الطلاب بالخارج المتحمس للقضية ،، ضحوا بإتمام دراساتهم وتخلوا عنها بطيب خاطر وهم من الأوائل بالصفوف الدراسية نظير الحب للوطن ،، إستغلهم البعض أسوء إستغلال وتحصلوا على الجاه والأموال والضحايا نظير الإندفاع وعدم التجارب  تهمشوا مع الوقت وأصبحوا بآخر الطابور ،، أليست بمأساة ؟؟
حزين بسبب هذه القيادات الفاشلة التي لولا الجاه والدولار ،، فإنهم مستعدون للإنسحاب أو التخلي عن المباديء وقضية الوطن ،، وتساؤلاتي للنفس هل أستطيع أن أضم الجهود مع بعض في بوتقة واحدة ،، وأدلل بالرأس وأخاطر بالحياة مع أمثال هؤلاء ،،؟؟
لقد صدق من قال أحذر عدوك مرة واحدة ،، وإحذر أصدقائك ألف مرة  ،، فالعدو ظاهر للعيان وممكن الإحتياط ،، ولكن الأخ والرفيق عالم ببعض الأسرار ،، وممكن بقصد أو بدون قصد نظير المباهاة ،، يردي للتهلكة نظير زلة لسان ،،
كثيرون من المهاجرين تسلقوا عربات قطار المعارضة لأغراض خاصة ،، البعض نبيل وصادق وأحب القضية والكثير عبارة عن حسابات خاصة للوصول لهدف معين ،، وما أكثر من هؤلاء الأدعياء الذين أجهدوا المسيرة من المضي بسرعة ،، لأن مشاكلهم لا تنتهي طوال الوقت ،، من الدس والخبث والمزايدة ولا يعجبهم العجب ،، وكان الله عز وجل في عون الشرفاء الذين مروا بالأيام السوداء وهم طوال الوقت يحاولون المصالحة حتى لا يتوقف القطار في أحد المحطات النائية ،، وعندها المصائب ،، تحل على رؤوس الجميع ،،
في أحد الأيام في مدينة لندن تحدثت مع أحد الشباب الليبين  الذي كان والده من الأثرياء أيام الغفلة ،، وكان يبلغ الثلاثين من العمر ،، وأثناء النقاش كان يسب ليبيا والليبيين  و يقول أنهم سلبيون وكلام كثير مبتذل في نظري ،، وقال أنه سعيد أنه يعيش في بريطانيا ،، وبدأ يعدد في الفروقات ،، وجاملته بعض الوقت وأنا أحترق داخل النفس على مثل هذه العقليات الجاهلة في نظري مع أنه يحمل شهادة جامعية  ،، وقلت سبحانك ربي الكريم ،، هل ليبيا يوما سوف تنهض بعقليات حقودة حاسدة جاهلة مثل هذا الدعي ؟؟ الذين عائلته أكلوا لحم ليبيا بالنهب بالسابق ويعيشون في الغربة على أموالها ،، ويتشدقون ويزايدون ،، بدل من مد يد العون أو العمل النضالي مع الآخرين من أجل الأم الحنون التي الآن بحاجة إلى العون ...
ونصحته بصدق ،، وقلت له مصير الغريب يوماً يرجع للوطن ،، ولا تقل هذا الكلام المبتذل وتسب  الوطن ،، يوماً ما سترجع وتكون منبوذاً من الجميع نظير تراهات اللسان ،، وصدم من الرد والصراحة ،، وإنني لم أخدعه ،، ورجع لعقله وحاول الإعتذار ولملمة الموضوع ،، وخرجت من المحل وأنا حائر ومتعجب أن بعض هؤلاء الشباب الليبي بالمهجر ليس لهم ولاء ولا إنتماء للوطن ،، وفي نفس الوقت أعطيته بعض العذر ،، لأنه ممكن إختلط مع نوعيات تافهة ،، أو المرارة والحرقة وهو يسمع في المظالم التي تحدث بالداخل والتمزق والتشرذم للمعارضة بالخارج ،،، وقلت للنفس لو إستمر النظام عقوداً طويلة أخرى ،، ماذا يكون الحال ،، مع شباب الغربة والمهجر ،، ؟؟
كنت ضيفا في أحد الولائم ،، وتطرق الحديث وتشعب عن خيرات ليبيا ،، وسهولة النجاح بها وقلت له بإستهزاء أنت تحلم ... النفوس تغيرت وستجد منافسة كبيرة أمامك فالليبيون تغيرت نفوسهم وليسوا مثل أيامنا في  السابق  ... ورد قائلاً ياحاج  إذا رجعت يوماً للوطن أنا رجل أعمال وسوف أدخل للسوق بمواضيع كبيرة يعجز عليها الكثيرون وسوف أنجح من جديد ،، ولكن سوف أحول جميع المال للخارج وأترك ديون لدى المصارف حتى لا يتم الـتأميم على من جديد ...  وقلت سبحانك رب العالمين ،،، هل ليبيا منكوبة إلى هذا الحد من التفكير الشيطاني لبعض رجال الأعمال والتجار بدل من التفكير في الخير والمساهمة في البناء والتشييد والإعمار ،، يخطط البعض من الآن كيف يستغلون الأمر ...
ونقاش آخر مع أحد الضباط الكبار عواجيز العهد الملكي ،، الذين تشردوا بعد الإنقلاب الأسود يوماً في ساعة صفاء ،، فتح قلبه وقال لو تتاح لي الفرصة مرة ثانية وأُصبح من ذوي القرار ،، سوف أصفي الحسابات وأنتقم من عديدين وعدد بعض الأسماء ،، وكان ردي عليه بسيط دع الخلق للخالق فهو العادل والمنتقم ، وأحسن شىء أن تنظف قلبك من الأحقاد ،، فأنت الآن على أبواب الثمانين من العمر ومازلت تطمح في الوصول والإنتقام ،، جهز نفسك للرحيل حتى تلاقى الرب بقلب طاهر ،،، وتبسم وقال ياحاج عندك حق ،، وشكراً على النصيحة،،
تساءلت مع النفس وقلت لماذا يزداد العويل والضجيج عندما تتم إتصالات مع البعض بالداخل ،، أو اللقاءات بالصدف في المطارات والمستشفيات أو بالأسواق صدفة بالخارج أو عن مواعيد عن طريق ثقات ،، وتلوك الألسن علينا ونوصم بالعمالة نظير الجهل ،، ولولا الإتصالات مع الداخل بطرق كثيرة وتسريب المعلومات القيمة كيف كنا نستطيع المقاومة ،، وإفشال المخططات للقذافي ... وأي خطأ بسيط هؤلاء الذين بالداخل سيدفعون الثمن الغالي معرضين حياتهم للخطر ،، أما بالخارج ذوي الجعجعة ،، أيادي القذافي السوداء قاصرة عن الوصول لهم بسهولة حتى يدفعون الثمن ،،
أحد الأصدقاء المتعاونين مع المعارضة قدم إلى إيطاليا للعلاج ،، بعد أن تحصل بعد سنة على تأشيرة الخروج بالسفر ،،، ولما فحص من الأطباء تبين أن المرض نتيجة عوامل وهواجس نفسية تتعلق بالخروج والسفر وليست لديه أية أمراض لعلاجها ،، وبعد بعض الفحوصات البسيطة خلال فترة أسابيع رجع إلى طبيعته العادية ولم يشكي من أي شىء ،، والمرض عبارة عن كآبة وضغوط شديدة نظير المنع ،، وآلاف الحالات التى أودت بكثير من أبناء الشعب الليبى موارد الهلاك نتيجة حكم التسلط والقهر والأرهاب من مجنون أهبل ،،،وتمت إتصالات هاتفية عديدة مرتبه عن طريق أحد الثقات من الطليان ،، بحيث صعب متابعتها من النظام ،، وتحدث المريض بالكثير من المعلومات القيمة والتحذير من بعض أسماء العملاء المندسين في أوساطنا بالخارج والتي تهمنا كجالية مهاجرة حتى نستطيع أن نعمل من خلالها إفشال الكثير من مخططات اللجان بالخارج ،، وتم العمل بها وكانت ذات فوائد كثيرة ؟؟
 وياما من رجال في مناصب كبيرة بالدولة كنا نخاف منهم على أنهم عملاء للنظام وهم أبرياء ،، يعطلون في كثير من الأمور بالتعطيل والتأجيل والتسيب المتعمد عن الإنجاز السريع مما تفشل كثير من الأوامر والأمور العشوائية وتتاح الفرص للكثيرون للهروب قبل لأن يتم القبض عليهم والتحقيق العشوائي والتعذيب العنيف الذي أدى إلى موت الضحايا ،، يتحملون في المسئوليات الجسام ويخاطرون بالحياة ويسربون في معلومات كثيرة ،، والظروف أجبرتهم لتقلد المناصب الكبيرة كحضور وأجسام مناظر لها الرهبة والخوف منها ولكن الضمائر حية ،، يحبون الوطن ،، يضعون الحياة ورؤوسهم على أكفهم في مخاطر نظير خطأ أو زلة لسان ،، أحسن من كثيرين بالخارج يزايدون وهم أدعياء متسلقون ،،
لقد إرتكب النظام أخطاءا عديدة نظير الجهل وقوة الدخل والمال ،، لو كانت عندنا التجربة الكاملة والخبرات لكنا إستغلينا الأمر أحسن إستغلال ،، ولكن المشكلة النظام يتخبط طوال الوقت ويجرب ،، ونحن كذلك كمعارضة نتخبط بدون تفاهم ووحدة عبارة عن إعلام وكلام وتراهات ومهاترات وكيد ودس من كثيرين من الأدعياء ،، لدينا الهدف واضح ،، إطاحة النظام ،، وليست لدينا  الأدوات والدراسات الجيدة في التنظيم والتخطيط لمعايير النجاح والفوز فنحن نلعب في مباراة طويلة شبه خاسرة من البداية ،، لأن الأساس لنجاح الثورة هو الداخل إذا لا يهب ويعلنها ثورة قاتلة الفشل أكيد فلا يمكن محاربة النظام من الخارج وإنهاؤه ونحن بيننا وبينه محيط شاسع ،،؟؟
 المعارضة بالخارج عبارة عن إعلام قوي وتشويه وفضح النظام في جميع المحافل والمؤتمرات الدولية ،، مثل طنين النحل المزعج بالقرب من الإنسان ،، تحلق وتكرر الدوران عدة مرات بإصرار ،،، تذهب العقل "تدوشن" ،، وتجعل الجسم يتراقص خائف من اللدغة الحارة والواقع عبارة عن طنيين لا تقتل ...
لقد إستفحل الداء بالوطن نظير حكم الإرهاب ،، ولا يمكن محاربة النظام إلا بنفس الأسلوب عن طريق الخوف والإرهاب لأعوانه المقربين الذين يعيثون الفساد ،، يتجولون كما يحلو لهم في مدن وعواصم العالم من غير أي خوف ،،  حتى يتحرك الشعب من الداخل ويشعرون ببصيص الأمل وتبدأ المقاومة بالنمو كل يوم للأحسن والأفضل ،، حتى يوماً تهب بقوة جامحة تخنق أنفاسه وتنهي نظامه بثورة عارمة ،،
الخميس يوم 1987/7/23م  وصلت لمطار هيثرو لندن وبعد المعاملات للدخول أخذت عربة أجرة ورأسا إلى فندق رويال لانكستر ،، وقبل النوم تم إتصال هاتفي مع أخ الدهر الصابر مجيد الذي أتى حوالي الساعة الثانية ظهراً إلى الفندق والذهاب للغذاء في بيته ،، وبالطريق إلى البيت قلت له عن الغرض للقدوم إلى لندن ،، وكان رده آسف لا أستطيع مما كتمت الأمر ولم ألح وأزيد في الشرح للموضوع حتى أدع له الوقت للتفكير ،،، جاء قريبي مفتاح بن عمران وحضر معنا مأدبة الغذاء ،، ونقاشات كثيرة معظمها تدور عن الهم الذى نعاني فيه وندور ،، وبعد الغذاء خرجت مع الصابر لوحدنا للحديث الخاص ومقابلة الأخ رمضان بن موسى الذي حضر إلى لندن مع العائلة والأولاد لعلاج زوجته المريضة ،، وكان نعم الرجل الواثق من نفسه ،، قليل الكلام والشكوى ،، يحب الوطن من أعماق الروح والنفس ،،، وتحدث بمصداقية وكم يعانون بتحفظ ،، مما أكبرت فيه الصراحة ،، ولم أضغط في الطلبات وتأييد المعارضة بالمعلومات والدعم بالمال وبالأخص مثله لا غبار عليه ،،، حتى لا أصاب بالإحباط من الرفض ،، وتركت الأمر للأيام فهى الفيصل ...
ركز الصابر على سوء التفاهم الذي حدث مع أخ العمر جاب الله ،،،  وحاول رأب الصدع ،، والوحدة مع الجبهة الوطنية معاً  ونتوحد بدل الفرقة والتمزق ،، وحسب قوله الجملة جمل صعب إبتلاعه بسرعة ،، وشكرته على السعي والوساطة والمصالحة التي نحن في أمس الحاجة لها ،،، ولكن كانت لدي تحفظات وهواجس سابقة منذ البدايات مع الجبهة نظير أخطاء قاتلة مازلت أدفع في ثمنها إلى الآن عن الخداع وعدم الصفاء في الشراكة النضالية ولن أستطيع تحت أي ظرف المغامرة مرة أخرى ،، وكنت عنيداً لم أرضخ مهما حاول ،، فأنا غير مستعد لأي ظرف أن أتعاون مع قيادات تريد السلطة بأي طريقة وهي مازالت بأول المشوار ،، وشرحت له الأسباب ولم يقتنع ... وأثبتت الأيام صحة القول ،، حيث بعد سنوات تغير المسار إلى الفرقة والعراك والتشرذم  بعد الدعم القوي ،،  المال والمعلومات من جماعة درنة الصابر مجيد والعراب أحسين وأثبت إنني كنت على حق وصواب ... والصابر شخصياً أكثر من مرة قال لي عدة أشياء بمرارة عن المعاملة السيئة والتهميش ،، ولا داعي للذكر ونشر الغسيل القذر ...
إتصالات كثيرة سواءاً بالحضور أم بالهاتف مع عديد من الرفاق والأصدقاء فقد كنت أقود شبكة رهيبة من المعلومات السمين والغث حتى نحافظ على أنفسنا والغير من البسطاء المهاجرين من أن يضيعوا هباءاً بالإغتيال وهم أبرياء ،، فالنظام يقتل بالخارج لإشاعة الرعب في الجالية حتى تستكين ولا تقاوم ،، ولم أهتم بأي مورد عمل وعيش ،، ولم أمد اليد لأي إنسان وأريق ماء الوجه كما عمل الكثيرون ،، بل عشت صابراً على الأيام ،، وتحصيل بعض الديون السابقة وقرض كبير من الصابرهو الذى أعانني على الإستمرار في العيش الكريم ،،
رجعت إلى أمريكا بعد أن قضيت أياما فى لندن جميعها تعب وقلق من المجهول ،، حائرا لدى شعور غريب ينتابنى طوال الوقت من شىء سوف يحدث أو حدث ولا أعلم به ،، عسى أن يكون خير ... وسمعت الأخبار المؤسفة أن جد أولادي الحاج محمد زعطوط وأبنه عبدالجليل  ،، تم القبض عليهم والإيداع بالسجن من قبل عقيد الأمن الداخلي السنوسى الوزري ،، والتهم الموجهة نظير بعض المكالمات الهاتفية المتبادلة مع العائلة في أمريكا ،، وكم تأسفت للأمر ،، ولكن ليس باليد حيلة حتى أساعدهم  ويتم الأفراج عليهم ،، وزادتنى هذه العملة الخبيثة للضغط علي من خلال الأقارب القريبين ،، الأصرار في العمل النضالي والكفاح لآخر نقطة دم ونفس ،،
لا أنسى هذه الرحلة فلها ذكريات خاصة تحتاج إلى وقت طويل فقد تعلمت أن الإنسان المناضل من غير دعم ومال لا يستطيع المضي في المشوار ،، وأكبر خطأ صرف المال الخاص بالعائلة والأولاد على السياسة ،، المفروض لكل شيء ميزانية قبل البدأ والتقدم إذا أراد الإنسان البدأ بأول خطوة نجاح ،،، ويعمل بعض الإحتياط للصرف ساعة الصفر والحاجة الماسة ،، ففي حالة النضوب الضياع على الجهتين والوجهين ،، وهذا الذي حدث ،، خططنا للرجوع للوطن منصورين بسرعة خلال سنوات بسيطة مرت ،،، ولم نحسب التعطيل عقود من السنيين الطويلة ،،،
الصبر الصبر فالله عز وجل موجود في الوجود ولن يتأخر عن العون للشرفاء الأتقياء ،، وكل بداية لها نهاية ،، ومهما طال الوقت للنظام ،، يوماً سوف يسقط وينتهي من الوجود مهما طغى وتجبر فالقضية الوطنية يهون فيها بذل كل شيء ،، الأرواح والدم وليس المال فقط ،،، لقاء الفوز والنجاح بشرف وكرامة ،، والله الموفق ،،

                                                              رجب المبروك زعطوط
                                                                  1987/7/30م 

No comments:

Post a Comment