Wednesday, February 22, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988م -3


                                        بسم الله الرحمن الرحيم

لقد سبق لي أن كتبت هذه الخواطر منذ سنوات عديدة و لكن لم تسنح لي الفرصة لنشرها للجمهور.  الآن و قد تنشقنا نسيم الحرية العليل ها قد أتى الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء على تفاصيلها ،  فلقد وجدت من المفيد سرد هذه القصص حتى تكون عبرة لشبابنا و تذكيراً لكهولنا و شيوخنا و أرجو من الله الكريم أن تتحقق الإستفادة للجميع.
هذا ما كتبت يوم 1987/8/26:

                                                              عدم الوفاء

            يوم 1987/8/26م  كنت بالطائرة بالجو راجعاً من أوروبا إلى أمريكا ،،، بعد عدة لقاءات وإجتماعات صاخبة فاشلة ،،، الفكر شارد في بعض الأمور التي تتصعب كل يوم ،، وفي نفس الوقت سهلة تحتاج إلى حكمة وضمير ونوايا طيبة ومصالحة للبعض حتى يلتئم الشمل من جديد ،،، وسطرت هذه المدونة وأنا أحترق من اللهب بداخل النفس ،، وقلت ،،،
 أصعب شيء للمناضل عدم الوفاء والإلتزام بعهود الشرف والإحترام ،، وأخطرها خيانة الرفيق في الساعات الحرجة والضيق ،،، فقد تلاقي الكثيرين من الرفاق على حب الوطن ،، والإستعداد بالتضحية والفداء من أجله وتماسكوا يدا واحدة وعملوا في حدود الجهد والإمكانيات ،، تدفعهم دوافع كثيرة ،، البعض حقيقية من القلب والضمير من أجل المصلحة العامة ،، والبعض البحث عن أدوار بالساحة  ،،، يريدون ركوب الموجة النضالية والوصول لزعامات حتى لا يفوتهم قطار المعارضة ،، والبعض من أجل قبض بعض المال ،، والحصول على إقامات وجوازات سفر من الدول المضيفة حتى يستطيعوا السفر في حرية من غير تعطيل ،،، والكثيرون من أجل الخوف يريدون اللجوء والحماية بالخارج ،، والبعض عيون للنظام مندسون مثل كثيرين ،، نسوا أو تناسوا أنه يوماً ما سوف يفضحون ويلاقون العتاب والعقاب على الخيانة .،، والبعض سقط في الغربال ولم يستطع المقاومة والمضي  في المسيرة النضالية حتى النهاية نتيجة خوف أو ضعف أو طمع ... يحاولون مسك العصى من المنتصف ،، بحيث يقدرون إنقاذ أنفسهم حسب فهمهم وقت الحاجة ،، يستطيعون تغيير لون الجلد مثل الحرباء عندما تشعر بالخطر ،، وهذا في نظري أخطر الأنواع ...
المعارضة لنظام القهر والإرهاب ،، ليست بالإجتماعات والندوات والمآدب والمزايدة على البعض ،،، بل طريق دم ومآسي  ،، آلام  بدون حساب ،، صمود وتصدي ،، نبل وأخلاق ،، لا يستطيع تكملة المشوار للنهاية إلا نوعيات خاصة من البشر ،، حباها الله عز وجل بقوة الإيمان وعدالة القضية التي من أجلها يجاهدون بالطرق المتاحة سواء بقوة الذراع واليد مواجهة مع العدو في ساحات الوغي ،، أم بالقلم والإعلام .
بعض أشباه الرجال بالمعارضة ،،، يتشدقون بالوطنية ،، يتباهون بعمل الكثير ،، والواقع في نظر الأحرار الشرفاء العارفين ببواطن الأمور ،، لا يساوون درهماً ولا ديناراً غير الجعير والضجيج في الساحة حتى يلفتوا الإنتباه ،، هؤلاء وصلوا على أكتاف البعض من الجنود المجهولين من الرفاق الذين يعملون في صمت ولا يحبون الظهور في الأضواء ،،، ليس خوفاً ولا ضعفاً ،، ولكن هكذا طبيعتهم ،،، لا يحبون الشهرة حتى يستطيعوا عمل الكثير في صمت من غير أن يحس بهم أي أحد ...
إنني أعرف البعض الذين لا أشك  في مصداقيتهم النضالية وحبهم للوطن ،،، ولكن في نظري بزوايا وقراءات أخرى حباً في الظهور على العلن طمعاً في الوصول للقمة ،،، فالنفوس لدى البعض أمارة بالسوء ،، مستعدة  لنسيان الرفاق الحقيقيين وعدم الوفاء ،، لقاء مصالح شخصية وقتية ،،، نظير حبها للسيطرة والتسلط بدون أي فهم وعلم ،، ولا مؤهلات سابقة للقيادة ،، فقد تسابق الكثيرون من أشباه الرجال ،، الخاوية نفوسهم من المصداقية والنبل والأخلاق ،، وصعدوا قطار المعارضة ،، وبطريقة أو أخرى وصلوا للمقدمة ،، وهذه الصور الهشة هي التي أضرت بالقضية  وأرجعتها للوراء خطوات كثيرة ؟؟؟  لم تتاح الفرص للشرفاء للنضال في السر والخفاء حتى مع الوقت يهدمون صرح الشيطان ويصبح بقايا ورمادا بالأرض ،، وننتهي من المشكلة للأبد ،،،
من خلال الغربة وطول المدة للمعارضة سنوات عديدة ،، وحسب الكلمة المأثورة من المناضل جاب الله مطر الذي دائما كان يقول ( أحسن ما في الزمان طوله ) ظهر معدن كل معارض على الساحة ،، وخرجت  حقائق كثيرة على البعض بأنهم دون المستوى ،، من أفعال وتصرفات شخصية تبدو لأول وهلة بسيطة ،، ولكن لدى البعض لها معايير كبيرة وخطيرة ،،، لا تطمئن الوثوق والركون لقيادتهم والمخاطرة الفعلية بالروح والجسد مع هؤلاء أدعياء الزعامة والأسماء اللامعة ،،، فقد أدين الكثيرون بسرقات لأموال بأرقام ضخمة بالملايين عندما كانوا مسؤولين بالخارج في السفارات ،، وإستلامهم الكثير الكثير من التبرعات التي دفعت من أجل دعم القضية النبيلة العادلة وصرفها للمناضلين الشرفاء مستحقيها ،، وليس لإشباع شهوات وبطون ،، لأشخاص لا يستحقون ؟؟
معظم رجال وقيادي المعارضة في بدايات الثمانينات ،، وقعوا في أخطاء كثيرة نظير عدم الخبرة ،، ولاكتهم الألسن بقوة عن قصد وبدون قصد ،، ولم ينج من الشائعات أي أحد ظاهر في الصورة ،،، وما أسرعها في البث الخبيث وبالأخص عندما تلوك السمعة ومصداقية الحق والشرف ... فقد ضاع الكثيرون ،، وخربت بيوت ،، وتعادى رفاق وأصدقاء نظير الدس والخبث من منافقين مندسين لا يريدون الوحدة في بوتقة واحدة حتى لا تكتشف نواياهم وطموحاتهم الخبيثة للوصول ،، وتضيع مراكزهم الوهمية ،، وتتحطم البروج العاجية ،، ويصبحون بقارعة الطريق ولا من مهتم ...
الحمد لله عز وجل ،، آلاف المرات على جميع المصائب والمصاعب ‘التي مررت بها خلال سنوات الخبث والدس  للمعارضة ،، فقد خلقت مني إنساناً قوياً صلب العود ،،، لسبب واحد القلب عامر بالإيمان والهداية ،، ولا أسعى لأي مركز مهما كان سواءا الآن أم بالمستقبل إذا أحياني الله عز وجل ،،
إنني أعرف رجالا كثيرين ،، أصيبوا بحالات اليأس والقنوط ،، الإحباط الرهيب عندما ألمت بهم بعض المصائب وتداعت بهم الأيام ،، وحاقت بهم الأزمات والمآسي من رفاق السوء ،، تداعوا وخرجوا عن طيبة خاطر من الساحة النضالية ودائرة الضوء .
المعارضة الليبية في هذه الأيام فى حالة شديدة من التخبط  ،، تغرق كل يوم للأسفل في القاع العميق ،،، تمر بعنق الزجاجة ،، غير قادرة على الخروج والنهوض ،، طالباً من الشرفاء المناضلين أن يهبوا للدفاع عن القضية ،، بمراجعة الذات ،، ويعدون الأخطاء ،، ويحاولون الوحدة تحت أي ظرف كان ،، ولو على الحد الأدنى وننسى الخلافات الجهوية والعنصريات ونؤمن أن ليبيا للجميع وليست لفئة دون أخرى ،،، وإذا تطلب الأمر لجم البعض بالحق من هذه الزعامات الهشة حتى ننهض من جديد ،،،فالبعض لا يعرف لغة إلا لغة القوة وتكشير الأنياب  فلا مانع بالعدل والصواب حتى نطهر القضية من الشوائب العالقة ،،، ولا نصدر أحكاما بغضب بدون روية حتى نتأكد ،، وعندها نعمل الصواب ،،، حتى يحترمنا أبناء الشعب بالداخل والآخرون من الشعوب التي تتطلع بإستغراب كيفية العمل حتى نخرج من المضيق الخطر ،، ونثبت للجميع أننا قادرون على تحمل المسؤوليات الضخمة
والله الموفق .
                                                                  رجب المبروك زعطوط
                                                                         1987/8/26م 

No comments:

Post a Comment