Wednesday, February 1, 2012

رحلة التحديات ٣



                                             بسم الله الرحمن الرحيم
                                             رحلة التحديات  ( 3 )
           مر أسبوعان في مدينة درنة وكأنها ساعات  عديدة ،، لم أخرج من المزرعة  حيث البيت والمكتب  ،،إلا لزيارة أختي الكبيرة الحاجة ( آمنة ) في أحد الأمسيات  للسؤال عنها وتمضية بعض الوقت في السمر فقد كانت تشعر بوعكة صحية بسيطة نتيجة البرد وعوامل كبر السن ،، طالبا من الله عز وجل أن يهبها الصحة والعافية إلى آخر لحظة بالعمر ،، ويوم الجمعة ذهبت لتأدية الصلاة في مسجد حي السيدة خديجة القريب من المزرعة ،، وليلة أخرى قضيت بعض الوقت حوالي الساعتين في خيمة عزاء لجدة عروس أبني محمود الذي وافاها الأجل ،، مواسيا إبنها صهرنا الجديد ،،، أما ماعداها فلم أخرج من المزرعة حيث الجو بارد وعاصف ،، والمطر يهطل طوال الوقت مما جعل الخضرة في كل مكان تلمع تكاد تعمي البصر ،، فقد عم الخير بعد أن كنا بالماضي أيام عهد الصنم نعيش في جدب نتمنى هطول المطر ،، لم أخرج إلى المدينة ،، لأنه لدي جميع الأشياء المطلوبة من التقنية الحديثة من حواسيب وإنترنت على الهاتف الريفي الذي بالكاد يعمل ،، وكثير من الرفاق والأصدقاء والمعارف بالعشرات عندما علموا بوجودي في المدينة ،،، يأتون للزيارة والسؤال عني  ،، مما جعل روحي ترفرف بالإطمئنان والسلام والأمن والأمان  ،، إننى وسط الأهل ،، والجميع يتمنون لي الخير .
ضغطت الزوجة وأصرت أن أسافر برفقتها  إلى أمريكا لمراجعة الأطباء فقد ساءت حالتي الصحية وأصبحت أتنفس بصعوبة ،، من كثرة الإرهاق والكلام والشرح عن الحزب الجديد للكثيرين ،، الذين يتشوقون ويريدون المزيد من الشرح ...  وقالت كل شىء عطله ولا تهتم ،، فالصحة والعافية هي الأهم ،، وبها تستطيع أن تعمل وتعوض الذي فات بسهولة  إذا اعطاك الله عز وجل طول العمر ،، وكان رأيها صائباً وعلى حق وقررت المضي والسفر بعد تمنع ،، وكانت فرحة لها فقد حصلت على رفيق طوال الرحلة حتى نصل إلى أمريكا ونلتحق ببقية الأسرة هناك ،، فنحن الآن في عمر الشيخوخة ومرضى ،، تجاوزنا الستينات صعب السفر في وحدة بدون رفيق ،، وبالأخص متنقلاً عبر عدة دول ترانزيت ،، وضياع ساعات طويلة بالمطارات في الإنتظار للصعود مرة أخرى على متن الطائرات .
رتبت جميع أمورى المادية ودفعت للمقاول دفعة كبيرة عن أعمال البناء والصيانة في المزرعة والمعسكر حتى لا تتعطل بسبب غيابي الذي لا أعرف كم يطول للرجوع للوطن بأذن الله عز وجل ،، ويوم الخميس  ٢٠١٢/١/٢٦ م   أجرت سيارة ركوب مع وجود  سيارتين بالمزرعة ولكن لا أريد القيادة ،، ولا أرغب أن أترك إحدى السيارات  في بنغازي حتى الرجوع ،،،  وكان السائق شاباً خلوقاً من آل الغالبي الشواعر درنة ،، وكان دمث الأخلاق ،، مهندس بالكهرباء يعمل بمصنع الإسمنت بقرب درنة ،، والذي أضطر لظروف الحرب والثورة وعدم قيام المستثمر النمساوي بدفع الرواتب ، أن يعمل على سيارته كسائق أجرة خاص في التنقل ،، وكم أكبرت فيه التواضع ،، ولم يكن مثل الكثيرون متسلق يتحصلون على هبات بحجة أنهم من الثوار ،، بل سعى بعرق الجبين ،، وعمل في حدود طاقاته حتى يعيش كريماً ،، بدلاً من إراقة ماء الوجه ،، ومد اليد ،، فهنيئاً لمثل هذا الرجل .
تطرقت معه في الحديث عن المستثمر النمساوي الذي إشترى المصنع الوحيد بالمنطقة الشرقية والذي أرباحه بالملايين العديدة كل سنة فهو المحتكر للسوق ،، ويدار بعمالة ليبية ،، وقلت له هل تصدق أن المالك هو المستثمر ،،، وأصبح في حيرة ،، وقلت له أن المستثمر النمساوي عبارة عن غطاء وتغطية قانونية لعائلة الصنم ،، لعدة أسباب أولها أن ليبيا غنية لا تحتاج إلى مستثمرين أجانب ،، بل تستثمر بالمليارات في دول عديدة بالعالم ،، وثانياً كيف دفع المال وعلى أي أساس ؟؟ وهل حولت المبالغ بالطرق القانونية عن طريق مصرف ليبيا المركزي ،، أم عبارة عن تحويل زائف على الورق  لذر الرماد في العيون ،، وأنا في إعتقادي المالك الحقيقي هم عائلة الصنم وبالأخص الإبن سيف الذي عاش فترة طويلة ودرس في النمسا ،، في رعاية أخواله ،، وهذه العمليات المشبوهة لضمان دخل قوي في حالة قيام ثورة ،، لتحويل الأموال للخارج بحجج الإستثمار ،، وقد صدقت النبوة ،، وهذا المستثمر ظهر الآن في الصورة يطالب بحقوقه الزائفة في نظري والتي تحتاج إلى تدقيق وبحث عميق حتى يثبت صدق قولي ويتم فسخ العقد بدون أي تعويض ،، ويرجع الأصل لخزينة المجتمع ،، مما ضاعفت حيرته ،، وقلت له لقد تعلمنا من خلال التجارب كيف تدار الأمور المالية بسرية وصعب إكتشافها حتى من كثير من الخبراء الدوليين ،، فمابالك بأفراد عاديين ،، فعالم رجال الأعمال والتجارة والإقتصاد ،، عالم المال  ،، عالم خفي ،، سري صعب تعقبه على البسطاء ،، يحتاج إلى رجال أعمال خبراء صادقين ،،، مروا بنفس التجارب .
كانت رحلة مريحة وأحاديث جمة في مواضيع كثيرة معظمها تدور عن الوطن ،، وعن حزبنا الجديد الذي ظهر للنور ( حزب ليبيا الجديدة )  أول حزب سياسي معتدل يؤمن بالديمقراطية والعدالة والمساواة ،، وكيف نستطيع أن نغير مجتمعنا القبلي إلى دولة مؤسسات تدار من قبل أحزاب مع الوقت والإستمرارية ضد جميع الصعوبات المادية ،، فكثرة الأحزاب والتنافس الشريف عبارة عن معاهد أو جامعات لتوعية الشعب سياسياً حتى يستطيع أن يقرر الأصلح ،، وكان يتابع الحديث بشغف ،، وتطرقنا عن عنق الزجاجة المحتقن الذي تعانيه الحكومة المؤقتة ،، في مشاكل عديدة ،، لا تريد الأمور الصعبة الشائكة المرور بسهولة ،، وشرحت له حسب رؤيتي ومعرفتي الكثير مما دار في الخفاء بالماضي من أسرار رهيبة ،، مما جعلته مشدوها يتابع في كل كلمة وجملة أنطق بها حتى يسمعها جيدا ،، حتى وصلنا إلى مدينة البيضاء ،، وكان عندي ميعاد على دعوة غذاء عند الصديق وأخ الدهر الحاج حسن مغتاظ ،، من آل عريف البراعصة الذي إستقبلنا بكامل الحفاوة والترحاب ،،، فرح مسرور بالقدوم وبالأخص وجود الحاجة زوجتي معي ،، ودعوت السائق المعتصم للإنضمام للوليمة ،، فقد كان عيب عندنا تركه لوحده ينتظر ،، أو يذهب ويرجع بعد عدة ساعات ،، فعاداتنا عربية أصيلة ،، أخلاقنا الليبية لا تسمح بالترفع والطبقية مثل بعض الدول العربية من الجيران مثل مصر ،، فنحن جميعاً الليبيون إخوة ،، ليس بيننا أية فروق ،، تجد الحاكم أو الوزير يتغذى مع السائق أو العامل ببساطة على الأرض بدون أي إحراج ،، والإحترام واجب بين الأطراف ،، وكل إنسان وله مركزه أثناء العمل .
الوليمة جيدة ،، وكان الجو باردا خارج البيت ،، مما أكلنا من الطعام ( ذريحة ) حسب طلبي أكثر مما يجب ،، ومضيفنا يضع  قطعاً كبيرة من لحم الضأن المحمر بدون حساب  أمامنا ،، ويصر على أن ناكل ،، من كثرة الكرم والضيافة ،، وبعدها الشاي الأخضر والفاكهة والمشروبات ،، وأحاديث الساعة عن مجريات الأمور ،، وماذا يدور في الساحة الوطنية من أخبار ،، ومؤمرات ودسائس من الطحالب والطابور الخامس ،، وكيف نستطيع التغلب ؟؟ وسعدت جداً من الحديث فأبناء الشعب الليبي يتابعون الأخبار السياسية من جميع القنوات الفضائية  طوال الوقت ،، أولاً بأول ويعرفون مجريات الأمور ،، مما يجعل الأمر صعباً للغاية على أي طحلب طامع  ،، يحاول الغدر والوصول لهرم السلطة ،، بأدعاء البراءة والطهارة ،، ولبس رداء أو قناع الوطنية حتى نخدع فيه من جديد .
بعد الوليمة بساعة  ،، ودعت مضيفي وواصلنا الرحلة إلى بنغازي ،،، وطوال الطريق في أحاديث عامة ،، وكان السائق يسوق بسلاسة وراحة مما جعلني أرتاح لقيادته الحكيمة فالوقت شتاء والأمطار غزيرة ،، والطريق الجبلى عبر الجبل الأخضر ، جميل بطبيعته الخلابة  ،، كله تعاريج حادة وممكن الإنزلاق في حالة السرعة ،، ووصلنا إلى بنغازي الشرارة ،، عند المغرب ،، ودفعت للسائق أجرته وودعته على أمل اللقاء والحديث عن هموم الوطن  ،، والحزب بتفاصيل أكبر عندما أرجع بإذن الله عز وجل من السفرة الطويلة إلى أمريكا ،، للعلاج والإطمئنان على  بقية أولادي المقيمين هناك .
إستقبلتني أختي الثانية الحاجة فتحية بكل الترحاب والحفاوة ،، فقد كانت تنتظر وصولنا ، بعد أن  كلمتها زوجتي بالهاتف من مدينة البيضاء ،،، وكان إجتماع عائلياً ضم معظم قريباتي بناتها و تناول الجميع عشاءاً لذيذاً والحكايات متشعبة من عائلية إلى هموم الوطن ،، وكان إبنها نوري قد جاء للسلام والترحاب بى وقضى وقتا قليلاً وإستأذن للإنصراف حيث لديه موعد سابق ،، وحضر زوج إحدى بناتها  ( جمال  ) وكانت سهرة طويلة مما سمعت منه الوضع العام في بنغازي ،، رؤوس أقلام عن مايحدث من حراك سياسي وتطورات  ،، وقد سعدت أن الأمن مستتب ولا مشاكل بل بالعكس هبطت الحوادث والجرائم والسرقات بنسب كبيرة غير متوقعة مع عدم وجود رجال الأمن في الشوارع ،، إلا من قلائل والكتائب العديدة للثوار موزعة بدقة على مربعات عدة شوارع لكل كتيبة تحت مسئوليتها للمراقبة بدون التدخل إلا في حالة التلبس والمطاردة لأي بلاغ عن مجرم فار ،،، ولكن في جميع الحالات الجميع سعداء فرحين بالنصر وإنتهاء الصنم الطاغية من على كاهل الوطن ،، ولم أستطع المقاومة والسهر حيث كنت منهكاً و متعباً ، و عند منتصف الليل إعتذرت ودخلت للغرفة لأنام بضع ساعات قبل السفر .
لم أنم إلا بضع ساعات حيث لدي مشكلة مزمنة  ،، عندما أنوي السفر يشحذ الذهن ويستيقظ ،، وعند آذان الفجر قمت وصليت وجهزت الحقيبة أمام الباب ،، وقامت الحاجة وجهزت الفطور ،، وفي إنتظار حفيد أختي ليقلنا في سيارته للمطار القريب ،، وأخيراً وصل ( حسين ) وودعنا الجميع على أمل اللقاء عن قريب ،، وقامت أختي الحاجة كعادتها طوال الوقت بسكب كوب خليط من الماء و الحليب و السكر في الطريق أمام باب البيت خلفنا لتوديعنا ،، عندما تحركت السيارة سائرة ،،، داعية بأن نصل بالسلامة إلى وجهتنا ،، وكانت لحظات مؤثرة وعادات جميلة ،، ولكن هل سوف تدوم مع الأجيال القادمة ؟؟
بمطار بنينا كنا من أوائل  الركاب المسافرين ،، وسلمت الحقائب بسهولة وبدون زحام كالعادة وإستلمنا بطاقات الصعود على متن الطائرة التركية للذهاب إلى إسطنبول  ،، وفي الممر قبل الدخول للصالة  مررت على  شرطى  جوازات المطار للختم وقدمت له جواز السفر ،، وحدثت المفاجأة ،، وأصبت بدهشة عندما قال لى ياحاج جواز سفرك الليبي منتهية صلاحيته ،، ولا أستطيع تركك تغادر فلن تستطيع دخول تركيا ؟؟ ولم أصدق ،، وأخذت جواز السفر لأتأكد ،، وفعلاً الصلاحية منتهية منذ عشرة أيام فقط ،، مما أصبت بحيرة للحظات ،،، وتداركت الأمر وقلت له ضروري من السفر فعندي مواعيد للعلاج ولا أستطيع التأخير والإنتظار عدة أيام فنحن في يوم الجمعة وغداً السبت عطلة ولا أستطيع التجديد إلا يوم الأحد ،، ولا يصح السفر إلا يوم الإثنين ،، مما سوف يلغى جميع الحجوزات من الفندق في إسطنبول ورحلات جوية حتى الوصول إلى دالاس تكساس ،، وأصيب بربكة أنا في غنى عنها ،، وقلت له لدي جواز سفر أمريكي ،، وليست لدي مشاكل لدخول تركيا أو أي بلد أوروبي ،، وتعاطف الرجل معي وختم على جواز السفر الأمريكي ،، متمنيا لي السلامة ،، وكم سعدت بموقفه النبيل وكان بامكانه التعطيل والمنع من السفر وإنتظار عدة أيام ،، حيث جواز السفر الأمريكي لا يحمل تأشيرة دخول ليبية ،، ولكنه ذكي وفاهم لمثل هذه الأمور التي تحدث طوال الوقت ،، وبالأخص  عندما تفحصنا بدقة وشاهدنا كبار في السن ،، ولا يمكن سفر واحد منا بدون الآخر ،،، جزاه الله عز وجل كل خير . والله الموفق .

                                                   رجب المبروك زعطوط
                                              دالاس ، تكساس ٢٠١٠/١/٢م

البقية في المدونة القادمة إن شاء الله...

No comments:

Post a Comment