بسم الله الرحمن الرحيم
انتهت الحرب العالمية الثانية على خير وسلامة وفاز وإنتصر الحلفاء على عدوهم المحور (المانيا + ايطاليا) وكانت فرحة كبيرة في ليبيا تشفيا في هزيمة الإيطاليين المحتلين للوطن سنوات عديدة (34 عاما) ونسوا وتناسوا ساعة الفرحة والنصر التي غطت ما حدثت من ويلات ومصائب ومصاعب من قتل للأبرياء والدماء التي أريقت بسبب مدة بقاء الاستعمار السنين العديدة ووقت سنوات الحرب 1945/1939 م وما خلفت من دمار وخراب للمدن والقرى نظير الغارات الجوية المتكررة من الطرفين، والكر والفر للجيوش المتحاربة بعنف على أرضنا ونحن كشعب ليبي بسيط لا ناقة لنا ولا جمل كي نقاسي ونتعذب وتستهلك طاقاتنا هباءا منثورا لمصالح وصراعات الغير…
فرح الآباء والأجداد الفرحة العارمة الكبيرة من الدهشة والمفاجأة الغير معقولة بعد أن وصلوا إلى مراحل يائسة ان حكومة ايطاليا بجبروتها وقوتها وجيوشها غير مصدقين بأنها تخسر الحرب وتغادر الوطن غصبا عنها مهزومة… ولكن عندما شاءت مشيئة القدر ودقت ساعة الرحيل، فر وهرب الإيطاليون المحتلون بعائلاتهم ضمن طوابير جيوشهم المهزمومين الأسرى الطويلة بسرعة جماعات حتى لا تطالهم أيادي الانتقام الرهيب من المقهورين الوطنيين المحليين على أعمالهم الشائنة اوقات كانوا سادة يحكمون متكبرين بالقوة والإرهاب…وخرجنا من تعسف واحتلال المستعمر الظالم القاسي الإيطالي إلى مستعمر آخر بريطاني بطرق هادئة سلسة بدهاء وخبث ومكر، يستغل موقع الوطن الجغرافي الاستراتيجي لتدريب جيوشه ويمتص خيراته ضمن تسميات يخيل للمواطن الليبي انها لصالحه ومصلحته حتى يستطيع حكم نفسه، والواقع يختلف تماما في كثير من الأمور المهمة حيث تطلعات الشعب الليبي تقرير المصير والاستقلال اولا قبل ان يرتبط بأي احلاف أومعاهدات…
وبدأت المسيرة النضالية من الرجال والشباب الوطنيين الذين لهم قدر من التعليم في ذاك الوقت والخبرة فى امور السياسة فى انشاء الاحزاب السياسية والجمعيات الأدبية والنوادى الرياضية تحت هيمنة الإدارة العسكرية البريطانية التي تختلق الأعذار العديدة وتطلب طلبات شبه مستحيلة على ممن لا ترضى عنه حتى توافق وتعطي وتمنح الرخصة بالعمل… وكان من ضمنها خروج جمعية عمر المختار في بنغازى ودرنة.
وبدأ الحراك السياسي في التفاعل في مدة بسيطة مما أزعج الحكومة المؤقته للإدارة، وكانت مدينة درنة احدى أهم المدن في ليبيا، في الرفض والتمرد ضد كثير من المغالطات وقامت المظاهرات العديدة التي تندد بالمنع لكثير من الأمور مما أزعج الادارة البريطانية في الحكم بسهولة، وتم وضع مخططات سرية وتخطيطات لتهميش المدينة في الخفاء حتى تتراجع وتتأخر ولا تنمو بسرعة منعا للمشاكل السياسية المستقبلية .
وتحصلت ليبيا في المنظمة الأممية على الاستقلال الكامل بدءا من يوم 1951/12/24م بعد كفاح وجهد جهيد لتأليب الأعضاء في الأمم المتحدة لصالح التصويت لليبيا من جماعة درنة السادة المرحومين عمر فائق شنيب والسيد عبد الرازق شقلوف ورفيقهم من بنغازي السيد خليل القلال، ممثلي برقة الوفد الليبي.
ويوم التصويت فازت ليبيا بفارق صوت واحد من السيد أميل سان لاو مندوب هاييتي في هيئة الامم المتحدة لتقرير مصير ليبيا… وكان الرجل شجاعا ربطته أواصر الصداقة مع الوفد الليبي خلال الجلسات سواءا بالأمم المتحدة او أثناء السهرات العديدة الخاصة وتناول (المكرونة المبكبكة الحارة) في ليالي شتاء نيويورك الباردة القارصة، وصوت لصالح ليبيا مع ان الأوامر لديه من حكومته بان يمتنع ولا يصوت، مما تسبب في طرده من المنصب لقاء تصرفه…
عمت الفرحة جميع أنحاء الوطن وقامت وأبصرت النور المملكة الليبية لأول مرة في التاريخ المعاصر ذات سيادة ونشيد وعلم ضمن دستور يعتبر وقتها من أفضل الدساتير التي تحفظ حقوق الجميع من أبناء الشعب الليبيين وبعض الأقليات من الآجانب المقيمين وقتها ضمن العدل والقانون .ولكن اياد الشر وأبواق الاعلام المصري لم تتوقف عن سرد الكثير من الأخبار الكاذبة الزائفة من ضمن حملات إعلامية مكثفة ضد دولة اسرائيل والغرب والتنديد بالقواعد العسكرية في مدن طرابلس وطبرق المؤجرة للغرب من راديو صوت العرب، مما اختلطت الامور لدى ابناء الشعب البسيط النقي المتعطش للوحدة العربية وصدق الأكاذيب والتزييف لكثير من المغالطات وكانت قمة الخطأ…
وبدأت المهاترات والتراهات تحل الواحدة وراء الأخرى والمملكة ورجالها يحاولون بلباقة ان يحدوا من الاستفزاز ولكن بدون جدوى مع ان (ليبيا في الستينات كانت السباقة في الدعم المادي الكبير عندما توفر لها المال من دخل النفط).
تمت عدة حروب واحتلال الضفة ومدن العريش والسويس والاسماعلية ايام العدوان الثلاثي عام 1956 م وإكتوت مدينة درنة بالنار وإزادادت اشتعالا ضد كل مستعمر ولم ترتاح، وزاد الطين بلل النكبة والنكسة عام 1967 م وخسارة ثلاث جيوش دول عربية، المال والرجال، الارض والعتاد اللذان كان يستقطع ثمنه من قوت الشعوب العربية، خلال ساعات وأيام من دولة واحدة اسرائيل التي كان الزعماء العرب يستهزؤن عليها وقتها…
هاج وماج الشعب وحدثت احداث عديدة خطيرة في جميع المدن في ليبيا وعلى رأسها مدينة درنة وروع المستعمرون المدنيون الانجليز في المنطقة الشرقية من الهيجان والغضب العارم والخوف على حياتهم، وتآمر رجال القصر الذين يكرهون درنة والدراونة نظير الحقد والحسد وتم جلاء جميع البريطانيين من المدينة إلى مدن اخرى طبرق وبنغازي، ولحقتهم الجالية الصغيرة من اليهود الليبيين وهاجرت إلى بنغازي وجزء كبير إلى طرابلس مما اصبحت في وقت قليل مدينة درنة خاوية، وبدأ الكساد يعم نظير الأعمال المتوقفة بعد ان كانت رائجة… مما اضطر الرجال والشباب الطموحين المغامرين إلى الهجرة طلبا للنجاح والثروة من ترك المدينة والعيش في المدن الاخرى ذات الرواج الإقتصادي !!!
وزادت المصيبة قيام الانقلاب الاسود (ثورة الفاتح) كما اطلق عليه بقيادة ملازم مغمور غير معروف الأصل ولا الفصل ولكن نتيجة الفرحة العارمة والدهشة لم يسأل اي أحد من المواطنيين من هو؟؟ ومن رفاقه الآخرين من الضباط ؟؟ حتى يستطيعون الحكم الصحيح من خلال سير حياتهم المهنية ومعاملاتهم مع الآخرين…
بل رقص معظم الجميع في الشوارع والساحات والمياديين تشفيا في القصر ورجال الحكم العملاء المسيرين في نظرهم من المستعمرين الأنجليز، وأثبتت الايام والسنيين ان معظمهم شرفاء يحبون الوطن عاملين في صمت حتى ينهض ويتقدم بالمتاح من المال القليل الذي كان في بدايات الاستقلال، ميزانية المملكة السنوية عبارة عن منح من بعض الدول الغنية والأمم المتحدة ضمن برامج مساعدات إنسانية عديدة، ولقاء تأجير قواعد جوية في طرابلس الغرب ( قاعدة هويلس) لامريكا، وقاعدة (العدم) لبريطانيا وأبناء الشعب نظير عدم الفهم والجهل هم الجناة الخاطئين…
نجح الانقلاب الاسود بسرعة غير متوقعة نظير اسباب عديدة اهمها تأثيرات الخسارة الدائمة للعرب في قضية فلسطين والنكسة الرهيبة في نكبة عام 1967 م عندما خسر العرب الحرب في ساعات وأيام…
وإستغل الثوار الجدد احسن إستغلال المشاكل الكثيرة والخسائر لصالحهم في نجاح الانقلاب والشعب البسيط الغافل يرقص مؤيدا لهم بدون ان يعلم ويعرف انها مؤامرة مخططة من أساطين الشر والشرور من القوى الخفية لدمار ليبيا وتأخيرها عقودا طويلة وتضييع ثرواتها في شراء معدات وأسلحة من روسيا الشيوعية عفى عليها الزمن مخلفات الحرب العالمية الثانية، بحجج قضايا التحرير وعلى رأسها قضية فلسطين، حتى لاتتقدم وتنهض الدولة الناشئة الجديدة، التي كانت وقتها كل يوم تتقدم خطوات للأحسن في جميع المجالات…
بدأت المشاكل تظهر على السطح في أوساط المدينة وثارت درنة لقاء حادثة بسيطة فقد اعتدى بعض الجنود القادمين من الغرب الذين كانوا يعتقدون انفسهم انهم آلهة نظير نجاح الانقلاب الهائل بسرعة غير متوقعة، والغرور لدى العسكر ان العسكريين مميزين عن الآخرين وأنهم الأوائل وعلى الآخرين الطاعة، والمواطن المدني يعتبر في تصنيفاتهم الخاطئة درجة ثانية…
تم معاكسة احد الفتيات التي كانت واقفة تشتري بعض المنسوجات في احد المحلات بسوق الظلام من احد الجنود حيث مد يده عليها بشكل مخزي فاضح وقرصها في نهدها كأنها غانية، مما لطمته على وجه بضربة غير متوقعة منها نظير التصرف الخاطئ، وقام المعتدي بمد يده عليها وضربها مما صرخت متأوهة، وقام صاحب المحل ناهيا المعتدي بغلظة وطرده من المحل، مما تمت النصرة عليه و ضرب بقسوة من قبل الآخرين بدل ان يتريثوا ويعرفوا الأمر…
وكبرت القصة وهب للنجدة تجار السوق بسرعة وقاموا بضرب الجنود بعنف وقسوة وإعطائهم درسا في الأدب والأخلاق لهؤلاء الأجلاف المعتدين، وانتهى العراك وغادر الجنود وهم في حالة مزرية إلى المعسكر وثيابهم ممزقة وبعض الكدمات والدماء واضحة على الوجوه…وعندما وصلوا لبوابة المعسكر أحيلوا إلى ضابط الخفر المناوب للسؤال ومتابعة ماذا حدث نظير قيافاتهم المزرية… وبدل قول الحقيقة خوفا من التحقيق معهم وتأديبهم بعقاب صارم، كذبوا في الرد وان جماعة التجار الدراونة في سوق الظلام بدرنة يتآمرون على الثورة، مما اصبح الأمر خطيرا ولا يستحمل التعطيل والتأجيل وتحول الامر إلى الآمر وكان احد الأقارب لعضو من أعضاء مجلس الثورة وقتها…مما تسرع ولم يتأكد من الأمر، وجهز فرقة كاملة بلباس الميدان والأسلحة وكأنهم ذاهبون لساحة قتال ومعركة، وذهبوا إلى السوق لإعطاء التجار درسا كبيرا بالضرب والإهانة على عدم التعدي على الثورة وحراسها الجنود في اي وقت كان… وكانت خطئا كبيرا تم اقترافه من آمر المعسكر الأرعن ضد أهالي المدينة الابرياء العزل من السلاح… وبدأت المعركة…رجب المبروك زعطوطالبقية في الحلقات القادمة…
No comments:
Post a Comment