Sunday, October 11, 2015

قصصنا المنسية 55

بسم الله الرحمن الرحيم

 الغرفة رقم 101

 الحلقة الأولى


 يوم السبت 1987/7/18م حوالي الساعة 12 ظهراً، جلست وحيدا أنتظر قدوم أحد الرفاق القادم من ليبيا للإجتماع في غرفة بفندق شعبي في مدينة كوربس كريستي يملكه أحد الأصدقاء الذي إستضافني للإقامة لديه على خليج المكسيك في ولاية تكساس...  كنت محتاطاً أمنيا من المتابعة لعيون اللجان الثورية من الأوباش الذين يطاردون ويلاحقوننا نحن الليبيين الوطنيين الأحرار معظم الوقت حتى لا نرتاح في غربتنا، ونكف عن معارضة الطاغية... يريدون القضاء علينا بأي وسيلة كانت...  ولا أريد أن أذهب ضحية إغتيال في غفلة بطلقة رصاصة من مجرم مرتزق .

                 كان لدي ميعاد مهم للحصول على معلومات قيمة عمايحدث في ليبيا من خبايا وأسرار، تفيدنا في الصراع والكفاح، و في إنتظار حتى يصل واللقاء بعيدين عن الأنظار حيث تم التخطيط المسبق على اللقاء في السر والصمت والذي نظير ظروف أمنية للطرفين تغير عدة مرات الزمان والمكان في أضيق نطاق، وسرح بي الخيال في كثير من التصورات، ووجدت نفسي أدخن سيجارة وراء الأخرى راجعا بالذكريات إلى أيام العز بالوطن ليبيا، والراحة النفسية التي كنت أعيشها بالقرب من الأهل والأقارب والأصدقاء، والتي لم أتصور في يوم من الأيام بالماضي ولا حتى في الحلم مرت بالخاطر   أنني يوما سوف أهاجر من وطني هاربا تاركاً الجميع، وأصبح معارضاً مطارداً من زبانية الإرهاب، فرق الموت القذافية من اللجان الثورية المجانين ، في العالم الفسيح للقضاء علينا...

                    خرجت من الوطن وهاجرت من الظلم والغبن والإرهاب، حيث وجدت أيامها أنني غير قادر على المقاومة الفعلية من الداخل نظير سلب حرياتنا ونهب أرزاقنا، والتحكم في رقابنا، ونظرات الشك والإرتياب والملاحقة والبحث عن أي سبب كان مهما كان، للإتهام والقبض التعسفي من قبل أشباه الرجال من الوشاة اللجان الثورية التي إنضم لها الكثيرون من العوام عديمي الأصل والفصل والوطنية ، الذين ليس لديهم الحياء ولا الشرف والكرامة في المعاملة للرجال الوطنيين الأحرار تغطية للنقص الذي لديهم بالنفوس بإستغلال السلطات الفوضوية الممنوحة لهم من قبل الطاغية المجنون مما عاثوا في الوطن ليبيا الفساد والإفساد، والكثيرون من المعارف والأصدقاء الوطنيين أصبحوا مرضى بعلل وامراض مستعصية يعانون القهر وزمن الظلم والمظالم، أو توفاهم الله عز وجل شهداء نتيجة الإرهاب السجن والتعذيب القاسي عن  تهم ملفقة وهم أبرياءا مظلومين.

                   وقتها في تلك الظروف العصيبة التي مرت على الوطن من الهرج والمرج، كنت أعد الأيام والساعات، ,أتساءل متى يأتي دوري  ويتم القبض على للإستجواب في أمور كثيرة، نظير الصداقات والعلاقات مع الكثيرين الغير موالين للنظام وأنا أحدهم المشكوك فيهم، مما كنت على اللائحة الطويلة للمطلوب القبض عليهم بتهم تافهة وهمية،   عندما يحين الوقت على أمثالي من  رجال الأعمال.

                  والسبب في التأخير على ما أعتقد وقتها العيش والسكن في مدينة درنة المناضلة الصابرة بعيداً عن عيون الثورة لم يصلنا الدور بعد، التي تتابع الوطنيين للحفاظ على وجودها وبقائها في الحكم، و أصحاب القرار في  المدينة لم يلوثوا بعد بفيروس الطاغية القذافي وتراهاته وتعاليم الكتاب الأخضر التافه الذي كل من قرأه بالوطن او بالخارج ضحك وشعر ر بضحالة الفكر وأنه صادر من عقل مخبول مجنون .

                 هؤلاء المسؤولين الوطنيين من رجال درنة والمناطق حولها مهما قيل عنهم من نكايات وشرور غير ثابتة ولا دامغة، الكثيرون منهم كانوا رجالا عاقلين وبعضهم  ساعدني في التغطية بتزويدي بالمعلومات،  مما تجاوزت تهما كثيرة ودسائس حيكت ضدي جزافا ظلما وعدوانا ، والسبب أنني صاحب أملاك ومال ...  وكان مخططا كبيرا من أساطين الشر، للتسبب في إفلاس رجال الأعمال والتجار وأصحاب الأملاك الأثرياء،  حتى يصبحوا فقراء مع الوقت،   يمدون أيديهم رغما عنهم بدون دخل ولا مال إلا من اليسير للعيش،  ولا يتم مد يد العون والمساندة مستقبلا لأي دعم بالمال قد يحدث ضد التوجهات الثورية الهوجاء حسب  الإعتقاد لدى العقيد.

                    لم أجهز نفسي ولم أخطط ولم أتخذ الإحتياطات اللازمة، كما فعل  الكثيرون في هدوء صمت... لم اتصور  أننى في يوم ما سوف أضطر للهرب بسرعة في ليلة مظلمة،  خاوي الوفاض بدون مال ولا رصيد بالخارج للأيام الصعبة بالغربة ، رغم أنني أنا كان لدي المال الوفير بالداخل وأستطيع القيام بتهريب الكثير عن طريق المعاملات التجارية والتغطية عليها من غير أن يشعر احد. 

               ولكن حبي للوطن النابع من القلب والضمير لم أفكر يوما بتركه مهما كان الثمن غاليا  ولكن سبحان الله تعالى مغير الأحوال من حال لآخر، وجدت أنني مضطرا للهرب قبل أن يتم القبض علي، وليس مثل الشائعات الكثيرة التي ترددت من أبواق النظام أنني هربت العديد من الملايين، والأيام سوف تثبت صدق القول عن طريق المستندات وليس مثل الكثيرين من حواشي ومحاسيب الطاغية اللئام القطط السمان تهريب الاموال وتسمين الحسابات بالخارج بأرقام خيالية فلكية بالحرام والزاقوم وهي ملك للجميع وارزاق المجتمع.

               لم أخن وطني، ولن أكون خائناً تحت أي ظرف ومعطيات في أى وقت كان، لأنني أعرف وأعلم عن يقين أن مصير الطائر المهاجر، يوما سيرجع إلى عشه ووكره طالما كتبت له الحياة، وأنا مواطنا ليبيا مسلما موحدا بالله عز وجل والإسلام ديانتي وعقيدتي ومهما عشت بأوطان الآخرين من سنين في الغربة لن أتغير، مثل البعض التافهين حثالات ونفيات المجتمع أشباه الرجال الذين لقاء التلويح بالمال والجاه، أصبحوا عملاء للنظام باعوا الكرامة والضمير ومنهم للأسف الكثير.

                هاجرت إلى أمريكا وإستقريت بمدينة صغيرة على ساحل خليج المكسيك ( كوربس كريستي ) على الحدود فترة شهور، حتى خرجت العائلة من مطار بنينا بنغازي هربا بنفوذ ومساعدة البعض من المعارف الأوفياء، وكنت في إستقبالهم في روما إيطاليا، وبرضاء المولى عز وجل أعمى عيون زبانية الشر اللجان الثورية نظير التخبط والفوضى العارمة، ولم يحسوا ويشعروا بخروج وهرب العائلة حتى فوجئوا بالأنباء أنها في أمان بالخارج، وتم التحقيق مع جميع مسؤولي المطار على عدم الإهتمام واليقظة حيث تخرج عائلة  مطلوب عائلها حيا أم ميتا، زوجة وسبعة أطفال، بكل سهولة، عائلة معارض مطلوبا رأسه بأي ثمن كان.

                نتيجة هذا الحدث وأحداث عديدة أخرى وهروب الكثيرين من المطلوبين من الوطن ليبيا حيث بالمنطقة الشرقية تختلف إختلافا كبيرا في التوجهات عن الغرب نظير الجهل والعصبية الجهوية، مع أن الكثيرين أصولهم من المنطقة الغربية، حيث الولاء لله تعالى والقبيلة قبل الوطن، مما تم إلغاء السفر للخارج من بنغازي مطار بنينا، وتم التوجيه لجميع الرحلات الدولية من خروج وسفر للخارج والقدوم للوطن عن طريق مطار طرابلس الدولي حتى يتم الحصر والرقابة القوية الأمنية منعا للهروب المتواصل .

             أطلق الطاغية علينا لقب الكلاب الضالة، ووضعت قوائم بالأسماء المطلوبين وكنت أنا أحدهم في المقدمة وعلى لائحة المطلوبين للإعدام والتصفية الجسدية، والتهمة الهروب للخارج ورفضنا الظلم والنظام ، وتساءلت العديد من المرات مع النفس لو وقتها لم نهرب ؟ بقينا داخل الوطن مثل الآخرين وتحملنا القهر والظلم هل كنا سننجح في إفشال مخططاته وضربه عن قرب في عقر داره ... حيث إن الأيام أثبتت أنه من الخارج يصعب الوصول إلى الداخل والقضاء عليه شخصيا  وهو تحت الحمايات العديدة والحراسات الشديدة مما يستحيل الوصول له شخصيا !!!

               مر وطننا ليبيا بسنين سوداء قاتمة من الغبن والإرهاب وإلصاق التهم لكل من دب وهب مشكوكا فيه من غير ذنب وجيه القبض والعقاب القوي حتى يعترف كذبا وزورا تحت الضغوط الشديدة على البعض الشرفاء الوطنيين، والتجويع المتعمد بقصد مبيت لأبناء الشعب وعدم الإستيراد لكثير من السلع المهمة وتسلط الأفاقين من اللجان الثورية والشعبية والمحاسيب من العائلة على مقدرات الدولة حتى إستكان الشعب مضطرا غصبا عنه نظير الإرهاب والإفراط في العنف، وإستشهد الكثيرون تحت التعذيب القاسي من زبانية قساة القلوب بلا ذرة رحمة ولا شفقة بالنفوس يعذبون الضحايا حتى الموت وهم يتسامرون ويضحكون وكأن المتهمين حشرات ضارة وليسوا بشرا مواطنيين من حقهم الحياة .

             عشرات الآلاف من السجناء وراء القضبان بدون أي تهم ولا جريرة ولا عدل ولا قضاء وإنما ترضية للحاكم الطاغية وحقد وحسد من أي مواطن شريف من هؤلاء الحراس الأراذل المنافقين حديثي النعمة والسلطة، نظير تصفية حسابات سابقة، وعشرات الآلاف من المواطنين الشرفاء على مدى سنين الظلم والقهر، بوسيلة أو أخرى تمكنوا من النفاذ بالجلد هربا للخارج غصبا عنهم للحفاظ على الحياة .

              هربت من الوطن (قصة طويلة سوف يتم تدوينها) مثل الآخرين بدون أي تخطيط للغربة مسبقا معاهدا النفس أنني حسب القدرات وبالمتاح لن أتوانى عن الكفاح والمعارضة للطاغية الذي سرق أرزاقنا وطالبا رؤوسنا والموت لنا لضمان بقاء حكمه الملعون ونحن أبرياءا مظلومين، ولم أخرج للعلن والضوء على مسرح التحدي والمعارضة حتى ضمنت الزوجة والأولاد معي في الغربة حتى لا يتم الضغوط عليهم بالوطن ويستعملونهم سلاحاً فتاكا ضدي حتى أستكين وأرضخ وأرضى بشروطهم بأن أكون عميل عينا على الشرفاء الوطنيين!!!

              بدأت في الظهور وإنضممت لصفوف الرابطة الوطنية في مصر وأصبحت عضواً بمجلس إدارتها مع كثير من الإخوان عام 1980م برئاسة السيد مصطفى البركي الذي كان نعم الرجل المكافح، والذى ربطتني به أخوة وصداقة من القلب للقلب، عندما كنت في زيارة إلى هناك ولم أتحصل على تأشيرة عودة لأمريكا مما إضطررت للبقاء حوالي السنة عازباً وحيداً والعائلة في أمريكا معتمدا على وجود خال الأولاد حمدي المقيم معهم الطالب فى الجامعة ينتظرون الرجوع والقدوم سالما معافيا حتى تحصلت على تأشيرة عودة إلى أمريكا التي تم الرفض لى عدة مرات نظير الإشتباه فى الليبيين، وبمساعدة الأمير عبد الله عابد السنوسي الذي تعرفت عليه بالغربة بدون مصلحة ولا نفاق كما عمل الكثيرون أيام عزه فى ليبيا !!! وقضيت الوقت الطويل فى زيارات له شبه يومية ضمن بقية المعارف من رجال ليبيا الأوفياء المتقاعدين بالغربة.

               المساهمة المالية والتجميع للأصدقاء والمعارف لحضور المظاهرة الأولى للمعارضة في العاصمة الأمريكية واشنطن، والتي كنت ضمن الشباب مقنعين نسير في شوارع المدينة ونهتف بسقوط الطاغية وكانت بدايات لفضح النظام الليبي وتعريته أمام الرأي العام الدولي والصحافة الغربية فى العلن.

              وكنت من الداعمين وشباب الحركة الوطنية الديمقراطية عدة شهور برئاسة المناضلين السيد نوري الكيخيا، والسيد فاضل المسعودي، وضمن الفريق للتحضير للإجتماع الأول للمعارضة وسافرت من القاهرة في رحلة جوية على الخطوط الملكية المغربية مع المناضلين،  فاضل المسعودي وجمعه عتيقه، إلى الدار البيضاء، وتعطلت الطائرة في الجو، وسترنا الله عز وجل بلطفه وكرمه وإضطررنا للهبوط الإضطراري في مطار قرطاج بتونس، ولو هبطنا في مطار طرابلس لكنا لقمة سائغة للنهش من كلاب الشر، المخابرات واللجان الثورية، مما بعد الحادثة جميع الرحلات الجوية التي قمت بها، لا تمر عبر ليبيا تحسبا للهبوط الإضطراري كما حدث للكثيرين الأحرار المتهمين .

                 حضرت الإجتماعات مع العديد من الرفاق في منطقة المحمدية، وتطوان سبتمبر 1980م وكان الرئيس الفخري للإجتماعات منذ البداية، الحاج محمد عثمان الصيد رئيس الوزراء السابق في العهد الملكي والذي ربطتني به صداقة وأخوة مع فارق السن حيث كان صديقاً لإبن عمي جد الأولاد الحاج محمد زعطوط عندما كان نائباً في مجلس النواب الليبي في الستينات، وكان الحاج الصيد نعم الرجل في الوقار والرزانة والحكمة، يشرف ليبيا إنه أحد رجالها الشرفاء الأحرار الوطنيين من الجيل القديم الذي تعرفت به في الغربة ، أيام التحدي والصمود .

                 سافرت للعديد من الدول وحضرت كثيراً من اللقاءات والمؤتمرات والندوات مع المناضلين الشرفاء للمصلحة العامة وكيف التخطيط للخلاص من الكابوس الطاغية، وأثناء ذاك الوقت ونحن في المخاض مستمرين، حدثت إختلافات في وجهات النظر مع قيادي الحركة الوطنية نظير عدم الفهم في بعض الأمور الجوهرية، مما تركتهم بشرف حيث كانت مهمتهم التركيز على الإعلام ونشر صحيفة (صوت ليبيا) ومن وجهة نظري وقتها أن الأمور سوف تطول حيث مهما كان لدينا من مال وجهد للتحدي سوف ينتهي ونصبح على قارعة الطريق، وعقيدنا كل يوم يزداد غنى وثروة تفوق الحدود نظير الدخل من النفط !!!!

            وفكرت في تكوين تنظيم خاص لنا حتى نستطيع أن نعمل حسب رؤيانا وتطلعاتنا بالعمل المسلح في السر، وتم الإتفاق مع رفيق العمر وأخ الدهر جاب الله حامد مطر ، وتقابلنا في جنيف سويسرا طيلة أيام عديدة قضيناها في إجتماعات مستمرة وإتصالات مكثفة مع الكثيرين، وظهر للوجود تنظيم جيش الإنقاذ الوطني الليبي يوم 1981/1/6م، وأعطيته كل الوقت ولم أبخل بالمال والجهد وقضيت 5 سنوات من العمر حاملاً لحقائب السفر والترحال من مكان لآخر على حسابي الشخصي من أجل القضية النبيلة، بدون أي عناية كبيرة للعائلة الزوجة والأولاد تاركاً الرعاية للصغار على أكتافها وهم في أمس الحاجة لوجودي، وتعرفت بالكثيرين وتعلمت الكثير، ومازلت أتعلم طالما بي نفس حياة، حيث قضيتنا مستمرة إلى أن يأتي اليوم للتمرد والثورة والخلاص عن قريب، والله الموفق.

 رجب المبروك زعطوط

1987/7/18م

No comments:

Post a Comment