بسم الله الرحمن الرحيم
شاهد على العصر
39
كبرت المؤسسة حيث مع الوقت أصبحت شريكة في عدة شركات خاصة من المقاولات وتجارة مواد البناء وصناعة البلاط وتقطيع الرخام والأعمال البحرية من التفريغ ومناولة السفن ، والريادة في مدينة درنة الصغيرة التي كانت تجاهد في سبيل الحصول على الأعمال حيث بها صراعات كثيرة خلقها النظام حتى لا ترتاح ووضع إسفين العداوة والبغضاء بين أخوة الجد "الحضور والعبيدات" وشارك البعض من قبائل المرابطين في القصة وإستفادوا من التفرقة والخصام والمنافسة الغير شريفة ، وقامت تراهات ومناورات ومهاترات وحيل ودسائس خبيثة بين التافهين الأوباش والمنافقين المتسببين في الكراهية والفوضى من كل شريحة وقبيلة ، بحيث زاد العداء والنتيجة إستفاد المجرم القذافي ودفع الجميع مع الوقت الضريبة الغالية نظير الحساسيات الفارغة والعنصريات التافهة بدون دراية رغم أنهم أخوة في الدين والجوار وعلاقات المصاهرة والدم …
وصارت التحديات تنمو وتكثر كل يوم والنار تزيدها وقودا وإشتعالاً كل يوم بدل من أن تخمد ، وكنت طوال الوقت أسعى جاهدا بأن لا أتدخل في المتاهات القبلية واللجان الشعبية أو الثورية ، جاعلاً من الجميع أصدقاءا ، حيث لا أتدخل في السياسة القذرة المحلية حتى لا أتوسخ من القيل والقال وكنت أؤمن وقتها أن المغفل هو من ينحاز إلى صف الإنقلاب الأسود ثورة الفاتح العظيمة كما يقولون ويخططون ويمجدون ، وكانت مهما تعرض علي من صفقات وأرباح خيالية ممكن في خلال فترة بسيطة أصبح من كبار رجال المال ، لو تنازلت عن المبدا والأخلاق والقيم ، وأصبح منافق عميل أمشي في الركب الزائف.
لكن دائماً أرفض بطريقة لبقة العروض لأنني عارف ومؤمن أن الأمور في نظري زائفة يوما سوف تسقط ببساطة كما جاءت بسهولة وبساطة حيث يوما تذوب وتتلاشى ولا أريد أن اكون تحت أي ظرف من رجالها "لأن ما بنى على باطل مهما ارتفع ووصل باطل"
علق بالذهن إسم الريف حيث أقمت بالسابق في مدينة طنجة بفندق إسمه الريف وشاهدت الإسم على لافتات عديدة من محلات ومطاعم وشركات وسمعت الإسم يتردد كثيرا على الأفواه وقررت إنشاء شركة بالإسم ذاته عندما تسنح الفرصة ، وكان لدي مدير المكتب السيد "م ب" بدأ في الإزعاج حيث بدأ في بعض الإتصالات التجارية المشبوهة مع البعض وبالأخص أحد رجال الأعمال الإسبانيين بدون إعلامي وبدأ يستغل في المكتبي الخاص لإدارة أعماله الخاصة ولم تكن له الجرأة ليصارحني بالموضوع وأنه يريد أن يهتم بنفسه مما بدات أحجب عنه مواضيعا كثيرة مهمة لأنه لم يكن صادقا في التوجه وأمينا في تعهداته ووظيفته التي يتقاضى أجرا عنها وتحتم عليه التركيز وأن وقت العمل ليس ملكه ،
وبدأت في حيرة أفكر تفكيرا جادا فقد بدأت المشاكل الأولى حيث عمله المشين بدأ يأخذ حيزا كبيرا من فكري حيث القاعدة التي بدأت بها بدأت تتهالك ببطء وتتشقق نظير الطمع والضغوط الكثيرة عليه من عائلته وأحاديث المجتمع الضيق ضده كيف له أن يكون موظفا لدي … وعنده الإمكانيات للعمل لوحده والإثراء.
كانت لدي بدائل عديدة والسهلة هي صرفه وأعطاؤه حقوقه وتركه بتاتا حتى أرتاح من الظن وأعين غيره ، فلا أريد حتى مجرد التفكير في الأمر وأنا شبه مخدوع وغافل عن ماذا يجري من أمور بالمكتب خلف الظهر ، وبالأخص كنت دائم الترحال والسفر ، ولكن لكل مشكلة حلول … سهلة وأخرى صعبة وممكن إتخاذ القرار السريع وقتها والبتر ، ولكن ممكن مع الوقت تظهر عوامل أخرى ليست بالبال وأظلم الرجل وتثبت أنني أخطات وتنقلب علي الأمور وأواجه بعدو شرس وبالأخص له دراية بكثير من الإتصالات والأسرار أثناء وجوده معي خلال فترة عدة سنوات كمسؤول بالمكتب ومديره ، التي في حالة التحديات والمهاترات ، أكيدا سوف تستخدم ضدي …
قررت القبول الصعب حيث على المدى القريب والبعيد أنا المنتصر وبدلاً من صرفه بتعنت و ضجة ، قررت إخراجه بأدب من إدارة المكتب بتاتا وهو فرح سعيد وفي نفس الوقت يظل تحت جناح المؤسسة وأحد المساندين لها من غير أن يدري … وأضمن سكوته وعدم الكلام ضدي لفترة طويلة حتى ينتسى مع الأحداث المتعاقبة ، وفي نفس الوقت دعه يربح … الأرزاق من عند الله عز وجل ، حيث قناعتي وإيماني بالعمل الجماعي يدا واحدة بطهارة هو الأساس للنجاح دنيا وآخرة.
فكرت كثيرا ووصلت إلى الحل حيث هو مهتم بالوكالة البحرية حيث تتيح له الفرص للتعامل مع السفن والمناولة والقبض بالخارج العملة الصعبة وأمورا كثيرة ، وأحد الأيام في جلسة صفاء طلبته وقلت له أنني فكرت ووصلت إلى قناعة أن المؤسسة بدأت تكبر وتزيد العمالة ولا أريد التعب له في الإجراءات الكثيرة والمزعجة في بعض الأحيان حيث التعامل في كثير من الوقت مع البعض البسطاء من العمال ، وأريد أن أتعاون معك بحيث تصبح شريكاً وليس بأجير موظف.
شاهدت لمعان الأعين وهي تبرق فقد جاءت اللحظة الحاسمة من عندي ، زيادة في الإغراء حتى أعرف مكنونات صدره وسره الخافي ، وقلت له ماذا ترغب من أعمال وأنا مستعد لعمل شركة والتعاون ، ورد بسرعة من غير أن يفكر بعض الوقت ، وإقتنعت أن الفكرة لديه منذ مدة تختمر بالرأس ، وقال الوكالة البحرية! وقلت لامانع ، وبعد العصر أبلغت محرر العقود بعمل شركة جديدة بإسم شركة الريف للملاحة شراكة بالنصف مع المؤسسة.
وتم إستئجار شقة في عمارة أبوالنجا والسيد إبراهيم بوسدرة القريبة من الميناء وتم تأثيثها بالكامل وطلب أحد المساعدين الثقة كأمين مكتب السيد رمضان دوباج الذي له فترة طويلة بالمؤسسة ووافقت على نقله بعد أن أخذت رأيه ، وبعد أسبوع سلم ما في عهدته بالمكتب وإنتقل للمكتب الجديد في شركة الريف كشريك ومدير بالنصف وتنازلت عن رخصة الوكالة البحرية بكل سرور وضمنت سكوته وعدم المهاترات والقيل والقال في المدينة الصغيرة التي أوباشها يعملون من الحبة قبة ، وعينت مكانه أحد الأخوة الأفاضل الذي قلما الزمان يجود بأمثاله السيد "عبدالرازق بدر" الذي أصبح مديرا للمؤسسة لسنوات حتى تم الزحف والتأميم.
تنازلت عن الرخصة البحرية لصالح شركة الريف ومعها جميع العلاقات والمجهودات التي ضيعت العمر في الوصول والحصول عليها بكل طيبة قلب وبدون أي شكوك وحب للمادة والمال ، لأنني أعلم عن قناعة وإيمان أن الخالق الرازق موجود في علاه يعرف مافي القلوب وهو الرازق والعاطي الذي يهب الأرزاق لمن يشاء ومانحن إلا بشر نعيش فترة ثم نموت وننتهي.
بدأ المدير يصول ويجول وأنا أتابع في صمت خطاه وأسمع في الكثير عن المعاملات والعمولات بالخارج واستغل المكتب الذي أنا شريك به لأعماله الخاصة ولم أهتم ، حيث الرب العليم هو الرقيب والمراقب لأي عمل خاطئ.
آخر السنة قدم لي الحسابات والأرباح ولم يحسب حساب العمولات بالخارج ولم أدقق وأحاسب حيث الخير كثير لدي وعطاء الله عز وجل كبير ، والسنوات التي تلت حتى تم الزحف والتأميم وتم قفل الحسابات النهائية للشركة ودفع المبالغ المستحقة في ليبيا بالكامل. في ليلة من ليالي شهر رمضان حوالي الساعة الثانية صباحا بعد أتممنا السهرة وكنا على ضفة الوادي خلف بيته سألته سؤالاً واحداً فقط لقد قفلت الحسابات للشركة وماذا عن نصيبي في العمولات الخارجية؟؟ ورد بسرعة وقال لا توجد بالخارج أية أموال للشركة وقلت له ببساطة ، هذه صحابة رسول الله تعالى والمسجد نشاهد فيها ، هل تعطيني يمين الله تعالى وتحلف أنك صادق وأنه ليست لدي أموال بالخارج معك! وواجه الصحابة ورفع يده مؤكدا وحلف اليمين ، وأنا عن يقين أنه مخطأ وغير صادق حيث أخر عمليتين للإستيراد عن طريقي وأعرف أنه تقاضى عمولة كبيرة عن ذلك! وتركت الأمر لله تعالى حيث لا أريد الدخول في مهاترات …
ليس عن ضعف وخوف ولكن الوضع السياسي المضطرب في الوطن وعنفوان اللجان الثورية والتي لو تكلمت بكلمة واحدة ووصلت إلى أذان غير أمينة سوف تجدها فرصة كبيرة سوف ندفع الثمن الغالي من القبض والتحقيق والتعذيب وممكن القتل لقاء فتات … وتركت الحق لصاحب الحق الله عز وجل ، يوما إذا لم أكن مخطئا سوف أتقاضاه حسنات ، ومنذ ذلك اليوم لم أتكلم بتاتا في الموضوع ، ومازلنا أصدقاء عندما نلتقي في بعض الأحيان في أي مناسبة نتصافح ونسلم على بعضنا بأخوة وصفاء.
المشكلة الثانية التي واجهتني كانت إبن العم إدريس حيث لا يريد الإستمرار في شركة مواد البناء حيث الأمور السياسية بدأت في الفوضى وتتشعب وتتصعب في الإستيراد للمواطنين والرخص الخاصة والإتجاه الإشتراكي للعمل في القطاع العام كل يوم ينمو ومستمر من خلال الخطابات الكثيرة التي تحث من خلال السطور على التأميم للقطاع الخاص ، مما تدارك الامور قبل وقوع الفاس على الرأس وبدا في بعض الأحيان يتفوه بكلمات نابية أنه غير مرتاح في العمل التجاري وكان التحريض الخفي وقتها من مدير المكتب حيث كنت أعاني في تنفيذ مشروع ترميم ورصف شوارع وطرق درنة …
نظير عدم الخبرة والأخطاء القاتلة في التصميم حيث الترميم يختلف كل الإختلاف عن الإنشاء ، وحاولت قدر الإمكان الشرح لعميد البلدية بالخطابات والمراسلات ولكن بدون إهتمام وكان الآمر متعمداً من هؤلاء الجهلاء الحاقدين مما خسرت الكثير من الأموال ولولا لطف الله تعالى لكنت أفلست وتوقفت عن الدفع وبالتالي سوف تضيع كل الشركات مع الآخرين ومنها شركة مواد البناء.
إرضاء له يوما قلت له ان يقوم بالميزانية مع تقرير كامل عن الموجودات بالشركة من مواد وأملاك لنفضها بالرضاء التام ، وأن يتعاون مع المحرض مدير المكتب الذي كان يوحي له بانني أعانى ماليا مما دخل الخوف إلى قلب إبن العم لقاء مال زائل.
تم عمل الجرد بالمخازن والتقرير والميزانيات في أسبوع وبدل أن أتابع لأتحقق من صحة الأرقام وافقت وأنا جالس بالمكتب حيث لدي ثقة عمياء في أبن العم الحاج إدريس بأنه أمين ، وقلت له بأن يختار حيث هو الكبير بالسن وأنا موافق مسبقا على أي إختيار سواءا باقيا أم خارجا من الشركة ، وقرر أن يأخذ الشركة ويدفع لي حصتي ووافقت على الأمر حتى أرتاح من الكلام الخفي البسيط في بعض الأحيان الذي يؤلم مثل الرصاص.
بعد الحسابات تبين أنه مطلوب مبلغ كبير منه لصالحي وليس معه للتسديد ، ولراحته تنازلت له رسميا على أن يدفع بالأجل عندما تتوفر السيولة لديه وأن يودع بالحساب خاصتي بالمصرف التجاري مع علمي أنه لا يحب الدين ولا يرتاح حتى يسدد … وفعلا كل يوم كان يدفع في الحساب بعض الشئ حتى تم التسديد بالكامل خلال شهور والحمد لله تعالى ، وحافظت على الود والمحبة ، حتى وفاته منذ سنوات عديدة "رحمه الله تعالى بواسع الرحمة".
حياة رجل الأعمال والتاجر إذا صادفه الحظ ونجح ، حياة حلوة جميلة حيث لا وظيفة رسمية تأسره ويصبح أسيرا لها ، ولا مديرا يشرف و يتابع ولا لوائح وقوانين تقيد تحركاته ، بل حياة تعتمد إعتمادا كليا على الجرأة والصدق في الوعد والعهد والأمانة والثقة من الغير ، والمصداقية والصبر والتأني في كثير من الأحيان والمغامرة المحسوبة بدقة ، حيث هذه الأمور جميعها الأساس والأعمدة الراسخة للنجاح ، والكثيرون يمرون بهذه الأساسيات وهم لا يعرفون الأساليب السليمة ولكن نظير الحظ والتأييد من الرب الخالق يربحون الأرباح الكبيرة.
إرتحت من أهم الصعوبات التي واجهتني في بدايات الحياة العملية ، مدير المكتب "م ب" وتكوين شركة الريف للملاحة ، وفض الشركة مع إبن العم الحاج إدريس ، حيث تعاملت معهما بالصبر والحكمة ووصلت معهما إلى حلول مرضية ، وإرتاح الشركاء وإرتحت من القيل والقال والتحديات التافهة التي الكاسب فيها في نظري خسران على طول الطريق.
بدأت أشق الطريق مواجها ومتحديا جميع الصعوبات بقلب مؤمن و جرئ ، حيث أنا شخصياً بطبيعتي مغامر و مجازف ، لا أخاف أبداً من التحديات!
رجب المبروك زعطوط
البقية في الحلقات القادمة …
No comments:
Post a Comment