Saturday, November 3, 2012

شاهد على العصر 29


                                         بسم الله الرحمن الرحيم

                                            شاهد على العصر

                                                   29


واحة الجغبوب 
                   إنتهىت  مأدبة الغداء على الخير والسلامة وكان السيد مأمون الكزبري سعيدا جدا على الحديث الشيق والنقاش الهادف الذي تبادلناه معا بصدق ضمن حدود التقدير والإحترام ، وكأنه أزاح عن قلبه وأكتافه ثقلا كبيرا نظير صراحته الفائقة والحديث والنصائح الثمينة لنا كشباب صغير في السن لنا مستقبل باهر في ليبيا ولبنان ، عن مادار في الخفاء ووراء الستار من نوادر وأسرار ، حتى نتعلم الدرس مستقبلا ولا ننخدع بسرعة وسهولة ، وأن الذي يقال في العلن للجماهير من أي مسؤول وراؤه الكثير من الأسرار الخفية عن الصراعات بين القوى العديدة التي تهتم لوجودها ومصالحها ولا يهمها مصلحة الوطن ،  وإنما يتخذونها ستارا زائفا وغطاءا للمغفلين البسطاء السذج من أبناء الشعب … حيث السياسة قذرة بجميع الصور ومعادلة صعبة وليس كل مدع سياسة  ناجح فيها ، إلا المنافق ذو الوجوه العديدة والأقنعة الزائفة حتى يستطيع السباحة في الأمواج العالية والزوابع ويصل إلى الشاطىء بر النجاة …

ودعنا مضيفنا على الباب الرئيسي الخارجي بكل الحفاوة والتقدير وشد على يدي بحرارة وقال لي بصراحة يوفقك الله تعالى يا إبني … وفعلا أثبت الزمان على مدى السنين 4 عقود ونيف  صدق كلامه وتوقعاته ونبوئته عن العسكر وحكمهم في ليبيا الظالم على الشعب الليبي الصابر ، ولكن لا يوجد من يسمع ويتعظ وقتها  ، وأي كلمة أوهمسة تصل إلى الآذان الخطأ نتيجتها القبض والتحقيق العسير والتعذيب الشديد والرمي بالسجون بدون مدد وسعيد الحظ من تتم نجاته ولا يشنق ولا يعدم حيث بعد مدة الحكم الإرهابي الطويلة   دفعنا وقدمنا الغوالي الشهداء والدم الزكي عسى أن نصل ونحقق دولة الحق والعدل يوما من الأيام …

كان السيد محمود حزيناً  لأنني أحرجته أمام نسيبهم ، ولكن طيبت خاطره بالإعتذار وشرحت له أن القصد شريف وإننا إستفدنا  بنصائح جيدة من رجل عظيم مثله ، مما إرتاح وتبسم ضاحكا ، ورجعنا إلى الدار البيضاء وقد أنهى أعماله بالمغرب وبعدها قررنا الذهاب إلى الجزائر للزيارة في طريق العودة وإشترينا التذاكر اليوم الثاني ،  وركبنا الطائرة ووصلنا لمطار الجزائر ، وشعرت بالفارق الكبير بين مملكة المغرب وشعبها اللطيف  ودولة الجزائر وشعبها الجاف ، وواجهتنا صعوبة كبيرة في التخاطب والحديث مع إخوتنا المغاربة والجزائريين حيث لغتهم العربية الدارجة المحلية وقتها ركيكة صعب فهم اللهجة عندما يتحدثون بسرعة وقتها ، حيث الجميع يتحدثون اللغة الفرنسية بطلاقة وكأننا بفرنسا ونحن لا نعرفها مما أصبحنا غرباء في أرضنا العربية ، أليس بأمر مؤسف ؟؟

الإجراءات كانت سريعة في المطار ولا تعطيل لنا كعرب حيث أحمل جواز سفر ليبي والسيد محمود جواز سفر لبناني وركبنا عربة أجرة من المطار إلى داخل العاصمة ، وحدثت لنا نادرة حيث كنت أتحدث بصعوبة مع السائق وسألنا السائق وهو يقود بسرعة بمهارة وسألنا من أين نحن ؟؟ وقلت له أنا من ليبيا وهذا الأخ رفيقي من مصر كمزحة ودعابة ، وفجأة ضغط على الفرامل وتوقف بجانب الطريق وقال لا أريد حمل أي مصري في عربتي! مما ذهلنا من التصرف الشاذ ، هل يعقل هذا الأمر أن يحدث ونحن جميعا عرب من أمة واحدة ؟؟

لم يرتاح ويهدأ السائق ويستمر في القيادة إلى الداخل حتى قلت له بأنني أمزح وهذا جواز سفري الليبي وشاهد جواز سفر السيد محمود اللبناني ، ولم أعرف السر عن كراهيتهم لإخوتنا المصريين مع أن مصر كانت السباقة لهم في الدعم القوي لثورة المليون شهيد حتى إنتصرت وخرجت فرنسا ، وسألت السائق ولكن لم يعلق على السؤال بل إستمر صامتاً ، وأخذت عبرة من وقتها أن هذا الشعب جاف لا يمزح …

داخل العاصمة الجزائر حاولنا المستحيل للحصول على فندق لنرتاح ولكن لم نجد وزرنا معظم الفنادق الغالية والرخيصة ولكن للأسف الجميع مشغول ولم نخرج خارج العاصمة للمدن الثانية القريبة ، حيث كانت مؤتمرات وندوات كثيرة  منها مؤتمر الصيادلة العرب ، ووضعنا حقائبنا كأمانة في أحد الفنادق المعروفة وتجولنا على القدمين في وسط المدينة وتغدينا في أحد المطاعم ، وبعدها قررنا الذهاب إلى المطار والسفر إلى طرابلس ليبيا على متن أي خطوط … وأخذنا حقائبنا من الفندق ووصلنا للمطار والساعة تشير للخامسة …

من حسن الحظ كانت توجد رحلة واحدة الساعة الثامنة مساءا وحجزنا عليها وإنتظرنا في صالة العبور عدة ساعات وعندما حل الميعاد تأخرت ساعتين أخرتين وإضطررنا للإنتظار وكنا في غاية الإرهاق ولكن ما باليد حيلة ، وأخيرا صعدنا الطائرة ورحلة إستغرقت حوالي الساعتين ووصلنا إلى مطار طرابلس منتصف الليل حيث كان الطقس معتدلاً .  
        
نفس المشكلة واجهتنا حيث لا توجد فنادق بالمرة وتعبنا من البحث وأخيرا السيد محمود إقترح أن نذهب ونبحث عن بيوت إخوته في الفرناج بدلاً من المبيت في الشارع ، وكان لا يعرف العنوان بالضبط ولكن من خلال زياراته السابقة قال بالقرب منهم توجد محطة وقود مما أصبح من السهل العثور عليهم والوقت حوالي الساعة الثانية صباحا .

أخيرا وصلنا إلى محطة الوقود بالفرناج ، وسألنا البعض من العاملين حيث أشار أحدهم على أنه يوجد أخوة سوريون مقيمون بالقرب ، وأشار على الجهة والمكان مما سائق عربة الأجرة عرف العنوان ونقلنا إلى هناك وكانت مفاجأة أن ندق على بيوتهم في ساعة متأخرة من الليل  ، وفتح الباب السيد نصوح رحمه الله تعالى وهو مستغرب من الطارق المزعج  في جوف الليل ، عسى أن يكون خيرا ، وعندما سمع صوت أخيه وشاهده قام بضمه بالأحضان وعرفني عليه وأنزلنا الحقائب ودفعت للسائق أجرته ودخلنا البيت .

قام بالواجب في الضيافة وهو سعيد بوصولنا قائلا لأخيه محمود معاتبا من العيب أن تبحث أو تقيم في فندق وبيوت إخوتك الأشقاء هنا !  قلنا له بأننا مرهقون و محتاجون للنوم ، ولا نريد أي طعام يقدم لنا … وبالصباح إن شاء الله تعالى ، سوف نتحدث مما فهم وتم تجهيز الفراشين بالغرفة الخارجية بسرعة ونمنا بعمق ، والشخير يعبق بقوة في المكان ولكن نظير الإرهاق والتعب إستغرقت في النوم إلى الظهر ولم أسمع الأصوات .

الظهر كان الغداء الفخم جاهز وقابلت أخوه سعيد لأول مرة وتعرفت عليه عن قرب فقد كنت بالماضي أتعامل معهم على الهاتف ، وقضيت وقتا جميلا وتحدثنا في الكثير عن الأعمال في ليبيا وكانت فاتحة خير للأعمال المستقبلية مع بعضنا البعض كشركاء …

المهم ودعتهم بعد يومين وطلبت من السيد محمود أن يأتي معي إلى مدينة درنة للزيارة ولكن إعتذر حيث له مدة طويلة عن مكتب بيروت وفهمت الموقف ولم أصر … وأجل الزيارة مرة أخرى حيث سوف يأتي من بيروت رأسا ، عن طريق مدينة بنغازي …

رجعت إلى مدينة درنة وطعم حلاوة الرحلة بالقلب حيث زرت فيها عدة دول حول البحر الأبيض المتوسط وشمال أفريقيا مما عرفت الكثير عن هذه الأوطان ووصلت إلى قناعة أنه بالسفر والعلاقات الجيدة ممكن للتاجر الذكي أن يعمل الكثير ، وإذا وفقه الله تعالى وساعده الحظ يصبح من كبار رجال الأعمال بسرعة حيث الأرض عذراء بكر والسوق بحاجة إلى آلاف الأشياء سواءا للبيع والتسويق أو للشراء والإستيراد .

نظير التجوال الكثير والإستيراد المنظم لكثير من المواد وفقني الله عز وجل في المساعدين الأعوان حيث كانوا شبابا رجال يعتمد عليهم  في كل خطوة تطلب منهم أمناء إبتداء من إبن العم إدريس الشريك في شركة مواد البناء ، والسيد ماريو نوفاكو الإيطالي مدير مصنع البلاط والرخام  ، وطاقم المكتب من المدير حتى الفراش ، كانوا أعوانا مخلصين يعملون بجد وجهد وشرف مما مع الوقت نجحت ، فلهم الشكر والتقدير .

معظم السفريات كانت للخارج ولكن لم أنسى الداخل وكلما تسنح الفرص للتجوال في رحلات لبعض المناطق النائية أذهب ضمن المجموعة في أيام العطل والأعياد ، وإحدى الرحلات الداخلية كانت الزيارة الأولى لواحة الجغبوب في  الجنوب الشرقي الليبي على الحدود مع جمهورية مصر ، تبعد عن مدينة طبرق جنوبا 255 كم
كان بالرحلة معي الرفاق ،  الدليل الحاج محمد الهنيد الأستاذ الفاضل والحاج عوض تربح ، والحاج صالح بودربالة الصديق والأخ ، والأستاذ الفاضل أحمد الغيزواني ، المهتم بالتاريخ  ، وكنت أصغرهم سنا وكان لدي سيارة مرسيدس جديدة بالمخزن أحببت أن تكون مباركة في الرحلة إلى الواحة حيث في نظر الجميع واحة مقدسة بها رفاة المصلح الكبير ومؤسس الطريقة السنوسية السيد " محمد بن علي السنوسي " جد الملك إدريس الأول والأخير .

الساعة الثالثة بعد الظهر تحركنا من مدينة درنة إلى مدينة طبرق القريبة المسافة 175كم وإشترينا جميع اللوازم من الطعام واللحم الطازج والفاكهة التي تكفى المجموعة لمدة يومين وعند الخروج من طبرق عبأت خزان الوقود بالسيارة وزيادة في الإحتياط عبأت قالون بلاستيك 10 لترات لأنه أول مرة لي للذهاب والزيارة للمنطقة .

توكلنا على الله تعالى وقدت السيارة في طريق صحراوية إسفلتية ضيقة لم يعمل لها صيانة بعد منذ فترة طويلة وبها الحفر العديدة والرمال على الجوانب في أكثر من مكان نتيجة هبوب الرياح العاصفة والتي تحتاج إلى سائق ماهر حتى لا يغوص فيها وممكن أن يتعرض إلى حادث نتيجة السرعة وكنت حذرا في القيادة حتى أعرف الطريق جيدا في رحلة الرجوع ، والرفاق الكرام في أحاديث جيدة كل واحد منهم يقص علينا قصص وحكايات ونوادر نظير التجارب السابقة مما أثرت الكثير لدي من المعلومات العامة الجيدة …


وصلنا للواحة وتوقفنا أمام الإستراحة للضيوف من عهد الملك السابق ، وتأكدت من عداد السيارة وكان يشير إلى 255 كم من محطة الوقود بطبرق ، وكان بالإستراحة وفد من المدرسين من طبرق والقرى حولها حتى قرية إمساعد الحدودية ، لحظة وصولنا كانوا يتناولون العشاء ودخلنا وقاموا للسلام علينا حيث الأستاذ محمد الهنيد يعرفهم جيدا ، وأصروا على أن نشاركهم العشاء مما فعلنا ، وقام جماعتنا بعمل عشاء آخر للجميع وجلسنا في حلقة كبيرة نتحدث عن الواحة والمؤسس للطريقة والتمجيد ووضع هالات كثيرة عن أعمال المصلح وكراماته الكثيرة مما كان له أحسن الأثر في النفوس المتعطشة للمعرفة .

العشاء الثاني حضر مع الجميع بعض الشيوخ القائمين على المسجد الذي به الضريح وطالت السهرة إلى قرب الفجر حيث الطقس صحراوي جاف ولا يشعر الإنسان بالتعب من السهر والسمر ، وحدثت مطبات كثيرة من الأستاذ محمد الهنيد حيث كان لدي بالسيارة جهاز مثل العصا طوله حوالي القدم  يدوي عندما يفتح الغطاء من مقدمته تظهر منه 2 أسنان متحركة سالب وموجب بقوة فولت كهرباء عالية  عندما تلامس جسم أي إنسان أو حيوان تجعله يتحرك و" ينط " غصبا عنه ، حيث يستعمل الجهاز عند التحميل والشحن للأبقار عندما تتوقف وتجلس ولا تريد أن تنهض ، يتم الوخز لها مما تنهض وتجري غصبا عنها من اللذع ! 

أخذ الأستاذ محمد الجهاز وكل من يريد أن يذهب للنوم من جماعتنا الرفاق أو ينعس كان يوخزه مما الجميع سهر حتى لا يطالهم الوخز ، وأخير قرب الفجر لم أستطيع المقاومة وتسللت إلى الحمام وبعدها دخلت أول غرفة ونمت على أحد الأسرة نوما عميق ولم أستيقظ إلا على وخزة من الأستاذ الساعة السادسة صباحا طالبا مني النهوض والإفطار معهم ، ونهضت بصعوبة ولم أستيقظ ويرجع لي كامل الوعي والنشاط إلا بعد  حمام بارد .

بعد الفطور والأحاديث الكثيرة وحوالي الساعة العاشرة ذهبنا إلى الجامع حيث صلينا ركعتين لله عز وجل تباركا بالحضور للجامع طالبين من الله تعالى أن يوفقنا إلى طرق الخير وأن يمتعنا بالصحة والعافية ، وشعرنا فيه بسكينة غير عادية غمرت أرواحنا بالهدوء الغير طبيعي وبروحانية خاصة وبعدها زرنا ضريح الشيخ محمد بن على السنوسي وقرأنا الفاتحة على روحه الطاهرة ، وتجولنا في الجامع وكان غاية في الإبداع في البناء البسيط الصحراوي وكان به مكتبة قيمة بها الآلاف من المجلدات تحوي نفائس من المخطوطات والكتب القيمة ، التي ضاعت بعدها بسنين حيث أمر الطاغية بهدم المسجد والضريح وإخراج الرفاة من القبر ولم يعرف إلى الآن أين الدفن أم الرمي في البحر ؟؟ أليس هذا العمل البربري الإجرامي والنبش للقبر من عمل شيطان رجيم بحيث يتعدى على الحرمات حتى الموتى بالقبور !!!

المهم إنتظرنا بالجامع حتى رفع الأذان لصلاة الجمعة وحضرنا الخطبة من الإمام الحاج الشيخ "نصيب " الأب القيم على الجامع وكلها تدعوا للخير والمحبة والمصالحة الوطنية ضمن الهدى والإيمان والأخوة الصادقة ، وصلينا صلاة الجمعة وبعد الإنتهاء من الصلاة قام مناد يدعوا الجميع ممن حضروا الصلاة إلى مأدبة غداء على شرف الوافدين الزوار نحن والمدرسين …

دخلنا الى غرفة كبيرة ملحقة بفناء الجامع عالية الجدران سقفها من أعمدة النخيل المتلاصقة وعليها الطين والجريد بطريقة فنية جميلة حيث بالواحة الصحراوية الأمطار خفيفة بالكاد تهطل خلال فصل الشتاء ، وكان العدد كبيرا حوالى 200 رجل ، والعجيب عندما تم التقديم للطعام في أواني كبيرة من الخشب " قصعة " كل واحدة يحملها 2 من الرجال مملوءة  بقليل من الأرز المطبوخ …

تم تقديم عدد 4 قصعات كبيرة للجميع والعادة الضيوف أول الذين يأكلون وكل 8 ضيوف جالسين حول قصعة على الأرض ، ويمر 2 من المضيفين بقدر كبير مملوء بقطع لحم الضأن الكبيرة ويقدمون 8 قطع كبيرة ، طالبين من الجميع عدم رمي العظام بالقصاع بل بالخارج وكل مرة يشبع ضيف ويقف ليغسل يديه ، يدخل مكانه شخص آخر ونفس الطريقة تتكرر حتى تناول الطعام الشهي آخر شخص من الحاضرين …وكم عجبت من الطريقة الجميلة التعاونية في الأكل الجماعي والإحترام الزائد عن اللزوم للضيف حيث هذه العادة مستمرة حتى اليوم في نجوع البادية ، وإستغربت بشدة من أن الطعام القليل في نظري عندما تم تقديمه ، كفى الجميع وزاد حيث لا شك فيه بركة كبيرة من الله تعالى وأن المكان طاهر ومقدس …

بعد الغداء الحديث الشيق وشرب الدور الأول من الشاي الأخضر ثم الدور الثاني وقام الشيخ ودعى لنا بالخير والسلامة وختمها بقراءة الفاتحة والجميع يسمع وينصت في هدوء ووقار للشيخ الجليل حيث إنتهاء الجلسة ، وقمنا وصافحنا الشيخ المضيف وغادرنا المكان ، وكان أحد الأساتذة ناظر المدرسة بالواحة الذي نسيت إسمه الآن وعلى ما أعتقد السيد " الصافي " أخذنا في زيارة لبحيرة " الملفا " القريبة من الواحة في سيارته البيجو حيث سيارتي لا تستطيع الدخول حيث الطريق رملية متحجرة صعبة …

قضينا وقتا جميلا حيث لعبنا كرة القدم وقام البعض منا بالسباحة في البحيرة المالحة وقمت بجولة سياحية على الأقدام وشاهدت بعض الكهوف والبعض منها بها موميات من العصر الفرعوني حسب كلام الحاج محمد الهنيد الرائد والدليل الخبير في الإستكشافات جافة من آلاف السنين وعندما يمسها ويلمسها الإنسان الغير خبير  تتساقط رماد .

قبل المغرب أشعلوا نارا كبيرة من أعواد القصب الكثيرة الجافة لطهي طعام العشاء وإستعمال الدخان لطرد آلاف حشرات البعوض الطائرة التي تجمعت حولنا تحاول لدغنا وتعبنا من الهش لها وطردها ، وبعد العشاء السريع الشهي من المكرونة الحارة اللذيذة " المبكبكة " على الطريقة الليبية رجعنا وكنا مرهقين على الآخر وكنت بالسيارة شبه نائم أتمايل من الإهتزاز فقد غلبني النعاس ولم أستطع المقاومة حتى وصلنا الإستراحة حوالي الساعة العاشرة بالليل وأنا أحلم بالقفز على السرير والنوم للصباح من التعب .

أمام الإستراحة بدأت الكارثة بالنسبة لي فقد كان الإتفاق على النوم والرجوع يوم السبت براحة إلى مدينتنا درنة ، ولكن تغير الإتفاق على سبيل أن نستغل الليل والطراوة ونرجع ، وكنت مرهقا جدا ، وليست عندي ثقة في أي أحد أن يقود السيارة ، ومن الغضب والغيظ طار النعاس وإستيقظت الحواس وقلت لهم موافق جهزوا أنفسكم ودخلت للداخل حيث الحمام وغسلت وجهي جيدا بالماء البارد وأخذت حاجياتي من الغرفة وخلال ربع الساعة كنت في السيارة أنتظر  ركوبهم .

بدأت أقود في طريق العودة بسرعة معتدلة حوالي 140 كم بالساعة وبعد مضي الساعة الأولى شعرت بالصمت وعدم الكلام والحديث وتطلعت وكان الجماعة نائمون مما زاد الغيظ والغضب وأيقظتهم ولكن بعد قليل نفس القصة النوم من جديد وضاعفت السرعة إلى 200 كم بالساعة ولكن ولا مهتم وحكمت الأمر لله عز وجل وقدت طوال الطريق وأنا بين الفينة وأخرى أزعج فيهم بعمل دعابات وضغط على الفرامل والتوقف فجأة مما جعلتهم مذعورين يقظين حتى وصلنا إلى مدينة طبرق حوالي الساعة الثانية صباحا ، حيث توقفت أمام محطة الوقود وطرقت الباب حتى صحى العامل وزودنا بالوقود وهو شبه نائم .

بعد الخروج من طبرق بربع الساعة نام الجميع مرة أخرى وقررت عمل دعابة ومزحة قوية وإنتظرت حتى وصلت إلى منخفض قرية عين الغزالة حيث الطريق تهبط إلى أسفل ولم أضغط على الفرامل حتى لا يستيقظ أحدا من أي هزة وتركت السيارة تجرى من غير ضغط على البنزين حتى توقفت نهائيا على جانب الطريق ، وأطفأت المحرك والأنوار وصرخت صرخة عالية وسكتت وأنا أكاد أنفجر من الضحك عليهم ماذا سوف يعملون…

قام الحاج عوض ومد يده بقوة وخبط الزجاج الأمامي للسيارة والأستاذ الهنيد كان بالمنتصف على الكرسي الخلفي مادا يديه الإثنتين على الجانبين يتأكد من وجود جيرانه ويقول سليمة سليمة والحمد لله تعالى حيث كان يعتقد بأنني قمت بحادث والسيارة إنقلبت رأسا على عقب والسيد صالح بودربالة يقول لا حول  ولا قوة إلا بالله تعالى والأستاذ أحمد الغيزواني جمد من هول المفاجأة ولم ينطق بكلمة ، وخرجت من السيارة من كثرة الضحك على الموقف .

عند هذه الدعابة والمزحة الثقيلة إستيقظ الجميع حتى وصلنا إلى مدينة درنة وكلهم يتحدثون على الموقف وأنه إنتهى على الخير وكان دعابة وطرفة ذكرها بعضنا سنين طويلة والآن من هؤلاء الرفاق 3 في ذمة الله تعالى توفوا وآخرهم الأستاذ الغيزواني ، وأنا والأستاذ محمد الهنيد مازلنا على قيد الحياة . ننتظر في أدوارنا في المحطة حتى يأتي القطار ونرحل عن هذه الدنيا الفانية حيث لا طعم فيها فقد تغيرت جميع المعايير السابقة من كرم وقيم وأخلاق وأصبحت السلطة والمادة ، وإتباع غوايات الشيطان والشر والحرام هو الأساس .
                                                   رجب المبروك زعطوط
البقية فى الحلقات القادمة …

No comments:

Post a Comment