Saturday, March 3, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -9



                                                       بسم الله الرحمن الرحيم

 لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد ما تنشقنا هواء الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تحقق الإستفادة للجميع  ...

                                                      الغرفة 404

                فجر يوم الجمعة يوم 1987/8/21م الوقت مازال مبكراً والساعة تشير للرابعة صباحا تقلبت بالفراش محاولاً النوم ولم أستطع ،، لأن الأفكار كثيرة  تتراقص بالذهن ،، فقد عصفت بالبال الكثير من المآسي والمحن والتساؤلات التي تحتاج إلى أجوبة ... ونهضت لتسطيرها حتى لا تنتسى مع مرور الوقت ،، فقد رجعت إلى مدينة  لندن بسرعة منذ عدة أيام لبعض الأعمال واللقاءات السياسية الخاصة بالمعارضة الليبية ،، وأتيحت لي الفرص وقابلت الكثيرين من الأخوة الليبين ،، وقد حز بالنفس الرياء والخداع من البعض المنافقين ذوي الوجوه العديدة الذين عندما يتقابلون وجها لوجه ،، يتعانقون ويتصافحون بالخد  وكأنهم أخوة وأحباء الماضي ،، الأمس واليوم طوال الوقت ،،وللأسف عندما يغادرون  يسلقونهم بسليط اللسان ،، يسبونهم وينعتونهم بأقذر الأوصاف والعمالة للنظام وسماسرة بالقضية ولصوص لأموال الشعب وكلام يخجل منه جبين الشريف ،، عندما يسمع نشر الغسيل القذر  ... والإتهامات المدوية الكثيرة والتي أعتقد أن معظمها مدسوس مزور غير حقيقي ،، عبارة عن دس وشائعات مدوية مثل القنابل من النظام مدروسة بدقة من أساطين وأساتذة الشر ،،،  حتى تضع في أوساطنا لبنة الفرقة والتشرذم ،، ونصبح بطرق خفية خصوماً وأعداءاً ،،، لا نتفق مع بعض نظير الكذب والدس المزروع بخبث ...
إنني أعرف البعض من الذين لاكتهم الألسن بدون وجه حق ...  تكلموا عنهم  بكثير من النعوت والأوصاف ،، وأعلم عن يقين البعض من أعمالهم الرجولية من وراء الستار وفي صمت عن الخدمات الجليلة للقضية الوطنية النبيلة ،، وفي نظري أشرف بكثيرعشرات المرات  من كثيرين من الذين يتقولون عليهم بدون أن يعرفوا الحقائق الخفية ،، فليس كل مايقال ويدور في الأوساط والساحة الليبية المليئة بالغث والسمين هو السليم والصواب،، فيوجد الكثير من أبطال وجنود مجهولون ليسوا ضمن دوائر الشهرة وتحت الأضواء بالخلف ووراء الستار ينتظرون في صمت الوقت المناسب للظهور بالمظهر اللائق المشرف وليس كما يتصرف البعض من أشباه الرجال ،، الذين يجرون لاهثين لإستغلال الفرص لتحقيق بعض المكاسب الوهمية ،، وعندما أتصدى للبعض بالشرح والنصيحة بعدم إلقاء النعوت والتهم والقذف من غير التحقق والتأكيد ،، بل سمعاً من الغير ،، يطرقون رؤوسهم خجلاً ،، ليس عندهم الرد ولا الحجة ولا البرهان ،،، يجاملونني لحظتها في حضوري وبعدها نفس القصة تتوالى وتتكرر ،، مثل مثلنا الشعبي الذي يقول  "عادت حليمة إلى عادتها القديمة"
هذا هو حالنا نحن الليبيون بالغربة نتكلم على بعض أكثر مما يجب ... نتحدى نظاماً شريراً مجرماً ،، ونحن لسنا أهلا له طالما نحن بهذا المستوى المتدني  من العقل الضحل نصدق الدس بدون أن نتأكد ...  نحتاج إلى وقت وممارسات حتى  نكتسب خبرات ونتعلم كثيراً من الأساسيات ،، ولا ننسى الركيزة المهمة والعمود الفقري لأي نضال وعمل شريف ،، وهو الأخلاق ،، فكل شيء في الحياة  له أساس ،، سواء خبراً صحيحاً صادقاً ،،، أم تراهات ومهاترات ودس وتدليس وغش لخلق الفتن ،، فكل شيء يحتاج إلى معاملة بالشرف سواءاً حباً ومعزة أم كرهاً وعداوة  ،، فنحن رجال علينا مسؤوليات ضخمة ولسنا أطفالاً صغاراً نتخاصم في لعبة كرة بالشارع ،، عن من الفائز ...
قرأت خبراً في إحدى الصحف بأن الدكتور محمود المغربي والسيد عبد المنعم الهوني ،، قابلا عقيدنا الأهبل لقاءا سريا في الجزائر ،، ولم يمر هذا الكلام مرور الكرام ،، فقد تعرفت على الدكتور المغربي المشهور بالصلابة والعناد عن طريق الرفيق جاب الله مطر في جلسة نقاش وعمل ،، وسمعت الكثير عن مواقفه الرجولية التي يتكلم بها البعض في الساحة النضالية ،، ولا أستطيع المغالاة بالشكر أو بالسب حتى لا أقع في الأخطاء أو أن أهضم حق الرجل ،، فأمور مثل هذه لا يستطيع الإنسان أن يرددها ويتشدق بها ،، لأنه قرأها في إحدى الصحف أو سمع بها ،، إن لم يكن معاصراً لها عن قرب حتى يستطيع أن يؤيدها بقوة الحجة ،، أو يصمت ،،،
أما بالنسبة للسيد عبدالمنعم الهوني فقد قابلته عدة مرات بالغربة  ،، وجلست معه في عدة لقاءات جماعية في القاهرة في بدايات الثمانينات مع بعض الإخوة المناضلين والبعض منها مثيرة ،، ففي نظري أيامها بعض الغموض والشكوك ،، علامات إستفهام كبيرة مازالت عليه ... تحتاج إلى أجوبة صريحة وفهم ،،
الإنسان يحاول أن يفهم يحتار ،، فكثير من الأمور ليست واضحة وقتها ولا يستطيع الإنسان الحكم الصحيح على أي إنسان بسرعة ،، وما محاولاتنا للفهم إلا عن أشياءاً ملموسة ترددت عن طريق بعض الأشياء التي حدثت فعلاً ونحن لسنا أدرى بدهاليز السياسة القذرة التي في بعض الأحيان المعلن شيء والواقع شيء آخر ،، وإذا صح الخبر والذي تناولته أكثر من جهة إعلامية ،، أجدني أمام تساؤلات كثيرة وكبيرة محاولاً المعرفة ،،، فمثل هذه الأمور تهمنا نحن المهاجرون المعارضون للنظام حتى نعرف أين نضع أرجلنا ،، ولا نقع في أخطاء قاتلة مع الوقت ،،، يوماً سوف نندم عليها ،،
تساؤلات عديدة بالنفس تحتاج إلى أجوبة شافية ،، فليس هؤلاء الرجال من السهل أن تتم مقابلتهم للقذافي بسهولة فلديهم التجربة والخبرات ... حيث  أولاً لا دخان بدون نار ...  هل هي خدمات ونصائح حتى يعتدل في سياساته القمعية ،، أو الإرتماء في أحضانه لقاء مال وجاه دنيوي وسلطة ،، أم المحافظة على رؤوسهم وإتقاء شره ،، أم تشويه لهم من النظام وزرع وغرس الفتن في أذهان الجماهير ،، أم لعبة مخابرات  ؟؟؟ أم وأم ؟؟؟،،،
قرات هذه القصص في أكثر من صحيفة ومنشور ،، وسمعت تعليقات كثيرة عن الموضوع وكان الرد بسيطاً ،، أن لا يضغط الإنسان على الزناد ويطلق الرصاص ،، حتى تنتهي الأغنية وتتوقف الموسيقى عن العزف ؟؟ فالسياسة قذرة ليس لها ضوابط ولا أخلاق وقيم ،، بل مصالح متبادلة ... ودهاليزها لا تنتهي ولا يعرف الإنسان أغوارها مهما فعل ... ومصير الأيام كشف المستور والفضح لأية جرائم وأخطاء ،،
الذي لفت أهتمامي ولم يعجبني ،، إذا هذه المقابلة تمت فعلا ، بأي حق هؤلاء يمثلون المعارضة الليبية كما قيل ؟؟ من أعطاءهم صك الغفران والحق بالتمثيل ؟؟  ماذا قدموا من أعمال ظاهرة منظورة مجيدة لدى الجميع ،، يشهدون بها حتى يصبح لهم بعض الحق في التمثيل ؟؟
أم يحاولون الوساطة مع إنسان دموي لا يتورع أن يضحي بالجميع حتى لو كان والديه في سبيل المنصب والسلطة ،، أم صحوة ضمير فقد ترأس الدكتور المغربي أول رئاسة وزارة بعد الإنقلاب مباشرة ،، وإستمر لمدة وهو الرجل العليم بالنضال الذي خرج من رحم القضية الفلسطينية وعرف أسرارا كثيرة وإستمر بالمنصب ...
 وبالنسبة للسيد عبدالمنعم الهوني فقد كان أحد ضباط المجلس الأحرار ومديرا للمخابرات ،، وحدثت أثناء وجوده بالسلطة كثير من الأعمال الوحشية التي يندى لها الجبين في صمت ووراء الستار ،، والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه هل له أي دور في هذه المآسي ؟؟ أو عن الشائعة التي تتردد في الأفواه عن ملايين الدولارات التي تم توزيعها بينهم كضباط أحرار وتم قبضها من خزينة المجتمع بالحسابات الخاصة بعد الثورة مباشرة ونجاح الإنقلاب الأسود ،، لكل ضابط من المجلس 5 ملايين دولار ( التي تعتبر في بداية السبعينات رقماً كبيراً جداً ) كشهادة تأمين في حالة ردود أفعال مضادة من الشعب لحماية الثورة كعذر من الأعذار ،، أو عن الشائعات الكثيرة التي تقول أنه جير لصالحه بعض الأملاك بمصر المملوكة للدولة الليبية وتغيرت بقدرة قادر وتم وضعها بإسمه وأسماء عائلته عندما كان  مسؤولاً بأمانة الخارجية ... والمشكلة أن مواضيعاً كثيرة غامضة تحتاج إلى وضوح  ولا أستطيع الإتهام أو التأكيد ،، إنما أنقل بصراحة ماذا يدور في الساحة من أقاويل وصراعات ،، وهذه الأمور يوماً إذا أعطانا الله عز وجل طول العمر سوف تطرح للجدال ويظهر الحق مهما طال الوقت فلا توجد أسرار في ليبيا تظل حبيسة وتبقى للأبد بدون كشف إلا من البعض القلائل ...
أنه بذكري لهذه التساؤلات ،، لست بمزايد ولا حاقد ،، ولا أنقص من حق أي إنسان فجميعنا مواطنون ليبيون نحب الوطن كل منا بطريقته الخاصة حسب فهمه ورؤيته ،،، ولكن من حقنا كمواطنين ليبيين أن نعرف الكثير من الغموض الذي أحاط بالكثيرين من الرجال ،، هل مايدور على الساحة صدق أم  أكاذيب ؟؟ إنني لا أعرف ولا أستطيع أن أجزم الأمر ...
أمر آخر مهم فقد شاهدت شريطاً مصوراً عن الإعدامات التي حدثت في الملعب الرياضي في مدينة بنغازي ، ستة شهداء من الأحرار تم شنقهم و ثلاثة تم ضربهم و إعدامهم رمياً بالرصاص بحجة أنهم شاركوا في قتل أحد عملاء النظام ،، وأحزنني الجمهور ذوي الوجوه الكالحة المتزمته والهتافات الغوغائية المدوية التافهة ،، والبعض من الصعاليك والرعاع  تعلقوا بأجساد الشهداء وهي تلفظ في أنفاسها الأخيرة بدون أية ذرة إحترام ورهبة للموت ولا الخوف من الله عز وجل ،،
هؤلاء الصعاليك من اللجان الثورية والشعبية المجانين ،، هل نسوا أو تناسوا أن الأحداث مسجلة على شرائط مصورة ،، يوماً من الأيام سوف يدفعون ويقدمون الثمن الغالي ،، فالرب الخالق موجود يمهل ولا يهمل ،، سوف يأخذ حق المظاليم ،، سواءاً بالدنيا أم بالآخرة ...
خلال هذه الرحلة والأيام سمعت الكثير من الذي يدور داخل الوطن من شهود عيان ،، حيث مدينة لندن قريبة وكثير من الليبيين الغث والسمين يترددون عليها للعلاج والأعمال ،، وشراء الذمم للأدعياء والعملاء ضعاف النفوس ،، وتسقط أخبار المعارضة ،،، وليست مثل أمريكا بعيدة ،، بعيدين عن اللقاءات الشخصية ،، بل سماعا أو عن طريق المكالمات الهاتفية ،، وكم حز بالنفس أعمالاً شريرة عديدة حدثت وتحدث بالوطن ،، وكل من يقاوم أو لمجرد الإشتباه من حاقد ودس كاذب يدخل السجن ويعذب وهو بريء من الأبرياء ،، المهم زرع الخوف حتى يستكين الشعب ويرضخ ولا يقاوم ... المؤسف في الأمر  أن الكثيرين من الجالية بالخارج دب اليأس إلى قلوبهم عندما شاهدوا عمليات الشنق وهي مصورة وتذاع في القنوات المرئية ليشاهدها الجميع عن قصد وعمد فهي خطط مدروسة من أساطين وأساتذة الشر ،،
المفروض أن نأخذ عبر ونتعلم الدروس القاسية ،، ونحارب القذافي ونظامه الفاسد بنفس الصورة والأساليب ،، الإرهاب بفضحه وفضح أعوانه والتعامل مع العالم الحر في تبادل المعلومات الأمنية ،، ولا نعتبرها عمالة كما يردد الحاقدون ...  حتى نتقي الشر قبل أن يطالنا ،، فالعمر يجري ويمضي بسرعة ونحن لا ندري ،،، والموارد نتيجة الحفاظ على السلامة والحفاظ طوال الوقت على الرأس تنضب ،، والعزيمة مع طول الوقت تفتر ،،، والأسرار تكتشف ،، وتتاح الفرص لعيونه الإختراق لصفوفنا نظير الإغراءت الكثيرة لضعاف النفوس ،، وبالتالي يسهل القضاء علينا ...
إن المسئولية جماعية ويوماً نحن مطالبون أمام الغير من أبناء الشعب الليبي بالوطن ،، إذا أطال الله عز وجل في أعمارنا ،، ورجعنا منصورين عن ماذا عملنا بالغربة ؟؟ ضروري من تقديم كشوفات الحسابات النزيهة حتى لا يختلط الحابل والنابل ،، ويندس المتسلقون ويركبون الموجة على ظهور الأحرار الشرفاء المناضلين في سرية من أجل القضية الوطنية ،، الذين يعملون في صمت ناكرين ذاتهم ،، ضروري من الحساب يوماً حتى يظهر كل من زايد بالقضية ،، كل من أجرم في حق الوطن ،، كل من فرط بقصد أو بدون قصد ... كل من ضحى بشرف ونزاهة ... حتى يتم تقديره سواءاً حياً أم في ذمة الله عز وجل ،، فالتاريخ لا يرحم ،، ويوماً سوف تظهر وتنشر معلومات كثيرة ،،، فهنيئا لكل صابر محتسب قدم الجهد والمال والدم من أجل الوطن ،، بدون توقع لأي منصب وشكر ومكافأة ...
هذه الخواطرالعاصفة بأغوار النفس والذات ،،  جعلتني أصحو من النوم في عز الفجر لأسطرها للعالم ،، حتى يوماً من الأيام تكون ورقة عمل للمتابعة من قبل المهتمين بالقضية ،، ففي نظري كثير من الأمور التي طواها النسيان ودفنت ، تحتاج إلى النبش بالحق! حتى تظهر معادن الرجال لكثيرين ،، هل هم مجاهدون مناضلون بالحق وواجب علينا التكريم لهم سواءاً أحياءاً يرزقون ،، أو موتى في ذمة الله عز وجل ،، أو أشباه رجال متسلقون ضروري من الفضح ،، حتى لا يخدع فيهم الكثيرون من الأجيال القادمة نظير عدم الفهم ووضوح الرؤيا ... ويسجلهم التاريخ النضالي الوطني ويحسبون عليه أنهم أبطال ،، والواقع هم صعاليك وأشباه رجال متسلقون ... طالبا من الله عز وجل أن أكون على طريق الحق ،، ولست متجنيا على أي مناضل شريف ... فلا أريد وأرغب في الضرر لأي إنسان ؟؟ والله الموفق ،،

                                                      رجب المبروك زعطوط

                                                          1987/8/21م    

No comments:

Post a Comment