Friday, March 16, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -25

                                           بسم الله الرحمن الرحيم
                                           
  لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …

                                                             الحرقة و المرارة


              يمر المناضل في الحياة العملية  بمراحل كثيرة  ويقدم ويدفع الثمن الغالي حتى يتعلم من تجارب الحياة ومحنها ،، وأنا شخصيا بالسابق لم أكن مهتما بالسياسة ،، بل الوقت جميعه مركز على الأعمال والتجارة  مع بعض الإلمام بماذا يدور على ساحة الوطن من أمور خبيثة من مؤمرات ودسائس رخيصة من عقل مريض غير مؤهل لأن يقود الوطن ولكن نظير الإرهاب وقوة العسكر وعدم المبالاة من كثيرين ،، والعيش في الحلم الكبير مخدرين بالأطروحات والتطبيل والتدجيل  ،، كانت أسبابا قاهرة في الصمت والتغاضي عن كثير من الأخطاء التي إرتكبت نظير التخبط ،، والقرارات التي  كانت تصدر و تلغى اليوم الثاني أو بعده  بأيام  وكأنها لم تكن قائمة ،، أليست بمأساة ؟؟
في تلك الأيام الحلوة والمرة كنت يافعا صغيرا السن ،، لا توجد لدي الخبرة الكافية ولا التجارب الرهيبة وإعتقدت أن جماهير الشعب لن تصمت ولا تترك العقيد يستبد كما يحلو له ،، ولكن مع مرور الوقت شعرت كم أنا مخطىء ... عندما بدأ يسلب الأملاك بحجة قوانين التطوير العمراني العقاري  ،، وتكالب الجميع على البيع والقبض لأموال أكثر من المطلوب بمراحل بدون وجه حق ...
لقد جرب الشعب ،، جس النبض بحذر وصبر ،، ووجد معظم الجميع غير مهتمين بما يحدث في الوطن من أمور خطيرة  مرت مرور الكرام من غير أي تساؤل من أي  مواطن ،، مما بدأ في شد القبضة الحديدية بالتدريج حتى خنق الأنفاس والشعب لا يدري يعيش في الأوهام والحلم الكبير والإثراء السريع ،، وقام بمغامرات كبيرة  وشراء الأسلحة بكميات هائلة  ،، أكثر من قدرات الجيش على إستعمالها ،، وأهدر المليارات على مشاريع زراعية في الصحراء بدون دراسات وتخطيط  ،، لم تعط النفع ،، ولم يستفيد منها المجتمع الليبي بقرش واحد بل خسائر متتالية نظير التخبط ،،والسرقات والعمولات ...
ساند الإرهاب العالمي بلا حدود وأصبحت ليبيا وطننا مرتعا لكل إرهاب وبؤرة فساد ،، وأي إرهابي أو مدعي النضال بالعالم ،، كان يأتي إلى طرابلس العاصمة ،، يمتص من خيراتها ،، وأبناء الشعب جوعى بدون حريات ،، يساقون من راع مثل الغنم إلى المهالك من غير أن يعرفوا ماذا يدور من مآسي قادمة ،،وتوقعات !
تم فتح أبواب ليبيا على مصراعيها لجميع رجال الأعمال والشركات التجارية ،، وأشباه التجار الأجانب للعمل والتصدير والتجارة ،، وأبناء الوطن الغيورين محرم عليهم الأعمال والتجارة والكسب الحلال حتى لا يكونوا ثروات ممكن أن تتسبب له في  مشاكل مستقبلية وتدعم المعارضة التي  بدأت تظهر بخجل من غير أن يحس بها أي أحد في البدايات ،، العقيد حقود حسود لا يحب الخير لأي وطني شريف ،، بل ينظر له كعدو محتمل ،، أليست بمأساة ،، ولي الأمر وضيع يتعامل مع أبناء الشعب بهذه العقلية والكيفية ...
بدأت الهجرة الجماعية بعد التأميمات والزحف على الأملاك والشركات من الكثيرين خوفا وهروبا من القبض والسجن والتعذيب المفرط من غير أي داع وهم أبرياء ،، وكنت أنا أحدهم ،، تمت وفاة الوالدة بالليل نظير الصدمة واليوم الثاني تم التأميم والإستيلاء على كل ما أملك ،، ولم أجد من يساندني ،، وحاولت وتحسست ولكن الجميع خائفون بالرهبة من المواجهة ،، وإضطررت للتخطيط والهرب ،،
بالخارج بحثت عن الرجال الحقيقين للإنضمام وبدأت بأول خطوة وأصبحت عضوا في تنظيم الحركة الوطنية الديمقراطية ،، وبعد وقت لم أجد مايشفي الغليل ،، وإنسحبت بهدوء ،، عملت بكل الجهد بالقاهرة لفترة حتى ظهرت الرابطة الوطنية من بضع رجال غيورين وكنت عضوا بمجلس إدارتها ،، ولها قصص عديدة سوف أذكرها يوما من الأيام بالتفصيل في مدونات قادمة ،، وبعد فترة تنازلت عنها بالرغبة لأنني غير مقيم بمصر ،، إقامتي في أمريكا !
وتأسس تنظيم "جيش الإنقاذ" يوم 1981/1/6م وكنت المؤسس مع الرفيق جاب الله مطر ،، وإستمرينا لفترة سنوات وتغير إلى إسم "حركة الكفاح" ،، وبلانا الله عز وجل ببعض الرفاق المشاكسين عديمي الثقة ،، وتم بذر بذور الفتنة ،، وإنتهت القصة وخرجت من الحركة بهدوء حتى لا أدخل في مهاترات ،، عارفا بجميع الأشياء وتغاضيت حتى لا ينشر غسيلنا القذر وندخل في مشاكل وتحديات ترجع بالضرر على الجميع ،،
إنني لا أخاف من هؤلاء الرفاق المشاكسين أشباه الرجال ،، لأنني عارف نفسياتهم وأغوارها يتراءى للبعض أنهم أبطال وهم أشباه رجال ،، أخشاب مسندة ،، والمشكلة متسلقون بأوائل الصفوف نظير التملق والنفاق ،، ولكن الطريق طويل ووعر ،، ومن لا يؤمن بوجود الله عز وجل ويتقيه ،، مهما وصل للقمم يوما سوف يسقط للحضيض ويدفع الثمن ،،
إن ليبيا وطني ومدينة درنة الحبيبة بها ولدت وترعرعت ،، وقضيت زهرة الشباب وأحسن أيام العمر بها ،، ولن أنساها طالما حييت فأنا إبنها البار ،، أطلب من الله عز وجل الصلاح والتوفيق والنجاح ،،وطول العمر حتى أشاهد نهاية الظالم ،، والله الموفق …

                                                     رجب المبروك زعطوط

                                             يوم الأثنين  9 رمضان 1988/4/25م  

No comments:

Post a Comment