بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …
حوار مع النفس وصديق
خلال أيام شهر أبريل ، كنت أقضي عدة ساعات يومياً في مراجعة صحف ومجلات تأجير البيوت وأقوم بزيارة المناطق العديدة في المدينة التي عشت فيها عدة سنوات من العمر ولا أعرفها جيداً ،، أبحث جاهدا عن سكن مناسب لتأجيره مدة بسيطة حتى تنتهي السنة الدراسية وتبدأ العطلة الصيفية ونسافر إلى دولة عربية حتى يتعلم الأولاد اللغة ،، وتتعود أذانهم على سماعها والتحدث بها بطلاقة ،،، فقد بعت البيت الكبير لتسديد الإلتزامات من أن تتكاثر بالربا الذي لا يرحم في أمريكا !
بالماضي كنت غير مهتم بالتجول والسياحة ومعرفة مدينة "فرجينيا بيتش" حيث كانت كبيرة ومترامية الأطراف لأن المنطقة واسعة تسمى ( تايد ووتر) تضم مدنا عديدة متلاصقة ،، ومعرفتي لا تتعدى الطرق الرئيسية ومعرفة الحي الذي أسكن به وكيفية الوصول للبيت مع إنني عشت بها أكثر من 7 سنوات ،، فقد كان البال مشغولا بالهموم والتركيز على الوضع الأمني لي وللأسرة ،، الخوف من الملاحقة والإغتيال على غفلة ،، دائما كل حركة وخروج محسوبة وفي أضيق نطاق ووراء الستار وفي الظلال إلا من الأشياء الرئيسية التي تتطلب مني الحضور شخصيا إلى بعض الإدارات لقضاء الحاجات ،، حتى لا أعرف من كثيرين بحجة الأمن ،، الذي أصبح هاجسا وجزءا من الحياة الصعبة التي مررت بها ،، فقد إضطررت دائما لتغيير العناوين والسكن مما تسبب النقل في خسائر كثيرة مادية ووقت ،، الله سبحانه وتعالى يجازي وينتقم ممن كان السبب في هذا القلق وعدم الراحة ...
لقد مرت فترات مرهقة متعبة دفعت الثمن الغالي من الصحة والمال الكثير لأنني لم أستقر من أول يوم في مكان واحد مرتاح مثل جميع الغرباء المهاجرين الذين أتوا إلى أمريكا للعيش والبحث عن الفرص للحياة والإثراء ،، وأعمل أي عمل بحيث يدر علي الدخل ،، وأعيش وأذوب في الحياة الأمريكية مثل الكثيرين ،، ومع الوقت أصبح من الأثرياء ،، فالفرص كثيرة وكبيرة بلا حدود فهي مشهورة بوطن العسل واللبن ،، كنت دائما في أي تنقل مهما كان حاملا لسلاحي وفي متناول اليد للدفاع عن النفس وقت الحاجة ،، حيث كنت أحمل ترخيصا خاصا رسميا بالحمل ،، وكثير من المطبات حدثت خلال بعض الفترات العصيبة ،، والحمد لله عز وجل لم أخاف وأتهور فطوال الوقت كنت ضمن القانون وبالأصول ،،،
النظام طاردني بدون هوادة لسنوات ولم يصل إلي نظير رعاية الله تعالى ورضاء الوالدين رحمة الله عليهم ،، وعندما لم يصل لغرضه إستعمل طرقا أخرى خسيسة محاولا شراء الذمة المالية ،، وبعث بوفود عديدة تعرض عروضا مغرية يسيل لها اللعاب ،، وكنت وقتها في مسيس الحاجة للسيولة ،، ولكن لم أسقط في الرذيلة وأتقاضى قرشا واحدا من النظام الفاسد ،، ثم إستعمل آخر حيله لمزيد من المضايقات والضغوط وتم الطلب من حكومة القذافي عن طريق الشرطة الدولية ( الأنتربول ) بالقبض علي وتسليمي إلى ليبيا كمتهم ،، ولكن أمريكا رفضت التسليم ( لها قصة طويلة ) ،،
هذه السنين الصعبة في الغربة لم أرتاح فيها كما يعتقد الكثيرون ،، فقد عشتها أياما وليالي في ضيق شديد وملاحقات عديدة وضغوط نفسية وخرجت من المحنة بعدة أمراض أعاني منها إلى يومنا هذا ،، ولكن الحمد لله تعالى لم أرضخ وأسقط كما فعل الكثيرون من الأدعياء المزايدين المتاجرين بالقضية الشريفة ،،،
إن الحياة من غير محن وكوارث لا تساوي شيئا ،، ولا يبرز الأبطال والزعماء إلا من خلال الأحداث الصعبة والتجارب الأليمة ،، وأنا شخصيا مررت بأشياءا كثيرة ومحن صعبة ومشاكل بلا حدود ،، وتقبلتها بصدر رحب وبصبر عجيب ،، حيث أضفى المولى تعالى علي طمأنينة روحية غريبة ،، أنا نفسي في بعض الأحيان عندما أراجع النفس ،، أكاد لا أصدق !
إن مشكلتنا مع القذافي المجرم مشكلة رئيسية كبيرة معقدة ،، لا تنتهي بالوعود المعسولة ،، ولا بالصفح وإدعاء التوبة ،، ولا بخروج بعض السجناء ،، ولا برمي جوازات السفر من على شرفة الجوازات والسماح للمواطن بالسفر كما يريد ،، قضيتنا قضية نظام وآراء خاطئة ،، قضية حريات عامة ودستور وقانون ،، قضية بقاء الشعب يرفل في حرية وبحبوحة العيش ،، ضروري من إنهاء وجث النظام الفاسد والحواريون المتسلقون أشباه الرجال بأي صورة من الصور ،، وذهاب العقيد المعقد للأبد من قمة السلطة بأي ثمن حتى ترجع ليبيا الحبيبة إلى ماكانت من قبل ،، سعادة وفرح ورضاء النفس لدى الجميع ،،
أنا شخصيا لدي ثأرشخصي عنده لن أتنازل عنه مهما حاول و فعل ،، كان السبب الرئيسي في وفاة الوالدة بالصدمة نظير سلب الأرزاق والأملاك ،، التأميم والزحف ،، سجن الأخ الأكبر عند الرجوع من الحج ومرضه بالسجن ولم تتاح له الفرصة بالعلاج ،، وفي اللحظات الأخيرة نقل للمستشفى ووفاته وهو برىء من التهم التي كيلت له ،، إغتيال أبن الخال الشهيد أحمد عبدالسلام بورقيعة في بريطانيا من فرق الموت اللجان الثورية ،، المطاردات الكثيرة ومحاولات الإغتيال العديدة لي شخصيا ،، ملاحقة جميع أفراد العائلة والأصهار والضغوط النفسية للجميع بسبب أنني عدو ومعارض للنظام ،، عشرات الأشياء التي تحتاج إلى كتابة وتسطيرالعديد من الصفحات ،، قصص حياة ومآسي الكثيرون لا يعرفونها لأنهم لم يمروا بويلاتها ،، لم يحسوا بنارها وحرقتها ،،
الكثيرون نصحوني بأن أهتم بالنفس وبعائلتي وأولادي حتى أرتاح وأضمن سعادتي ،، فهم الذين بجانبي الذين يفرحون لفرحي ويحزنون لحزني ،، ولو سقطت في أية عثرات فلن أجد أحدا بجانبي إلا هم ،،، حيث أن الشعب تغير في السنوات الأخيرة للأسوء ،، وقد صدقوا في الكلام والنصائح ،، ولكن نسوا وتناسوا أنني عاشق للحرية ،، أريد العيش حرا رافعا الرأس كريما ،، فالحرية التي أرغبها ،، ليست في الإقامة بالوطن والعمل والعيش الهانيء وبعض الإمتيازات والمال ،، فالحرية التي أعنيها والتي الكثيرون من أبناء الشعب لا يعرفونها ،، هي أن يكون لدينا دستور يحترم الحريات الفردية وشعائر الدين التي هي الأساس والجوهر وقانون يتم الإتفاق عليه من نخب الشعب وليس من الأراذل والعوام الجهلاء ،،ويحترم من الجميع ساريا على رئيس الدولة إلى أصغر فرد في الشعب ،،
إنني مؤمن تمام الإيمان أن الوطن بخير ،، به الرجال والشباب القادرون بإذن الله عز وجل على التغير ،، متى يحين الوقت فكل شىء له أوان ،، ويشعلون فتيل البركان الذي سوف يدمر الطاغية ونظامه ويجتثه من على أكتاف الوطن ،،
بالسابق عرضت علي مناصب عديدة إبتداءا بأن أكون عميدا لبلدية درنة ورفضت العرض ،، وتم إستدعائي إلى طرابلس ،، وقابلت الشيخ صبحي أمين الدعوة الإسلامية ونائبه الشيخ التينازي الذي كان سفيرنا في باكستان وتعرفت عليه هناك سنة 1976م عندما كنت في زيارة طويلة لإستجلاب اليد العاملة الباكستانية وقام بدعوتي للغداء مع أعضاء السفارة عدة مرات ،، بحيث أكون حلقة وصل مع ثوار الفلبين في نقل المال والدعم ،، ورفضت لأنني غير مستعد لهذا النوع من الأعمال القذرة التي غطاؤها نشر الدين الإسلامي والمساندة والدعم المالي ،، وتحت الستار الخطف والإغتيالات والإرهاب في أبشع معانيه ،، عرضت علي أعمال كثيرة قذرة في أفريقيا وكان بالإمكان إحناء الرأس وإستغلال الفرص الكبيرة للإثراء السريع كما فعل الكثيرون إعتبروها ضربة حظ وفرصة لا تعوض للسرقات ،، ولكن بمال حرام غير مستعد لأن يأكل أولادي ويربون لحما به ،، إضافة أنه ضد مبادئي وقيمي وأخلاقي ،،، وإضطررت للهرب والهجرة بسرعة حتى لا أقتل أو أدخل السجن نظير الرفض المتكرر وتهمتي أننى غير متعاون ضد العقيد المعقد والنظام ،،
أن لكل غريب مهاجر ليبي قصة من القصص ومشكلتنا أننا غير صرحاء مع أنفسنا ومع الغير ،، تعودنا على أمثال شعبية عقيمة كانت في يوم من الأيام جديرة بالإهتمام ولكن الآن في الوقت الحاضر لا تصلح ،،( مثل ألعب وحدك ماتشك ،، وخبز الشرك مايطبش ) وغيرها من العشرات والتي جميعها تدعو للإستقلالية وعدم الوحدة والتعاون ،، بحيث من صغرنا غرست في أنفسنا ولم نتعود على الصراحة ولا على العمل الجماعي ،، مع أن ديننا الحنيف يدعوا للتآلف والوحدة والتعاون جماعة حتى نستطيع أن ننهض ،، حيث البركة تطرح مع الجماعة المؤمنة التي تدعو للخير والصلاح ،، ( وأمرهم شورى بينهم ) ...
إن حبنا لذاتنا تغلب على الجميع وأصبحنا مع الوقت بآخر الطابور ،، ولن نتقدم إذا لم نغير هذه الأفكار العقيمة البالية ،، بأخرى تحررية بنقاء وشفافية تتماشى مع العصر الحديث وتتجدد مع العصور القادمة ضمن الدين والقيم ...
جلست جلسة أخوية مع أحد الرفاق وتناولنا حديث الإنفتاح الأخير بالوطن ومدى نجاحه وفشله وكان الرفيق عنيدا ،، إنه لا يؤمن بالسياسة الأخيرة ويعتبرها عبثاً ،، وأن البداية خطأ من أول يوم بالإنقلاب الأسود ،، وسوف تظل على خطأ ،، والحل الوحيد غياب القذافي المجنون عن السلطة ورأس الهرم بأي ثمن !
وأثناء الحديث تطرق ماذا قدمت المعارضة إلى الآن ؟؟ وهل لها أي صدى ؟؟ ورددت عليه ،، لولا المعارضة في صمت بالداخل والتي قمعها بالحديد والنار ،، والمعارضة بالخارج التي أبواقها في كل مكان وكل محفل وتجمع ،، المعقد خاف من إستفحال الأمر وبدأ في المراوغة لكسب بعض الوقت ،، ولولاها لن يسمح ببعض الإنفتاح ...
وأنا رأيي هو الرجوع للوطن ،، فلا نستطيع حربه والقضاء عليه ونحن بالخارج نتكلم ونهدد وبيننا وبينه محيط وآلاف الكيلومترات ،، أحسن شيء هو أن نكون بالداخل بالقرب من العدو ونتحمل المصائب ونزرع بذور الثورة ونشر الأفكار النيرة في صمت وكتمان قوي حتى لا نتهم ونسجن ونعذب و ننخر مثل السوس ، بالحق ، مع طول الوقت يوما ما سوف يسقط وينتهي ،، وآخر النقاش أيدني في الأفكار بالرجوع !
إن القلب يدمى عندما أتناقش مع مثل هذا الرجل المناضل ،، وأشاهد لهيب الغضب يكاد يخرج من عينيه ،، على الكثيرين من رموز المعارضة وأدعيائها الذين لا يملكون تجارب سياسية يتخبطون في متاهات عقيمة ،،، مهما طال الوقت النهاية الفشل ،، لأنهم لم يتنازلو عن الكبرياء وحب الذات ،، ويجتمعون مع الآخرين ويصلون إلى حدود التعاون في إطار واحد مع بعض ،، فالعمل النضالي يسع الجميع وكل واحد فينا وله دور يستطيع فيه أن يبدع ،، وبالتالي معا نستطيع القيام بالكثير ،، فيد الله عز وجل مع الجماعة ينصرهم ويؤيدهم إلى طريق الحق والصواب ،، وبالأخص محاربة الظلم والطغيان و الشيطان ،، والله الموفق .
رجب المبروك زعطوط
11 رمضان 1988/4/27م
No comments:
Post a Comment