بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ...
جولة مكوكية
كل خطوة أخطوها أثناء الرحلات الكثيرة وبالأخص إلى أوروبا في الثمانينات من القرن الماضي أحسب لها ألف حساب ،، أخطط لها تخطيطاً جيداً متقنا ،، أضع في الحسبان كل التوقعات حتى لا أقع في أخطاء بسهولة وتتم تصفيتي والقضاء علي في غفلة بدون توقع من أحد القتلة المنتشرين في أوروبا ،، حيث وقتها كنت متهما مطلوبا حيا أو ميتا وعلى قائمة التصفية والإعدام من اللجان الثورية وفرق الموت القذافية التي تبحث عني منذ يوم الهرب من الوطن والتحدي والإنخراط في المعارضة ،، ومهما وضعت من خطط بعناية وتوقعت الأسوء أجدني في بعض الأحيان في مواقع بالصدفة حرجة وخطيرة من إخوتنا الليبيين ذوي الثقة ،،، حيث لا حس أمني لديهم ،، يتحدثون بعفوية وسذاجة من غير تفكير في العواقب الوخيمة التي ممكن تحدث نظير زلل اللسان بدون قصد ولا علم ،،
إتصلت بالسيد ماريو نوفاكو الإيطالي الذي أثق فيه في ذلك الوقت ثقة عمياء ،، فقد عرفته منذ سنوات طويلة ،، وتوطدت بينا صلة صداقة وأخوة وماء وملح ،، وكنا متقاربين في العمر من نفس مواليد سنة 1943م عندما جاء إلى ليبيا عام 1966م موظفا محاسبا لدى شركة ريفيللي الإيطالية لأعمال المقاولات لبناء وحدات سكنية وفيلات بمدينة البيضاء الناشئة أيام العهد الملكي ،، الذي كان الملك وحاشيته المقربون يرغبونها بأن تكون العاصمة الإدارية بالمستقبل ،، حيث منها بدأت الدعوة السنوسية أواخر القرن الثامن عشر بوضع حجر الأساس واللبنة الأولى في نشر الدين السليم بدون زيادات ولا حشو وخرافات من الأدعياء الفقهاء ،، وتم بناء الزاوية الأولى بها (الآن يسمى الحي بالمدينة القديمة ) والتي مازالت قائمة إلى الآن ،،، شاهد على ما مر بها من طلبة أصبحوا مع الوقت ومرور الزمن شيوخا أفاضل في نشر العلوم الدينية وتعليم القرآن ،، ومجاهدين قادة في قيادة رجال قبائل البادية الأشداء أيام غزو الطليان ،، دفاعا عن الدين الوطن والعرض ،،
إنها مدينة البيضاء ،، إسمها فيها بيضاء مثل اللبن ،، نفحات الدين والقرآن في جوانبها ،، مدينة لها طابع خاص روحاني ،، بها ضريح الولي الصالح المجاهد رافع الأنصاري ،، سباقة للخير ،، أهلها ذوي مروءة وكرم ،، يكرمون الضيف ،، ينجدون المستجير ،، سباقة في الجهاد والدفاع عن الوطن ،، مهما شكرت لن أوفيها حقها ،، فقد عملت بها في منتصف الستينات كتاجر وممول لكثير من الشركات الأجنبية للبناء والتعمير،، وحققت المعجزات والله يسامحها وأن يرفع من قيمتها وشأنها ،،، أتمنى لها الخير في جميع الأوقات فهي جزء من حياتي العملية أيام الشباب ،، حيث كل يوم آتى للعمل الخاص ،،
خلالها تعرفت بماريو المحاسب حيث كنت وكيل الشركة في تفريغ البضائع من السفن التي تصل إلى مينائي درنة ورأس الهلال ،، وكميات المواد للبناء بعشرات الآلاف من الأطنان المستوردة من إيطاليا حيث لدي رخصة وكالة بحرية وشركة خاصة للتفريغ ومناولة البضائع مما زادت العلاقات والثراء وشهرة الإسم لدي أصحاب المصانع وشركات البواخر الناقلة في عديد من مواني ومدن البحر الأبيض المتوسط الذين يتعاملون مع ليبيا ،، المنطقة الشرقية ،، فقد كان وطننا وقتها في بدايات الستينات لا توجد به أية مصانع لإنتاج مواد البناء وبالأخص الإسمنت وحديد التسليح للخراسانات والبلاط ومواد عديدة بدون عدد ولا حساب ،،
جميع الإعتماد على الإستيراد من الخارج ،،،وشركة ريفيللي عند الحاجة يشترون من شركتي المواد المطلوبة من الإسمنت والجير حيث لدي مخازن وأستقبل البضائع بكميات كبيرة من الخارج الباخرة وراء الأخرى طوال الوقت ،، وبعدها ببعض الوقت وقعت مع شركة ريفيللي عقدا كبيرا وأصبحت الوكيل و التاجر الممول لهم بالبضائع ،،، مما تحكمت في السوق أكثر وأكثر وأصبح لي شأن ،، وتعاملت مع معظم الشركات الإيطالية التي قامت بأعمال تشييد وبناء ،، نظير حسن المعاملة ،، والتسليم في الوقت ،، وجودة المواد ورخص السعر ،،
إنتقل ماريو إلى العمل مع شركتي الخاصة ،، كمدير لمصنع البلاط وقص الرخام الجديد الذي قمت بإنشائه في بدايات عام 1969م وبدأ في التصنيع قبل الإنقلاب الأسود بقليل ،،، فقد بدأت الفكرة من بيت عائلته بقرية جيفوني ليلة آخر السنة 1968م حيث كنت مدعوا ،، ونحن مجتمعون في حفلة بجانب المدفأة نصطلي بالدفء من العواصف والأمطار الغزيرة التي كانت تضرب زجاج النوافذ بقوة ونتسامر مع صديق آخر أسمه رفائييل بورفيدو ،، وتطرق الحديث عن البلاط وعن الكميات الخيالية التي تستورد من دول كثيرة ،، وذكرت أنني مهتم بإقامة مصنع ،، وإستهزىء بي حيث لا خبرة لدي ،، وقلت سوف أتعلم مع الوقت ،،، ونهاية السهرة تم الإتفاق أن يعملوا معي في المصنع كمسؤولين عن الأيدي الفنية والمواد الأولية التي سوف يتم إستجلابها من إيطاليا ،، وقبلت التحدي وتم الإتفاق ساعتها ،، وبعد عدة شهور كان المصنع جاهزاً ( له قصة أخرى ) وترك ماريو عمله لدى شركة ريفيللي بالرغبة وبعلم الشركة وباشر العمل الجديد مع مجموعة فنيين إيطاليين من طرفه كمقاول من الباطن للعمالة والتصنيع ،، وإستمروا بالشركة أكثر من 10 سنوات يعملون بوفاء وإخلاص ضمن الإحترام والتقدير المتبادل مع بعض حتى يوم التأميم والزحف وضياع المصنع للأبد ،،
خلالها تعرفت به معرفة جيدة وزرت عائلته والديه الأب والأم زيارات عديدة حتى وفاتهم بعدها بسنين عديدة ،، وكنت أول ليبي يزور منطقته وبلدته ( جيفوني فالا بيانا ) من ضواحي مدينة ساليرنو ،، عندما دعاني لقضاء أعياد الميلاد مع عائلته شهر ديسمبر 1967م في البدايات للمعرفة التي إستمرت وترجمت إلى علاقات وثيقة وأعمال تجارية ضخمة ،، بحيث مع مرور الوقت السيد ماريو إستمر في العمل مع اللجان الشعبية بعد الزحف والتأميم وهربي من الوطن ،،، حل محلنا نحن أبناء الوطن الغيورين على المصلحة العامة في التصدير للبضائع الإيطالية نظير العلاقات التي إكتسبها من خلال معارفي ومدير مكتبي الليبي الشريك في العمولات مثل المنشار ،،، وحقق أرباحا رهيبة أيام الفوضى ،، حيث الغوغاء لا يعرفون كيفية الأستيراد ،، ولا العلم بالمواصفات الفنية الجيدة ولا ولا ،، ؟؟ وأصبح ثريا من أصحاب الملايين فى فترة وجيزة من السنيين ،، ونحن ضيعنا أموالنا وأنفسنا في تحديات ومطاردات أرجو وأتمنى أن تكون العواقب خيرا بإذن الله عز وجل ...
السبب من الزيارة وجود إبن خالي ناصر بورقيعة في زيارة إلى إيطاليا في ضيافة ماريو ،، وأريد أن أستخلص الكثير منه فهو قريب بالدم من ناحية الأب والأم ،، ذو ثقة ،، وأبلغت السيد ماريو بميعاد الوصول على شركة الخطوط الألمانية لوفتهانزا عبر فرانكفورت ،، وزيادة في الحيطة والأمان ،، آخر لحظة أبلغته بتغيير الموعد إلى إشعار آخر وسافرت من مطار نورفولك بفرجينيا يوم 1987/12/10م عبر مطار جون كنيدي نيويورك حيث قضيت ساعتين في الإنتظار وبعدها رأساً على متن الخطوط الجوية ( تي دبليو أي ) الأمريكية إلى روما إيطاليا ...
حطت الطائرة بالمطار الساعة 9 صباحا ،، وأنهيت إجراءات الدخول بسرعة وخرجت وسط جموع الركاب ،، ودرت دورة في المطار و إنتظرت بعض الوقت ،، وشاهدت إبن الخال من بعيد وراقبته بهدوء بدون أن يشعر بي بعض الوقت ،، لأتأكد هل هو ملاحق من البعض بدون علمه أم لا ؟؟ حتى تأكدت ،، وأشعرته بوجودي وكان ذكياً فلم يأتي لمصافحتى والترحيب بي ،، بل خرج من المطار للساحة حيث السائق بالسيارة في الإنتظار ،، وسلامات حارة ووضعت الحقيبة بالمؤخرة وتحركت السيارة إلى بلدة ماريو حيث كان في الإنتظار لنا على الغذاء ،،
خلال رحلة الطريق التي إستمرت حوالي 3 ساعات ،، سمعت الكثير من أخبار العائلة والأحوال العامة والوضع المزري والنقص للمواد الضرورية بالأسواق ،، وأشياء لا يصدقها العقل ،، وكأننا في أحد بلاد أوروبا الشرقية نعاني الظلم في أبشع معانيه ،، وسألته أسئلة كثيرة عن الأحوال في مدينتي درنة وعن الأصدقاء والمعارف ،، وسمعت ردود العجب ،، وكيف يعيشون مثل الآلات بدون إرادة ينفذون المطلوب ،، جوعى لأبسط الحقوق نظير التعسف والإرهاب المستمر بدون إعطاء الفرص ،،،
وصلنا إلى بيت ماريو حيث عائلته في الإستقبال ،، وتم وضع حقيبة الملابس في أحد غرف الضيوف ،، وإتصل ماريو من المكتب وقال أنه سوف يحضر بعد قليل ،، حيث لديه ضيوف من ليبيا ، من مدينتي و أهل ثقة ،، وهل أرغب في ملاقاتهم أم لا ؟؟ وقلت له لا مانع ،، أنا لست بخائف! الخوف عليهم لأنهم سوف يرجعون إلى ليبيا ،، وأي همسة سوف يطالهم التحقيق والعذاب ،،
وصل ماريو وبرفقته المحامي الأستاذ حمد شلوف صديقي وأخ عزيز من أيام الدراسة وبرفقته إبن عمه السيد عبد الوهاب ،، وكانت أول مرة أتعرف فيها عليه ،، ولاحظت أنه يتمتع بذاكرة جيدة ودقيق الملاحظات ،، وتناولنا الغذاء في البيت ،، وذهب ماريو لينام بعض الوقت فقد كان الجو باردا ،، ونحن الضيوف الليبيون جلسنا بجانب المدفأة نتسامر على ماحدث بالمدينة من أحداث ونوادر الغث والسمين ،، ولم نحس بالوقت حتى كان العشاء ،، وذهبنا إلى مطعم بالقرية حيث كنا مدعوين من قبل أحد شركاء ماريو بالمكتب ،، وتكامل العدد وكنا مجموعة كبيرة حوالي 21 فردا ،، وكان عشاءا فاخرا وسهرة لذيذة تبادل فيها معظم الجميع الأنخاب ،، وشربت الكثير من المياه المعدنية مجاملة لهم ،،
صدحت الموسيقى طوال الوقت وتعالت أصوات الغناء من جميع الزبائن بالمطعم التي كانت تردد مع المغني وتصدح ،، وكنت مرهقا فقد مضى يوم ونصف ولم أرتاح وأنام ،، وقاومت بصعوبة حتى إنتهى العشاء والسهرة ورجعت لبيت ماريو لأنام ،، أما إبن خالي ناصر والآخرون فقد غادروا إلى شقة أخرى للإقامة ،، وكان مع ناصر رفيق آخر السيد لطفى شنيب لم أحظ بمقابلته حتى لا تتوسع الحلقة ... وتم الإتفاق مع الجماعة على اللقاء غدا الظهر على مأدبة الغداء ،،
نمت نوما عميقا من التعب والإرهاق ولم أسمع وأهتم لصياح وعراك أولاد ماريو وهم يلعبون ،، ولم أستيقظ إلا حوالي الظهر عندما كان ماريو يدق على الباب لأستعد حيث الجماعة بالإنتظار ،، قفزت من الفراش وحلقت وحمام دافيء وكنت جاهزا خلال دقائق ،، وبالصالون جنب المدفأة شربنا القهوة معا ،، ثم بالسيارة لمطعم ريفي جميل على رأس الجبل على إرتفاع حوالي 800 متر ،، ثم الرجوع وطلبي من ماريو المرور على المقبرة لزيارة قبر والده ووالدته الذين كنت أعرفهما جيدا ،، ووجدت منهما كل الرعاية والخير خلال زياراتي العديدة لهم طوال السنين التي مضت ،، وكانت لمسة جيدة مما تأثر ماريو من الزيارة ودمعت عيناه ،، إننا أخوة بغض النظر على الدين ،، فنحن بشر !
تركت البيت بناءا على طلبي وإنتقلت إلى شقة بالعمارة التي يملكها قريبة من الجماعة ،، حتى آخذ حريتى ولا أكون مقيدا بالبيت ،، وطبخ الجماعة عدة أكلات ليبية لذيذة ،، وعرفت كثيرا مما يدور في ليبيا من خلال الوقت الذي قضيناه مع بعض حوالي الأسبوع ،، وودعتهم على أمل اللقاء ،، وبدون أن يعرفوا وجهة السفر ،، وبالمطار حجزت تذكرة إلى إسطنبول لزيارة السيد حكمت الذي كان ينتظرني بالمطار ،، وأصر على الإقامة في بيته مع عائلته ،، وكان نعم المضيف ،، وتناقشنا في كثير من الأعمال ،، وهل توجد إمكانية للعمل معا في التجارة التي كانت وقتها تنمو بسرعة في تركيا التي كانت تريد دخول الأسواق بمنتجات جيدة وأسعار رخيصة تناسب العملاء للشراء ،، وأشرت عليه بالتواصل مع ليبيا فهي المكان الطبيعي لعقد الصفقات والإثراء السريع مع الأسواق المركزية الذين كانوا يشترون كل شيء بالهبل ،،
يوم 1987/12/21م سافرت للقاهرة مصر ،، بدون إعلام عن الوصول لنواح أمنية ،، وكانت العادة أن تطلب تأشيرة الدخول من الجهة الأمنية عن طريق كفيل معروف في مصر من قيادات الليبين وتسجل في المطار وعندما يأتي الزائر يجدها أمامه ،، ولكن خاطرت وصعدت للطائرة في آخر لحظة ،، وأبلغت صلاح حسن إبن أخي الذي كان في رعايتي مع أخيه فتح الله في القاهرة مصر بميعاد الوصول ،، ووصلت للقاهرة بالمساء وكان الجو باردا جدا ،، ولم تكن التأشيرة للدخول جاهزة بعد ،، وبعد صدام مع رجال الأمن على البيروقراطية والمعاملة السيئة لنا الليبيون المعارضون في الدخول لأرض مصر من الحكومة حيث كانت السياسة قذرة ،، أما الشعب فقد كان مضيافا وكريما ،، وإنتهت القصة بأن حجزت غرفة بفندق المطار لأقيم بها تحت الحراسة المشددة بعدم الخروج منها ووضع شرطي ضخم أمام الباب طوال الليل ساهرا ( كان الله في عونه ) إلى اليوم الثاني للحصول على التأشيرة التي كان يعمل عليها قريبي صلاح حسن مع السيد فرحات الشرشاري ،، الرفيق في النضال .
تمت الإجراءات وتحصلت على إذن بالدخول والساعة 10 صباحا كنت بالطريق في السيارة خارج المطار ،، ووصلت إلى الشقة في الدقي وكان مجموعة من الأخوة ينتظرون وتقاطر الكثيرون عندما سمعوا بالوصول ،، وشرحت للمجموعة الأفكار السياسية عن تكوين الحزب الجديد الذى يختمر في الذهن ،، وأن كثرة زعماء المعارضة ومشاكلهم الشخصية على من يكون الرئيس والقائد للمسيرة أثرت على الجميع ،،، والدس والخبث والإختراق من النظام بواسطة عملاء مشكوك فيهم ونحن لا ندري ،، وتسلط الأجهزة الأمنية المصرية التي تحاول قدر جهدها معرفة كل شيء مهما كان صغيرا يدور بساحة النضال سواءا في مصر أو العالم ،، بحجة الحماية للمغتربين ،،، وهم أنفسهم مخترقون من قياداتهم التي تتعامل مع النظام نظير الأموال التي كانت تصرف بالهبل تدخل في جيوب البعض من المسئولين إبتداءا من الرئيس حسني مبارك العميل للجميع ،، لمن يدفع أكثر ...
تم الإتفاق مع مجموعة مصر حيث الثقل للتجمع الليبي المهاجر فقد كان وقتها يعيش في مصر أكثر من 100 ألف مهاجر من شعب قليل العدد لا يتجاوز 3 مليون نسمة ،، على إشهار الحزب الجديد ،، الذي كان يحمل إسم حزب الأمة وكان سابقة كبيرة ومنعطف قويا في المعارضة الليبية ،، أن يخرج من وسط الأكوام والترسبات للتنظيمات والفصائل الكثيرة حزب جديد وكان أول حزب يعلن يوم 1987/12/24م الموافق لعيد إستقلال ليبيا .
تم الإعلان عن الحزب في الرابطة الليبية في القاهرة التي كنت من الرعيل الأول في إنشائها وكنت عضوا من ضمن مجلس الإدارة الأول فيها ،، وكان على رأسها صديقي العزيز المناضل السيد مصطفى البركي من بنغازي ،، والإعلان يوم العيد كان قنبلة مدوية للكثيرين وصدمة للحاسدين ،،
إستمرت الندوات والشرح واللقاءات والإجتماعات وكل يوم مدعو على دعوة مأدبة غذاء أم عشاء بدون راحة ،، فالدعوات مشكلة من المشاكل ضمن الجالية الليبية في مصر الكرم الليبي الزائد على اللزوم ولو إضطر الداعي المضيف إلى الإستدانة حتى يكرم الضيف ... ولا أستطيع الرفض لأي دعوة ،، وإلا تعتبر إهانة وسابقة خطيرة وتأول إلى أمور أخرى ممكن تعمل شروخ وإنشقاقات على الرفض للحضور والدعوة والماء والملح ،، ويأخذ المضيف على خاطره كما نقول حسب عاداتنا وتقاليدنا ،، وكنت أعمل جاهدا على عدم إغضاب أو إحراج أي إنسان تحت أي ظرف كان ،،، ولو على حساب الوقت والصحة نظير المجاملة ،،
بعد عدة أيام بالقاهرة تقرر السفر إلى مدينة الإسكندرية ،، وأرسلت صلاح حسن إليها لتأجير شقة نقيم فيها ونأخذ راحتنا كمجموعة بدل من الإقامة في بيوت المعارف والأصدقاء العديدين قبل السفر 3 أيام ،، وسافرت برفقة الحاج فرج الحسني والسيد عبدالمنعم الباح في القطار السريع ،، وبالمحطة أخذنا عربة أجرة إلى سكن السيد السنوسي لياس حيث كان ينتظرنا على مأدبة العشاء وكان صلاح هناك ،، وكانت الليلة باردة جدا وعشاء وجبة ليبية ساخنة حارة ،، وسهرة لطيفة ،، وتعرفت بحرم السنوسي لأول مرة وكان إنطباعي عليها جيدا من اللقاء الأول فقد كانت سيدة ذكية مثقفة تعرف إدارة الحديث بسلاسة وعندها حس وطني يشرف المرأة الليبية المهمشة طوال الوقت !
بعد العشاء الفخم والسهرة اللذيذة ذهبنا إلى الشقة المؤجرة وأقمنا هناك ،، واليوم الثاني وصل إبن أخي فتح الله حسن والسيد صلاح الكوافي ،، وقضوا معنا عدة أيام ،، وحدثت بعض المفارقات حيث حجز الأمن وثيقة السفر لفتح الله نظير عدم تجديد الإقامة كحجة للإستدعاء والحديث ،، لأنهم يريدون معرفة كل شيء عنا ،،
الساعة 2 صباحا طرق الباب من ضابط مباحث ومعه رجاله بلباس مدني كتحرش بنا ،، والحمد لله عز وجل أنني كنت أحمل جواز السفر الأمريكي مما تنازل عن مغالاته وكبريائه وسكت طالبا بكل أدب وإحترام إذا كان من الممكن زيارته في الغد للدردشة في القسم بمكتبه وحدد العنوان ولم أمانع ،، ولو لم يكن معي الجواز الأمريكي لكنت نمت في الحجز للصباح ،، فالمواطن العربي وبالأخص الليبي ،، يعامل بنذالة وإنحطاط ،،
اليوم الثاني عند الظهر و حسب الميعاد كنت في مكتبه بمفردي وصلاح وفتح الله بالصالون في الإنتظار فلا يأمن المناضل شرهم ممكن القبض والتسليم إلى ليبيا بحجج في السر ،، ونقاشات عامة جميعها تدور عن الحزب ومن وراءه ،، وهل في أي مجموعات أو أحزاب تدعم ،، وأسئلة كثيرة ،، بنفس الطريقة السخيفة المعتادة وكأنه يحقق في محضر وبلاغ ممل ولم يحظى بأجوبة مقنعة ،، حيث قلت له أنه حزب ليبي مائة بالمائة ،، غير متطرف وليست لنا أية علاقات مع أي مجموعة أو إنسان غير ليبي وبالأخص إخوتنا المصريون ،، وليست لكم دعوة بنا ! وأنه نابع من أمريكا مما أحرج لأنه لم يصل لما يريد ولا يستطيع الضغط علي لأنني غير مقيم في مصر حتى تبدأ المساومات والإكراه كما حدث مع العديدين من أبناء الجالية الليبية التعساء !!
المهم بعد نقاش دام الساعتين من الأخذ والجذب والترغيب والترهيب ،، قال لي بصراحة في الوجه أنه لم يصل إلى أي أشياء مقنعة عن الحزب الجديد وقال باللهجة العامية أنه كمن إشترى سمك وهو مازال في البحر ... ورددت عليه أنت عارف وأنا عارف وهذه أمور خاصة بنا ليست للنشر في الوقت الحاضر ،، وضحك من الرد وقال أهلاً وسهلاً في مصر وأعطاني إسمه وعنوانه ورقم هاتفه في حالة ما إحتجت إلى المساعدة بالمستقبل وخدمات لتسهيل أمورنا وشكرته على حسن اللقاء والحديث ،، وسلم فتح الله وثيقة سفرة وعليها الإذن بالإقامة وودعنا حتى الباب ،،
رجع السيد عبدالمنعم الباح مع صلاح الكوافي إلى القاهرة ،، وأقام معي فتح الله وحامد نسيبي أخ الزوجة وخال الأولاد ،، وكان في زيارة للبحث عن زوجة وخطبة لأحد الفتيات كعروس من بنات الجالية الليبية ،، الله عز وجل يوفقه في الإختيار الصائب !
تعرفت بالأخ الفاضل مفتاح السكران مدير الرابطة فرع الإسكندرية وعلى أخوة عديدون الذين أبدوا الإستعداد للإنضمام إلى المسيرة الجديدة ،، ولكن لم يتم الإرتباط مع أي أحد حتى يتم الفرز الدقيق لأن إدارة الحزب لا ترغب في كل من هب ودب يشارك وعندها نقع في خضم المشاكل ،، فقد كانت عندنا تجارب مريرة سابقة ولا نريد عمل أخطاء أخرى حتى نتأكد ...
قابلت الصديق السيد جبران سليم التاجر ،، وقام بدعوتي للغداء وتحدثنا في أمور كثيرة فقد كان أحد الأشخاص الموثوق بهم وله علاقات عديدة وكبيرة مع بعض المسؤولين بالحكومة المصرية ،،، وليلة آخر السنة لم أخرج من الشقة حيث كان لدي الشعور القوي بالملاحقة من أجهزة المباحث والأمن بدون أن أعرف وأدري ،، وهذه عادة الأجهزة المصرية كل إنسان غريب مقيم متهم ،،، ونمت باكرا حوالي الساعة 9 مساءا فقد كان الجو باردا والعواصف والرياح تزمجر ،، وقضيت عيد رأس السنة دافئا في حفلة خاصة مع النوم تحت البطاطين !!!
وتعبت من الإستيقاظ مرة بعد أخرى عندما كان الشباب يرجعون من السهرة قبل الفجر فرادى وأضطر للنهوض من الفراش الدافيء لأفتح الباب المغلق بعدة أقفال ومزلاج قوي للأمان من الدخول بسهولة من أي متلصص على غفلة ،، حيث يوجد مفتاح واحد كان معي طوال الوقت ،، تحسبا لأي طارىء قد يحدث ...
يوم 1 يناير 1988م سافر حمدي وصلاح حسن إلى القاهرة وتم تسليم الشقة لمالكها وغيرت السكن وأقمت في بيت السيد عاشور قندرة ،، وقمت بزيارة للرابطة الليبية ،، و كان لي أحاديث ونقاشات عديدة مع بعض الأخوة المقيمين ،، وجميع الحديث هموم وشجون يدور حول المأساة والمحن العديدة التي ترتكب في وطننا الحبيب من قبل نظام أهوج جاهل ...
العشاء في بيت المضيف وحضر السيد السنوسي لياس والسيد جواد بيريلاكس وسهرة طويلة لمنتصف الليل في أحاديث عامة ،، ولم أنم ليلتها من غير أن أعرف الأسباب وشعرت بوعكة صحية وحمى بدأت تنتابني مما قررت الرجوع للقاهرة والبقاء قرب الجماعة في حالة المرض وإستمرار الحمى ،، وودعت ( الأطرش ) قندرة وكتبت رسالة شكر للسيد عاشور على الحفاوة والكرم ،، وحضر السيد السنوسي لياس وذهبنا إلى محطة الرمل للقاء السيد فرج الحسني للسفر معا إلى القاهرة وكانت الحمى في إزدياد حتى وصلت للقاهرة مرهقا !
ذهبت رأسا إلى الفراش وكنت أصطك وأرتجف من الحمى ،، وجاء السيد خليل طاطاناكي للزيارة ولم أستطع مقابلته حيث كنت مريضا ،، وبالمساء تحاملت على النفس ونهضت من الفراش وحضر السادة سيف النصر عبدالجليل وزير الدفاع السابق في العهد الملكي حتى يوم الإنقلاب الأسود والسيد فرحات الشرشاري رجل الأعمال وبعض الرفاق وسهرة طويلة ،، وقضيت أياما بالشقة ولم أخرج نتيجة الضعف من الحمى ،، ويوميا كان الرفاق والأصحاب يتناوبون على الشقة وكل وجبة غذاء أوعشاء لا يقل عن 20 فرد ضيوف ،،
يوم 1988/1/8م دعاني الصديق فرج الأفطس ،، الذي تعرفت به عن طريق السيد فرحات الشرشاري على مأدبة غداء وعشاء على شرفي ،،، أكلة بازين بناء على الطلب وحضر السادة سيف النصر والسيد فرحات الشرشاري والسيد جاب الله مطر وأولاد أخي صلاح وفتح الله وسعود الشرشاري وعبد المنعم الباح وعدة إخوان لم أعرف أسماؤهم من المنطقة الغربية ،، وإستمرت السهرة إلى منتصف الليل ،،
يوم السبت 1988/9/1م حضر السيد عبدالكريم بللو الذي تقلد وظيفة وزير التخطيط بعد الإنقلاب سنة 1969م وخرجنا معا إلى فندق السفير في ميدان المساحة بالدقي حيث بالشقة زحمة من المترددين الزوار ،، وأحاديث عن القضية والحزب الجديد ،، وإستفدت من عدة ملاحظات جيدة عن كيفية العمل والإدارة حيث لديه خبرات كثيرة ،، وشعرت من خلال الحديث أنه مستاء من معاملة إخوتنا المسئولين المصريين ومعاملة المغلوب على أمرهم الليبيون بكل الأنفة والعجرفة ،، وأنه غير راض على الإقامة لديهم ،، وكلام كثير ،، ثم قام بتوصيلي بسيارته إلى شارع شهاب لزيارة السيد جاب الله مطر ،، والتي إستمرت حوالي الساعة ،، وكان صهره الحاج فرج تربح مقيم عنده في زيارة إلى مصر ،،
بالمساء حوالي الساعة التاسعة قمت بزيارة إلى أحد المسؤولين بالمباحث بناءا على طلبه عن طريق السيد فرحات الشرشاري الذي رتب المقابلة معه والذي كان مسئولا عن الشئون الليبية والمهاجرين بجمهورية مصر السيد فتحي المصري الذي لا أعرف رتبته العسكرية والذي سبق وأن تعرفت عليه منذ سنوات في بيت السيد مصطفى البركي ،، وحاول معرفة كل شىء عن الحزب الجديد ونفس الأحاديث وكأنها تحقيق سمج ،،، وإنتهت المقابلة بطلب عدم توزيع أية منشورات في مصر للجالية الليبية قبل إعلامهم وأخذ إذن بذلك ،، ووافقت مرغما ،، فهذا حقهم ووطنهم وهم أحرار فيه! ومنتصف الليل أوصلني إلى شارع محي الدين أبو العز حيث عنوان السكن ،، وكانت المجموعة كبيرة ويلعبون الورق وفي الإنتظار ...
الإثنين 1988/12/1م وليمة عشاء في بيت السيد عبدالكريم بلو وكان بمعيتي بعض الإخوان وكان عشاءا لذيذا وسهرة وشعرت أنه يريد أن يتخلص من الإرتباط من تنظيم هيئة الخلاص لأنه غير مرتاح ،، وودعناه حوالي الساعة 11 ليلا وبالشارع لم نجد عربة أجرة لتقلنا وكان الجو بارد جدا مما إضطررنا للمشي مسافة طويلة حوالي 5 كم ووصلنا إلى السكن مرهقين نرجف من البرد ،،
ليلة الخميس سهرة للفجر عن التخطيط والدراسات للعمل الصادق ،، ثم الصلاة جماعة ،، والنوم للظهر للإستعداد للذهاب للجامع لصلاة الجمعة ،، وبعد العصر كثر الزوار وتخللها جلسات جانبية مع السادة سيف النصر عبدالجليل والسيد خليل طاطاناكي والحديث جميعه عن الحزب الجديد وميلاده!
يوم السبت 1988/1/17م حضر السيد عاشور بن خيال وتغدى معنا ،، ودعوته للبقاء والعشاء ووافق وكانت جلسات لطيفة حضرها جمع كبير من المعارف والأصدقاء ورفاق الدرب إستمرت إلى وقت متأخر بالليل ،، وكان المفروض السفر والرجوع إلى أمريكا ،، وقررت الـتأجيل عدة أيام أخرى ،،
يوم الأحد تم نسخ كمية كبيرة من منشور الحزب ولم يأتي السيد سيف والسيد عاشور حيث إعتقدوا أنني سافرت ،، وإعتذر السيد فرحات لإرتباطه بميعاد آخر ،، وحضر البعض ،، وقد أحرجني نسيبي حمدي بالإستهزاء والسخرية على عمل المعارضة أمام الآخرين ولم يطلب منه الحديث ،، وتحملت الأمر فهذه وجهة نظره ،، ضروري من تقبل الرأي الآخر إذا أردنا تطبيق الديمقراطية ،، والسهرة إلى الساعة الثالثة ،، ونوما خفيفا لمدة ساعتين وصلاة الفجر والوداع للمجموعة وتم توصيلي للمطار ...
بعد الإجراءات المملة وعقد البيروقراطية المصرية صعدت ، أخيراً ، الطائرة شركة الخطوط الألمانية لوفتهانزا المتجهة إلى فرانكفورت ألمانيا ،، ورحلة مريحة ،، وكان الصديق طاهر الكشيك في الإنتظار بالمطار ومعه أحد أقاربه السيد نصرالدين هامان ،، وأصر السيد الطاهر على إقامتي في ضيافته بالبيت في أحد ضواحي المدينة ، التي كانت تبعد حوالي 30 كم والذي سبق وأن أقمت فيه العديد من المرات حيث المكان آمن ولا يخطر على البال من فرق اللجان القذافية التي تترقب في المعارضين الليبيين وتترصد الإيقاع بهم ...
مررنا بالمدينة حيث السيد نصر الدين لديه موعد لمراجعة الدكتور الذي إستغرق بعض الوقت ونحن في الإنتظار ،، وبعدها إلى البيت بالغابة ،، ونمنا في غرفة واحدة وقد أزعجتهم بالشخير حيث كنت مرهقا ومازالت الحمى باقية و إن خفت ،، وقررت البقاء بالبيت وعدم الخروج حتى يتم الشفاء بالكامل ،، وإلا سوف تستمر الحمى كل وقت خروج ،، وكانت والدة السيد الطاهر في زيارة له مع حفيداتها بنات الأخ الأكبر الشابات ،، وقضيت وقتا ممتعا في جو عائلي ،، وتم الشفاء ،، وأنهيت جميع الإتصالات عن طريق الهاتف ،، حيث أبلغني السيد عبدالسلام عيلة الذي أعرفه من أيام الدراسة بإقامة التحالف الجديد برئاسة السيد منصور الكيخيا والنائب السيد محمد السكر اللذان أعرفهما ،، وتخلف عن الإتفاق تنظيم جبهة الخلاص ( الهوني ) والتنظيم ( الرابطي ) والحركة الديمقراطية (المسعودي) وكثيرون من الفصائل ،، التي رؤساؤها من المنطقة الغربية ،،، وظهرت إشاعة بأن التحالف الجديد خاص بمجموعات الشرق ،، مما سوف يؤدي إلى إنشقاقات وتقسيمات ونعرات نحن في غنى عليها وعنها ،،حيث نحن شعب قليل العدد ،،
يوم الأربعاء 1988/1/20م ودعت السيد الطاهرعلى ماقام به من الضيافة والكرم فقد كان مستشارا جيدا لنا من عدة سنوات ورفيق نضال ضد النظام ،، حيث أردت زيارة مدينة ميونيخ أين دعاني الأخ عبد السلام عيلة ،، للزيارة وفتح باب الحوار ،،، وبالمطار إشتريت تذكرة السفر وخابرت السيد عبدالسلام عن ميعاد الحضور ،، وبالطائرة أكملت قراءة كتاب "إيران الثورة" الذي أفادني جدا عن بعض أحداث الثورة الإيرانية وماذا حدث فيها من مفاجآت للغرب وبالأخص لأمريكا ،، التي أخطأت وساندت الشاه ...
كان الأخ عبدالسلام بالإنتظار بالمطار ، وأصر على الإقامة معه في البيت ،، عندما وجدنا الفنادق القريبة منه محجوزة وقضيت وقتا ممتعا معه ولم نصل إلى أي إتفاقات ،، حيث تبين من خلال الحديث والنقاش أننا على طرفي نقيض في الأفكار والتوجهات مما إحترمت وجهة نظره ولم أزد ،، واليوم الثاني حجزت تذكرة السفر إلى أمريكا ورجعنا للبيت حيث كان المطر شديد وبرد ،، ولم نجدد الحديث السياسي حيث تبين أن أفكاره وإتجاهاته قومي علماني ،، وأنا مسلم معتدل!
الجمعة 1988/1/22م ودعته وإلى المطار ،، حيث أرهقت من التفتيش الجيد أكثر من مرة الحقيبة وشخصياً ،، و وجوه رجال الأمن الكالحة تبحث عن فرائس عربية نظير السمعة السيئة التي خلقها النظام الليبي الفاسد وإخوتنا الفلسطينيون بالإرهاب وقتل الضحايا الأبرياء ،، وتم الصعود على متن الطائرة شركة الخطوط ( تي دبليو أي ) الأمريكية رحلة رقم 769 عبر بروكسل بلجيكا حيث المطار مغطى بالثلج والضباب مما يشعر المسافر بالكآبة ،،، ومنها إلى نيويورك 8 ساعات معلق بالجو ،، وبعد الإجراءات السهلة والإنتظار بعض الوقت في صالة الترانزيت ،، صعدت على متن الخطوط بيدمونت رحلة 375 إلى نورفولك فرجينيا ،، والوصول للبيت والعائلة ،، وأنا منهك من التعب !
هذه الرحلة الطويلة والتي زرت فيها دولاً عديدة وعدة عواصم ومدن ،، لن أنساها أبدا و ستظل محفورة في الذاكرة لسنين عديدة ،، ففيها تم الإعلان عن ميلاد حزب الأمة الليبي وشاهدت الكثيرين من أبناء الجالية الليبية ،، وعرفت الكثير مما يحدث على الساحة النضالية ،، والجميع في نظري يدورون في حلقات اليأس والفراغ ،، لم يضعوا أقدامهم بعد على الطريق الصحيح والوحدة معا والنضال يدا واحدة بدل من التشرذم والتمزق ،، وكل مجموعة على حدة ،، ووصلت إلى قناعة أن الكثيرين متطفلين على ساحة النضال ،، ليس لديهم القناعات والإصرار والصمود والتصدي ،، والذي جمعهم هو الخوف من الإغتيالات ،، أو الحصول على إقامات وجوازات سفر ،، والبعض للإسترزاق والعيش على الأكتاف بحجة الإنضمام للمعارضة ،، والبعض عملاء مندسون ،،، أليس بشىء مؤسف ومأساة ؟؟
بدأت الرحلة يوم 1987/12/10م من نورفولك فرجينيا ورجعت يوم 1988/1/23م بعد أن قضيت حوالي 44 يوم في ترحال مستمر ،، ولقاءات وندوات خاصة بالقضية الوطنية الليبية وكم كلفت من جهد ومال من حسابي الشخصي دفعتها بكل الحب والإمتنان ،، بدل أن أصرفها على العائلة والأولاد ،،، في سبيل الرجوع للوطن ،، والله الموفق .
رجب المبروك زعطوط
1988/1/24م
No comments:
Post a Comment