Tuesday, March 13, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -20

                                          بسم الله الرحمن الرحيم

لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ...  


                                              ( الزعامة )


                 من خلال المحن والكوارث والأحداث يولد الأبطال ،، وتظهر للعلن القيادات  للبعض من الرجال الأقوياء القادرين على فرض أنفسهم وشخصياتهم على الآخرين بحسن القيادة والإدارة ومحبة وإحترام الرفاق والأتباع  التي هي الأساس والمعيار الحقيقي لشهرة الإسم بين أوساط الجماهير وبالتالي الخطوات  الأولى للزعامة ،،
لقد ساهمت مع الغير في الدعم للمعارضة الليبية بالخارج ولعدة سنوات كنت عضوا نشطا وتقلبت في عدة مناصب قيادية ،، وشاهدت بأم العين وسمعت العديد من الكوارث والأحداث من خلال الرفقة لكثير من الأخوة  الصادقين والبعض الغير صادقين ،، ووصلت إلى عدة قناعات أن المعارضة الليبية إستغلت من كثيرين الذين تسلطوا بطرق ما على أكتافها ،، ولم تكن لديهم الخبرات الكافية ولا التجارب ،، ولم يتعلموا من مآسي وتجارب الشعوب الأخرى وماجرى لمناضليها ،، ومن جاهد ووصل ،، ومن سقط ضحية لكثير من الأمور والتعقيدات وضاع مع الوقت نظير أخطاء قاتلة ،،
معظم الشباب بالخارج دفعهم الإيمان بعدالة ونبل القضية ،، وتم الإنضمام إلى عدة تنظيمات وفصائل بالرغبة وبدون إكراه من أي أحد ،، وضحوا بالروح والدم ،، والبعض إستشهد على ثرى الوطن مقدمين أروع الأمثال عن التضحية والفداء بالروح والدم ،،
إنني أعرف البعض الذين أتيحت لهم فرص الشهرة والزعامة على أكتاف رجال أحرار شرفاء يعملون بجد وفي صمت لا يحبون ولا يريدون الظهور على الملأ ،، ومع مضي الوقت تولدهم الغرور ،، وإعتقدوا أنهم القادرين والعارفين لجميع الأمور  ،، ونسوا تضحيات  الرفاق الجنود المجهولين ،، لأن الشيطان لعب بداخلهم ،، أعمى البصائر عن رؤية الحق والصواب ،، وعندما نصحهم البعض وذكروهم بأخطائهم لم يتراجعوا عن الغي ،، نظير الكبرياء الزائفة والغرور ،، تمادوا في مغالاة وعدم مبالاة ،، مما دفع  الأوفياء إلى تركهم مع الوقت، وأصبح معهم الأدعياء والمنافقون ،، أو المحتاجون لبعض المال حتى يستطيعوا التغلب على مشاق الحياة  ...
إن الزعامة والقيادة الحقيقية لها صفات معينة وموهبة وغرائز يولد الإنسان بها ،، خصلة من الخصال ضمن التركيبة للفرد ،، وتزداد مع الوقت والصقل وعبور المخاطر والعوائق بالصبر والحكمة وقوة القلب والشجاعة في التحدي والصمود ،، فقد مرت المعارضة الليبية بأحداث كبيرة وكثيرة ،، ومع كل هذه المحن لم يبرز قادة وزعماء حقيقيون  على الساحة النضالية  ،، والذنب ليس لعدم الرجال القادرين ،، ولكن لم تتاح الفرص من المتسلطين أدعياء النضال ،، المنافقين حتى لا يفقدوا الهيبة والمزايا المالية التي يتمتعون بها ...
المعارضة ضاعت وحادت عن الطريق النضالي السليم ،، عندما إستغلت من البعض بشعارات وطنية قوية في الظاهر ،، والواقع المرير أصبحت الدجاجة التي تبيض الذهب للبعض من أشباه الرجال الأدعياء ،، نظير التسلط والإبتزاز والسرقة المقنعة الغير معلنة وظاهرة بأسم القضية الشريفة النبيلة ،، وعاشوا عيش الكرام بدون أي معاناة أو ضغوط مادية ،،
لقد تعثرت المعارضة بجميع أطيافها ورجعت خطوات للوراء وتخلى كثير من الشرفاء عنها وأصبحت مهلهلة لكل طامع ومدعي قفز إلى الصفوف والمقاعد الأولى محاولاً الدلو بدلوه حتى ينال الحظوة ،، ويعيش على حسها ،،
في أحد الأيام كنت في نقاش مع أحد الأفاضل الذين حز بنفسه مآل القضية الوطنية من التعثر والتخبط وخلال الحديث قال لا يوجد الزعيم القوي الذي يوحد الصفوف حتى يلتف عليه الجميع ويصبحون يدا واحدة يتحدون النظام جماعة وكلمة واحدة بدل من الفرقة ،، ورددت عليه وقلت أن الزعامة تخلق وتولد من خلال المحن ،، و هناك الكثير من الرجال في الظل الآن ،، وفي الوقت المناسب سوف يظهرون ،،
إن الزعامة ليست علما ودروسا ،، يقرؤها المناضل  المجد ويتحصل على الشهادة ،، فهي موهبة وعطاء من الرب الخالق ،، والمحن والأحداث والمخاطر هي التي تصقل وتبرز الموهبة للمناضل المكافح المجاهد من أجل المبادىء ،،فليس أي دعي يعتقد في نفسه أنه الشخص المناسب ... هناك الكثير من الناس أتيحت لهم الفرص وتقدموا خطوات للأمام وقفزات رائعة جلبت الإهتمام لكثيرين من البسطاء السذج ،، ومع الوقت باؤوا بالفشل الذريع نظير عدم الرؤيا الحقيقية للواقع ،، والغرور الذي هو مقبرة الأبطال ،، فالزعامة موهبة من الله عزوجل ،،، إذا توفرت في الإنسان عدة مواصفات ،،أهمها الإيمان والعقيدة والوفاء للرفاق ،، والنخوة ،، إذا إعترضه أي أمر صعب يشاور النخب الحكماء ولا يصدر القرار حتى يتأكد أن معظم الجميع موافق بالأغلبية ،، فما خاب من إستشار ،،
إن قضيتنا الليبية قضية سامية نبيلة ضحى الكثيرون من أجلها بالروح والدم ،، الآلاف موتى شهداء ،، وعشرات الآلاف نزلاء السجون يعانون الأسر والوحدة في الزنزانات الباردة طوال الوقت ،، والآلاف هاجروا للخارج وتشردوا مع عائلاتهم بالغربة ،، وبعد عز وجاه بالوطن كرماء ،، أصبحوا أذلاء من غير وطن في أوطان الآخرين ،،
تسلط البعض ونفثوا سموم الفرقة والتشرذم ،، ولم يتحداهم الشرفاء بالحق ،، بل تركوهم في غيهم يلعبون ،، ومع الوقت فلت الزمام ،، وأصبح صعب وضع اللجام حتى يرتدعوا ويرجعوا لصوت الحق ،، ففي عصرنا الحق أصبح باطلا ،، والحرام حلالا !
هذه الفترة العصيبة ،، أيامها نحس وشقاء لمعظم الجميع ،، فقد طال الوقت ونضبت الموارد المالية وجفت لدى الكثيرون ،، أصبحوا بالكاد قادرين على العيش ومواجهة الحياة ،، وتم إتاحة الفرص للأدعياء للتحكم في رقاب الكثيرين من المهاجرين المعوزين بأموال القضية ،،
في بعض الأحيان قلبي يدمى على الوضع المتردي والحالة المزرية التي يمر بها معظم الجميع الشرفاء ،، وغير قادر على العطاء ،، فأنا مثل الآخرين أعاني ،،،فالعين بصيرة واليد قصيرة ،، أليست بمأساة ؟؟  فإلى يوم الثورة والنصر الآتى القريب ،، كان الله عز وجل في عون أبناء الشعب المظاليم بالداخل والمهاجرين بالغربة ،، والله الموفق ،،
                                                        رجب المبروك زعطوط

                                                             1988/4/21م   

No comments:

Post a Comment