بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ...
رحلة بوسطن
لا أعرف ماذا يخبئه لي القدر من خير أو شر ، فقد حاولت بجميع الجهد ولم أبخل بأي شيء في سبيل البحث عن إنقاذ مايمكن إنقاذه من المال الذي ضاع في سلف لبعض البشر الذين كنت أعتقد أنهم رجال إخوة في وقت مضى إلى غير رجعة ،، ومع الوقت وطول المدة في الغربة ،، تغيروا إلى أشباه رجال نصابين ،، نسوا الأخلاق الحميدة والشرف ،، الإحترام و الحب والعيش والملح السابق ،، لقاء المال الذي نظير طيبة القلب والسريرة ،، لم أبخل به عندما كانوا يعانون في ضائقة مالية وعثرة من عثرات الزمن ،، وتم الطلب كسلفة ترد في وقت قريب ،، والآن مرت سنوات عديدة وأنا أطالب بالحق حتى أستطيع أن أعيش مرتاح البال وأدعم المسيرة النضالية للأمام ... فبدون دعم ومال سوف نتلكأ ونتأخر والكثيرون من الشباب الأعضاء بالتنظيم المناضلين سوف يعانون الكثير والكثير من قلة السيولة لدفع مصاريف الحياة التي لا ترحم ،، وبالأخص في الغربة في أمريكا ،، التي الإنسان فيها عبارة عن رقم من الأرقام على شاشات الحواسيب ،،
تنقلت خلال شهر يولية في
عدة رحلات من فرجينيا بيتش ولاية فرجينيا إلى مدن هيوستن وكوربس كريستي في ولاية تكساس حيث قضيت خمسة أيام من مكان لآخر ... ويومين بالبيت في فرجينيا بيتش ورحلة إلى لندن إستغرقت 7 أيام ،، ورجعت إلى البيت يوم الخميس مجهداً من التعب والسفر ،، ويوم السبت 1987/7/31م مساءاً سافرت إلى مدينة بوسطن بالشمال الشرقي ،، وكان السيد ماجد شحادة في الإنتظار بالمطار ،، ورأسا لبيته في ضواحي المدينة ،، والنقاش الطويل والطلب والرجاء بسداد المال الذي في عهدته ،، والذي تحجج بأن القرض بإسم الشركة التي تملكها العائلة وكلام كثير ولم أصل إلى أي حل أو حلول ،،ونهاية الحديث حاول التملص بأنه غير قادر على السداد ،، وكانت مصيبة كبيرة حيث نجاني الله عز وجل من التصرف بعنف وشدة ،، حيث تقبلت الأمر بوسع بال وهدوء ،،، خوفاً من أن أمرض بجلطة نظير الغضب والإنفعال ،، وتركت الأمر لصاحب الأمر الله عز وجل أن يأخذ الحق من هؤلاء ! على أكلهم حقوق الناس بدون أي حق ولا شرف ...
سدت الأبواب في وجهي في سفرات لثلاث رحلات متتابعة في فترة وجيزة قطعت فيها أكثر من 13 ألف ميل جوا وبالسيارة كلفتني جهداً بدنياً شديداً وتعباً وإرهاقاً ،، وأموالاً في شراء تذاكر السفر والإقامة في الفنادق والتنقل ومصاريف العيش والأكل التي كانت تقصم الظهر،، بدل الراحة بجانب العائلة والأولاد الذين هم في أمس الحاجة للحنان والوجود معهم ،،، لكن نظير الحاجة لم أعط الأمر أهمية كبيرة ،، فأنا شخصيا مثابر ومغامر ،، حيث لا دخل ولا أموال تأتي من فراغ بالساهل ،، إذا الإنسان تقاعس ولم يتعب ويجهد في دق الأبواب والحقوق بقوة ،، عسى أن يحصل على البعض من ماله الحلال !
بالمطار قبل أن أصعد للطائرة هاتفت للبيت لأتفقد الأخبار ،، وأطلب من إبني مصطفى بأن يأتي لمطار نورفولك فرجينيا ليقلني إلى البيت وحددت له ميعاد الوصول ،، وأخبرتني الزوجة ،، بخبر مفجع حزين بغرق المرحوم رمضان قندرة في البحر بالإسكندرية بمصر ،، وأن المرحوم دفن بالأمس ،، وتم إبلاغ أخيه محمد الطالب في هيوستون تكساس صديقنا بالخبر المفجع عن طريق إبن الخال نجيب المقيم هناك ،، وقلت سبحانك الرب القادر ،، منذ فترة بالعام الماضي ،، كنت في ضيافته بالبيت على مأدبة غذاء بالإسكندرية حيث قام بواجب الضيافة ،، كان يشع قوة وحيوية وشباب ،، لديه طموحات ،،، والآن ميت طريح القبر مغطى بالتراب ،، وكأنه لم يعش يوماً بهذه الحياة ! أليست بمأساة وخبر محزن مفجع ؟؟ ولكن قضاء القدر لا يستطيع الإنسان مهما عمل أن يغير المقدر له منذ الأزل في اللوح المحفوظ ... وجميعنا سوف نرحل ونموت ،، ( الله يرحمه ويحسن إليه ) ،، فلماذا الحزن والعويل ؟؟
صعدت على متن الطائرة رحلة 323 وكان كرسي الجلوس بآخر الصف حيث كنت من المدخنين بشراهة نظير كثرة المآسي وتلف الأعصاب ،،، وجلس شاب أمريكي بجانبي لابسا شورتاً وقميصاً قصير الأكمام ممتلئاً حيوية وشباب ،، وأخرج كتاباً من حقيبته وبدأ يقرأ ،، وأنا أتطلع له بلا مبالاة حيث قلت للنفس كنت يوماً مثله لا أفكر مثل الآن في الهموم الكثيرة ... جرفني الطيش والشباب وعشت حياة صاخبة وليس مثل الآن في منتصف العمر مهموماً حزيناً من ثقل المسئوليات ،، راجعاً إلى البيت والعائلة أجر أذيال الخيبة ،، أتساءل كيف أن الحياة مهما وصل الإنسان إلى القمة ،، لا قيمة لها إن لم يعمل الخير ويستعد للآخرة ،، فلا يعلم متى الوقت يحل للرحيل عنها حتى يخطط ويرتاح ...
تشابكت الخواطر الكثيرة تعصف بالنفس ،، وقلت لها متسائلا ... لو حدث أي شيء لي في خلال الرحلات العديدة وسقطت في حادث أليم ،، أو جلطة بالشرايين والقلب ومت لوحدي غريباً ؟! سوف يرمون الجثة في أقرب ثلاجة بمستشفى ،، ومن خلال رخصة القيادة أو جواز السفر يعرفون إلى أين أنتمي ،، يعرفون العنوان وأتعب غيري حتى تتم الإتصالات بالعائلة ويتم الإعلام بالخبر المفجع ،، ويأتون لإستلام الجثة للدفن بالقبرالذي لا أعلم أين سوف يكون ،، في أي مدينة ووطن وأنا بعيد في الغربة عن ليبيا ؟!
فكرت في هذا الموضوع ملياً وأنا معلق بالجو آلاف الأمتار ،، قريب من الحضرة الإلاهية للله عز وجل ،، نطقت بالشهادة عدة مرات ،، وقلت أنا مسلم مؤمن بالقضاء والقدر ،، ومرحباً بالموت في أي لحظة ،، لأنني لا أستطيع تغيير الأمر ،، عارف وعالم عن يقين أن حياة الآخرة هي الأساس والخلود لمن رضي عنه الرب الخالق وفاز بجنة الخلد نظير العمل الطيب مع البشر والمعاملة الحسنة وصفاء النية والقلب من رجس الشياطيين ...
ليلة البارحة سلمني ماجد نسخة من صحيفة صدرت في برلين المانيا الغربية عن القبض علي أحد رجال الأعمال الألمان الذى كنت أعرفه معرفة وثيقة ،، وتم التحقيق معه عن أعمال مالية مشبوهة وتهرب من الضرائب وبيع سلاح ،، وذكر إسمي أكثر من مرة للمحققين ،، هذا الصديق ربطتني به علاقة شهامة وكرم ،، وكثيراً من المرات عندما كنت أزور برلين ،، كان يقوم بواجب الضيافة والإستقبال بالمطار والإصرار على الإقامة في سكنه الخاص عدة أيام كضيف بدلاً من الفنادق ،، فقد كنت ملاحقاً من قبل عيون النظام ،، وكنت أوافق على البقاء عنده ،، وتعرفت على أمه المريضة وخاله وزوجته وأولاده وكانوا نعم العائلة المضيافة وكأنني في بيتي وبين أولادي ،، وكان الغرض في الإقامة حتى أبقى بعيدا في الظلال حيث المكان آمن للسكن ،، وصعب للمتابعة ،،
وكتبت الصحيفة كلاماً كثيراً مغلوطاً ليس له أساس من الصحة ،، وأنه بالصداقة مع المتهم أصبحت شريكاً في بعض أعماله الشريرة كما يقولون ،، وأنه كان يخطط لإعتقالي والضغط علي والإبتزاز وتسليمي للسلطات الليبية التي كانت تبحث عني جاهدة للنيل مني ،، أو قتلي وتصفيتي من الحياة والوجود ،، مقابل مبالغ كبيرة من المال ،،، وزعمت الصحيفة أنه كان يبني في غرفة تحت الأرض كاتمة للصوت حتى يتم السجن والتسليم حياً أم ميتاً ،، وحمدت الله عز وجل على النجاة ،،إذا كان الأمر صحيحاً كما يقولون ،، فقد كنت خالي البال عما يحاك من دسائس وحيل ،، ورضاة الله عز وجل والوالدين هما الدرع المتين والخلاص من الشراك والفخ والحفرة السحيقة التي كانت تعد وتجهز حتى أقع ...
هذا الأمر زادني قوة إيمان ،، قوة صبر وصمود أنه لا يصح إلا الصحيح ،، فكل يوم جديد في المسيرة النضالية والمعارضة للنظام ،،، أفاجأ بأمور غريبة عجيبة ليس لي فيها أي أدوار ...
بل وجودي في المكان الخطأ والوقت الغير مناسب هو السبب الرئيسي للإتهامات والحلقات بدأت تقترب ببطء وتضيق وبزغ الإسم وظهر في عالم المطلوبين من كثيرين ،، وبحجج عديدة والآن أجابه بأنني مطلوب من الألمان للإستجواب عن بعض الأعمال مع الصديق ،،
قابلت الأمر بدون أي نوع من الضيق والإنزعاج ... بل بصدر رحب لأنني متأكد من نفسي وماذا عملت ... وأهم شيء أنني مقيم في وطن تسوده الديمقراطية الحقيقية ( أمريكا ) وطن عدالة وقانون ،، وليس في أوطان العالم الثالث التي معظمها ديكتاتوريات وظلم ،، مجرد الشك والإتهام لأي إنسان يسجن ويعذب الضحية أقصى العذاب بدون إنسانية ،، لا رحمة ولا شفقة للحصول على إعترافات معظمها غير صادقة والضحايا أبرياء من أي جرم ،، أليست بمأساة ؟؟
إنني لا أدعي الشجاعة ،، ولست بخائف ،، وكلما كانت الحلقات تقرب وتضيق رويدا رويدا ،، يتولدني شعور غريب بالنفس يجتاح المشاعر والذات ،، بدل الخوف والضعف كنت أفرح ،، صابرا مؤمنا لإرادة القدر ،،فما بعد الضيق إلا الفرج ،، والله الموفق ،،
رجب المبروك زعطوط
1987/8/2م
No comments:
Post a Comment