بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ...
الثمن
كل شيء بهذه الحياة له ثمن ومعايير ومقاييس و من الضروري دفع الثمن ،، ولا يتعلم الإنسان ويزداد حنكة ويصبح قادرا على مواجهة مسؤوليات الحياة ومتطلباتها العديدة حتى يمر بالطرق الصعبة ،، ويتجاوزها بالصبر والحكمة وعدم التسرع والإندفاع ويدفع ويقدم الثمن الغالي من صحته وجهده وعرقه ،،، أم من جيبه وماله ،، على حساب وقته ،، عائلته وأولاده وسعادته ،، حتى يتعلم ويعرف البعض من الأسرار الخفية كيف يفوز وينجح في الإمتحانات الكثيرة والتي لا تتوقف طالما الإنسان لديه حياة ونفس ،،
أنا شخصيا مررت بصعاب عديدة ومشاكل صعبة وعقد بلا حدود ،، حتى تعلمت القليل من الأسرار بالحياة العملية ،، عن أغوار الرجال من خلال العشرة والنضال ،، ومعرفة قدرات البعض من خلال التجارب والأحداث التي حدثت والتي صدمت في الكثير منها ،، نظير طيبة القلب والضمير وعدم الخبرة ،، وفي بعض الحالات السذاجة نظير الثقة العمياء في البعض ،، الذين كنت أعتقد أنهم ثقات ،، ومع الأيام ظهروا على الحقيقة ،، أنهم أشباه رجال ،، أثبتت الأيام أن العلاقات مبنية على مصالح مادية وقتية ،، وليست رجولة وأخوة ،،، كما كنت أعتقد ! كنت أسير مغمض العينين ولم يتطرق الفكر يوما أن هؤلاء الصعاليك يراوغون لأهداف بعيدة كنت وقتها غافلا عنها ،،
وصلت إلى قناعات في عدة أمثال وطبقتها على الواقع ونجحت في البعض لأننا نعيش في عصر ومجتمعات وحوش ضارية بغابة الحياة الصعبة البشعة تنهش كل من يخطئ ،، تنهش الضعيف بدون أن يدري ! يصبح يلوم النفس على تفريطه في أشياء كثيرة مثل الوقت والمال ،، والبعض منها لا يجد الفرصة حيث إنها النهاية الأليمة الموت والهلاك نتيجة الغدر والخيانات ،،
في إعتقادي أن كل إنسان فينا ،، له سعر وثمن وممكن شراؤه ببساطة مهما كان ،، وعن تجربة فقد أثبتت الأيام سلامة وصحة النظرية ،، والكثيرون يردون علي بأنني على خطأ فى التصورات ،،، كيف الإنسان يستطيع شراء آخر ،، ونحن أحرار ،، والنخاسة وبيع العبيد إنتهت للأبد من تاريخ البشر منذ عقود كثيرة مضت ،، فالشراء عبارة عن لفظ مجاز ،، معظم الجميع لا يعرفون معنى المعاني من وراء النطق ،، فليس كل شىء يشترى بالدينار والدرهم ،، بل ممكن الشراء بطرق وأساليب أخرى ،، أثبتت مع الأيام أنها ناجحة ،،
ففي نظري الخطوة الأولى للشراء ،،، هي المعاملة بالأخلاق والشرف ضمن الإحترام والقيم ،، مما الإنسان الكريم المؤمن الأصيل ذو المحتد يخجل ،، ويبادل الطرف الآخر نفس الشعور ،، وبالتالي كل واحد منهم إشترى الآخر ضمن معايير الشرف ،، عملاً بقول الشاعر "إذا أكرمت الكريم ملكته !"
أما عن الخطوة الثانية ،، فهي المصيبة بعينها ،، دفع الرشوة للبعض ،، لأن قيم الحياة تغيرت في هذا العصر الذي نحن نعيشه حيث تغلبت المادة على النفوس ،، وأصبحت الهاجس الكبير للعيش ،، والكثيرون أصبحوا مرضى بطرق أو أخرى تختلف من شخص إلى آخر ،، يريقون ماء الوجوه ،، يمدون أيديهم ويقبضون الرشاوى ببلادة وكأنها حق مكتسب لتمرير أشياء ومصالح ،، وهم يتاقضون أجوراً ومرتبات عن العمل ،، ليست من حقهم ورزق حرام بالنص القرآني وبالأخص المال العام ،، حيث الكثيرون يتشدقون ويحللون الحرام إلى حلال ،، ويعبون ويسرقون بكل جرأة ،، ونسوا أن رزق المجتمع رزق عام مهما كانت الدولة ظالمة فليس لهم الحق بالإفتاء الخاطىء الحرام ،، وأكلهم السحت والربا وإطعام الآخرين من عائلاتهم وهم لا يشعرون ... فقد أجرموا في حق أنفسهم عن قناعة وبقصد ،، وأضروا الآخرين بنشر الفساد في النفوس المريضة والتي لا يخلو منها أي مجتمع ... وبالتالي تأخرت مجتمعاتنا عن النهوض والتقدم ،، وبلانا الله عز وجل بحكام جبابرة ظالمين ،، يسومونا العذاب عسى أن نهتدي ،، حتى يرتفع رجس الشياطين من إنس وجان عن الأكتاف ...
والخطوة الثالثة ،، بعض النفوس حقيرة منافقة لا تؤمن وترضى بأن تسير العمل بسلاسة ،، لا يهمها المعاملة الحسنة ويعتبرونها ضعف وتملق لهم وهم نكرات ،، ولا يمدون أيديهم لأي نوع من أنواع الرشاوى ،، مال نقدا ،، أم هدايا عينية مهما كان العرض ،،يعطلون الأعمال ،، لا يريدون التمرير لأشياء تافهة في كثير من الأحيان ،، يعملون من الحبة قبة على لا شىء ،، ،، يدعون أنهم أنقياء طاهرين ،، ووصلت إلى قناعة هذه النماذج تعمل بالخوف والتهديد والوعيد والتكشير عن الأنياب و في بعض الحالات تضطر معهم إلى إستعمال القوة ،، لأنها تخاف ولا تستحي ،، تصبح سلسة طيعة تعمل المستحيل لإرضاء الشخص القوي تنفذ رغباته بسهولة بدون أي ممانعة ،، أليس بأمر مؤسف ومأساة ؟؟
أيام العمل والمقاولات قبل الزحف والتأميم في الستينات والسبعينات كنت رجل أعمال ولدي عدة شركات أملكها ويعمل بها عشرات المئات من البشر من جميع الجنسيات والعقول ،، تدرجت خطوة خطوة في الخبرات وأصبحت مع الأيام ناجحا في الأعمال ،، لأنني كنت أسير ضمن برامج واضعا نصب العين العمل ضمن الخطوط الثلاثة التي ذكرتها ،، لإدارة هؤلاء البشر من موظفين وعمال ،، ومررت بجميع الوجوه والنماذج من أقصى اليمين إلى الوسط وأقصى الشمال من خيرين صادقين أولاد أصول وشرف يخجل الإنسان التوجيه ولفت النظر لهم في بعض الحالات ،، إلى أوباش يحتاجون إلى الضبط بقوة حتى لا يتمادوا ويفسدوا العمل والأداء ،، وبالتالي سأكون أنا الخاسر ،، فالسمعة هي الأساس والرأسمال في العمل ،، ولدي عشرات القصص والنوادر عن التطبيق يوما سوف أذكر بعضها حتى يتعلم البعض منها ...
بعد الزحف والتأميم الظالم ،، عرفت قيمة الحياة الحقيقية عندما كشرت عن أنيابها ووجدت نفسي وحيدا من غير سند ،،، غير الله عز وجل ،، تخلى الكثيرون البعض بدواعي الخوف من أن يحسبوا علي من رجال النظام والحكم حتى لا تطالهم الشرور والشر من خلال العلاقة معهم ،، والبعض إنتهت المصلحة ولا طمع في أعمال أو إسترزاق مرات أخرى فقد ضاع المال والمركز ،، وبالتالي غيروا المسيرة يبحثون عن آخرين من العوام المتسلقين أغنياء الزحف والتأميم الذين نهبوا الدب وماكسب بدون وجه حق ... والقلائل الذين لم يتغيروا مهما عصفت الرياح وتغيرت الأمور ظلوا صامدين إلى آخر لحظات العمر ،، جزاهم الله تعالى كل الخير فقد أثبتوا أنهم رجال في الوقت الصعب لن أنساهم طالما حييت ...
بعد عز وجاه والمركز المالي الضخم ،، وجدت نفسي بدون بيت ولا مأوى للعائلة بالغربة ،، بدون خدم وحشم لتقديم الخدمات ،، بدون سيارات أمشي على الأقدام أو مستعملاً سيارات مهترئة عفى عليها الزمن ،، مررت بأيام سوداء كنت عاجزا فيها على تأمين أبسط الأشياء لإعالة العائلة وطابور الأولاد ،، مررت بفترة رهيبة محاولا قدر الإمكان أن لا يعرف الصغار كم أنا أعاني ... في عز حالات الإحتياج عندما يطلبون أي طلب ،، محاولا عدم الإحراج والصد والعنف في الرد ،، بل أبتسم في وجوههم البريئة وأقول نعم ،، أمهلوني بعض الوقت وسوف ألبي الطلب ،، مررت بسنوات طويلة عجاف ،، والحمد لله الدنيا بخير فما بعد الضيق إلا الفرج ،، فتحها الله تعالى في الوجه ،، وخرجت من الحفر والعثرات وظهرت للضوء والنور من جديد ،، بتجارب فريدة ورجعت ونهضت في سنوات عديدة أحسن من قبل نتيجة الصبر الطويل ،، نتيجة الإيمان والعقيدة القوية في الخالق القادر أنني لست بنكرة ولن ينساني ،، نتيجة أمور ربانية روحية كثيرة غمرت النفس طوال سنين النضال والكفاح ،، أهمها رضاء الله عز وجل والوالدين ،، وطهارة القلب ونقاء النفس من الخبث الحقد والحسد ،، وهبنى جزيل العطاء والخير والحمد لله عز وجل ،،
إن الحياة دائرة وحلقة ،، والإنسان عبارة عن ذرة يبدأ من نقطة البداية حتى يصل النهاية وتختلف من إنسان لآخر ،، البعض سعداء ،، والبعض كتب عليهم الشقاء ،، وفي جميع الحالات النهاية واحدة للجميع الموت والفناء ،، سواءا ملوكا ورؤساء ،، أغنياء أم فقراء ،، وسعيد الحظ من قدم الخير في الدنيا وضمن النجاح والفوز يوم الحساب ،،
إن بالقلب جروح ماضية البعض منها عميقة غائرة لم تتماثل للشفاء بعد ... مهما حاولت من علاج وإستعملت أدوية فهي غائرة تحتاج إلى وقت كثير ،، نظير الخداع والخيانات ،، وأنا أسعى جاهداً لقفل الملفات وقلب الصفحات السيئة بأخرى بيضاء ناصعة ،، حتى لا أضيع في دائرة الشك والشكوك ،، وأخرج عن المباديء الطاهرة ،،، ويغلظ القلب ومع مرور الأيام أضيع دنيا وآخرة ،،
ونصيحتي لكل إنسان أن يأخذ عبراً من أخطاء الآخرين ... أن لا يطغى ولا يتجبر ،، أن يستعد للعيش في جميع الحالات ضمن الكرامة والقيم ،، أن يعيش الواقع المرير ويعرف ويتعلم أن الدنيا لها وجوه عديدة ،، بيضاء ناصعة سعادة وأفراح ،، ورمادية في المنتصف ،،، وسوداء كالحة تعب ومرارة وأحزان ،، أتراح بلا نهاية ،، وسعيد الحظ من يعرف كيف يتعامل طوال الوقت بالصبر والإستقامة ،، بالقيم والكرامة ،، ويتعلم كيف يأخذ الأمور بروية بدون إندفاع ولا ينطق بالكلام نظير غضب وردود أفعال حتى لا يندم ،، فالإنسان مهما عاش ،، مهما وصل ،، له يوم وينتهي ،، ولكن عمل الخير يظل ذكرى عاطرة لا تنتهي يذكر فاعلها بالخير طوال الوقت ليلا نهارا على مر الوقت والزمن ،، فهنيئا لكل إنسان ذكراه عاطرة فقد ضمن الحياة دنيا وآخرة ،،
إن أسرار الحياة لا يعرفها إلا خالقها ،، وعلمي قليل ،،ولكن مؤمن عن قناعة أن الحياة الدنيا عبارة عن دورة يوما تنتهي مهما طال الزمن ،، إنه الثمن الذي مهما حاولت الوصول لأغواره والكتابة عنه لا أستطيع ،، إنه إسم بلا وصف وممكن إطلاقه على أي شىء ،، وأنا العبد الفقير قدمت الثمن بلا حساب في صور كثيرة خلال الغربة والنضال ،، أرجو حسن الختام والآخرة والله الموفق ،،،،
رجب المبروك زعطوط
1988/4/20م
b.
No comments:
Post a Comment