بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ...
المصالحة
تناقلت الأنباء أخبارا كثيرة تحدث بالوطن ‘‘ فقد ظهر العقيد المعقد فجأة على جماهير الوطن بخطبة مبادرة مصالحة غير متوقعة منه ،، فقد خطب خطبة رائعة وأعلن المصالحة والتوبة على الجميع ،، وأن ليبيا مفتوحة لجميع أبنائها المهاجرين المغتربين بالخارج ،، الجميع بما فيهم المنشقون ،، وأن عليهم الأمان لن يسألهم أي أحد ولا يطالهم بأي مسائلة وشر ،، وكانت خبطة جميلة في العمق ،، كانت لفته خطيرة ودفاع مستميت ،، ووخز البالون المنتفخ المحتقن للمعارضة بدبوس وخرقه مما خرج الهواء بسرعة ،، ودبت الأنفاس لدى الجميع بالداخل والخارج ،،
اللعبة الأخيرة كانت جولة كبيرة لصالحه ،، أمام أعين الجميع والمتتبعين من دول العالم أن ليبيا رجعت لطريق الحق ،، بعد أن مارست الإرهاب في أبشع الصور ،، إعلان التوبة والمسامحة للجميع بدون أي إستثناءات لأي أحد مهما عمل ،، دموع التماسيح والأعذار الكثيرة التي قيلت ووجد من يروج لها من الحواريين ،، لاقت القبول من جماهير الشعب السذج ،، المتعطشون لبعض المميزات البسيطة للحياة والإثراء ...
بدلا من الحزن على الذي فات وأخذ عبر ،، تحولت الحياة إلى أفراح وزغاريد مدوية بخروج المساجين وإطلاق السراح وتهديم أسوار السجن كذر الرماد في العيون ورجوع الكثير من المهاجرين الذين كانوا يعانون شظف العيش بالغربة ،، وليس لهم في النفير والمعارضة أي دور ،، بل حسبوا عليها نظير الخوف والإسترزاق لبعض المزايا من إقامات وجوازات سفر وبعض الفتات للعيش بالكاد ضمن مستوى حد الفقر ،،
أبناء الشعب في غمرة الفرحة والعرس الكبير المفتعل ،، نسوا الأساسيات الكثيرة الوحشية البربرية التي ألمت بالكثيرين أهمها سفك دماء الضحايا الشهداء ،، التي أريقت بالوطن بالسجون في الخفاء ،،، وفي الظاهرعلى أعواد المشانق بالساحات العمومية وعلانية على الشاشات المرئيات كتحديات للجميع ،، نسوا الحريات التي إغتصبت ،، والأموال والأرزاق من شركات وأملاك التي سلبت وسرقت علانية في وضح النهار والضوء من أراذل وعوام القوم من اللجان الثورية والشعبية ،، وأصحابها غير قادرين على الدفاع عنها ،، وكل من حاول ورفض ،، قتل ببرودة أعصاب ودم بارد وكأنه حشرة وليس إنسان أو عذب بالسجون العذاب الأليم حتى يتعلم الدروس القاسية ،،، أن لا يتحدى ولا يتصدى لأوامر وتوجهات العقيد ،،
نسوا آلام المسجونين الذين قضوا مددا طويلة ،، وضاعت زهرة العمر والشباب لديهم وراء القضبان ،، نسوا آلام المهاجرين الغرباء الذين فروا وهربوا وتشردوا بين الأوطان من الظلم والغبن ،، لم يتركوا في حالهم يعيشون ،، بل طاردتهم فرق الموت والإغتيالات ،، وتمكنت من قتل بعض الأحرار الشرفاء ،، بدون ذنب وهم أبرياء ،،
نسوا آلاف القتلى والمشوهين الجرحى والأسرى في حروب ومعارك دموية في أفريقيا ،، ليس للوطن أي مصلحة فيها ،، لا ناقة ولا جمل ،، مثل أوغندا ،، وتشاد ،، إرسال قوات خاصة إلى لبنان أيام الحرب الأهلية للدفاع عن الضعفاء ،، والواقع هراء تنفيذا لمخططات السادة الكبار،، والتجسس على الأحرار الشرفاء ،، وصرف الأموال المبالغ الرهيبة بالمليارات في شراء الذمم والإرهاب العالمي وتكديس السلاح في الصحراء ،، معظمه صدأ بمرور السنين وعدم التخزين الجيد وضاع الكثير في حروب ومعارك فاشلة للتخلص من كبار ضباط الجيش الذين يسبقونه علما وشهاداتا من الأكاديميات العالمية العسكرية ،، وأقدمية في التسلل للرتب ،، حتى يصبح الملازم في أعلى الرتب ،،، عقيدا بدون تعب ولا تسلسل قيادة ولا إمتحانات ، شهادته القيادة للإنقلاب الأسود الذي سمي بثورة الفاتح ،، نتيجة حب العظمة والغرور من عقل مريض ،،، يعيش الأوهام يتبختر مثل الطاووس ( الشيطان الرجيم ) ،،
نسوا آلام وصرخات وبكاء الثكالى الأمهات على فقد فلذات الأكباد ،، والزوجات الشابات على فقد الأزواج ضحايا ،، في مغامرات فاشلة تافهة ضمن مخططات لتأخير الوطن وإفلاسه على جميع المستويات ،، نسوا التسلط والجبروت والخداع والكذب والنفاق ،، التطبيل والتدجيل وجميع الأوصاف الرديئة الوضيعة التي تنطبق على العقيد المعقد ،، الذي أثبت الوقت أنه لقيط مزروع ينخر مثل السوس في جسم الوطن ليبيا والوطن العربى جميعه بدون أستثناء ،،، جميع هذه المحن والمصائب والآلام نساها الجميع ،، أصبحت في خبر كان ،، عندما لوح العقيد ببعض المغريات الفتات ،، وأعلن التوبة الكاذبة وصدقه البسطاء والسذج ،، الجاهلون بالأمور من وراء الستار من خداع بالسياسة الدولية ،، هذه الأمور جميعها ،، التي ذكرتها على صعيد الداخل وماحدث ويحدث من أمور،، والأمور الخافية مصيرها يوما تظهر ،، مهما حاولوا من كتمان وتغطية ،، فوطننا ليبيا ليس به سر ،، الجميع يتكلم في ساعات الصفا والنشوة ،، لا حس أمني ... زلات اللسان بلا عدد ...
أما على الصعيد الخارجي ،، فأن شطحات العقيد الغير محسوبة تجعل الإنسان "يدوخ" ولا يستطيع التحليل الجيد ،، فالواقع مضحك ومبكي في نفس الوقت ،، فقد قطع خط الرجعة على الكثيرين من الأدعياء والمتشدقين بالقضية ،، أصبحوا لا أعذار بالمزايدة ولا أسباب جوهرية تجعلهم يتكلمون ويجعجعون ،، فقد سحب بعنف البساط من تحت الأرجل ،، الكثيرون من البسطاء الغير فاعلين بالمعارضة ،، رجعوا عن طيب خاطر ،،، والأحرار الصامدون الذين رفضوا العودة يعرفون الألاعيب ،، مروا بتجارب مع الأدعياء المتسلطين على المعارضة ،، أصبح من غير الممكن التغرير بهم وضمهم تحت لوائهم مرة أخرى ،،
النظام إستفاد الكثير ،، أولاً أبطل فتيل الديناميت الذي كان جاهزا يحتاج إلى عود كبريت حتى يتم الإشتعال والإنفجار،، نتيجة الضغوط العديدة على الشعب من أي عمل ثوري قريب الأجل ‘‘ فمعظم الجميع يعيشون في شهور عسل ،، وثانيا ،، عرف الكثير من المناضلين الصامدين الذين رفضوا الرجوع بسرعة ،، الذين آثروا البقاء في الغربة في إنتظار الوقت المناسب وحسب لهم جميع الحسابات من إغراءات يسيل لها اللعاب ،،
إن المرحلة القادمة صعبة على جميع الأحرار المقيمين بالخارج ،، فكثير من الأمور سوف تتغير ،،، وهم لا يعرفون اللعبة التي تحاك ،، وكيف يتلاءمون مع خضم الأحداث بدهاء وعلم وحسابات ويمسكون بالزمام بفهم وعقل ،، فسوف يندثرون مع الأيام ،،،
أما على صعيد رجال وقيادات المعارضة الحقيقيون الصادقون فق إستفادوا الكثير ،، فمعظم المنافقين وأدعياء النضال رحلوا للوطن طمعا في النهب والسلب من جديد ،، حرية السفر أتاحت المجال لتسرب المعلومات من وإلى ،، مما نتوقع أن نفشل الكثير من المخططات الإجرامية التي ترتكب من إرهاب في العالم ،،، وممكن إصطياد رموز النظام أثناء الرحلات العديدة بالخارج ،، حيث يتنقلون إلى مدن وعواصم العالم في قمة الإرتياح وعدم الخوف من الملاحقة ،،، حرية التجارة والبيع والشراء مما بعض المبالغ بطريقة أو أخرى سوف تصل لأيادى الشرفاء بالمعارضة وتحافظ على الدعم للإستمرار إلى ماشاء الله عز وجل ،،
إن مشكلتنا مرهونة في شخص واحد ،، وليست في نظام كامل متكامل حتى يصبح من الصعب التخلص من الوباء ،، والدليل الفرحة الكبيرة لأبناء الشعب من قرار حتى يضمن البقاء في الحكم لسنوات عديدة قادمة ،، أما عن الشعب فمعظمه جاهل سياسيا بمعانى الحرية والديمقراطية ،، الشورى التي أمر بها الله عزوجل في جميع رسالاته وكتبه عن طريق الوحى للأنبياء والرسل ،، فرحت بخروج المساجين ومنح تأشيرات الخروج والدخول وبعض الحرية لمزاولة التجارة والربح والكسب المبرمج لأهداف حتى يمسك بخيوط اللعبة ،،
لقد كثر الحديث عن العودة للوطن ،، وبين مادح مشجع ،، وقادح ينذر بالشرور والشر ،، ووصم البعض من الراجعين بالعار ،،، قذف ومتاهات وسب بأنهم خونة وعملاء ،، وجميعها في نظرس أخطاء ،، إرتكبوها في حق البعض من الأحرار الشرفاء ،،، فلا يعلم الخفاء وماذا يدور من أمور وأشياء صعبة إلا الله عز وجل ،، فالأسباب عديدة أهمها عدم القدرة على الإستمرار في حياة الغربة ،، نقص المال وعدم العيش في إحتياج ،، وحنين لرؤية العائلات من آباء وأمهات وأقارب ومعارف ،، ومشاهدة الوطن الذي طال الغياب عنه ،، والبعض للعمل السري في صمت ،، من غير علم لأحد ،، تجهيزا وإستعدادا لقيام الثورة ،،
هؤلاء الرجال خاطروا بالنفس عندما قرروا الرجوع للوطن ،، رجعوا للعيش وسط الجميع ،، لديهم الشجاعة الأدبية الفائقة والرجولة الحقة ،، فعقيدنا مجنون وممكن في ساعة غضب يغير الأمور للأسوء ،، ويقبض على الجميع بالداخل ،، أو يمنع السفر أو العودة ،، فكل شىء في الجماهيرية الخضراء جائز ... لا أعراف ولا قوانين ولا دستور وقانون غير متاهات وخزعبلات الكتاب الأخضر ومسرحيات مجلس الشعب الذي يدار من إمعات وببغوات يرددون توجهات العقيد حرفيا ،،،
سمعت أن البعض من الأصدقاء الرفاق برجوعهم للوطن ،، وفوجئت بالأخبار خوفا على حياتهم ،، وأعطيتهم الأعذار ،، فهؤلاء مع الوقت سوف يزرعون بذور الثورة مهما حاول النظام من مراقبة وعيون ساهرة ‘‘ فهؤلاء أساتذة في العمل السري في صمت من غير أن يحس أي أحد ،، وطلبت داعيا الرب أن يحفظهم حتى يقوموا بالمهمة على أكمل وجه ،،
أخيرا أود القول ،، وبصراحة ،، لن تستطيع المعارضة مهما أوتيت من قوة بالخارج أن تنهى نظام الرجس والشيطان من على كاهل الوطن ،، إن لم يهب الداخل جميعه تحت لواء واحد في وحدة ،، عند هذا اليوم والتأييد والنصر من الله عز وجل ،، وبعزيمة الرجال الشباب سوف ينتهي النظام في رمشة عين ،، أرجوا من المولى تعالى ،، أن يمد في العمر حتى أشاهد يوم النصر وأفرح ،، والله الموفق.
رجب المبروك زعطوط
1988/4/23 م
No comments:
Post a Comment