Sunday, March 11, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -17

                                       بسم الله الرحمن الرحيم

لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ...  
                                                
                                        ( حوارات )

                  كل يوم يمر ويمضي ونحن بساحة الغربة بعيدين عن الوطن ،، خسارة فادحة لنا ولأهلنا بالوطن الذين ينتظرون ويترقبون عملنا النضالي بلهفة وإشتياق ،، ينتظرون على أحر من الجمر متى سوف نألب العالم الحر،،،  على الطاووس الشيطان ونخلصهم منه للأبد ،، ونحن في غربتنا في واد آخر ،، بل أودية عديدة ندفع في ثمنها الغالي ،، فلم نتلائم مع الحياة الجديدة التي فرضت علينا ونختلط بالشعوب ،، ونعمل بالعرق حتى نعيش مع الركب مثل الآخرين ،، ونجاهد ونناضل بالمتاح ضمن مخططات ،،، إلى أن يأتي الفرج يوماً ...
عشنا بالغربة التي نظير عدم التخطيط والدراسة فرضناها على أنفسنا نظير غضب وردود أفعال ،، والآن بدأنا نحس باللهيب والمآسي الكثيرة ،، بعد أن طارت النشوة وخف  الحماس ووجدنا أنفسنا معدمين بعد عز وصولجان ،، غرباء بدون كرامة فى أوطان الآخرين ،، نحاول بإستماتة الحصول على المزايا والإقامات حتى نرتاح من الضغط والإبتزاز ،، واللأسف  إخوتنا أجهزة الأمن العرب ،، تمادت في الضغوط شفنا الويل منهم  بدل الإحتضان والأخذ باليد والخاطر ونحن وقتها في مسيس الحاجة لمن يواسينا ؟؟  يشجعنا على تحمل المصيبة والمأساة  ،،، فقد هربنا وهاجرنا بالروح والجسد من النار ،، ووقعنا برغبتنا في نيران أخرى أشد ضراوة وحرارة ،، ضمن التخدير بالكلام الحلو المعسول وتضييع الوقت ،، والتأجيل المر والمعاناة نظير البيروقراطية في المعاملات التي لا ترحم ،،، والإمتصاص لبقية المال الذي لدينا وبحوزتنا ،، حتى ركع الكثيرون ،، ومع الوقت وطول الأيام البعض أصبحوا عملاء ووشاة ،، أليست بمأساة ؟؟
 هاجر الكثيرون وتركوا الوطن الغالي للطاووس الشيطان يلعب فيه كما يريد ويرغب ،، توزعنا فى أقطار العالم الفسيح ،، حملنا معنا جروحنا مآسينا وغضبنا ،، عقد الخوف الحسد والحقد ،، خرجنا وهربنا وأحضرنا معنا كل شىء الغث والسمين ،، وكانت تجربة فريدة ومأساة ،، لم يكن لدينا أي نوع من أنواع التجارب المرة التي مرت على غيرنا أيام المحن ،،  لا خبرات عن الغربة ،، وماذا نعمل لنستطيع الصمود والمقاومة ،، لم نتآخى ونحب بعضنا البعض ونتعاون يدا واحدة على السراء والضراء ،، لم نترك وراءنا الأحقاد والحسد ،، لم نقلب الصفحات المرة والمعاناة ،، لم ولم ،،، بل زاد ت النار لهيبا وإشتدت حرارتها  مما توزعنا إلى زوايا عديدة في مجموعات كثيرة نرغي ونزبد ،، نراقب في أخطاء الغير ولا يعجبنا العجب ،،، بدلا من الفهم والتعاون والوحدة مع بعض في السراء والضراء ،، تمزقنا وتشرذمنا لقاء الدس والخبث وإحياء النعرات والعصبيات من العملاء في أوساطنا... وبكامل الأسف والمرارة والحرقة بالنفس ،، وجدت أذانا صاغية ،، نظير عدم الفهم والجهل ...
لم نرقى بمستوى الفكر الفهم والعقل ،، ونعرف أن هذه المواضيع عبارة عن خبث وسهام قاتلة مغموسة في السم من النظام ،، الذي لا ينام الليل ولا النهار ،، يدرس ويخطط كيف يقضي علينا أو يجعلنا  حيارى نجري من مكان إلى آخر نبحث عن السلامة والأمن ،، لا نرتاح حتى لا نبدع ،، بل طوال الوقت نعيش  الضغط والمطاردات خوفاً على حياة زائلة مع الأيام مهما طال العمر ،، لنا وقت نموت فيه وننتهي من الوجود ...
 المعارضة الليبية ظهرت على الساحة ،، خرجت للنور عرجاء ،، لم يتاح للوليد الجديد الوقت حتى يشب ويكبر مع الزمن ويقوى العود ويستطيع الصراع والصمود والتصدي ضمن إطارات وأساسات ،، بل تسلط البعض نظير طموحات كبيرة نتيجة أحلام وردية بأنفسهم ،، يعتقدون أنهم أفاضل ،، نوعيات من طين آخر ،، مادام الطاووس الشيطان وصل لسدة الحكم ... لماذا هم لا يستطيعون الوصول والحلول مكانه حتى ينالوا
الجاه والمركز ...
من أول يوم تحول البعض من الرموز نظير هذه الأحلام والأمنيات إلى أدوات شريرة في الخفاء وتسلط تحت أقنعة كثيرة تدعي البراءة  ،، والواقع المرير قمة الشر والشرور تفرض في وجودها وتهيمن ،، ووجدت مناصرين يتبعون الراعي مثل الغنم ،، تعمل جاهدة في السر والكتمان بدون فهم ولا علم ،، تهميش المناضلون الآخرين وإزاحتهم من الطريق حتى يخلوا الجو والساحة لهم ،، وبالتالي حادت عن الطريق ومحاربة النظام حتى ننتهي منه ،، بل أعلنت الحرب الضروس  على رفاق النضال ،، ومع الوقت وطول المدة خسر الجميع ،، فالكاسب خسران مهما عمل ...
بكل هذه المشاكل والإرهاصات والإختلاقات والخلافات مازال الخير موجود ينبع في النفوس النظيفة الناصعة التي تسعى بصفاء لأجل القضية من القلب والضمير من غير التطلع إلى أي عائد ومكافآت سواءا اليوم أم بالغد القريب أو البعيد ،، جزاهم الله عز وجل كل الخير ،، فهؤلاء هم رجال ليبيا الحقيقيون ،، الذين يعملون في صمت ولا يحبون الظهور على الملأ حتى لا تلوكهم الألسن بالقدح والمزايدات الفارغة التي لا تؤدي لإصلاح ،، بل لمزيد من الفرقة والتشرذم  ،،  هؤلاء الرجال المفروض أن يكونوا  القدوة الحسنة للجميع حتى نصل وننتصر مع الأيام على الطاووس الشيطان .
لا يستطيع أي أنسان أن يجعل نفسه بالأعلى في كل شىء من غير مؤهلات كثيرة تتطلب أن تكون في المناضل حتى يستطيع أن يقود الرجال الشباب ذوي الحيوية و النشاط والذكاء  ،، فأصعب شىء هو قيادة الرجال بالعقل والحكمة والمحافظة على الشعور وبالقوة إذا تطلب الأمر فكثيرون يخافون ويحترمون منطق القوة وتكشير الأنياب وأشياء عديدة بحيث الزعيم أو القائد يحتاج إلى مواهب عديدة حتى ينال الإحترام والتأييد والمناصرة من الرجال وليست الرفقة المبنية على الطمع في المال أو الجاه ،،
المسئولية ثقيلة تحتاج إلى قوة صبر وتحمل ... إلى إيمان عميق بالهدف ،، إلى توفيق الله عز وجل حتى يبارك وينصر ،، فالزمن يمضي ويتقدم وتصعب الحياة  إلى الأسوء ،، وإن لم يكن الإنسان حكيماً يعرف متى يقول الكلمة النافذة في الوقت المناسب المطلوب ،، متى يشهر السلاح ويضرب الضربة القاضية ،، يتحلى بالشجاعة ويعرف متى يتراجع وينسحب ولا يتمادى حتى لا يضيع في أي معركة أو نزال قولاً أو عملاً ،، هذه الأمور جميعا متلاحقة ومختلطة هي التي تخلق المناضل وتؤهله للقيادة ،،
إن قيادة الرجال مهمة صعبة وبالأخص المتطوعون بدون مكافآت ولا أجر ،،، لا يستطيع أي أحد أن يقودهم بسهولة من غير إيمان بالهدف ،، وحبهم وإحترامهم للقيادة ،، عندها يظهر الإبداع ويشع بقوة ،، ويستطيع المسئول أن يستغل الحماس والدفع إلى أتون أي معركة وينجح ويفوز ،، لأن العبرة الإيمان من القلب والضمير بالهدف النبيل وبالأخص من أجل الوطن ...
ونحن الآن نمر بقيادات  في نظري هشة ،، عبارة عن عناوين كبيرة ،،فارغة من أي محتوى ،، تخيل للبسطاء أنهم عمالقة في السلم والحرب ،، والواقع شىء آخر ،، وهذا الأمر من أهم المشاكل التي نحن نعاني منها ،، لا يريد أي أحد من هؤلاء  الأدعياء الإعتراف مع النفس بصراحة ،، ويتنحى عن طيب خاطر لمن هو أحسن منه ،، حتى تستمر المسيرة وتنجح ،،
في بعض الأحيان لا أعرف ماذا أعمل ،، هل أبكي على وضعنا البائس ومآلنا وتشرذمنا وعدم وحدتنا ،، أم أضحك من المرارة والمعاناة التي نحن فيها إلى الذقون نظير عوامل كثيرة تحدثت مرارا عنها من قبل ...

فإلى وطننا ليبيا التي أحبها وأعشقها إلى آخر نقطة دم ونفس يتردد ،، أعاهدك أنني سوف أعمل مابجهدي وحسب قدراتي المتاحة من أي مكان وموقع ‘‘ على المعارضة للنظام حتى الفوز والنصر بإذن الله عز وجل ،، والله الموفق .

                                                                  رجب المبروك زعطوط

                                                                           1987م

No comments:

Post a Comment