Wednesday, March 7, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -14

                                          بسم الله الرحمن الرحيم

لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1987م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع ...


                                             خواطر حائر 

             لا  أعلم القدر فلست بمنجم ولا عالما بالغيب فأنا بشر ،، ولا أعرف ماذا تخبيء لي الأيام  من مفاجآت وأحداث ؟؟ أعيش مهاجرا طريدا بين الأوطان ،، كثرت المشاكل والمصائب ،، إنهالت على الرأس والجسد من كل مكان كالمطارق تضرب ،، وأنا أقاوم بعناد وصبر وحكمة إلى آخر المشوار ،، عارفاً أن كل أمر له حل وحلول من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال ،، فأمور تحتاج إلى الصبر وإستعمال العقل بهدوء ،، وأخرى تحتاج إلى عنف وتحدي سافر  والتخويف والتهديد للبعض ،، لأن كثيرون من البشر يخافون ،، ولا يستحيون ،، أشباه رجال منافقون ... لا يعرفون لغة الهدوء والسلم ،، يعتبرونه ضعفاً وليس تقديرا وإحترام ،،  نفوسهم مريضة تعودوا على التسلق والخداع ،، يرهبون الأقوياء يتحاشونهم ،، لا يريدون التحدي والصدام  لقاء خوف أو طمع في أشياء تأتي على المدى البعيد ،،
مقادير القدر التي قادتني حتى إخترت طريق المعارضة والتحدي لنظام القهر عن قناعة ،، لا أريد الشكر للنفس ولا التباهي ،، ولا المغالاة ،، ولكن أمثالي مغامرون لا يعيشون سعداء فرحى إلا خلال الأخطار و الوقت الصعب في الكفاح والنضال من أجل المثل العليا ،، التي أسماها النضال من أجل الوطن الغالي ليبيا الحبيبة أمنا ،، إرتبطت بقضية سامية نبيلة  تحتاج إلى بذل جميع الجهد ،، إلى العمل وبذل العرق ،، والكفاح والتضحية بالروح والدم ،، إذا تطلب الأمر في مواجهة مع الأعداء في ساحة الوغي والحرب ،،
إرتبطت مع رجال بمواثيق وعهود خيرة نبيلة ،، جمعتنا الرغبة والحماس للتضحية ،، وتعلمت الكثير والكثير عن أغوار النفس ومازلت أتعلم طالما أنا أعيش في هذه الدنيا الفانية ،، حتى يوم الرحيل والوداع يوما من الأيام ،،حيث  علم التوقيت بالنهاية والسفر للآخرة ،،  عند الله عز وجل ،، مهما طال الزمن !
بالماضي كنت لا أعير كثيراً من توافه الأمور بل كل الهم منصب على الأساس والجوهر ،، محاولاً قدر الإمكان إعطاء الأعذار للبعض عن بعض المخالفات البسيطة ،، وعندما إحتجت لمن يقف معي وقت الشدة والعسرة ،، لم أجد أي أحد من هؤلاء رفاق الأمس !  لأن الكثيرين يعتبرون التساهل ضعفاً ،، والكرم تبذيراً ،، والشجاعة تهوراً ،، ومعادلات كثيرة يجدون لها البراهين والحجج ،، وجميعها في نظري تفاهات فلا يصح إلا الصحيح ذوي الأساسات والأعمدة الراسخة ،،
كثيرون من ضعاف النفوس إستغلوا الفرص وظهروا وبرزوا على أكتاف الأحرار الشرفاء الأبطال الذين يعملون في صمت لا يحبون الظهور في العلن أمام الملاْ ،، حتى لا تطالهم الأعين بالحسد أو الحقد ،، أو الملاحقة من أعوان الشر والشرور ،،
من خلال التجارب الكبيرة والعديدة تعلمت أن لا أجامل مع أشباه الرجال تحت أي ظرف ،،، إذا تمكنت وتوصلت وعرفتهم من خلال المعاشرة والرفقة أنهم لا يصلحون ،، ففي كثير من الوقت البت الصارم هو أحسن الحلول للفوز والنجاح على المدى الطويل ،، دائما واضعا أمام النظر مثلنا الشعبي ،، ( نصف الطريق ولا كمالها ) حتى لا يضيع الوقت في الترقب والترصد ،،
لا يصلح العقار ما أفسده الزمن ،، والقضية الوطنية عامة ،، والعمل فيها ضمن مجموعات وليس عمل فرد واحد ،، ولا مجاملات ولا عواطف بأي صورة من الصور ،، بل البتر في حالة كثرة الأخطاء من البعض ،، وبالأخص الجوهرية  ،، وإلا الخراب والدمار للجميع ،، نظير سقوط عضو واحد عميل مزدوج مع الأعداء لقاء مال أو جاه وسلطة ،، أو خوفا من التشهير على عمل فاضح لا يشرف ...
جاء صهري حمدي أخ الحاجة زوجتي ورفيقه محمد قندرة وذهبنا معا لتأدية صلاة الجمعة بالأمس بمدينة هيوستون في ولا ية تكساس ،، وقد سررت وسعدت بجموع المصلين الذين كانوا أكثر من الألف من جميع الجنسيات والألوان ،، وحمدت الرب الكريم على نعمة الإسلام ،، الذي سوف يظل في إزدياد خالدا مع مرور  الدهر ،، وزاد الأمر جلالة ورهبة الإمام ذو الصوت الرخيم الحلو عندما كان يخطب  الخطبة ويتلو في آيات القرآن الكريم العظيم بسلاسة وفهم لدى الجميع ممن لا يعرفون ولا ينطقون باللغة العربية ،، مما أضفى على الأجواء الروحانية ،، وأن الإسلام على حق ،، طريق يدعو إلى الوحدانية والعبادة لله الواحد الأحد ،،
يوم السبت1987/5/23م  رجعت إلى مدينة فرجينيا بيتش حيث أقيم مع العائلة منذ سنوات ،، بعد أن قضيت عدة أيام في زيارة لبعض اللقاءات المهمة مع البعض من الإخوان الرفاق ،، وسطرت هذه الكلمات وأنا معلق في الجو على متن الطائرة التابعة لخطوط الدلتا ،، على مشارف مدينة أتلانتا ولاية جورجيا ،، آمل في الوصول بسلامة للأهل بإذن الله عز وجل ،، والله الموفق .

                                                      رجب المبروك زعطوط

                                                            1987/5/23م  

No comments:

Post a Comment