بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …
خواطر مريض
خواطر مريض
قضيت اليومين الأخيرين طريح الفراش مريض بالحمى حيث أصابتني أنفلونزا حادة ،، الرأس يكاد ينفجر من الصداع والألم ولا أستطيع السمع إلا بصعوبة ،، والرشح من الأنف كرذاذ المطر بدون توقف ،، والدمع ينهمر من العيون ،، أشعر بضعف شديد وعدم قدرة على الحركة أو التفكير فقد شللت ،،الأعصاب على الآخر أكاد أجن من الإرهاق حيث جميع المنافذ قد سدت في وجهي ولم أجد الراحة في الغربة ،، أعيش صابرا على مقادير القدر فقد عملت ما بوسعي حسب الجهد والقدرات ،، والباقي تركته على الله عز وجل فهو المسير للأمر ... معظم الأيام الأخيرة قضيتها ساهما ،، أعيش في صمت لا أريد الكلام ،، تجتاحني كآبة محاولا قدر الإمكان طردها والتخلص منها حتى لا تستمر طوال الوقت ،،، أخطط ماذا عملت لهؤلاء الأولاد ،، حيث خاطرت وأحضرتهم لهذه الغربة بدون سند ولا أهل ،، أفكر لوحدث شىء لي وإنتقلت لرحمة الله عز وجل وفارقت الحياة ،، سوف يتعبون وهم مازالوا صغارا بالسن ،، لم تعركهم الحياة بعد ،،، ثم أعود إلى ذكر الرب معللا للنفس أن كل إنسان حي رزقه على الله عز وجل وما أنا إلا عبارة عن وسيلة وجسر ليعبروا عليها لطرق الحياة المتشعبة من خير وشر ،،، فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما يقولون ،، حيث المعنى الحقيقي لهذا المثل ،،، مطلوب من الإنسان الجد والعمل بلا كلل ،، ولا ينام ويتوقع حصول المعجزات بدون أن يقدم ويدفع الثمن ،، الرب الرازق سوف يعطي ويهب العبد حتى يدهش ،، وقد مررت بالماضي ببعض النعم ،، وأصبحت من الأغنياء الأثرياء في فترة وجيزة من الزمن ،،
جميع الأمور التي مررت بها عجب حتى الآن فأنا مسير ولست مخير ،، أراجع النفس عن ماذا عملت ؟؟ هل أنا بقرار الهجرة قد أصبت أم تسرعت ، إنني لم أعرف ؟؟ لكن النفس مرتاحة بها طمأنينة وشعور غامر روحاني إنني لم أخطىء القرار والقدوم لأمريكا ،، ولكن لدي بعض الأخطاء وهذا هو السبب في الضيق ،، أما عن المرض فهو شىء طبيعي يمر طوال الوقت على أي إنسان يحتاج للراحة والعلاج حتى يتم الشفاء بإذن الله عز وجل ،،
ساعة العسر والضيق تطلعت ولم أجد الرفاق الذين بالسابق كانوا عشرات ملتفون حولي مثل السوار على المعصم بدون فكاك ،، تطلعت ولم أجد أي أحد ،، لست طالبا عونا ولا مالا ،، لكن طالب تسرية نفس وحديث من القلب ورفقة أخوة ،، حتى أشعر أنني لست أصارع لوحدي فلدي إخوان وأصدقاء وقت الحاجة ، وكانت هذه "الغصرة" والمرض دروسا مهما دفعت ليس لها ثمن فقد تعلمت أن لا أخطىء بالمستقبل وأندفع في مغامرات غير محسوبة بدقة ،، وبالأخص مع البعض الذين صداقتهم عبارة عن مصالح ونفاق ،،
إن هذه الأيام الصعبة بالغربة لن أنساها طالما حييت ،، طالبا من الله عز وجل أن أتخطاها بسلام وأن تكون آخر التعب والأحزان ،، فأنا أسطر السطور العديدة بسرعة من غير تدقيق ولا فحص بل أكتب وأكتب ،، أعبر عن ما يجيش بالنفس من خواطر وإنفعالات عن تدني الكثيرين من البشر الذين يحسبهم الإنسان أنهم إخوة ورجال ،، وأثبتت الأيام أنهم أشباه رجال منافقون متسلقون مخادعون حسب المصلحة والأمر ،، أليس بشىء مؤسف ،، فقد تعودت على القيم والكرامة وعدم مد اليد وإراقة ماء الوجه لأي إنسان مهما كان ،، فالعفة والشرف هو الأساس والمقياس الذي يقاس به الإنسان ،، ولكن للأسف خدعت ،، فجميع هذه الصفات توجد عند البعض الشرفاء أما الكثيرون فقد ذابوا مع الأيام ،، يعتبرون هذه الأوصاف الحميدة بالية قديمة لا تصلح لهذا الزمن ،، أليس بشىء مؤسف ؟؟
إن الغربة لها ثمنها القاسي وبالأخص للإنسان الذي يتعامل بالسياسة ،، الفكر مشغول بالوطن طوال الوقت فلا يعمل ويكافح في الوطن الجديد ليعيش ،، ولا يستطيع الرجوع لوطنه الأصلي لأنه هارب ومطارد وبالتالي يضيع بين البينين وهذا الأمر قمة المأساة ،، فقد شاهدت بساحة الغربة خلال العقد السابق السنوات الماضية على أحداث رهيبة ومآسي محزنة وشائعات أطلقت على مهاجرين شرفاء ونظرات الشك وأصابع الإتهام وجهت نظير الدس من أدعياء النضال الذين يعملون من الحبة قبة ضدهم ،، حتى تصفى الساحة لهم ،، وفي نفس الوقت يستعملون القضية النبيلة كورقة للإبتزاز وقبض الهبات من الدول والجماعات والأفراد المحسنة ،، ليعيشوا أحسن العيش في أمجاد زائفة ،،
إن قصتنا قصة طويلة ،، والجميع بالغربة قدموا الثمن بطريقة أو أخرى ،، طالبا من الله عزوجل ،، أن نصل إلى تفاهم ونتحد ونتوحد يدا واحدة ضد العدو الرابض على أكتاف الوطن عسى أن نلحق به الضرر البليغ ونرجع منصورين ،، والله الموفق ،،
رجب المبروك زعطوط
1988/5/2 م
No comments:
Post a Comment