بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …
العقل
إنني لا أعرف ماذا أقول وماذا أسطر على الورق ،، فقد فتحت صفحات الكراسة وأمسكت بالقلم وتطلعت للورق الأبيض ،، وسرحت بالخيال ونسيت الموضوع الذي أريد أن أكتب عنه ! فأنا بالمدة الأخيرة كثير السرحان والتفكير ،، الأفكار كثيرة متعددة متشابكة ،، أحاول التركيز ولكن بدون فائدة ... لا أعرف ماذا يخبئه لي القدر ،، حيث أمر بفترة صعبة مريرة نتيجة أخطاء إرتكبتها وعثرات مؤلمة وقعت منها وسقطت في حفر ،، ووجدت النفس أصارع في عدة جبهات ،، فقد قلب لي الدهر ظهر المجن كما يقولون ،، ولكن لم أيأس وأقنط من الرحمة والغفران ،،، بل حمدت الله عز وجل على عطاياه فقد كنت بالماضي غافلا عن أمور كثيرة لم أعطها الوقت الكافي نظير عدم الفراغ ولا الإنتباه الوافي نظير التركيز على بعض الأمور الكبيرة تاركا الصغيرة للغير من المساعدين ،، لأنني لا أستطيع عمل الكثير لوحدي فأنا تعودت على العمل الجماعي ،، وكانت غلطة كبيرة عدم المتابعة ،، فالأمور الصغيرة مع الوقت تجمعت وأصبحت كبيرة وصعب الخلاص منها أو حلها بسهولة وسلام ...
إنني لا أعرف ماذا أقول وأنا الذي أعتبر لدى الكثيرين أستاذا في بعض الأمور حيث الكثيرون يأتون للمشاورة وأخذ الرأي السليم ... ومن أول السنة عندما رجعت من الرحلة الأخيرة لم أتابع المتابعة الجيدة للحزب الجديد (حزب الأمة ) الذي خرج للنور والقضية الوطنية كما يجب ،، نظير الحالة المالية الصعبة ونقص السيولة ،، وتعبت من التمويل الفردي والآخرون من الرفاق معظمهم يعانون مثل معاناتي فقد طال الوقت ولم تنتهي المسيرة ولم نتحصل على دعم وأموال من بعض الليبين الأثرياء ،، حيث نظرتهم للمعارضة ضد النظام عبث وضياع وقت لأنهم مستفيدون من الوضع القائم في كثير من الأعمال التجارية ...
لقد وصلت إلى قناعة بالتوقف فترة زمنية حتى لا أصبح معدما نهائيا ،، وأبحث عن دخل حتى أستطيع أن أغطي بعض مصاريف الحياة اليومية التي تزداد كل يوم ،، فأنا غير مستعد لأن أستدين وأترك العائلة في إحتياج ،، فقد كانت الأولوية دائما للعيش بكرامة وقيم رافعا الرأس وأن لا أريق ماء الوجه ولا أمد اليد لأي إنسان مهما كان !
بالماضي أيام الوطن لم أحسب مصاعب الهجرة ولا الغربة وإنني يوما ما سوف أكون منبوذا من النظام مطاردا ... جميع الأبواب مقفلة في الوجه غير قادر على الرجوع ،،، أعيش لوحدي مع العائلة في مدينة جميلة على شاطىء المحيط من غير أهل ومعارف وأصدقاء من جيلي حتى أقضي بعض الوقت أتسامر معهم في الذكريات السابقة وأنسى الهموم فأنا جزء من المجتمع ولست نشازا تعودت دائما أن أكون محاطا ضمن جمع من البشر ،، ولكن فرض علي الوضع والحالة بأن أكون شريدا لوحدي ،، وكان عزائي الوحيد السفر المستمر من مكان لآخر لحضور اللقاءات والإجتماعات مع باقي الإخوة المناضلين ...
لم أستطع الذوبان في الحياة الأمريكية كما فعل الكثيرون من الشباب ،، حيث أمريكا يذوب فيها صغار السن والشباب بسرعة من خلال مدارسها وجامعاتها وطرق الحياة الصناعية التي تبهر أي إنسان غريب ،، حيث كل شىء جديد بها و تتجدد كل يوم وتتطور للأحسن ،، أما عن الجيل الذى يفوت الأربعين عاما عمرا الذي أنا منه فيصعب الإنصهار والتغيير الكلي حيث كنت مسؤولاً على رعاية أسرة كبيرة وطابور من الأولاد أريد أن أكون القدوة الحسنة لهم في أمور كثيرة حتى أستطيع أن أربيهم على الدين الإسلامي الصحيح بالغربة والحفاظ على تراثنا وعاداتنا ،، و تقاليدنا التي تمنعنا من الكثير من الذي عندهم سهل ومباح ونحن حسب ديننا قمة الحرام ...
أيام شهر رمضان من أصعب الشهورعلى أبناء الجالية العربية المسلمة الصائمون حيث الشعب الأمريكي غير صائم ،، والمشكلة أن المسلمين يعملون ولا نستطيع أن نتلاقى يوميا وإحياء ليالي شهر رمضان الجميلة ،، بل اللقاءات أيام نهاية الأسبوع أو العطل القليلة وبالتالي يمضي شهر رمضان الكريم بدون أي بهجة كما في الوطن والعالم العربي الإسلامى ...
أخبار الوطن الحقيقية شبه غامضة وغير واضحة فالنظام قام بالتعتيم على الجميع ،، فأجهزته وقنواته المرئية وإذاعاته كلها تطبل لصالحه والقليل الذي يخرج ويصل للخارج يتداول بالهاتف ويدور في أوساطنا ،، ومعظمها زيادات وتحريف لأنها منقولة من شخص إلى آخر وكل إنسان يتداولها للآخرين حسب وجهة نظره وعلمه مع التضخيم ،، مما تسبب في زيادة فواتير الهاتف وفي بعض الأحيان أرقاما عالية ،، لا أستطيع الكف عنها أو تحجيمها مهما عملت ،، فمعظم المكالمات عبر المحيطات والقارات ...
هنا بأمريكا في مدينة فرجينيا بيتش شعرت أنني إنسان ولد من جديد ،، فقد تنفست هواء الحرية العليل ضمن القوانين الصارمة العادلة التي تحفظ الحقوق للجميع بدون أي تجاوزات ،، شعرت بالسعادة بعد سنوات من الإقامة بها لأن القرار كان صائبا عندما قررت القدوم إلى أمريكا للأقامة والعيش بها ،، فقد ألهمني الله عز وجل القرار الصادق الصالح ولم أسكن بأي دولة عربية وعندها كنت ضعت نظير عوامل عديدة ...
إن شكري لأمريكا ليس معناه أنني ضد الأوطان العربية ،، فأنا عربي ليبي أصيل ،، ولكن الدول العربية مازالت تعيش في القرون الوسطى التي مضت إلى غير رجعة تعيش في الأمجاد والأحلام ،، لم تتطور مع الزمن ،،، لم تبزغ شمس الحرية بعد عليها ،، حتى يتحرر المواطن من الخوف ويرفع الرأس ،، ويطالب بالحقوق المشروعة له من يوم الولادة بدون خوف من زوار الليل والنهار ،، والقبض والسجن والغياب وراء الشمس لمدد غير معروفة ...
سيدنا عمر بن الخطاب قال الكلمة المشهورة لأحد ولاته عندما كان أميرا للمؤمنين في الخلافة الإسلامية الزاهرة ( لماذا إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ) ،، فقد وصل عقيدنا المعقد المجنون بضربة حظ وزرع من القوى الخفية أثناء غفلة من الزمن والشعب ووصل لقمة الهرم والسلطة في ليبيا ،، وبدلا من أن يسعد الشعب بثورة الفاتح كما يقولون ويدعون ونحن في نظرنا إنقلاب أسود ،، طغى وتجبر وسام الجميع العذاب الأليم من الإرهاب وكم الأفواه وسجن الحريات الشخصية من فكر ونشر وصحافة ،، والإتهام بأي موضوع لتحقيق مآرب سادته والسير ضمن المخططات المرسومة له حرفيا حتى يدمر الوطن العربي بشطحاته وجنونه ،، ويزرع إسفين الإرهاب والقتل أينما حل في دول عديدة بالعالم ...
وصل الإسلام من الجزيرة العربية إلى دول عديدة بآسيا شرقا وغربا شمال أفريقيا وإسبانيا وبعض دول قارة أفريقيا وإنتشر بسرعة ،، ليس بحد السيف ،، العنف والقتل كما يقولوا المغرضون ،، ولكن بالحكمة والعقل التسامح والتكافل ،، قمة التعاون والشورى جماعة والوصول إلى قرار برأي الأغلبية ،، التي الآن في عصرنا الحاضر ترجمت إلى إسم الديمقراطية ،، وللأسف نحن المسلمون لم نطبقها التطبيق الصحيح كما يأمرنا ديننا الحنيف منذ حوالي 14 قرنا من الزمن ،، مما ضعنا دنيا وآخرة ...
إن الحرية ليست هبة وعطاء من الحاكم ،، وإنما تؤخذ بالجهاد والكفاح من أجل المبادىء والقيم حتى يعيش أبناء الشعب في بحبوحة العيش ضمن العدل والمساواة ،، والشاعر يقول ( وللحرية باب بكل يد مضرجة بالدماء يدق) ونحن كأبناء الشعب الليبي بلانا الله عز وجل بحاكم مجنون مريض قفل وسد جميع الأبواب ليحكم هو وعائلته وحواريوه الوطن بدون أي مشاركة فعلية حقيقية لأبناء الشعب المواطنون ،، ونسى وتناسى أنه بعمله هذا وضغوطه زاد في الإحتقان والغليان الشعبي ببطء ،، يوما مهما طال الوقت سوف يتم الإنفجار للبركان ،، وعندها لا يستطيع وقفه مهما حاول من جهد ومهما كان عنده من مال وعسكر ،،
إنني مهما كتبت لن أستطيع علاج خواطري الجياشة واضعا الغل على الورق وسلاحي هو القلم الذي أحارب به ،، والورق يتحمل في كل الضربات بدون أن يتأوه ويرد ،،
ليلة البارحة سهرت في مشاهدة مقابلة مرئية منقولة مباشرة من مدينة القدس المحتلة ،، ندوة عامة لأول مرة مع المذيع الأمريكي المشهور (تيد كابل ) بين 4 أعضاء من الكنيست الإسرائيلي ،، 3 أساتذة فلسطينيين إحداهم الدكتورة حنان عشراوي ،، وكان الحوار جيدا وممتعا وكل طرف يحاول شرح وجهة النظر مدعما بالأدلة ...
وكان الموقف الفلسطيني جيدا وبالأخص أثبتت الدكتورة حنان أنها متعلمة ومثقفة ثقافة عالية قادرة وجديرة على الحوار المركز حسب فهم العقلية الأمريكية مما تعاطف معها الجميع ،، وأثبت العرب أنهم قادرون على الحوار الجاد الهادف وليس المزور الكاذب الذي يبثه الإعلام الغربي ضدنا طوال السنين الماضية وينعتنا بنعوت متدنية ويصورنا بأننا بدو رحل متأخرون نستعمل الجمال ولدينا حريم من عدة زوجات ومحظيات !
إن القضية الفلسطينية قضية شائكة ضحيتها جميع الأطراف العرب واليهود على السواء نظير القوى الخفية والمصالح الدولية ،، وفي نظري حلها ليس بالحرب والقتل والدم ،، ولكن بالحوار والثقة المتبادلة والسلام مع الوقت ،، فالعرب واليهود أبناء عم ،، ولو تم الإتفاق مع بعض بصدق وحق وتعاونوا مع بعض لديهم القدرات والإمكانيات الضخمة من عقول ونوابغ ،، قوة المال والثروات الخيالية ،، كبر مساحات الأرض العربية ،،، بأن يغيروا العالم إلى مزيد من العلوم والتقدم ،، بدلا من ضياع الوقت في التسلح وصرف الثروات في آلات الحرب والدمار والنتيجة والمحصلة النهائية الكاسب خسران ،، ضروري من العيش في سلام ونبذ التطرف والعصبيات الجاهلة من الطرفين بالحكمة والعقل والقوة إذا تطلب الأمر ،، ليعيش البقية مع بعض أخوة في بحبوحة العيش والسعادة إلى ماشاء الله عز وجل ...
إنني الذي أحاول قوله ،، أننا نحن العرب ضروري من إستعمال جوهرة العقل ،، والدوس على الكبرياء الفارغة والتطرف الأعمى الذي يؤدي إلى الهلاك ،، وأن نطهر أنفسنا من رجس الشياطين من أنس وجان ،،وأراضينا من الحكام الظالمين الفجرة ،، ونتمسك بالدين بقوة بدون تطرف ضمن الشورى والديمقراطية ونمد أيدينا للجميع بالسلام حتى نعيش في راحة بال طوال الوقت ،، والله الموفق ،،
رجب المبروك زعطوط
1988/4/28م
No comments:
Post a Comment