بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …
المال
جلست وحيدا بالمكتب عند الأصيل في أحد أيام شهر فبراير الباردة أتطلع من النافذة إلى الأشجار الباسقة بالحديقة وسرحت بالخواطر بعيدا عن الموقع الذي أنا به في مدينة فرجينيا بيتش أمريكا ،، إلى ليبيا الحبيبة ومدينة درنة الغالية ،، حيث كنت أعيش في رغد العيش والأعمال كثيرة ودخلي سنويا بالملايين في السنوات الأخيرة قبل الزحف والتأميم ،، كنت في بحبوحة العيش ،، أتصدق بالكثيرللفقراء والمحتاجين وأي إنسان يأتي للمكتب أو البيت ويطلب خدمات وبإستطاعتي لا أرده خاوي الوفاض أعمل كل الجهد لمساعدته ومساندته لأنني مؤمن أن المال للصرف وقضاء الحاجة وليس الكنز والبخل الشديد به مثل الكثيرين من البخلاء ،، والمصاريف تزداد كل يوم ،، والبيت عامر بالضيوف بالعشرات ،، كنت لا أفكر في المصاريف حيث الدخل كبير ،، ولم أتوقع أو أحسب أنه في السنوات القادمة سوف أكون مهاجرا طريد العدالة مطلوبا للقبض حيا أو ميتا ،، وفرق الموت اللجان الثورية تطارد بلا هوادة بالخارج ،، وأنا أهرب من مكان إلى مكان في جميع السفريات وبالأخص في أوروبا ،، مسرح الجرائم والإغتيال للكثيرين من أبناء الشعب سيئي الحظ الأبرياء ...
نظام القهر والإرهاب سعى جاهدا منذ السنوات الأولى للإنقلاب عندما وطد الحكم وعرف عقلية أبناء الشعب طموحاتهم الحصول على المال والإثراء ،، زرع الفتن وألب العوام الأراذل الجهلة على الشرفاء في جميع المجالات الحياتية ،، حيث الشرفاء لديهم الحس والضمير لا يرضون بالفساد والإفساد ،، أما الطبقة الدنيا الوضيعة لا يهمها تنفيذ أي أعمال خسيسة شريرة طالما أمر بها العقيد المجنون ،، أمم جميع الشركات والتجار ،، سلب الأملاك جرد الجميع من المال حتى ينام مرتاح البال فمن غير مال كان التركيز لذوي النعمة العمل والبقاء أحياء ،،والعيش الكريم بالعرق والجهد لأنهم أصبحوا بدون دخل ...
المال والبنون زينة الحياة الدنيا ،، آية من آيات القرآن العظيم نزلت وحيا على الرسول سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ،، الطاووس الشيطان أراد حرمان ذوي النعمة من الخيرات لأنه حقود حسود ،، يتذكر الحرمان أيام صغره ،، أصدرالقوانين الجائرة وقام بصب جام الغضب على طبقة التجار والمقاولين ،، ملاك العقارات والأراضي ،، بمقولات تافهة من عقله المريض صاغها في كتابه الأخضرالهزيل ،، محاولا فرضها كنظرية جديدة على جميع شعوب العالم وهي لاتساوي الحبر الذي كتبت به وليس الورق ...
قالت عنه الصحفية الإيطالية ماريا فالاتشي في مقابلة على الهواء في القناة الفضائية مع عقيدنا الطاووس أن الكتاب الأخضر لا يساوي في القيمة المادية عن ثمن أصبع الروج الذي في حقيبة يدها ،، كم كانت الصحفية جريئة صادقة وتقبل الحديث منها الذي لم يكن يتوقعه وكأنه قنبلة ،، وتمالك نفسه ولم يعلق ،، وكانت آخر مقابلة لها ،، فمن ذاك اليوم لم تحظ بمقابلة شخصية معه ،،، فقد كرهها لأنها قالت الحقيقة ،، ولو كانت الصحفية ليبية لغابت مع الشمس في غياهب السجن للأبد !
حاكمنا وولي أمرنا مريض ومجنون ،، ولم يتجرأ أي أحد من الحواريين على نصحه نصيحة أخ من القلب والضمير عسى أن يرجع للحق ،، بل الجميع يطبل ويتملق طمعا في جاه وسلطة مما زاد غيه وكل يوم يتكبر ويزداد تجبرا ،، حتى وصل الغرور به إلى الإدعاء بأنه العالم العلامة في كل شىء ومع طول الوقت والهيبة التي لبسها نظير المركز والسلطة الفردية بدون منازع ،، صدق الأكاذيب وأصبح يعتقد أنه قدير وفلتة من فلتات الزمن في التنظير والشرح لأمور عديدة ،، وكان يتحدث بالساعات في القنوات المرئية ويشرح في تراهات وأكاذيب الكتاب الأخضر ولا من يستطيع أن يلفت نظره بأن يتوقف عن الحديث ويختصر الوقت ...
نظير التطبيل والتمثيل والتمجيد ،، حيث بين يوم وليلة في غفلة من الشعب والزمن قام بالإنقلاب الأسود وأصبح من ملازم إلى عقيد وعلى رأس السلطة لدولة غنية بالدخل من النفط و شعب قليل العدد ،،والجميع دان له بالسمع والطاعة ،، أليس بمحظوظ ؟؟
هذا العقيد المعقد نسى وتناسى أن الله عز وجل يهب الملك والجاه والمال لمن يشاء من عباده ،، لا يريد أن يفهم أن جميع البشر ليسوا سواسية في العقل ولا في الغنى أوالفقر،، ولا في الصحة والمرض ،، حسب فهمه المريض وتراهاته قام بالزحف والتأميم بدون أي وجه حق ،،، إستولى على جميع الأموال والأملاك والشركات بحجج واهية ،، حتى يجعل الجميع سواسية ،، ويمنع أي تمويل لثورة قادمة مستقبلا ،،
بعمله الغوغائي الفوضوي ،، تعدى على حدود الله تعالى والذات الإلاهية وهو إنسان من ضمن البشر ،، نسى أن الجميع في الوطن سواسية في الحقوق والواجبات ضمن العدل والمساواة ،، وليس في الأرزاق التي تساق من الرازق الوهاب الله عز وجل ،،
لم أجاهر بالعداء والتحدي للنظام حتى ضمنت خروج العائلة والأولاد في الخارج خوفا من أن أساوم بهم مع الوقت ،، لأننى عرفت منذ الأيام الأولى أن الإنقلاب الأسود يسير بالوطن إلى الهلاك والهاوية !
،، والمشكلة أن معظم الشعب يصفق يهلل ويكبر للثورة ويجد في الأعذار للتصرفات الخاطئة التي ترتكب كل يوم من قبل العقيد المجنون ،، وعندما يجد الإستهجان والرفض لدى الشعب يعالج القليل ويتراجع ،، وتذكرت حكمة ومثل قالها أحد المجانين ويدعى (بالة) بمدينة درنة منذ سنوات طويلة في السبعينات ،، عندما سأله بعض الظرفاء يوما عن الشعب الليبي وكان رده ببساطة أن الشعب جاهل سياسيا لا يعرف مصلحته الوطنية مثل الضفدعة ( الجرانه ) تسبح مع تيار الماء الذى يجري بها في الساقية بسرعة للهاوية والهلاك والموت وهي مسرورة تزغرد فرحة سعيدة من غير أن تعرف وتعلم المصيرالقاتل والنهاية المؤلمة !
الغلطة الكبيرة التى إرتكبتها بالغربة ،، أنني لم أحسب حساب طول الزمن وأن الغربة سوف تطول سنيين عديدة غير معروف متى الرجوع للوطن ،، من أول يوم كان المفروض تغيير بعض العادات السابقة في الإنفاق والكرم الزائد عن اللزوم الغير محسوب وعدم التوسع وصرف المال بدون حساب وبالأخص في أمريكا التي يتوفر فيها كل ما يرغبه ويحبه الإنسان ، وعندما يحتاج الإنسان ويريد البيع يخسر الكثير والكثير ...
كان بالإمكان منذ البدايات توفير الكثير وشراء السكن بمناطق آمنة متوسطة وليس بالأحياء الغالية كما فعلت عندما إشتريت أول بيت في مدينة كوربس كريستي ولاية تكساس على الكورنيش ،، ودفعت المبالغ الباهظة فيه ولم أتعلم أن الحال تغير ،،مما فتح عيون الطامعين علي وزادت المصاريف حسب الحي ،، وكنت بلا دخل أصرف من المبالغ والديون التي لدي عند البعض وتم تحصيل البعض مع الوقت ...
مرت أول سنتين وإضطررت إلى تغير العنوان بحجة الأمن ،، وإنتقلت من ولاية تكساس إلى مدينة فرجينيا بيتش لعدة أسباب رئيسية أولها أن جميع المهاجرين من المكسيك ودول أمريكا الجنوبية جميع معاملاتهم للهجرة والإقامة والجنسية عن طريق عاصمة الولاية وأحتاج إلى وقت طويل في الإنتظار ،، لأن عشرات الآلاف من الطلبات أمامي وتأخذ وقتا طويلا حسب ماقاله لي المحامي الذي وكلته بالنيابة عني والأسرة لمتابعة إجراءات الحصول على الإقامة الدائمة …
إنتقلت إلى الشمال الشرقي وأقمت في مدينة فرجينيا بيتش الساحلية ولاية فرجينيا ،، بناءا على النصيحة والطلب من أحد الأصدقاء الأمريكيين المتقاعد ذو الشأن بالسابق في البحرية الأمريكية لسهولة الإجراءات وعدم الزحام ،، وعرفني على صديق له متقاعد كان مسئولا كبيرا بإدارة الهجرة وتمت كفالتي منهم مما تحصلت على اللجوء السياسي خلال عدة أسابيع من تقديم الطلب ،، وكانت فرحة كبيرة ،، فقد ضمنت الإقامة ،، وأن أصابع وأذرعة النظام الخبيثة لن تستطيع مهما عملت من القبض علي في أحد المطارات العربية أو الأوروبية ...
ثانيا ، القرب من أوروبا حيث يتم توفير أكثر من 3 ساعات طيران في كل رحلة زائد فروقات الأسعار للتذاكر ،، وأنا في ذلك الوقت كنت أسافر بأستمرار للخارج ،، وأتذكر في أحد السنوات في الثمانينات عبرت المحيط أكثر من 10 مرات خلال سنة في الذهاب والأياب ،، وجميع هذه الرحلات من أجل القضية النبيلة والمعارضة لنظام الطاووس الشيطان الرجيم ...
لدينا مثل ليبي مشهور يقول ( لا يحس بالنار إلا واطيها ) وأنا شخصيا جربتها على الواقع المرير ،، حيث أصبحت طريدا مهاجرا من غير وطن ،، مسؤولا ،، أعول عائلة كبيرة ،، ووضعت على أكتافي مسؤوليات ضخمة ،، ولم أترك في حالي بل مطارد في أي مكان بالعالم ،، بتهم وجرائم مختلقة أنا برىء منها ،، والإسم والصور عند جميع الأجهزة بالعالم ،، مطلوب حيا أم ميتا من نظام الجهل الفاسد ،، ورعاني الله عز وجل في جميع الرحلات فقد كنت أتنقل بجواز سفر آخر إلى أن تحصلت على الجنسية وبعدها السفر بالجواز الأمريكي الذي يشرف الإنسان حمله وبالأخص عند الدخول أو العبور لدول العالم الثالث ...
إن أهم شىء في نظري بالحياة ،، الإيمان بوجود الخالق الله عز وجل والإستقامة والصدق في العهد والوعد ،، عدم التدخل في أمور خاطئة من تطرف وإرهاب تحت أي ظرف وبالأخص عندما يعيش في أوطان الآخرين ،، أن يحترم القوانين حتى يحترم ،، وأن يعمل الإنسان بالحلال ويكافح من أجل الحصول على المال بشرف فهو الأساس وبه الإنسان يستطيع أن يعمل الكثير وينجح في كثير من الأمور الحياتية وبالأخص النضالية السياسية ،، فمن غير مال يضطر إلى الهوان والتوقف ،، والإذلال في بعض المواقف التي تحتاج إلى مصاريف ضخمة وعطاء بدون حدود لمساعدة الغير من الرفاق المناضلين ،،
أخيرا أود القول أن المال هو عصب الحياة ومن غيره لا يستطيع أي إنسان أن يرتاح ويسعد فكل شىء يدور وينتهى وهو يتعلق بالمال ،، وكان الله عزوجل في عون الفقراء المحتاجين لأبسط الأشياء ،، وبالأخص المرضى منهم المحتاجون للعلاج والدواء ،، طالبا داعيا المولى تعالى أن لا أحتاج وأمد اليد لأي إنسان مهما كان ،،والله الموفق،،،
رجب المبروك زعطوط
1988/3/1م