بسم الله الرحمن الرحيم
الدب الأبيض
سبحانك رب العالمين مغير الأحوال، بالسابق كانت الحرب الباردة تدور بقوة في الخفاء و تحت الغطاء ووراء الستار بين الغرب الرأسمالي بزعامة أمريكا، والشرق الشيوعي بزعامة روسيا، والتي إستمرت عدة عقود وكل طرف يسعى بجميع الجهد للفوز والنجاح في الصراع من أجل مبادئه وقيمه حتى لا يهزم ويضيع ويفشل... وقام الدب الأبيض، زعماء الكرملين، روسيا وحلفائها، بوضع ستار حديدي لم تستطع القوى الغربية إختراقه مهما بذلت من جهد وصرفت البلايين من الدولارات في الدعاية والتسليح ودعم الحلفاء والأصدقاء لعدة عقود نظير القوة الصارمة في الحكم للشعوب العديدة ، ضمن دولة الإتحاد السوفياتي و دول حلف وارسو، بإتخاذ النظرية الشيوعية كأساس في الحكم... وأي دولة في المنظومة الشيوعية حاولت الرفض و الخروج وتأبت على الاستمرار في المسيرة والرفض لسياسات (الكرملين) ـ نظير القهر والدس والفتن والدعايات الغربية ليل نهار بكل وسيلة من الحط من الشأن وكيف المواطن الغربي يعيش في بحبوحة الحال متمتعا بكامل الحريات من جميعها مما أثمرت لدى الكثيرين الذين يرغبون في الانعتاق والخلاص والخروج من الهموم التي يعانون منها ويحاولون تطبيق الديمقراطية في أوطانهم ـ تم قمعها بكل قسوة و صرامة... فلقد حاولت دول عديدة التمرد مثل المجر وتشيكوسلوفاكيا و غيرها وسعت إلى الخروج عن المسيرة مما الدب الأبيض لم يرحمها وقضى على الفتن بسرعة وخلال ساعات وأيام متحديا الجميع في القمع... كانت جنوده ودباباته تحطم كل شئ أمامها بالقوة حتى إستكانت الشعوب وطأطأت الرؤوس رغما عنها ... وكانت درسا للآخرين ان الدب الأبيض لا يمزح و لا يترك الأمور تتدهور ويخسر المباراة الحامية بسهولة والتي وقتها كانت مصيرية .
حدث من خلال الصراع الشرس الدموي الصمت تحت غطاء الصداقة والسلام والتعاون وقت تطلبت المصالح بين القطبين الدب الأبيض والنسر الأحمر أثناء الحرب العالمية الثانية التي كانوا مع بعض شركاء فى تحطيم الرايخ وإحتلال المانيا بالقوة، ودول صغيرة عديدة خلال عقود كثيرة إستعانت بمساندة الدب الأبيض إلى نيل الاستقلال والخروج من هيمنة الغرب مما خلق توازن لدول العالم الثالث ورافدا قويا يعتمد ويستند عليه ويستنجد به الكثيرون ممن لا يحبون ولا يريدون الهيمنة الغربية وبالأخص من بعض الدول الأوروبية الإستعمارية بالسابق والتي كانت مازالت تحلم بالإستعمار والهيمنة من جديد والقمع للثورات الشعبية المحلية ضد مصالحها والحفاظ على سمعتها في إشعال النار والفتن في زيادة الكراهية والعداء للمصالح الغربية... والتي للأسف كانت على وشك النهاية وتلفظ أنفاسها الأخيرة لولا أمريكا الداعمة على جميع المستويات مما أتيحت الفرص للضعيف حتى إستطاع أن يلعب على الحبال وأن يساوم للحصول على الكثير من أحدالأقطاب من خلال الصراع القوي والذي وصل في فترة الستينات من القرن الماضي العشرين إلى حافة الصدام النووي بينهما و الذي كان على وشك الحدوث فى الأزمة الكوبية بداية الستينات والتي توقفت وإنتهت على الخير ووعد من امريكا أن لا تمس كوبا وزعيمها فيدل كاستروا بأي ضرر، مقابل ان يوقف الروس مشاريع نصب الصواريخ النووية وقربها من الأراضي الأمريكية الذي يعتبر تهديدا مباشر .
لا شئ يدوم ولا خلود ولظروف كثيرة ومعاناة قاسية تآكلت النظرية الشيوعية في أحشائها مع مرور الوقت حيث شعوبها كانت تتطلع إلى التغيير وإستنشاق هواء الحريات بدونها، والمشي في طريق الديمقراطية مما في وقت قصير تهاوت وأصبحت كل يوم تضعف والدولة أصبحت غير قادرة على العطاء والمغامرات كما كانت بالسابق من كبر مساحاتها وتعدد شعوبها... وإضطر الزعماء الحاكمين تحت ضغط الشعوب للمرور من الأزمة إلى إزالة الستار الحديدي والإنفتاح على الغرب على مراحل وإعطاء الشعوب من جيرانها المقهورة حقها في الاستقلال ضمن اتحاد قوي معها حتى مروا من الأزمات الخطيرة بأقل الخسائر.
تراجعوا عن الشيوعية إلى الديمقراطية وبدأت الدماء الساخنة تجري في الشرايين والعروق الباردة في مفاصل الشعوب المقهورة وظهرت عدة طبقات نيرة في جميع المجالات، وهي التي كانت في الماضي مضطهدة ومتضررة غير قادرة على التعبير بالرأي والتجارة الحرة والأعمال في العلن ، ومنها ظهور الغنى والثراء الفاحش لبعض رجال الأعمال الروس على مستوى العالم وتغيرت الصور القاتمة إلى أخرى ساطعة وتزداد كل يوم للأحسن طالما إستمرت على هذه المعادلات والنجاح ووجود زعماء ذوي شخصيات قوية مهرة أذكياءا... وهم الذين فاهمين الأوضاع العالمية و مروا بالتجارب العديدة ويعرفون كيف يصلون إلى المقدمة ويحافظون عليها حيث الدب الأبيض بدأ يسترجع عافيته وينهض ليصبح السيد الجديد في قلب جميع الامور والموازين والمعايير من قمة الفشل الى قمة النجاح والفوز في الصراع.
كل أمة من أمم العالم خلال العصور والمسيرة الطويلة، مرت بأفراح وأتراح ومعاناة كثيرة وأتذكر في منتصف الستينات الدول الشيوعية كم كانت رخيصة الأسعار في العيش و تعاني شعوبها من القهر والحرمان والنقص لكثير من كماليات الحياة كالتي لدى شعوب العالم الغربي للعيش الكريم من أجل البقاء. وكان الزائر الغريب الفطن وقتها يلاحظ بسرعة البؤس والحرمان من أبسط الأشياء على وجوه الجماهير المسيرة مثل الآلات في العمل بدون أن تحيد عن الخطوط المرسومة بإتقان... والخوف الشديد من الإتصال مع أي غريب حتى لا يشتبه فيه ويدان بالعقاب الشديد ويدفع الثمن الغالي... وشاهدت بأم العين وعشت بعض آلامهم أيام الشباب خلال زياراتي العديدة القصيرة لبعض الدول الشيوعية ولا حظت كم كانوا يعانون، ونحن كشباب عرب قادمين للزيارة والسياحة والترفيه أغنياءا لدينا المال الكثير للصرف على المجون في غير طاعة الله تعالى مما الزائر الفطن يلاحظ العيون الحاسدة الفقيرة تتطلع فينا بحسرة وهي غير قادرة على التغيير .
الآن تغيرت الصور القاتمة الماضية إلى مشرقة وساطعة كما قلت في أحد مدوناتي السابقة أن روسيا دولة حضارة وسمو منذ أيام حكم القياصرة ، وبلاها الله تعالى بالمصيبة ،النظرية الشيوعية، من العملاء المندسين التي حلت على أكتافها مما عانت عشرات السنيين الهم والغم وولد من خلال رحم الصراع الإنعتاق والحرية المهمة والتى أحد أساسيات النجاح في الحياة، الخروج منها من التجربة بعد تضحيات كبيرة وكثيرة فى الأرواح بالملايين حتى إسترجعت أنفاسها بقوة أكثر من الماضي وكانت الفرحة كبيرة لدى الكثيرين من الشعوب الأخرى المهيمن عليها والذين كانوا يعانون من ويلات كثيرة من المؤامرات الغربية في الخفاء تحت عدة مقولات رنانة بإسم الديموقراطية والمساعدات المادية، والذين يكيلون الأمر بمكيالين بدلا من واحدا وبالأخص ضد الأمة العربية والإنحياز الكامل والتعاطف لدولة إسرائيل على البقاء كشوكة وسط قلب العرب وبالأخص خلال الصراع القوي ضمن القضية الفلسطينية التي لم تنتهي منذ أكثر من حوالي سبعة عقود والصراع قائم وكل طرف يتربص بالآخر ، والتي تحتاج بقوة إلى حلول عادلة وسلام مهما كلف الأمر من تضحيات للطرفين للعرب واليهود من ثمن ، وأن يعيشوا مع بعض كما كانوا في السابق مواطنين في جميع الدول العربية في دولة واحدة، ولا يهم التسميات للدولة فى الوقت الحاضر ،، المهم العيش في سلام وأمن وأمان بدون تقسيم ولا أسوار ولا إرهاب ضمن دستور قوي بإتفاق الجميع وقانون عادل يحفظ حقوق الجميع من أي إعتداء كان...
كما الأمر الآن في أمريكا الجميع من مختلف الأجناس والديانات والعقائد والإتجاهات يعيشون مع بعض في وئام بدون أية كراهية من أي طرف ماعدى من ذوي العواطف الجهلة المغرورين ناسين ومتناسين أن "الدين لله و الوطن للجميع" (العبارة التي قالها أيام زمان الزعيم سعد زغلول أثناء قيام ثورة 1919 ضد الاحتلال الانجليزى لمصر) ... ولا المفروض من قيادات الفلسطينين العناد والرفض ويعيش معظم الجميع في الفقر والبؤس وأقلية منهم مستغلين القضية لصالحهم والإبتزاز على جميع المستويات، مما أصبحوا أثرياءا أغنياءا بلا حدود... علي العقلاء منهم تحكيم العقل والأخذ بالنصيحة كما يقولون في الأمثال وكررها عدة مرات في أهم الخطابات، الرئيس الحبيب بورقيبة ( خذ وطالب ) حتى في يوم ما يصلون إلى الهدف العادل للجميع.
الآن بخروج الدب الأبيض للعلن على السطح بعد غياب بسيط، غير فيها أوراق اللعبة وأمورا عديدة من أساسيات الحياة لديه إلى الأصلح والأحسن مما موازين كثيرة تغيرت ومعايير أخرى ظهرت حيث الدب الأبيض أصبح الآن لاعبا اساسيا في الساحة العالمية من جديد وأكثر قوة ومرونة عن قبل ... منافسا كبيرا للغرب مما أمور كثيرة تغيرت أو سوف تتغير مع الوقت حيث العالم جميعه تغير وكل يوم التقارب للأحسن ... حيث عهود الاستعمار والهيمنة ولت إلى الأبد نظير التقدم العلمي الهائل في الإتصالات والمواصلات وكل يوم يخرج الجديد فى عصر العولمة الذي نعيشه الآن، والجميع من جميع الأطراف دولا وشعوب مهما كانت العقائد والأديان والإتجاهات الفكرية والسياسية، يحتاجون إلى بعضهم البعض في مسيرة الحياة التى لا ولن تتوقف الى أن ماشاء الله تعالى... والله الموفق .
رجب المبروك زعطوط
No comments:
Post a Comment