بسم الله الرحمن الرحيم
بعد صلاة المغرب تناولنا وجبة الإفطار اللذيذة الشهية وجميع العائلة والحضور فرحى مستبشرين بالوصول، واستلمت مكالمات هاتفية تهنئة بالرجوع الحميد لارض الوطن تهنئ، فقد ترددت الانباء بسرعة، اولهما من الاستاذ عبد الرحيم النعاس والثانية من العقيد احسين الامام طرابلس يحمدون على الوصول بالسلامة لأرض الوطن، مما كانت لفتة جميلة منهم تدل على الأخوة الصداقة والتواصل .
بعد صلاة العشاء جاء العشرات للزيارة والاحتفاء بالوصول الى مدينة درنة ، تدخل مجموعة مهنئين ونحن بالصالون الكبير ويخرج البعض من السابقين وانا كل مرة انهض واستقبل او اودع ، واستمرت السهرة الى منتصف الليل وبدا الغرباء في الذهاب الى بيوتهم …
كل مرة ينهض احدهم واضطر للوقوف والتوديع وبقى فى الصالون الأقارب من العائلة والإصهار نتسامر حتى ساعات متأخرة قبل الفجر وتناولنا السحور مع بعض قبل الذهاب الى النوم .
اول ليلة أنام فيها فى مدينة درنة بعد الغياب الطويل لاثني عشرة سنة وعدة ايام، فى بيت شقيقى الحاج حسن، حيث بيتي الخاص تم الاستيلاء عليه من غوغاء متطفلين بحجة قانون رقم 4 اللعين، ونمت بعمق نتيجة التعب والإرهاق من السلام والعناق والترديد لعبارات المجاملة التى استمرت طوال الليل مع التركيز على عدم الانزلاق في مواضيع خاطئة لها أي اتجاهات سياسية لأننى مؤمن تمام الايمان واليقين ان البعض وشاة يتسقطون فى الكلمات، او توجد سماعات لسماع الأحاديث الخاصة مع الخواص اذا فيها معلومات ضد الجماهيرية والعقيد على ما اعتقد …
اليوم الثانى بالمدينة نهضت متأخرا من النوم حوالي الضحى والجميع صيام بالكاد يعملون ويتحركون بصعوبة متخذين من ايام الصيام لشهر رمضان الكريم ذريعة، والتجهيز قائم لطهى الطعام للجميع لوجبة الفطور بالمغرب فى بيت اختي الحاجة المقابل .
خرجت فى جولة سياحية لاشاهد المتغيرات خلال المدة التي غبت فيها عن الوطن، مع الحاج محمد وبعض الاخوان الى شرق المدينة فى زيارة ميدانية الى " وأدى الهمسة " فى منطقة راس التين شمال قرية ام الرزم على ساحل البحر حيث تم عمل شبكة طرق حديثة توصل له بسهولة ومشاهدة الخليج والبحر للترويح عن النفس بدلا من الجلوس فى البيت .
كانت جولة لطيفة قضينا وقتا جميلا فى المسامرة وتضييع الوقت ، ورجعنا للبيت قبل أذان المغرب .
الحضور كبير من الضيوف على الفطور وصلاة العشاء وبعدها السهرة وحضر العشرات من المهنئين حيث تداولت الأنباء بالمدينة الصغيرة اننى وصلت، والبعض غير مصدق … حضر شخصيا للتأكيد انني موجود بالمدينة، لانهم لا يتوقعون تحت اي ظرف انني اغامر واقامر بالحياة واحضر الى الجماهيرية وانا مطلوب بقوة من نظام القذافى لسنوات عديدة والاسم على لائحة الاعدام او القبض نظير التأبي والرفض والتحدي …
مر نصف شهر رمضان وجاء العيد وكل يوم افراح نفس القصة تتكرر، عشرات المهنئين من كل المناطق المحيطة بدرنة، بادية وحضور، والجميع يتساءلون عن الخارج وماذا يحدث وانا شخصيا غير قادر على الشرح الكبير نظير كثرة المحاذير بان كل شئ محسوب ولا اريد الفضح للنفس والمخطط الذى أسير ضمنه بحذر خوفا من الاشتباه او الكشف، انني مازلت عدوا للقذافي والنظام …
والواقع داخل النفس والضمير احترق، غير قادر على قول الحق والصدق وارفع الصوت مدويا عاليا هادرا ان القذافى مريض مجنون كفاية حكمه ، كفاية بقاؤه على راس السلطة ؟؟ المفروض ايداعه مستشفى الامراض العقلية حتى يوفى ايامه فى التنظير لتراهات ومتاهات الكتاب الاخضر الهزيل .
بقية العائلة والإصهار فى بنغازي يريدون الحضور الى مدينة درنة، الترحيب وتقديم واجب الضيافة وحضور الحفلات التى كل يوم مستمرة، قائلا لهم لا تتعبوا لعدة اسباب اولها نحن فى اواخر شهر الصيام والاستعداد لعيد الفطر المبارك ، وثانيا ليس لدي بيت خاص حتى استضيف كما اريد وارغب …
ولا اريد ان اكون ضيفا ثقيلا على أخي شقيقي الحاج حسن ، وبالاخص الحفلة طالت ومئات الضيوف كل يوم يأتون للسلام والتحميد بالوصول … وليس لدي وقت الفراغ حتى اتحصل على الوقت الكافي معهم، ووعدت الجميع بالقدوم الى بنغازى بعد العيد والبقاء فيها بعض الوقت ومشاهدة الجميع …
السؤال من البعض على اخبار أقاربهم اللاجئين بالغربة وانا موزع النفس غير قادر على إعطاء المزيد من الاخبار للبعض الذين أعرفهم معرفة شخصية وبيننا تواصل واتصالات هاتفية، حتى لا اتورط مستقبلا بأنني أعرفهم في حالة اي سؤال من اللجان الثورية او الأمن، لانه لدي قناعة ان كل حديث سوف يتردد من واحد الى اخر مع الزيادات والتضخيم سلبا ام إيجابا وتصبح قصصا كبيرة مع الوقت …
ايام العيد الثلاثة زاد الضغط الكبير الغير معقول من الحضور للزيارة ، استغلت ايام العيد للقدوم والمعايدة، حيث لا عمل للكثيرين ولا ارتباطات مفيدة من اى نوع لديهم، معظم الجميع من ابناء الشعب عاطلين بدون أي عمل يتقاضون فى مرتبات وهم نائمون … عملهم اثناء الفراغ التواصل والتسامر وضياع الوقت بدون اى فائدة حيث بلا مبالغة صافحت وعانقت الالاف من المواطنين خلال 3 أسابيع من الوصول الى ليبيا الوطن مما جعلتني اتاثر وتنتاب النفس عوامل عديدة وشعور قوى بأنني ابن المدينة والوطن …
الحضور الكبير للزيارة والترحيب نظير الاسم والسمعة الطيبة السابقة وعمل الخير والاساس رضاء الله تعالى ورضاء الوالدين ،، والعمل النضالى بالخارج من اجل الوطن ضد النظام والملاحقات اليائسة من فرق الموت للجان الثورية فى عديد من العواصم والمدن بالعالم .
الفشل في الاسترجاع الرسمي عن طريق البوليس الدولي " الانتربول " بالقبض والترجيع من امريكا مقبوضا مقيد اليدين … ومحاولات الاغتيال العديدة الفاشلة … وكتابات العديد من الصحف المحلية والعالمية بانني مجرم خطير، مما جعلت هذه الاحداث لي شهرة في جميع الأوساط ، ووضعت لى هالات شعبية كبيرة واصبحت تحت المجهر طوال الوقت مما افادتني في امور كثيرة ، واتعبتني في امور اخرى،
عرف النظام بانني مهم فى الأوساط الشعبية المحلية وبالاخص فى المنطقة الشرقية ولست بمدعى كالكثيرين ممن يدعون المعارضة وهم أدعياء أشباه رجال يريدون ركوب الموجة النضالية بدون اي عمل حقيقي يذكر … عبارة عن جعجعة ، مما تم الحساب الكبير بان لا اهان ولا اسجن مؤقتا لعدة اسباب وجيهة، بالداخل حتى لا يجابه بالرفض الشعبى من الكثيرين … والخارج جميع الذين يريدون الرجوع للوطن سوف يتقاعسون عن الحضور ، عندما تتردد الأنباء بالقبض والسجن للتحقيق .
اصبحت كبش فداء للجميع ؟؟؟ النظام يتباهى انه حقق الوعد والعهد ، لم يتمادى ويسجن احد رموز المعارضة بالخارج الذى رجع طواعية وبالرغبة للوطن …
وبالخارج اطمئن الكثيرون وبدؤوا يخططون للرجوع الواحد وراء الاخر للوطن فقد كسرت برجوعى الحواجز والاطواق الوهمية ، من كثرة التطبيل الزائف وترديد الشائعات بجبروت النظام التى من كثرتها وضخامتها أرهبت وأرعبت الشعب وجعلته يخاف نظير ترديد الشائعات غير قادر على الصمود والتحدى الا من البعض… مما صدق القذافى نفسه واعتبر واعتقد ان الشعب بدون خوف ورعب لن يستسلم ولا يستطيع الحكم ، والواقع النظام أجوف …
الشعب بالداخل فرحين مسرورين بالقدوم ، لأبنائهم الذين طال غيابهم فى الخارج، حتى تزول الضغوط الكبيرة وترتخى القبضة الحديدية من القذافى على امور كثيرة ويستطيعون شم الأنفاس ، السفرللخارج والرجوع بسهولة، عدم الملاحقة القوية والدس الخبيث من قبل الوشاة ورجال الأمن والمخابرات الذين يستغلون فى الفرص باشاعة الرعب وإيهام القذافى انهم الحراس للنظام حتى يتحصلون على الميزانيات الضخمة، التى معظمها تصرف لغير طاعة الله تعالى فى الفساد والعهر، وايذاء المواطنين الأبرياء .
جميع الأطراف " الشعب ، الدولة ، وانا شخصيا " التقينا في المصالح والخداع لخدمة اغراض خاصة معينة ،، كل طرف منأ يبحث لنفسه عن مصلحة وهدف يسعى الحصول عليه، كنت محظوظا جداً اننى كسرت الحواجز المنيعة ووصلت الاول من قيادات المعارضة الشرفاء للوطن ، مغامرا بالحياة من نظام عفن ، لا وثوق ولا ثقة فيه تحت اى ظرف، غامرت بالحياة متحديا ، ونجحت لأحقق الطموح والامل مع الوقت فى وضع قواعد ثابتة فى العظم تنخره مثل السوس ببطء فى الصميم في الخفاء حتى يتهاوى ويسقط الجسد العملاق الاجوف !!!
اليوم الرابع بعد العيد غادرت مدينة درنة الى بنغازى برفقة العائلة بعد ان ودعت الجميع من الأهل والإخوان المعارف ، واعدا الجميع بالرجوع القريب الى مدينة درنة، ومررنا على شحات والبيضاء وتوكرة لزيارة البعض من الاقارب والأصدقاء، والجميع فرحى بالقدوم ودعوات كثيرة للبقاء عدة ايام والاحتفاء وكنت اعتذر حيث لدى مواعيد ضرورية ضروري من السفر مما كانوا يوافقون على مضض …
أخيرا بالمساء وصلت إلى بنغازي وأقمت في بيت صهري والد زوجتي وجد الأولاد ، وبدا الكثيرون من المعارف والاصدقاء ياتون للزيارة والترحاب مما تعبت العائلة من الاستقبال والعمل والإشراف على البيت ، حيث الحاجة ام العائلة متوفية منذ عدة سنوات سابقة " رحمها الله تعالى " زوجتي وبناتي وبعض القريبات طوال الوقت في المطبخ لخدمة الزوار حيث وقتها ممنوع توظيف الخدم للخدمة يطبقون فى احد المقولات التافهة شركاء لا اجراء، على ابناء الشعب، اما العائلة القذافية وجميع مسؤولى النظام والحواشي المنافقين لديهم الخدم والحشم من جميع أنحاء العالم .
قلت للجميع الأقارب والمعارف، لا زيارات للبيت، ولا إحضار هدية " شاة من الغنم " دلالة على التقدير والاحترام حسب عاداتنا الليبية … لا اريد تكليف اى احد بالحضور لنا، الذي يريد الترحيب بنا، عليه استضافتنا بميعادا مسبقا، ونحن سوف نحضر كضيوف زائرين … مما كانت سابقة لم يتعودون عليها من قبل … ووضعت قائمة بالدعوات …
تلك الأوقات فى بدايات التسعينات الوضع في ليبيا على السطح هادئ نوعا ما، والشعب مطاطا الرؤوس غير قادر على التحدي السافر للنظام ، لان كل من يرفع الراس ويتم الاشتباه من الوشاة ، اليوم الثاني يقبض عليه من زوار الليل او النهار ويحقق معه بعنف وقسوة بدون رحمة ويرمى بالسجن لفترة غير معروفة هل يطلق سراحه ام ينتسى …
الذي يسال ان لم يكن قريبا من العائلة الدرجة الاولى ، يورط نفسه في متاهات في غنى عنها … النظام يشك فى اى بادرة تحدث من اى احد ،،، الجميع يعيشون الرعب والخوف ،، فى الظاهر على السطح ابناء الشعب فرحين سعداء مما الكثيرين مخدوعين والواقع المرير بالداخل يحترقون ينتظرون فى يوم الخلاص بشوق ومحبة للانتقام .
كانت الفرص كبيرة سانحة للبدا فى اولى الخطوات لمعارضة حقيقية من الداخل ، مع اتخاذ جميع الاحتياطات الأمنية الضرورية لاستقطاب البعض الثقات لاول مجموعة نضالية مدربة ومنظمة مدنية بدون حمل اى نوع من انواع السلاح ، مما النظام مهما بلغ من ذكاء لايستطيعون الكشف عن الاعضاء بسرعة …
التوعية النضالية الاساسية الاولى فى مثل هذه الحالات من الرعب القهر والظلم للمواطن، التعليم لابناء الشعب الثورة الصامته فى هدوء "عدم الاهتمام واللامبالاة في العمل والتعطيل المفتعل" حتى يعجز النظام مع الوقت من الشلل ، تزداد الهوة والكراهية والضغط الذى يوما سوف يولد الانفجار …
صادفتنا مشاكل حيث النظام لديه يوميا الدخل الخيالي من النفط والغاز ، قادرا على التغطية والدفع، لكن نظير الجهل وسوء الادارة الفاسدة الغير مبنية على قواعد وأساسات سليمة ، الأجور والمرتبات والتغطية المالية للمشاريع بدات تتاخر ولا يتم الدفع بانتظام ، مما بدا السوس يعمل وينخر فى الجسد بقوة …
زاد الطين بلل التحدى الاجوف ومعاداة العالم الخارجى دول الغرب، تمويل الارهاب الدموي والقتل والتفجيرات بدون حدود فى عدة اماكن بالعالم مما خلق عدم الاستقرار للكثيرين، وبالتالي مس مصالح البعض الكبار …مما بدات الحلقة تضيق يوما بعد يوم تخنق فى المريض المجنون وهو لا يدري من التكبر والغرور اعماه الشيطان الرجيم عن رؤية الحق مما ازداد غرورا وسطوة، يعتقد انه بالمال يستطيع شراء ذمم ونفوس الجميع … نسى وتناسى ان المال وحده ليس بقادر على شراء ذمم الشرفاء الاحرار مهما تم الدفع … ولا قادرا على شراء التقدير والاحترام ، ولا شراء الولاء والحب حيث هذه الصفات مشاعر خاصة لدى الشعوب الحرة ليست للبيع والشراء .
عقيدنا المعقد بقوة المال والدخل ازداد غرورا وبالاخص الكثيرون من الحكام والرؤساء لدول الجوار، انحازوا لصفه نظير المصالح المشتركة والمال، عن اليمين مصر الرئيس المتصابى محمد حسنى مبارك لا بارك الله تعالى فيه…عن الشمال تونس الخضراء ورئيسها بن علي الحاكم القوي الشرس على ابناء شعبه بالحديد والنار في صمت والواقع الحاكم الفعلي زوجته الطرابلسية التى ورطته مع شعبه حتى انتهى بالثورة والطرد …
في بنغازي قرر بعض االاصهار عمل حفلة للشواء خارجية جماعية. فى الغابة بمنطقة بنينا حيث المطار قريب ،، حتى يلعب الأولاد الكرة والجري في الهواء الطلق بدلا من البقاء في البيوت والفيلات مما وافقت على تقضية يوم " الزردة " وتم تحديد الميعاد والوقت للحفلة، واليوم الموعود حضر الجميع وكان الطقس ربيعا دافئا وبالاخص تحت أشعة الشمس الذهبية في الخلاء، تم الذبح لشاتين من الغنم وطهي الطعام والشواء اللذيذ وقضينا يوما جميلا في الاكل والسمر والأحاديث العديدة والضحك المستمر، والاولاد يجرون يلعبون فى الكرة فرحين مسرورين بدون ملل ، عند الاصيل قبل حلول الظلام ، قرر الحاضرون الانتقال الى مزرعة الحاج في منطقة بوهديمه حيث الكهرباء وتكملة الحفلة في الجلسة والسهرة والسمر اثناء الشواء .
انتقلنا جميعنا فى طابور سيارات الى المزرعة ، وفتح الباب الكبير الحاج للدخول وتركه بدون اغلاق حيث الممر طويل وبه الانوار وممكن مشاهدة اي احد يدخل من بعيد، وبدأنا في اعداد الجلسة وترتيب الكراسي والطاولات والقعدة، والنساء في تجهيز اللحم ووضع البهارات والملح وتجهيز الموقد الكبير للشواء، والجميع منهمك في الترتيب والمساعدة للجلسة …
فجأة وبدون سابق إنذار دخلت 3 سيارات للأمن للمزرعة بطريقة فوضوية متعمدة ونزل احدهم يسأل عني بلهفة، مما الجميع استغربوا من الامر وتولاهم الهلع من الطريقة الغوغائية الهمجية في الدخول بدون الاستئذان !
اعتقدوا ان القادمين بهذا الشكل المرعب، انهم أتون للقبض على!
رجب المبروك زعطوط
البقية فى الحلقات القادمة …
No comments:
Post a Comment