Sunday, February 10, 2013

شاهد على العصر 71



بسم الله الرحمن الرحيم 



اقمت بالقاهرة أسبوعين سنة 1988م   وكم سمعت من عجائب وغرائب عن  معاملة الجالية الليبية والمضايقات الكبيرة من اجهزة الحكم فى مصر وكان الامر مقصودا ومرتبا بتعليمات عليا من الرئاسة ... التعطيل الكبير في الاقامات ودفع الرسوم العالية بالدولار عن التجديد كل عشرة شهور بدلا عن السنة حتى لا يصبح لهم الحق  في الإقامة ومع الوقت المواطنة،  ومعظم المهاجرين  الليبيين فقراء غير قادرين على الدفع بحيث طالت الغربة والهجرة بهم  ولا عمل بمصر فالحياة والعيش  استنزاف ببطء لمواردهم حيث بطول الوقت لا يبقى لهم الا القليل    وزيادة فى المصائب عدم السماح لدخول الطلبة الليبين فى المدارس الحكومية مثل الدول الاخرى، بل فى المدارس الخاصة التى تتقاضى الكثير من الاجور مما الكثيرون عجزوا عن تعليم اولادهم بالغربة فى مصر .

كل من يريد ان يسافر ويخرج من مصر لقضاء بعض الاعمال ويرجع من المقيمين يكلفه ذلك  الكثير لان الإجراءات عقيمة متأخرة والروتين القاتل يجعل الامر خانقا متعبا، وبدلا من  بذر الحب والولاء فى نفوس الغرباء المهاجرين  لمصر ... نظير بعض المعاملات الشائنة خلقوا أعداءا كثيرين وسط الجالية المقيمة عن المضايقات والضغوط الرهيبة والرشوة لتسهيل امور عادية تنتهى  بسرعة فى الأوطان الاخرى  وبدون دفع مهما كان .

وبالتالى هذه الامور يوما سوف تذكر بمرارة عن فترة من حياتهم عندما  يرجع هؤلاء المهاجرون يوما من الايام الى ليبيا الحبيبة منصورين باذن الله تعالى، ويتحدثون بالحق عما حدث لهم من مضايقات اليمة ومعاناة وضغوط من اجهزة الحكم المصرية  .... وعاشوا الامور الشائنة المخزية التى مروا بها  فترة الإقامة والمعاناة  هنالك ... يتذكرون ما اقترفه بعض  المصريون فى حقهم بقصد او بدون قصد  مما خلق هوة كبيرة بين الشعبين  بدلا من العمل على الوحدة والتعاون  بينهما، المعاملة السيئة وقت الغربة والمعاناة والضيم خلقت ماسى كثيرة اولها الجفوة وقطع صلات الرحمة  بين الأخوة  … مع ان الكثيرين من الأجيال الشابة الصاعدة  وبالاخص فى المنطقة الشرقية من ليبيا " برقة " أمهاتهم مصريات !!! واجدادهم وأخوالهم فى مدن عديدة فى مصر مواطنون، وعائلات كثيرة تنحدر فى جذورها من قبائل اولاد على الذين هم اصلا ليبيون والشريط المثلث  من الحدود الشرقية الحالية حتى راس الحكمة اراض ليبية ، حتى وان كنا نؤمن  بانه فى الاصل ليس ثمة حدود بين البلدين وان هذه الحدود هى من صنع الاستعمار عام 1911 م . 

حدث فى اواخر الثمانينات من القرن الماضى تطور كبير فى العمل التنظيمى فى اوساط المعارضة الليبية  وظهر لاول مرة حزب سياسى على الساحة اسمه حزب الامة ولم يستمر لظروف معينة  لان مؤسسه بعد فترة  وجيزة رجع الى وطنه واثر البقاء فى ليبيا حتى يشكل خلايا ببطء بالسر والخفاء  تحت أعين النظام وملاحقته.
ولم يصدق النظام المغرور والمزهو بنفسه كيف يمكن ان يخاطر الانسان بحياته وهو داخل  الى عرين الاسد ولم يهتم الاهتمام الكبير مما نجح المؤسس فى العمل فى صمت وفى اضيق نطاق واصبح مثل السوس ينخر في العظم حتى نجح .

ونتيجة الهم والغم وضياع مسار المعارضة الليبية  تبعا للأخطاء الكثيرة من البعض نظير الغضب وعراك البعض مع البعض  الاخر، وما زاد الطين بلة ان  اى عضو فى اى تنظيم  انشق يخرج ساخطا يلعن رفاقه السابقين،  وفى اليوم الثاني يجمع القليل من الرجال ويتم الاعلان عن تنظيم جديد ليست له قواعد ولا أسس قوية وانما بنى على الكيد للبعض من الخصوم وبالتالى بدات القضية للأسف ترخص وتنزل للحضيض 
المعارضة الليبية بالخارج،  حدث بها ركود  فى التسعينات لم تتقدم بقوة  وثبات، ولم تتجدد بقيادات شبابية ودماء جديدة ساخنة  لها قوة العزم على التحدى والتغيير، بل تدور حول بعضها نفس الرموز والأسماء  وكثرت المهاترات والقيل والقال بين منتسبيها وأعضائها مما استغلها النظام أسوء استغلال وتغلغل فى بعض كياناتها ومنها ظهر على السطح الكثير من العملاء الذين لا داعى  لذكر اسمائهم …
لقد اوضحت بتجرد كثيرا من الامور الخاطئة واصدرت منشورا من عدة صفحات أسميته "  صرخة حق  " وفضحت الكثير من الأدعياء وأشباه الرجال بدون ذكر اسماء معينة ولكن اللبيب والمتابع لسيرة ومسيرة  المعارضة يفهم من اقصد ؟؟؟
وقامت القيامة فقد وضعت إصبعي على الجرح، جرح أدعياء المعارضة الليبية وأشباه الرجال الذين يتاجرون بالقضية ويعيشون مرفهين على حسابها بدون اى نوع من انواع العمل غير الطمع ومد الايادى للجميع ابتداءا من دول ومنظمات عديدة الى رجال اعمال البعض منهم  صادقون للقضية والكثير منهم طامعون للأسف  فى المناصب والامتيازات ؟؟؟ 

اذكر فى احدى ليالى اخر سنة  1988 م كنا مجموعة  رفاق من تنظيمنا فى زيارة الى مدينة الاسكندرية وأجرت شقة كبيرة مفروشة على الكورنيش وكان الطقس باردا والأمطار غزيرة وأثرت البقاء بالشقة حيث ولى عصر الشباب ولا اريد الخروج فى الجو البارد ذى العواصف والرياح الباردة الشديدة وبالاخص القادمة من البحر .
خرج الشباب لتمضية ليلة اخر السنة فى اللهو والسهر وبقيت بالشقة وطبخت وجبة العشاء من المكرونة الليبية وتعشيت لوحدى وانا اشاهد بصعوبة احدى القنوات المرئية نتيجة لتعكر الطقس فلم تكن هناك فى ذاك الوقت قنوات رقمية واقمار صناعية ؟؟
وعندما حلت الساعة العاشرة  تسللت الى الفراش مستسلما للنوم ه،، واول شاب رجع  للبيت مع الساعة الواحدة والربع صباحا وبعده بفترة وصل  الثانى ثم الثالث والرابع وانا كل مرة انهض وافتح الباب وادعهم يدخلون دون ان البى رغبتهم فى مواصلة السهر وأقول لهم لا سهر .  ناموا .  لنتحدث فى الصباح غداً على مائدة الفطور مع اول السنة الجديدة .
ونمت وبعد حوالى  الساعتين نهضت من النوم مذعورا على رنين الجرس بقوة والخبط على الباب وفتحت الباب نصف فتحة وانا متأهبا لاى طارئ قد يحدث ؟؟؟ وتطلعت وكان ضابطا من المباحث ومعه مجموعة عساكر  ومعهم الخفير بواب العمارة وهو يبكى من اثر الصفع  على وجهه .قلت ما الامر ؟؟ اجابنى ضابط المباحث  طالبا تفتيش الشقة  مدعيا ان عدد المقيمين اكثر مما ينص عليه عقد الإيجار وهى حجة كثيرا ما يستغلها الامن المصرى للضغط على المستأجرين وابتزازهم وبالاخص اذا كانوا ليبيين، قلت للضابط ببرود اعصاب وهدوء، امعك امر بالتفتيش ؟؟؟  

فوجئ بالسؤال وقال بلهجة إمرة هات جواز سفرك وهو يعتقد اننى احمل جوازا ليبيا يستطيع الضغط على كالأخرين، ودخلت لحظة وأحضرت جواز السفر الأمريكي فصعق الرجل وكنت قد تحصلت وهذا من حسن حظى على هذا الجواز كغيرى من المهاجرين العرب المشردين فى أصقاع العالم والمنفيين من بلدانهم اضطرارا ؟؟ ولم يعرف  الضابط كيف يتصرف . قلت له ببساطة النائمون بالداخل اربعة أشخاص رجال شباب ومن حقهم النوم  والعقد صريح ولا ينص على عدد المقيمين،  واذا أخذت جواز السفر سوف اذهب غداً الى غرفة الطوارئ بالقنصلية الامريكية واقدم شكوى ضد إدارتكم عن الإزعاج الذي لحقنا منكم ؟؟؟  حينها حاول التراجع فى الكلام وظهر عليه التردد والضعف ثم طلب من عساكره الابتعاد حتى لا يواجه بالإحراج أمامهم وقال لى اريد ان اتحدث معك عن بعض المواضيع وكان يقصد بها معرفة من وراء " حزب الامة  " ومنشور " صرخة حق "   قلت له لست موظفا او مخبرا لديكم فى الجهاز الامنى، ولا يعقل النقاش والحديث قبيل الفجر وبالاخص لاول يوم  بالسنة الجديدة .  ومازال على الفجر قليل من الوقت  ولست بمجرم حتى اتهم ؟ لكن بالاخلاق وطلب المساعدة ممكن  بعد الظهر نتقابل للحديث وسلمنى جواز السفر   وهو يعتذر مرة اخرى على الإزعاج … وشعرت بمرارة كبيرة ولولا الجواز الأمريكي الذي كان بحوزتي لكانت العاقبة وخيمة !!!!

دخلت للغرفة وخلدت الى النوم هادئ البال 
 واليوم الموالى كنت فى الموعد لالتقى بهذا الضابط  واصطحبت معي شابا مرافقا كشاهد لاتاكد ان الرجل مبعوث من جهة امنية رسمية وليس دعيا منتحل الصفة ، وقابلنى بكل الترحاب وحاول قدر امكانه من خلال الحديث ان يعرف الكثير عن الجالية الليبية في مصر وغيرها من الأوطان وما وضع المعارضة الليبية وكيف التقدم بها الى الامام وطلب معرفة عدة اشياء محددة ونسى اننى لست بضعيف سهل حتى يتم الحصول على معلومات مهمة نظير الحديث المعسول والدردشة، وقلت له بصراحة اولا لست مقيما بمصر ولو عرفت شيئا عن الجالية والمعارضة الليبية لن اقول لك بصراحة حيث هذا الامر يخصنا نحن كليبيين ولا دخل لكم فيها! 

وابتسم الرجل وقال لقد شاهدت الكثير من الاخوان العرب والليبيين وحققت مع البعض ولم اجد الا القلائل مثل حضرتك الذين لا يخافون من المواجهة وبالاخص مع رجال الأمن والمخابرات  وكان الرد بسيطا لأنني عشت فى بيئة يحترم فيها المواطن ويعلو  القانون على الجميع ... وانتهت المقابلة ورافقني حتى الباب قائلا كل مرة تحتاج الى اى خدمة، هذا أسمى ورتبتى وعنوانى واعتبر ان لك صديقا واخا يعتمد عليه  فى الاسكندرية !!!  

قصص كثيرة  حدثت لليبيين فى مصر اروى منها القصة التالية ... فى بداية الثمانينات أقيمت حفلة خيرية برعاية وزير التعليم وكان موجودا فى الحفلة والعيون جميعا مركزة عليه وخرجت مجموعة من الفتيات صغار السن وقدمن عرضا بديعا مما اعجب الوزير إعجابا كبيرا بالعرض والرقص والغناء  وعندما تقدمن أمامه لتحيته طلب من إحداهن الفائزة  الاولى بالوقوف أمامه ووضع يده  بحنو على كتفها وسألها سؤال  ما اسمك ياشاطرة ؟  وقالت له الاسم ومن اى مدينة انت ؟  وقالت ليبية من ليبيا، وقد ازعجه ان تحصل بنية ليبية على المرتبة الاولى فى المدرسة وهى غريبة وليست مصرية مما تدل على التعصب والتطرف والغباء وبحركة لا شعورية صفعها  على وجهها امام الجميع  وليس هذا مستغربا من وزير من وزراء المخلوع مبارك .

نهض السيد عبدالكريم بلو والذى كان وزيرا سابقا فى الدولة الليبية وكان جالسا من ضمن الحضور  وطلب الاعتذار من الوزير على المعاملة السيئة البشعة للفتاة الصغيرة، وكثر الهرج والمرج وشعر الوزير بخطئه ولكن فات الوقت وانسحب من الحفلة حتى لا تكبر القصة وحاول الجميع من رجال الوزير المنافقين كبح جماح غضب السيد عبدالكريم الذى عبر عن سخطه من الإهانة قائلا  ان نار وظلم  القذافي فى ليبيا ارحم من المهانة في مصر ونحن ضيوف ندفع  الثمن الغالي ونعيش على أموالنا بدون اى دخل او احترام .

بعدها باسبوع رجع السيد عبدالكريم للوطن وقضى بقية حياته حتى توفى ودفن فى مسقط راسه بدرنة " رحمه الله تعالى بواسع الرحمة " فقد كانت تربطنى به صداقة وأخوة وصلات دم بالمصاهرة .

اننى لا اريد ان أعدد الماسى التى حدثت من الجانب المصرى الرسمى السابق حيث الاستغلال فى ابشع الصور . الكثير من الليبيون صمتوا عن التحدى وإثارة المشاكل  لان ظروفهم المالية  صعبة على الارتحال لدول اخرى 

لا اريد كذلك  الاسترسال فى الكتابة عن التجني الذي حدث فى فترة معينة صعبة ...  ولا عن الدعم المالي الكبير بعشرات الملايين  بدون منن ولا حساب لمصر ... ابتداءا من العهد الملكي الزاهر وأيام عهد المقبور المريض المجنون ولا عن الرشاوى الخيالية للرئيس حسنى مبارك وبطانته من الأفاقين المنافقين الذين استغلوا ايام الحصار فى ليبيا اسوء استغلال وحاولوا استمراره وبثوا الضغائن ولعبوا على الحبال بين الاطراف فى سبيل اموال سخية من عرق البؤساء الليبيين .

ان مصر مازال بها الرجال الاحرار الشرفاء الذين قلوبهم كبيرة يتشرف الانسان بمعرفتهم ولكنهم للأسف بالوراء والخفاء مهمشين لا يستطيعون الظهور على السطح والساحة لانهم ابناء اصل ذوى قيم كرماء لا يرضون بالذل والمهانة 

اننى أسف اذا كنت صريحا زيادة عن اللزوم فى نظر البعض من القراء ولكن بودي القول لهم ان  ما كتبته القليل القليل مما حدث على الساحة فى الفترة الحرجة، كتبته وانا اشعر باشمئزاز وتأفف حتى يعرف المصريون اننا كليبيون شرفاء نحترم الأخوة والصداقة ، نحترم الوعد والعهد وكل انسان وقف معنا ساعة الضيق بضمير لن ننساه مهما كانت الظروف والأسباب ..

والبعض وقفوا معنا مواقف بطولية رجولية وأولهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى فتح ابواب مصر لكل لاجئ يريد العيش والأمن والأمان ... والدليل الكبير لم تحدث ولا حالة اغتيال واحدة ،، ولا تسليم لاى معارض ليبى  فى العلن فى عهده ،،،
ولكن حدثت  ماسى وتم التسليم لأحرار الوطن بسهولة امثال السيد منصور الكيخيا والسيد جاب الله حامد مطر وغيرهما نظير الاتفاقات السرية بين القذافى والرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك الذى كان يبيع الرجال الشرفاء من اجل الدولار ،،
اننا لن ننسى رجالنا شهداءنا، ولن نرضى مستقبلا باى تعاون مع اى حكومة مصرية  مهما كانت الظروف والمعطيات اذا تعاملت معنا باسلوب النظام السابق الذى ثار عليه أحرار وشباب مصر،  وسوف نطالب بالحقوق  حتى تتم تسوية جميع الحسابات العالقة واستعادة الاستثمارات الليبية والأملاك المغتصبة المملوكة الى ليبيا والتى تم التزوير وتمليكها الى ليبيين ذوى نفوذ وتم التصرف فيها، ولم ترجع الى خزينة الدولة الليبية ... بل تم الاستيلاء عليها بحجج تافهة وقوانيين ظالمة وغش وتزوير،، والمساومات بفلول العهد المقبور نظير بقائهم فى مصر ومنعهم من النشاط السياسي كورقة ضغط على الدولة الجديدة 

ونحن نقول هؤلاء المبعدون إخوتنا وأى انسان منهم برئ لم يتورط فى اي قتل ودماء والتجاوزات المالية الخطيرة من حقهم الرجوع الى ليبيا معززين مكرمين .

اما المتورطون من الحاشية ورجال العهد البائد للمقبور ضرورى من تسليمهم الى السلطات الليبية  لإثبات الأخوة وحسن الجوار والتواصل الاقتصادى على طول الخط ... بدون شروط  ولا مساومة حتى يقدمون الى العدالة الليبية  لتأخذ مجراها بالعدل وبالضميرً .
ويتم الاعتذار من الدولة المصرية الجديدة عن الجرائم التى ارتكبها نظام مبارك البائد ، ولنا الثقة التامة فى الدولة الجديدة المنبثقة عن الثورة ستكون فى مستوى المسئولية الملقاة على عاتقها  تجاه أخوتها الليبيين وان الأخطاء التى ارتكبها واقترفها غيرها سوف تصلح وترجع الحق لاصحابه حفاظا على مستقبل التعاون والإخاء  وحسن الجوار بين الشعبين .

                                              رجب المبروك زعطوط 

البقية فى الحلقات القادمة ،،، 

No comments:

Post a Comment