Tuesday, February 5, 2013

شاهد على العصر 66



بسم الله الرحمن الرحيم


واثناء الطريق كان البال مشغول بامور عديدة فقد كان وقتها الجيش له السطوة والحظوة والرهبة  ولا يستطيع اى مواطن مدنى ان يسأل لماذا الإستدعاء… حتى يوافق  أو  يرفض للأمر ولا يذهب… ووصلنا الى احد الثكنات العسكرية وتم ارشادى الى المكتب المطلوب وفتح الجندى الباب وقال تفضل…
ودخلت إلى الغرفة وكانت واسعة وشاهدت طاولة اجتماعات كبيرة وعلى الكراسى جالسين عشرة ضباط يتناقشون، مجلس قيادة الثورة جميعهم ماعدى القذافي والنائب عبدالسلام جلود كانوا غائبين عن الجلسة، وبعد السلام والتحية طلب مني احدهم الجلوس على احد الكراسي وقدم لى رسالة باللغة الايطالية لترجمتها لهم حيث لايعرفون اللغة؟

وقرات الرسالة بسرعة في السر  قبل ان أترجم والجميع يتطلع ومنتبه لكل حركة لدى وعندما أتممت قراءة الرسالة إصابتني رعشة بسيطة ولم ينطلق اللسان من هول ما قرات!! وتكلم ابن العم الضابط عمر المحيشى وقال لا تخاف ترجم بالحق والصدق.

وكانت الرسالة من احد الكرادلة من الفاتيكان بايطاليا يشرح فيها للقذافي اصله ومنبعه وان ابوه ضابطا أيطالى كان فى منطقة سرت وتعرف بفتاة يهودية التى هى امه الحقيقية وأغواها وتمكن منها وعندما حملت منه ولا يستطيعون الزواج نظير اختلاف الديانة وذاك الوقت كانت الامور صعبة وغير مستساغة وعائلتها متعصبة ولن توافق مهما كان السبب  وخافت من والديها ان يقتلوها فى صمت ولا من يسال ويهتم؟

وتم الاعتراف من الاب الضابط للراهب فى المنطقة  الذى تابع الموضوع  وعندما ولدت الام  سجل الابن الرضيع فى سجل الكنيسة انه ايطالى وامه يهودية، وتم تسليم الرضيع الى السيد محمد بومنيار التابع والخادم عند الضابط الايطالى لوضعه مع عائلته وتربيته ...  وتدرج الراهب فى السلم الكهنوتى حتى اصبح مع الوقت كاردينال وهو الذى يعرف السر وتابع الموضوع والمنظمة الخفية ساندت القذافى حتى وصل الى سدة الحكم

وكان الكاردينال يطلب من القذافي طلبا إنسانيا بصفته رجل دين  حيث الأديان الثلاثة اجتمعت فيه الام اليهودية والاب الضابط مسيحا والذي رباه مسلم مما له خصوصية خاصة ومميز عن غيره من الاخرين، بان يرأف بالجالية الايطالية الموجودة فى ليبيا وبالاخص في طرابلس والذين في ذاك الوقت كانوا أعدادا كبيرة حوالى السبعون ألفا مواطن من بقايا الاستعمار الغاشم في فترة الغزو الايطالي لليبيا من سنة  1911-1945 م  وان يعطى حقوق اليهود التى اغتصبت اثناء الرحيل عام  النكسة والعدوان  1967م  وإعطائهم الحق بالرجوع والعيش فى ليبيا  حيث جذورهم من مئات السنيين بها…
عندما اتتمت القراءة للرسالة المشئومة وتوقفت،  خبط الضابط محمد المقريف الطاولة بيده بقوة وانفعال وقال اخر الزمان يحكمنا يهودي  مسيحي الاصل وكثر الكلام واللغط بينهم .. وتم شكري على الترجمة مع الطلب القوي بالحفاظ على السر وعدم الإفشاء والكلام بلهجة امر ...  واوصلوني إلى البيت ولم ارتاح ولم أنام تلك الليلة الى الصباح  وعرفت ان النهاية قريبة وسوف يتم صمتي وسكوتي التام  للابد بالقتل او الاغتيال  اذا انا بقيت فى ليبيا .

وقررت الهرب وفكرت فى الهجرة الى مصر واستثنيتها من الحساب حيث لا امان مهما كان فيها  من ضمانات ووعود معسولة حيث التسليم لأي لاجئ وبالاخص جنسيته عربية ممكن بسهولة نظير المصالح والمال والرشوة ... وهداني الفكر للذهاب واللجوء  للعراق  طالما الفرصة سانحة للسفر بسهولة قبل ان يتم المنع حيث مثل هذا الموضوع خطير ولا يريدون نشره للعامة باى ثمن،  وإلا القذافي ينتهى  ويتلاشى من الصورة حيث الانقلاب الاسود " الثورة " مازالت حديثة ولم يثبت وجوده  بالاعوان وبنى العمومة بقوة بعد فى مفاصل الدولة

واليوم الثاني غادرت مع الزوجة والبنت الشابة عن طريق اوروبا إلى بغداد العراق وتم استقبالي بكل الحفاوة والإكرام وانا الان مواطن في بغداد لدى سكن ومرتب مجزى وإقامة والحمد لله تعالى على عطاياه واكرمني الله تعالى وتزوجت أبنتي في بغداد من احد الليبين المهاجرين من سطوة القذافى " س ح " والان انا سعيد في امن وأمان من الارهاب  غير الحنين فى كثير من الاحيان الى جلسة مع الأصدقاء وترجيع الذكريات السابقة فى الوطن الحبيب والتى انشاء الله تعالى تكون عن قريب .

تمت الاجتماعات على خير وسلامة وتفهم الأخوة العراقيون نضالنا وأبدوا الاستعداد للمساعدة وتم عمل برنامج لنا لزيارات عدة اماكن منها حدائق بابل المعلقة ومتحف القادسية الكبير الضخم والمتحف الحربى وشاهدنا صور المعارك الشرسة مع الإيرانيين ومعدات وعتاد من مخلفات الحرب وتم اهدائى علم عليه دم الشهيد من احد المعارك وطلبت منهم مشاهدة جسر المسيب حسب الاغنية المشهورة العراقية المغنى  " ناظم الغزالي "  ولم تكن فى البرنامج  المعد للزيارة وتم وضعها فيه واخذونا الى هناك حيث زرناه  وأقفل الجسر من المرور إكراما لنا نحن الزوار الغرباء   ومشيت على الأقدام لمنتصفه وذكرنا بجسر وأدي الكوف بالجبل الاخضر الحديدي الذي تم بناؤه  من الجيش البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

واهم الزيارات كانت لضريح الامام سيدنا على بن طالب اخر الخلفاء الراشدين كرم الله وجهه ومررنا على الجامع الذى تم اغتياله فيه وأصابتنى رعدة وقشعريرة من هول الموقف، وتمت زيارة  ميدانية الى مدينة " مندلى " وشاهدنا الدمار الكبير من تساقط القنابل الإيرانية والتى فى احد الشوارع حفرة تتسع لاختباء عربة نقل ثقيلة مع الجرار من كبرها ووسعها .

وبعدها بمسافة توقفنا فجأة وكان الفضاء فسيحا وسط البادية والصحراء مترامية من غير رمال مثل ليبيا ودول اخرى ... وطلبوا منا الهبوط الى مدخل  احد الحفر حيث يوجد سلم حجرى يهبط بدرجات عديدة فى باطن الارض الى كهف كبير واسع  وكم  شاهدنا العجب تحت الارض حيث القيادة للجبهة كانت تدار من هناك وبيننا وبين القوات الإيرانية  مسافة بسيطة لا تتعدى عشرة كم .

وقابلنا القائد المسؤول بحفاوة وكان برتبة كبيرة وهو مازال شابا فى نهاية الخمسينات من العمر وشرح لنا الكثير عن سير المعركة على مجسم على الارض كبير وبعدها دخلنا الى مكتبه وكانت عدة هواتف على الطاولة وقال الحمد لله تعالى لدينا شبكة اتصالات ونستطيع الاتصال مع اى مكان بالعالم واردت إحراجه وقلت هل استطيع مكالمة العائلة فى امريكا ورد ببساطة وقال نعم واعطانى سماعة الهاتف وطلبت الأرقام وبعد لحظات كانت الزوجة على الخط فى فرجينيا بيتش وأوجزت فى الحديث وأقفلت السماعة حيث نحن فى ميدان المعركة فى الخطوط الأمامية بدون ان تعلم القوات الإيرانية مكان القيادة  والجميع مدهوشين من الاتصال .
وقدمت لنا وجبة غذاء شهية " المنسف " وكانه تم طبخها فى أرقى البيوت فى بغداد او المطاعم وتغذى الجميع وحضر العديد من الضباط صغار الرتب للغذاء بدون فوضى ولا جلبة ولا إزعاج بل بهدوء تام وكأننا لسنا فى حرب ودماء وقتل!  حياك الله تعالى ياعراق، لعبت القوى المحلية والخفية بعدها بسنوات وضاع، لكن مهما طال الوقت ومرت السنوات العجاف، فياما مرت عليه من ازمات ونكبات وخراب ودمار من الغزاة والحكام  سوف ينهض من جديد باذن الله تعالى ويصل للقمم بالديمقراطية الحقة.

رجعنا الى بغداد وزيارات عديدة لكثير من المسؤولين والمتاحف وحضرنا مادب عديدة  وسهرات جميلة وكانه لا توجد حرب قائمة، واذكر إحداها حدث لى فيها مواقف جمة ولكن بما اننى ضيف تم الغض والتجاوز عن ملاحظاتى والتى كانت زلة لسان فى نظرهم،  اما عنى فهى الواقع النابع من القلب، حيث لاحظت كثرة صور الرئيس صدام فى كل مكان وبعض المكاتب اكثر من واحدة على كل حائط بحيث أينما يسير الانسان يشاهد الصور فى كل مكان بكثرة تجاوزت الحدود .

وسئلت سؤالا محرجا من احد الخبثاء المنافقين وقال لى ببراءة ماذا لاحظت فى بغداد. وكان ردى ببساطة كثرة صور الزعيم، مما كتم النفس وزاغ البصر لديه ولم يتوقع الجواب والرد بهذا الشكل السريع منى ببساطة، والثانى مقولة حزب البعث تقول " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة " وطلب الراى منى وكان الرد موافق  على بداية المقولة ولكن الرسالة الخالدة هى الرسالة السماوية الاسلام والقران الكريم العظيم وان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو النبى وآخر الرسل مما لم يعجبهم الشرح وغيروا الموضوع الى اخر .

ولو كنت مواطنا عراقيا وليس ضيفا لحللت فى نفس الوقت السجن والاستجواب والتعذيب كيف اتجرا وأقول هذا الكلام  امام بعض القيادات لحزب البعث والمسئولين بالدولة الذى يعتبر فى جمهورية العراق ايام الرئيس صدام من الممنوعات . 
 لأمنى رفاقى عندما رجعنا للفندق  على التسرع فى الردود اللاذعة ونحن ضيوف لديهم ... وكان ردى قاطع اننى صاحب مبادئ وعاهدت الله تعالى والنفس على الصراحة وقول الحق والصدق ولا أنافق واجامل ولو السيف على الرقبة وانتهى الموضوع وقفل .

تحصلنا على المطلوب  بوعود ارجو ان تتحقق من التى نحن قدمنا من اجلها، وغادرنا العراق بعد قضينا أياما جميلة وشاهدنا الكثير من الخير والشر، وعرفنا من خلال اللقاءات، ان الشعب العراقى يعيش فى الخوف الرهيب والرعب من النظام الشرس حيث نحن مررنا به من الظالم القذافى،  انه لا رحمة من الحاكم والسلطة فى اى تجاوزات  بقصد ام بدون قصد .

بعدها بشهرين رجعت الى العراق فى مهمة سرية اخرى  بخصوص بعض الامور الخطيرة من التغلغل فى بعض الكيانات للمعارضة الليبية لصالح القذافى الذى كان يلعب على الحبلين فى العلن يساند ايران ويزود فيها بالسلاح والصواريخ ...  وفى السر يزود فى العراق بالمعلومات الأمنية والعسكرية ونسى انه يتعامل مع اجهزة وحوش خطيرة تعرف الكثير عنه وصامته حتى تأتى اللحظات المناسبة وعندها الضربة المميته القاتلة 

كانت المهمة توصيل معلومات امنية مهمة للقيادة العراقية عن بعض الملاحظات ببعض الاختراقات تخص امن دولة العراق .
وتزويد تنظيمنا بمزيد من المهمات والتدريب للرجال الشباب وبالاخص وقت الحرب والمعارك مما يخلق الرجال حيث الأجواء حقيقية والمعارك قائمة  وكان الاستقبال جيد وأنجزت اللقاءات بسرعة ، ورفضت القيادة قدوم الشباب للتدريب والقتال مع إخوتهم العراقيين بصفة رسمية  وكان الرد انهم قادرون على صد الإيرانيين بكل السهولة وليس لديهم الوقت للفرز الآمنى للشباب ولا يريدون اى احد عربى لا قدر الله تعالى ان يقتل فى العراق وبالاخص الشباب الليبى ويحسب عليهم عالميا من الإذاعات المغرضة الدعائية  والتشكيك فى قدراتهم .

قضيت اربعة ايام فى الإقامة  بالعراق وكانت جيدة وتقابلت فى حفلة غداء بنادي الصيد فى بغداد مع السيد كامل صهر الرئيس صدام  الذى كان مقابلا لى على المائدة ويضع فى قطع اللحم الشهى أمامى زيادة فى الحفاوة والكرم … والذي قتل بأمر الرئيس عندما هرب الى الأردن وبعدها رجع الى بغداد نظير وساطات من العشيرة  لدى الرئيس وتم الاتهام الرسمى من القيادة  له بإفشاء معلومات مهمة للغرب عن التسليح وبعض الامور السرية مما كانت السبب فى الامر بقتله ولم يرحمه الرئيس صدام  ويعفو عنه مع انه صهره زوج احد بناته ... حيث العراق أسمى من حياة انسان مهما كان قريبا من العائلة .
رجعت الى امريكا عبر عدة دول وتقابلت مع السيد جاب الله وبدا الفتور بيننا حيث فى قضايا صغيرة بدات تظهر على السطح ولم يبت فى أمرها بسرعة مما مع الوقت بدات تكبر وعندما حاولنا المعالجة لم نستطيع بسرعة فقد تغلغل المرض وانتشر واصبح الامر صعب الا اذا ركبنا المخاطر وسرنا على الطريق الصعب وكان  الراى الخاص بى لا مجاملات فى الامر ضرورة البتر والتخلص من البعض بالعزل والتهميش البطئً وعدم التكليف باى مهام خطيرة   حتى نستطيع ان نسير ونحن مرتاحين من ان البعض مندسون علينا 

حيث في نظري لا اريد الشك ان يغمرني وبالاخص نحن سائرون في طريق محفوف بالخطر ونجابه في حاكم وعصابة لا معايير لها ولا شرف ولا اخلاق غير التصفية للجسد لكل من يعترضً سبيلهم ويتحدى نظام الجهل والارهاب،  والعالم فى صفهم يؤيد نظير حسابات خاصة بمصالحهم وطمع فى الحصول على الامتيازات حيث ليبيا الدجاجة التى تبيض فى الذهب .

نسوا وتناسوا ان المال من الدخل الرهيب  للنفط الذى بدون حساب لم يصرف لأوجه الخير للشعب الليبى بل تم الاستغلال  له للشر والشرور وإشاعة الارهاب بالعالم نظير عقل مريض مجنون حطم جميع المعايير الانسانية السامية يحلم بان يكون ملك الملوك ونسى وتناسى ان الملك لله الواحد الأحد الخالق الصمد وهو مخلوق ضعيف مهما وصل واوتى من علم لا يعلم الا القليل القليل .

                     رجب المبروك زعطوط 

البقية فى الحلقات القادمة …

    
  

No comments:

Post a Comment