Friday, April 20, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -38


                                               بسم الله الرحمن الرحيم

   لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …


                                                  خواطر عن أمريكا


             هذه الأيام قررت الخمول والراحة البدنية ،، وأعطيت للنفس حقها فى أجازة طويلة حتى أرتاح من التعب والإرهاق وكثرة السفر ،، وكل يوم تفاجئني  الرسائل العديدة التي معظمها فواتير للسداد ،، مما أضعها في السلة على المكتب بدون فتح حتى لا أفاجأ بالأرقام المطلوب سدادها والتي لو جمعتها كلها لأصبحت رقما كبيرا ،، أنا عاجز في الوقت الحاضر عن السداد ،، حيث السيولة ناقصة في هذه الأيام الصعبة ،، وأنتظر مبلغا مالياً ولكن للآن لم يصل حتى أسددها دفعة واحدة وأرتاح من الهم والغم ،، في إنتظار الفرج ...
كل خطوة خطوتها في المدة الأخيرة كللت بالفشل ،، فالوضعالمالي العام في أمريكا يمر بمرحلة شلل وخسائر لمعظم الشركات وكساد قادم يطرق على الأبواب فىي منطقتنا ولاية فرجينيا ،، ولا أحد يعرف إلى أين تؤدي هذه الكوارث ...
الساعة الثامنة مساءا وصلت الزوجة من المحل التجاري حيث لديها محل كبير لبيع الملابس  والأحذية النسائية وحقائب يدوية جلدية  للسيدات من أفخر الأنواع وآخر الصيحات بأوروبا ،، وسألتها  السؤال العادي الذيأردده لها كل يوم : هل من مبيعات اليوم ؟ وردت وقالت لا تسأل ،، حضرت البعض من الزبونات وكلهن يتطلعن للمعروضات معجبات ولكن عاجزات عن الشراء ...
وقلت لها لعل ألأسعار عالية ،، وقالت الأسعار مناسبة جدا ولكن السوق كل يوم يتضاءل وفي كساد ،، كذلك في سوقنا الكبير كل يوم يقفل أحد المحلات ،، وصاحب المطعم الكبير ( الملعقة الفضية ) بجوارنا أقفل الأبواب وتغيب غير قادر على دفع المصاريف الضخمة حيث لا زبائن ،، وسمعت من محل الجيران أنهم آخر الشهر سوف يقفلون المحل ،، وينتقلون إلى مدينة أخرى ،، مما السوق سوف تقفل فيه محلات كثيرة وبالتالي يخف الرجل للزبائن ،، ففي مدينة فرجينيا بيتش عشرات الأسواق و ليست سوق واحدة ...
هذه المشاكل العديدة سببها الإنهيار الكبير لسوق الأوراق المالية في نيويورك  العام الماضي  يوم الأثنين الذي سمي باليوم الأسود أكتوبر 1987م  وخسارة المليارات  وإفلاس معظم  المضاربين خلال ساعات قليلة ،، وأنا كنت أحد الضحايا ،، فقد خسرت الكثير الكثير من المال ،، مما ضاعت السيولة ونحن نعاني الآن من المصائب والمصاعب و سوء الحظ  نظير الآثار للخسارة العميمة التي حلت على رؤوس الجميع !
معظم رجال الأعمال والتجار وحتى الأفراد الأمريكان ،، لهم طرق غريبة لا تتماشى معنا كعرب ،، عندما يعجزون عن الدفع ،، يعلنون الإفلاس الرسمي عن طريق المحكمة ،، وبالتالي يتحايلون على الدفع إلا من نسبة زهيدة وإنقاذ مايمكن إنقاذه بحكم القانون ،، يتخلصون من الماضي و مشاكله وهمومه وغمه بتوقيع ورقة ،،، ويبدؤون من جديد بأسماء أخرى جديدة وكأنه لم يحدث أي شىء ،، أما نحن الغرباء المهاجرون نظل على نفس مبادىء العالم القديم بدون تجديد ولا فهم للطرق الغريبة في نظرنا ،، ويستمر الغريب يناضل حتى آخر رمق خوفا من الفضيحة ،، وبالتالي يضيع كل رأس المال ولا يستطيع النهوض لعدة سنوات ،، نظير التعنت وعدم مجاراة الآخرين والإستفادة من القوانين ...
كل يوم أحاول تعليم وتثقيف النفس بدون أن أدخل للجامعات حتى أتحصل على شهادات ،، أقضي الساعات في الإطلاع على البرامج العلمية في بعض القنوات المرئية ،، وأتابع الندوات السياسية محللا كيف يتم الحديث والردود وقوة الحجة والإقناع ،، مما بعد مرور الوقت تعلمت الكثير ،، توسعت المدارك وأصبحت ملما بكثير من الأمور ،، وأستطيع التحليل لأي موضوع عابر في نطاق المعرفة بطرق علمية يعجز عنها الكثيرون من أدعياء النضال والسياسة ...
الميزة الكبيرة في أمريكا مساحتها الكبيرة وكثرة الولايات التي عددها 50 ولاية ،، وكأنها 50 دولة مجتمعة مع بعض ضمن الحريات والقانون المميز الذي يضمن حقوق الجميع ويحفظ  السلام والأمن والأمان للمواطن ،، مناطق بها العجز والإفلاس وولايات  تجاهد قادرة ،، وولايات غنية تأثرت الأعمال فيها قليلا ولكن قادرة على السير بسهولة متناهية ،، يحتاج الغريب المهاجر إلى معرفة القوانين بدقة حتى يستطيع أن يتعامل مع السوق وينتصر ويربح ...
في نظري ، أمريكا وطن اللبن والعسل يحتاج المهاجر إلى عمل دؤوب جاد ضمن القانون حتى ينجح بسرعة إذا ساعده الحظ وفتحها الله عز وجل في الوجه يصبح من الأثرياء بسرعة ،،، ونصيحتي الغالية والتي دفعت الثمن فيها ،، أن لا يوقع المهاجر على أي عقد حتى يشاور المحامي في الأمر ،، وإلا خطأ بسيط ممكن يجر الإنسان إلى المحاكم التي لا ترحم المغفلين ،، فكل إنسان عبارة عن رقم على شاشات الحواسيب يحاسب وليس كأوطاننا يعتمد على المركز وإسم العائلة والتجاوزات والمقابلة الشخصية والعواطف البشرية ،، والتحايل على القانون بحجة المعارف والواسطات ،، وبالتالي تدهورنا للقاع بدون نهوض وتقدم ...
إنني لا أريد الإطالة عن أمريكا ،، و كتابتي لهذه الورقات تعبير عن حبي العميق لها فقد آوتني وقت الضيق ،، حفظتني من العدو الغاشم الطاووس الشيطان القذافي و زبانيته وشطحاته ،، ونحن معظم العرب الأصيلين نحافظ على الجميل ،، وفضل أمريكا لن ينسى ،، وسأعمل جاهدا على تقريب وجهات النظر في حالة الرجوع يوما منتصرا للوطن ،، لأن الفرق كبير بين التغطية الإعلامية وكل إنسان يكتب ويسطر حسب علمه وتوجهاته ،، وبين الإنسان الذي عاش بها فترة مثلي أنا مع العائلة والتي حتى الآن حوالي ربع العمر ،، الله يسامحها على كل لحظة تنسمت فيها هواء الحرية وشعرت فيها بالأمن والأمان ،، ومهما شكرت لن أوفيها حقها ،، فهي الوطن الثاني  بعد ليبيا العزيزة ،، والله الموفق ...
                                                          رجب المبروك زعطوط

                                                                 1988/3/5 م 

No comments:

Post a Comment