Monday, April 9, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -33

                                              بسم الله الرحمن الرحيم

    لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …

                                                   معادن الرجال


             إرحموا عزيز قوم ذل ،، لقد عرفت وسمعت هذا المثل يقال في مناسبات عديدة ،، ولم أعتقد أنني يوما ما سوف أمر بحالة من أحد هذه الحالات خلال المعارف والأصدقاء العديدين ،، حيث كان أحدهم يتألم في صمت من غير أن يظهر عليه أي شىء لنا حتى نعرف ،،
يوما من الأيام بالسابق كان ذو حيوية وشباب عز وقوة  يشغل منصبا كبيرا بالدولة تطأطأ له الرؤوس وتنحني ،، تفتح له جميع الأبواب بسرعة على مصراعيها من الجميع ،، يرفل في السعادة والجاه والوجاهة ،، يصرف بدون حساب ماضيا حسب المثل ( أصرف مافي الجيب يأتيك الرزق من الغيب ) لم يحسب غدر الزمن والأيام ،، لم  يعمل حسابات أخرى ممكن تحدث  قيام ثورة عاتية والسجن والإقالة من المنصب ،،، الهروب والهجرة والبقاء بالغربة ،، هذا الصديق عفيف شريف كان بإمكانه عمل الكثير ولكن دائما كان محترما وسيظل محترما طوال الوقت إلى آخر العمر يعيش في مدينة القاهرة الآن في ضنك شديد وتعب ،، يعيش يوما بيوم غير قادر على مستلزمات الحياة ...
الفقر ليس عيبا ولا الغناء فخرا ،، وكثيرون تلاشوا بعد عز وسلطان سقطوا للقاع والحضيض من الملوك والرؤساء إلى عامة الشعب ،، والفرق في نوعيات الرجال فمنهم من يصمد ويتحمل ويصبر ،، ومنهم من يجن ويمرض ويموت نتيجة الصدمة أو العقاب والقصاص ،، وهذا يدل على الضعف في جميع صوره وأشكاله ،، فالرجال خلقوا لتحمل الشدائد وتقبل الأمور الصعبة برضى نفس وعدم الصياح ومناجاة  النفس واللوم الشديد لها ،، والإيمان بالقضاء والقدر الذي هو الأساس في الحياة ،، ولا يستطيع الإنسان مهما عمل أن يغير أي شىء مما كتب في اللوح المحفوظ لدى الرب ،،، والصبر على كل ماتأتي به الرياح من خير أوشر وشرور ،،
صديقى الأخ العزيز تعرفت عليه بالغربة أيام محنته وتعبه وليس أيام عزه وجاهه فهو يكبرنى بحوالي عقدين من الزمن ،، وإرتبطنا بأخوة فريدة مميزة فقد تلاقت خواطرنا على الخير والمحبة في الله عز وجل ،، وكنت سعيدا جدا أنه أتيحت لي الظروف وتعرفت على مثله ،، فأمثاله في عصرنا الحاضر قليلون بالكاد تجد أحدهم مازال حيا يرزق ...
هذا الرجل كان من رجال العهد السابق ،، وكنا نعتقد أن هؤلاء الرجال جهلة لا يفهمون السياسة ولا إدارة الدولة ،، وأثبتت الأيام خطأنا الكبير الذي وقعنا فيه ،، فقد كانوا رجالا شرفاء ذوي أخلاق حميدة وكرامة وقيم ،، همهم مصلحة الوطن ،، تحقيق الرقي له وسعادته ، تحملوا جميع المصائب حتى تم الإستقلال يوم 24 ديسمبر 1951م ...
أدوا واجباتهم على أكمل وجه ،، الدولة الناشئة فقيرة ،، ليس لها أي نوع من الدخل ،، تعيش على الإعانات من الدول الغنية والمنظمات ،،، كانت محتلة من قوى مستعمرة وخرجت من الحرب العالمية الثانية الضروس الدموية من كر وفر ،، وبالكاد بالحظ بصوت واحد زيادة عن العدد تحصلت على الإستقلال من منظمة الأمم المتحدة ،،
حاولت مد يد المساعدة  من القليل المتاح ولكن رفض العرض وشكرني جزيل الشكر ،، وقال لي كلمة مازلت أذكرها له بالخير ،، أنت الوحيد الذي بالغربة عرض علي المساعدة والمساندة وأنا شاكر لك العرض ولن أنسى يوما طيبتك معي ،، وأعلم أن الدنيا والأيام تدور ،، وإذا أطال الله عز وجل في أعمارنا سوف تشاهد العجب من معظم هؤلاء البشر ،، وللأسف الشديد لم أحافظ على النصيحة ،، وآخذ عبراً !
صديقي العزيز الشريف ذو الأخلاق الحميدة والمعاملة النزيهة دائما صورته تبرز لمخيلتي وخاطري عندما أتذكر مدينة القاهرة ،، نظير روابط روحية من عند الله عز وجل ،، فقد تعرفنا على بعض أيام الهجرة والغربة العصيبة بعد ضياع العز والجاه وسلب الحريات والأموال من مجنون معقد ،، تحكم في رقابنا بمقولات مريضة من كتابه الأخضر الهزيل ،، وهجوم الأراذل من اللجان الثورية الشعبية الغوغاء ،، على أموالنا وممتلكاتنا وسرقتها في وضح النهار ،، ولم نستطع عمل أي شىء لندافع عنها ،، حيث الضياع والسجن والقتل ...
نحن في نفس الحال نعاني ،، صديقي يعيش بالقاهرة وأنا بأمريكا بيننا آلاف الأميال ،، مطاردون بالقبض أحياءا أو بالقتل والإغتيال أمواتا ،، وجريمتنا الرفض لنظام الغبن والإرهاب ،، تلاقت أفكارنا على نفس الأهداف والمبادىء ،، على المحبة والوفاء ،، الشرف والرجولة ،، وليس الإستجداء وإراقة ماء الوجه ومد اليد لأشباه الرجال الأدعياء المتاجرون بالقضية النبيلة ،، التي يوما ما سوف ترجع عليهم بالوبال ...
لقد تعرفت بالكثيرين في ساحة الغربة ،، وكم كنت سعيدا فقد أضفت إلى رصيد الأخوة والأصدقاء آخرون شرفاء ،، يتشرف الإنسان بأن يتباهى ويقول يوما ،، هؤلاء المناضلون يوما كانوا أصدقائي وإخوتي في الغربة ،،
الكثيرون من الأدعياء سقطوا في الهاوية عندما إشتدت المصاعب وكثرت المصائب والضغوط تلاشوا بسرعة من الصورة لأنه لا أساس لهم راسخ ،، تلاشوا لقاء أطماع ونيات خبيثة ،، همهم التسلق والوصول بأي طريقة من الطرق مهما كانت دنيئة ،، وسعدت ولم أحزن على فراقهم ،،، لأن الله عز وجل يحبني فقد أتاح لي الفرص لأعرف على الطبيعة والواقع نفسيات هؤلاء البشر ،، تعلمت الدرس القاسي مما جعلني قويا قادرا على الصمود والتصدي فقد زالت الشوائب التي كانت تعرقل المسيرة ،،
فإلى أخي وصديقى بالقاهرة فائق التحية الذي سطرت هذه السطور على ذكره ،، متمنيا له الصحة والعافية ،، وأن يطيل الله عز وجل في أعمارنا حتى نفرح بالرجوع يوما منصورين  للوطن ،، ونتلاقى على الخير والمحبة ،، ويصبح عهد الإرهاب حكاية من حكايات كان ياما كان في سجل الوطن الملىء بالقصص والحكايات ،، والله الموفق ،،
                                                                  رجب المبروك زعطوط

                                                                       1988/3/2 م  

No comments:

Post a Comment