Wednesday, April 18, 2012

قصصنا المنسية - يوميات معارض ليبي مهاجر خلال سنة 1987-1988 -37

                                            بسم الله الرحمن الرحيم

   لقد سبق وأن كتبت هذه الخواطر سنة 1988م ،، ولم تكن الظروف ملائمة في ذلك الوقت لنشرها ،، والآن بعد أن تنشقنا نسيم الحرية العليل ،، حان الوقت المناسب لإطلاع جمهور القراء عليها ،، ووجدت من المفيد سردها حتى تكون عبرة لشبابنا ،، وتذكيراً لشيوخنا ،، راجياً من المولى عز وجل ،، أن تتحقق الإستفادة للجميع …

                                                      الشعور


             ليلة الخميس يوم 1988/3/3 م ،  لم أنم طوال الليل فقد جافاني الوسن وتقلبت في الفراش محاولاً أخذ قسط من الراحة والنوم وأغمضت العيون ولكن لا فائدة ،، لأنه لدي شعور قوي بأن شيئا ما حدث أو على وشك الحدوث وأنا لا أعرف ؟؟ أرجو أن يكون خيراً ،، فالظروف الصعبة التي أمر بها الآن ليست في حاجة لمزيد من الضغط والمعاناة  ،، أرجو أن تمر الأزمات على خير وسلام ،،
إحدى الأشياء المحببة للنفس كتابة الخلجات والخواطر التي تنتابني في بعض الأحيان وتسطيرها على الورق بسرعة حتى لا أنساها مع مرور الوقت ،، وفي نفس الوقت أشغل النفس بعمل مفيد يوما من الأيام سوف يراجع ،، وأستطيع الصياغة من جديد لأحداث تعتبر اليوم عابرة ولكن مع الوقت تصبح قصصاً وحكايات عن مامر بنا بالغربة من ضيق ومعاناة ،، بدلاً من تضيع الوقت في مشاهدة القنوات المرئية والأفلام ...
تقلبت بالفراش عدة مرات ولما وجدت أنه لا فائدة من محاولة النوم  ومازال على بزوغ الشمس عدة ساعات ،، نهضت وتوضأت لأجهز النفس لصلاة الفجر حتى أطرد وأبعد النفس اللوامة من الحث على البقاء في الفراش ،،
إنها الحياة ،، جهاد ومعاناة  والإنسان طالما حي يرزق وهو يشاهد  العجب من صحة ومرض ،، غنى وفقر ،، فرح وحزن ،، نجاح وفوز وفشل ،، أشياءا كثيرة  حتى يتحصل على الشهادة الأخيرة شهادة الموت والفناء  ،، ومع الوقت يتلاشى ولا تبقى إلا ذكرى خيرة أم شر وشرور يذكر بها ،، وهنيئا لمن قدم الخير والعمل الصالح في الدنيا الفانية ورضي عنه الرب الخالق ،، فقد فاز بالآخرة !
أيام الشباب والصغر قمت باشياءا كثيرة وأخطاء أنا نادم عليها الآن في منتصف العمر ،، طالبا الغفران ،، فأنا إنسان بشر ، معاهدا الرب الخالق أن لا أعمل أي حرام بعلمي وبقصد طالما أنا أعيش وأتنفس حياً أرزق ،، مؤمنا بالقضاء والقدر وأن الدنيا فانية مهما طالت ،، وسوف أموت وأرحل متى حان الوقت للرحيل ،
الهاجس الذي كان ينتابني والأرق الذي تسلط علي كان بسبب عدم إستلام الرسالة التي أرسلت لي بالبريد المستعجل والتي من المفروض  إستلامها قبل الساعة العاشرة صباحا  ،، ومراجعتها والتوقيع وإرسالها للمحامي حيث اليوم جمعة وبعد عدة ساعات ينتهي الدوام ،، وتبدأ عطلة نهاية الأسبوع  وكل شىء يتعطل لبداية الأسبوع القادم ،، ونهضت مذعورا فقد نمت في غفوة ،، وكان إبني مصطفى بالصالون يشاهد أحد الأفلام ،، وسألته هل وصل ساعي البريد ؟؟ وقال لا بدون إهتمام ،، وعرفت السر في الأرق ،، أكيد أن شيئاً ما قد حدث وربك يسترها !
ذهبت إلى المحل الخاص بالعائلة حيث زوجتي هناك تعمل ،، وإتصلت بالهاتف بالشريك عبد العالم في هيوستون تكساس ورد على الهاتف وهو يشكي سوء الأحوال وعدم البيع وتراكم الفواتير وعدم الدفع وأمورا كثيرة ومشاكل عديدة وكنا مثل المرضى نتشاكى في الهموم والغموم ،، كل واحد فينا يحاول أن يستند على الثانى ولكن بدون حيل ولا قوة ،،
طمأنت شريكي وصديقي وقلت له الصبر ،، هذه المصائب والمصاعب التي حلت على رؤسنا لأن الرب الخالق يحبنا ،، وعن قريب يأذن الله تعالى سوف يحل الفرج ،، وتبقى هذه المعاناة قصصاً وحكايات ،، سوف نرويها يوما إذا اطال الله عز وجل العمر إلى الأحفاد ،، مما سمعت ضحكاته من الألم والأسى من خلال سماعة الهاتف ،، وقال هنيئا لك ،، دائما متفائل ،،
قمت بعدة إتصالات هاتفية مع الصديق والشريك ماريو في إيطاليا وتحدثنا عن سير الأمور بشركة دارنس التي أسستها و كنت شريكا فيها ،، ثم إتصال آخر مع المحامي الذي أنتظر  الرسالة منه ،، ولم يكن موجودا مما تركت له رسالة صوتية للإتصال ،، وقلت للنفس سبحانك رب العالمين جميع الأمور تسير ببطء لأنني محتاج للرعاية والعطف ،، أريد أن أرتاح من هموم الديون حتى أستطيع أن أبدع ،،،
إنني أعرف الكثيرين بالغربة من التجار ورجال الأعمال ،، ولكن آليت على النفس عدم السؤال والطلب لقرض ولو مت  ،، لأن كرامتي فوق أي إعتبار ،، مستعد أن أعمل أي عمل شريف بعرق الجبين لأعيش مستورا ،، أحسن ألف مرة من الرجوع ذليلاً والتمسح بأعتاب الطاووس القذافي،  كرامتي وقيمي وأخلاقي لا تسمح لقاء جاه زائف ومال زائل مثل ما عمل الكثيرون اللذين باعوا كرامتهم للشيطان  لقاء الإحتياج  ،  أليس بأمر مؤسف ومحزن ؟
أحسن ما في الغربة والحاجة ، ظهور وبروز الرجال الصادقين والكفاءات الجيدة التي في الأحوال العادية تكون غير ظاهرة للعيان مهمشة وفي الظل ،، وقد سقط الكثيرون من خلال المحن التي مرت وكنت لا أعتقد  ولم أصدق في بعض الأحيان حتى شاهدت بأم العين ،، وكم كنت جاهلاً قبلها بأنني لم أعرف نظير الثقة وعدم التصديق لأن المال والجاه كان مغطيا للكثير من العيوب وعندما صح الصحيح ،، وتلاشى الجاه والمال سقطت الأقنعة الزائفة عن وجوه الكثيرين ،، ظهرت الحقائق المرة البشعة ،، وعشرات المرات تساءلت مع النفس ،، هل هؤلاء فلان وفلان ،، أكاد لا أصدق ؟؟
لقد علمت وعودت الأولاد على الإعتماد على النفس في حالة الغياب الطويل لأي ظرف أو الموت بحادث أو بالقتل والإغتيال فأنا مستهدف مطلوب بأي ثمن حيا أو ميتا ،، وحز بالنفس أن أشاهد أولادي وهم يعملون لقاء بعض الدولارات البسيطة بالساعة ،، يعرقون بالجهد والعرق وأجسامهم لم تشد بعض مازالوا صغاراً بالسن ،، وأجد شباب مثل أولاد أخي يعيشون على مد اليد ومص بقية أموال عرقت فيها ودفعت الثمن الغالي من الجهد والسهر وبدلا من صرفها على أولادي التي من حقهم ،، أصرف عليهم لأسترهم خوفا من الفضائح !
هل حرام أم حلال أن شابا سنه 28 عاما يعيش على الهامش وفي إنتظار مصروف شهري بسيط ،، عندما يتحصل عليه يذهب إلى أول حانة ويسكر ليدفن همه ،، ويتظاهر أمام الآخرين أنه إبن فلان وعمه فلان ومن العائلة الفلانية ،، وجميع التباهي في نظري كبرياء بالنفس وغرور ونقص شديد بالشخصية نتيجة عوامل كثيرة ليس المجال لشرحها ...
وأبنائي من دمي ولحمي يعرقون ويجاهدون كل يوم الساعات الطويلة ليتحصلون على بضع دولارات ،، لتغطية مصاريفهم الشخصية ،، هذه المصائب البسيطة ضمن المشاكل العائلية الحياتية التي أعاني منها وفيها ،، فقد كان هروب أولاد أخي الشباب فتح الله و صلاح على باخرة الحجيج  ،، نقمة حلت على الرأس وليس نعمة ،، فليس لهم سند بشر بالخارج غيري أنا عمهم ،، ولست أمانع فهم في مرتبة أولادي ،، ولكنهم كانوا غير مهتمين بالعلم لا يريدون أن يتعلموا حتى اللغة الإنجليزية عسى أن تفيدهم يوما ،، كانت الفرص متاحة لهم على الواسع ولكن لم يستفيدوا منها ،، مما إضطررت لإبعادهم عن البيت في أمريكا وعاشوا بالقاهرة بمصر مما زاد الضلال أكثر وأكثر ورجعوا إلى ليبيا بعدها بسنوات وهم لا يفقهون شيئا غير اللهو والمسرات ...  سببوا لي القلق على مصيرهم والجهد الكبير في اللإتصالات والتحديات والتهديد بالإنتقام في حالة أي مكروه يحدث لهم لإخراجهم من الأسر والتوقيف بالسعودية بدون ذنب ...
 وكان السعوديون أذكياء بدلاً من شحنهم على إحدى الطائرات من جدة رأسا إلى بنغازي أو طرابلس لتستقبلهم اللجان الثورية والإعدام شنقا بالساحة ،،، أجبروهم على السفر الجوي عبر دمشق سوريا مما أخلوا ذمتهم عن المساءلة يوماً أو الإنتقام حسب ماهددنا وقتها بالفضح في الإعلام ،، فقد كانوا حكماء ولهم جزيل الشكر أنهم لم يسمعوا ويرضخوا لطلبات حكومة ليبيا الغوغائية والطاووس المغتر القذافي ،، الذي طالب برؤسهم طوال الوقت ...
في سوريا الرحلة الجوية إلى طرابلس بعد يومين ،، وبالرشوة لبعض المسئولين السوريين طلب منهم الإقامة في الفندق على حسابهم الشخصي بدلاً من الحجز ،، والتسجيل في قسم الشرطة القريب مرتين بالصباح وبالليل ،، وتم التسجيل عاديا عدة مرات حسب الأمر ،، وتم الترتيب بالسفر عبر الحدود إلى تركيا ،، وبعدها الخروج والتسجيل بالحضور بالمساء ،، العشاء والدخول إلى الغرفة للنوم  ،، وبعدها بساعة تركوا حقائبهم بالغرفة وخرجوا في غفلة من الباب الخلفي إلى السيارة التي كانت  في إنتظارهم ،، وطوال الليل السفر البري حتى عبور الحدود إلى تركيا ،، والذهاب للقنصلية الأمريكية حيث تم الحصول على التأشيرات المطلوبة التي جهزتها لهم  عن طريق العلاقات ، والسفر جوا إلى نيويورك وبعدها إلى مطار نورفولك ،، فرجينيا بيتش ،، حيث كنت في الإستقبال وما حدث من مغامرات ومصاريف لحوالي 5 سنوات طويلة من غير أي فائدة ،، أليس بشىء مؤسف ومخجل ؟؟
لم يهتموا للنصح بالإلتحقاق بالدراسة طالما الفرص متاحة ،، أو يتعلموا أية حرفة من الحرف ،، أو العمل والبدأ في عمل تجاري بسيط ومع الوقت والإستمرار يكتسبون تجربة وعلما ومالا ،، ولكنهم كانوا غير راغبين مما أصبحت في ورطة ،، بالبيت السهر حتى الصباح في مشاهدة القنوات المرئية العديدة ،، والنوم للظهر و العصر وحياة سهلة من غير أي عمل ،، مما زاد الإحراج من أولادي ،، دائما يقولون لي ويتساءلون ،، لماذا نحن نتعب وهؤلاء نائمون ،، مما إضطررت لإرسالهم إلى القاهرة حيث لدي شقة ليقيموا هناك وأنا أدفع المصاريف للإعاشة كل شهر !
لو كان الوضع المادي ممتازا لصمت طوال الوقت ولن أتكلم مهما حدث ،  ولكن بدلا من الوقوف معي والمساندة في ساعات الكربة والمعاناة والغربة ،، أجدهم عبئا ثقيلا بدون أي نوع من أنواع العمل أو الدخل حتى يهتموا بحالهم ويقفون على الأرجل ،، بل تعودوا على الكسل وملعقة ذهب من أبوهم الكادح في أفواههم ،، الذي يعرق ويتعب ويستدين لأجلهم ،، أليست بمصيبة من مصائب الزمن ؟؟؟ والمشاكل الثانية بمدينة درنة ،، أي مصيبة وحادثة تحدث لأي قريب أو معرفة من النظام ،، تحتسب علي وكأنني أنا الذي أوشيت بهم ،، يعلقونها على أكتافي وأنا غائب بأنني السبب في ذلك ،، أليس بإجحاف ؟؟
هؤلاء الأقارب لم يقدروا الوضع ،، وأنني بالمعارضة للنظام ،، صوت يصرخ يعبر عنهم وعن جميع المظاليم من أبناء الشعب الشرفاء ،، للصمود والتصدي حتى يحين الأوان ،، لايفهمون هذه المعادلة ،، لأن النظرة قصيرة ،، ينظرون أمامهم لا يتعدون مترا من أرجلهم ،، و ليس النظر على المدى البعيد ،،
إنني بصراحتي هذه والحديث عن أبناء أخي من دمي ولحمي ليست يأسا ولا قنوطا ولكن تعبيرا عن الضيق والمرارة على حالهم ،، وكم عانيت بالخارج من مشاكل للغير ليست خاصة بي ولكن أقحمت فيها نتيجة ظروف عديدة صعبة ،، ولم أتهاون بل بكل جد وشهامة قمت حسب الجهد والطاقة بالواجب حسب القدرات ،، وتسطيرى لهذه السطور لأبث الهم والغم للورق حتى ترتاح النفس ،، فبالغربة الرفيق الجيد الكتوم هو الورق إذا حافظ المناضل عليه بقوة في أمان وصانه للأيام حتى لا يصل إلى أياد خبيثة ،، وعندها ممكن يستغل كدليل ضده ...
حتى الآن مرت بالغربة 9 سنوات عجاف وكأنها الأمس،، والحمد لله عز وجل إلى هذه اللحظة مازلت صابرا قويا ،، وزادي والقوة الرهيبة التي تغمر النفس والروح ،، الإيمان القوي بعدالة القضية التي نحن نناضل من أجلها ...
إن صراحتي هذه التي يعتبرها الكثيرون زيادة عن اللزوم ،، عبارة عن تحذير ونصائح للآخرين مراعاة أمور كثيرة قبل التفكير والإقدام على الهجرة وبالأخص الثوار ،، فمن الصعب جدا أن لم يكن الثائر جنديا بالميدان ،، لا يستطيع عمل تغيير جذري ،، والعمل النضالي الخارجي عبارة عن فضح النظام في جميع المحافل الدولية وفتح أنظار العالم الحر على المخازي وماذا يحدث في الخفاء ومن وراء الستار من تعذيب وقهر و إرهاب وقتل ،، حتى يساند الحق يوم إندلاع الثورة الآتية بإذن الله تعالى يوما من الأيام مهما طال الوقت ،، لا يستطيع النظام أن يستمر مهما عمل ،، لأن العهر وهتك العرض والفساد والإفساد زاد عن الحد ،، وبالتالي الرب القادر يمهل ولا يهمل ،، والنظام في نظري أفلس على جميع المستويات عبارة عن وقت ،، فالغليان للبركان تحت سطح الأرض في هيجان ينتظر  اللحظة المناسبة ليقذف الحمم عاليا بالسماء وينهي نظام الإرهاب والقهر ...
أخيرا أود القول ،، الحمد لله عز وجل على جميع النعم والعطايا ،، وكل ساعة ضيق لها فرج ،، والمطلوب منا جميعا التكتل في وحدة وإتحاد واحد مع بعض ،، حتى نستطيع جماعة أن نعمل بالخارج بقوة ،، ونحيي الأمل للأحرار الشرفاء بالداخل ،، إننا نعمل حسب قدراتنا وبالمتاح ،، حتى يستمرون في المسيرة النضالية ،، فهم ونحن بإذن الله تعالى يد واحدة وكتف  مع كتف قادرون على التحدي للنظام  ،، قائلاً صارخا بكل القوة للطاووس الشيطان المغتر ،، نحن قادمون لأخذ الثأر،، والله الموفق …

                                                           رجب المبروك زعطوط

                                                                  1988/3/4 م

No comments:

Post a Comment