Saturday, January 23, 2016

قصصنا الرمزية 19

بسم الله الرحمن الرحيم

 غابة المختار
 ( 2 )

 منذ عدة قرون مضت أيام الجهل قالوا عن (غابة المختار) المهجورة الغير مكتشفة بعد ، في الغرب والشرق وبالأخص أقوام الشمال ، كناية إستهزاءا أنها (صندوق الرمال الفارغ) لا مصلحة فيها، ليس بها الحياة والخضرة من ندرة المياه حيث معظم الوقت جفاف و لا تهطل فيها الأمطار، إلا في بعض الأحيان و السنوات حين يرحم الرب تعالى ويبعث الغيث بلا حدود وتسقط الامطار على بعض الجهات بغزارة ومعظم المياه تجري في أودية بقوة هادرة من الجنوب إلى الشمال ولا تستقر في اي مكان وتضيع في البحر هباءا، حيث لا موانع و لا مصدات ولا سدود قوية غير وجود البعض من الآبار الجوفية من الطبيعة ، أو تم حفرها وصيانتها أيام القدماء السابقين الجرمانتيين في الجنوب و الإغريق والرومان وغيرهم من أقوام في الوسط والشمال للحفظ والتخزين لشرب الحيوانات الناطقة والغير ناطقة ، طوال السنة حتى تدور الدورة ويأتي الشتاء وتهطل الأمطار من جديد .

             نسى هؤلاء الجاهلين الأجانب الكثير من المحاسن  عديمي الفكر و العلم والمعرفة وقتها، أن غابة ( المختار ) عامرة على مر التاريخ وعبر الزمن ، حية ترزق منذ الأزل بها حياة وحضارات قامت وسادت ثم بادت مع الزمن والتي من آلاف السنين قيل عنها قولا مأثورا من أحد الزائرين المشهورين الخالدين من كتبة وأباء التاريخ القديم الفيلسوف اليوناني (هيرودوت)، قولا خالدا (منها يأتي الجديد) مازالت المقولة مستمرة إلى اليوم لم تتوقف أو تنتهي وتتلاشى مثل عشرات الآلاف من الأقوال المأثورة التي قيلت يوما ولم تستمر ومضت إلى غير رجعة مع مرور الزمن....

                 والدليل الواضح الحي حتى الآن، أطلال الحضارات السابقة العديدة وأولها (الجرمنتية) التي سادت قبل الحضارة الفرعونية بكثير من الوقت ، والتي لو تم كتابة التاريخ القديم بصدق من غير تغيير ولا تزوير وكتابة وتسجيل الحقيقة والحق بضمير، عندها تختلف الكثير من الموازين والمعايير السابقة وتظهر الأخطاء العديدة نظير الزهو والتمجيد لحضارات من الجيران، حيث الذين كتبوا وسطروا التاريخ عنها من أبنائها قاصرين في المعرفة والأصول ، ليس لديهم العلم الوافر والمعرفة الجيدة في الأبحاث والتفكير السليم في تسلسل الأحداث ، ولا الأمانة التاريخية للكتابة بحق وضمير، ولم يتوقفوا عن كتابة الكثير من الإدعاءات والخيال والمغالاة نظير الجهوية حتى لا يسببوا المغالطات والتراهات والمتاهات بأخطائهم الشديدة والضرر للآخرين وتزيف التاريخ .

                الأطلال من قرى ومجمعات ومدن إلى الآن فى وقتنا الحاضر شواهد في مناطق عديدة المشهورة بالآثار في قورينا (شحات) و لبدة و صبراته وعلى طول الشاطئ بالشمال أو بالجنوب التي الكثير منها لم يكتشف بعد ، مازالت شامخة تصارع الزمن وعوامل الطبيعة من عواصف ورياح حتى لا تتهدم وتسقط وتتلاشى للأبد... والخطير في الموضوع عدم المبالاة من الأيدي الآثمة التي تقوم   بالنهب والسرقة للكنوز العديدة من الآثار الخالدة، وبالأخص القطع الصغيرة الثمينة التي من السهل سرقتها و حملها وتهريبها خارج الغابة بسهولة ، الغالية و التي ليس لها مثيل ولا تقدر بثمن مهما كان الرقم....

               إنها تراثنا،  تراث الأجيال الحاضرة والقادمة لمن يفهم ويتعظ ،  نفخر ونزهوا بها طوال الوقت ، الظاهرة منها كبيرة الحجم والثقل من الأعمدة والأحجار الضخمة للأبنية الكبيرة والتي نتيجة الزلازل و عوامل التعرية تحركت وسقط الكثير من الأبنية وتهشمت، واصبحت مهمشة وفي طي  النسيان من غير حراس ذوي ضمير أو ولاء للغابة (غابة المختار) غير التقطيع والتهديم في بعض الأحيان وإستعمال الحجارة في البناء العشوائي، والبيع في السر والخفاء للخفيف حملها ومواراتها عن الأعين  وتباع مقابل  قروش زهيدة والربح لبعض المال الحرام ...

               لا صيانة ولا إهتمام من أي مسؤول حل بالمناصب المهمة وأصبح من ذوي القرار، غير البعض من القلائل الوطنيين الغيورين والذي بالإمكان غابة المختار تصبح مرآة ومزارا لكل باحث وسائح مهتما بالعلوم القديمة والإكتشاف يأتيها ويزورها والمشاهدة على الطبيعة وليست عبر صور فوتوغرافية تم إلتقاطها...  يشاهدوا بالعين المجردة الواضحة على الطبيعة بقايا الآثار الخالدة شامخة ، لإعطاء الصورة القديمة أكثر وضوحا والحقيقة ، كيف وكم كانت بالسابق زاهية حية في قديم الزمان والعصور الماضية لزيادة المعرفة.

               غابتنا المختار الآن تمر بفترة حرجة ومرحلة صعبة مما أصبحت عالقة في عنق الزجاجة غير قادرة على الخروج من الأزمات المفتعلة الكثيرة من أبنائها أدعياء العلم والمعرفة والغرباء المغامرين المرتزقة القادمين لها بحجج الجهاد وإصلاح الدين والرجوع إلى الماضي والحكم بالشرع ، وهم  في نظر الكثيرين كاذبين من الألف إلى الياء ، مصابين بالضلال والغشاوة على العيون عن رؤية الصواب والحق وعدم المعرفة الحقيقية بأصول العقيدة ذات الهلال والنجمة ، التي تدعوا للسلام والأمن والأمان للجميع مهما إختلفت الألوان والتوجهات واللغات طالما موحدين بوجود الخالق الأحد حيا في الوجود ، موجود الى مالا نهاية...

              أصبحت غابة المختار وكرا مهما من ضمن عدة أوكار رئيسية بالشرق للإرهاب و قبلة لكل من هب ودب من المجرمين الذين يريدوا إشفاء الغليل بالقتل وقطع الرؤوس والدم بدون حق وعدل ، الطمع والحقد والحسد للخير العميم من الكثيرين ، مما الآن داستها أقدام الجنود الغرباء الأجانب بالشمال ووسط الصحراء بالجنوب ، قوات التحالف بحجج واهية للبقاء، محاربة الإرهاب والقضاء على الخوارج المرتدين...

            ضاع الإستقلال الذي ضحى الجدود والآباء الكثير من الأرواح قرابين على مذبح الحرية وكنا نتشدق به ولم نحافظ عليه بقوة ، ولم نسمع ونتخذ العبر من خطاب الأسد الهرم العجوز الإدريس في أول العهد و أول يوم للمملكة من (السبخة رباية الذائح) يدعو الشعب الحيوانات الناطقة قائلا (المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله) وأصبحنا ووقعنا في إستعمار جديد حديث بعد مرور عهدين وستة عقود بالضبط من سنة 1951/12/24م  إلى قيام التمرد والثورة2011/2/17م و هيمنة دولية من التحالف المستعمر والمستغل للظرف الحرج الذي نمر به الآن من الإستنزاف والخراب والدمار والرعب والخوف من القتل والإغتيال من بعض المجانين القناصين المجهولين بدون سبب مهم للقضاء على الروح التي هي هبة وهدية  من الله تعالى ممنوع المساس وقتلها تحت اي ظرف وسبب إلا بالحق والعدل في حالة أجرمت وقامت بالشر وقتلت أبرياءا مظاليم ضمن القضاء والقوانين بالعدل ، وإعطاء الفرص للضحايا المتهمين للدفاع عن أنفسهم قبل الحكم...

             وسقوط القنابل والصواريخ عشوائيا من السماء على رؤوس السكان الآمنين المسالمين ، في ( السبخة رباية الذايح) وغيرها، الذين الكثيرين لاقوا حتفهم وهم أبرياءا مظلومين نتيجة التحديات والخصام والتناحر بين الجماعات ،  كل فئة شريرة تدعي أنها على الحق المبين ، وتطلق  القذائف والصواريخ بدون هدف واضح ، مجرد إظهارا للقوة و خلق الخوف والرعب في أوساط السكان العزل الأبرياء، الذين غير قادرين على الخروج من بيوتهم والهرب لأماكن أخرى أو الهجرة خارج الوطن ، حيث لا يوجد لديهم المال الوفير للسفر والإقامة بالخارج ، و التي ليست بسهلة وبالأخص للفقير بدون مال ولا دخل ، حتى لا يحتاجوا لملء بطون أطفالهم الجائعة ولا يضطروا لمد اليد لكل من هب ودب...

             والمهم ، الذي وصل بنا إلى هذا الحال والهبوط للقاع ، هو عدم وجود القانون القوي في الضبط والربط بالحق والعدل لكل من يخالف حتى نحافظ على غابتنا المختار الجميلة من الإنهيار والتأخر نظير الخطف وطلب الفديات الضخمة والنهب والإفلاس ، والسبب الكبير، والأهم نحن المخطئين بأيدينا وجهلنا و طمعنا في السلطة والنهب والثراء الحرام ، وعدم الولاء للخالق الله تعالى ولا لغابة المختار حيث نقيم ونعيش في أمن وأمان ليس له نظير بالسابق كما كان الامر بالماضي حيث كل صاحب نعمة محسود عليه العين الحاقدة الحسودة حتى من أقرب الناس إليه...

              الغابة ، غابة المختار المعطاء لجميع الخير والراحة والسعادة بالسابق والتي تغير الحال فيها الآن إلى الأسوء من البعض المستغلين الذين تحكموا في الرقاب ونشروا الفساد والإفساد في الحرث والنسل بالقوة حتى إستكان الجميع سمعا وطاعة لحكم الثوار ذوي الأتباع بقوة السلاح والمراكز ، يقودها غوغاء عوام جهلة بأبسط الأمور للادارة السليمة والحكم للنهوض والتقدم ، لأننا من الخوف والرعب من القتل والموت فجأة وعدم الوحدة والتحدي للدفاع عن النفس إلى آخر نقطة دم بالجسد ، حفرنا قبورنا بأيدينا ونحن أحياءا نرزق !

         أليست بمأساة ان تضيع غابتنا الجميلة الزاهية عن النهوض والتقدم؟؟ تتأخر عن الإبداع والإنتاج وأن تعيش في أمن وأمان وسلام مع الجميع بالغابة الكبيرة ، والتي مهما عددت وشكرت و ذكرت من الحسنات ، لا أعطيها حقها من التكريم و الإجلال حيث حبها وعشقها في أعماق القلب والضمير لا يتزحزح ولا يتوقف مهما هبت من أعاصير قوية تدمر أي شئ في طريقها .. هي أمي الحنون مها تغيرت الأحوال و جار علينا الزمن وأنا إبنها البار طالما بي نفس حياة شهيق وزفير بهذه الحياة إلى يوم إنتهاء الأجل والوفاة والموت... والله الموفق...

رجب المبروك زعطوط

No comments:

Post a Comment