Saturday, October 20, 2012

شاهد على العصر 23



بسم الله الرحمن الرحيم

شاهد على العصر  
23


أثناء القيادة والسير سألت الراكب الأجنبي حبا في الإستطلاع عدة أسئلة للمعرفة ورد علي بأنه طالب جامعة كندي يدرس في التاريخ والآثار وكذلك صديقته الأمريكية لها نفس الإهتمام ولهم عدة أسابيع في ليبيا حيث وصلوا من الغرب عن طريق  تونس وزاروا آثار صبراته وطرابلس ولبدة ، وقامت الثورة فجأة وصعبت عليهم الأمور في الحركة والتقدم والتجوال بحرية نظير المنع من حراس بوابات الأمن الكثيرة ولا يرغبون في المخاطرة والمغامرة حيث ممكن يحدث أي شئ مسئ لهم وقرروا السفر إلى بنغازي وركوب الباخرة من هناك إلى إيطاليا، وقلت لهم أهلا وسهلاً ، بإذن الله تعالى سوف أضعكم أمام بوابة الميناء هناك مما إرتاحوا من العرض والرفقة  وشعروا بالأمن وبالإخص نحن رجال بالغون ومعنا شيخ  دين جليل الحاج عبدالرازق الحاسي 

بعد فترة أخرج الشيخ عبدالرازق الدف و البندير وبدا يمسح عليه بسرعة بمهارة وقوة حتى يولد الإحتكاك حرارة ويشد الجلد حيث لا نار للتسخين عليها ، ثم  بدا يطرق عليه طرقات خفيفة جميلة مما أصدر أصواتا رنانة لها طعم ديني خاص وبدا ينشد في المدائح والقصائد النبوية وجميعها لتمجيد الرب الخالق الواحد الأحد ولسيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام ، وطلب منا الترديد وراءه مما فعلنا وخلق لنا جوا روحيا مقدسا عظيما وأنا أردد وأقود السيارة بمهارة وسرعة عالية حتى أقطع الطريق والمسافة إلى بنغازي بسرعة في أقرب وقت ممكن.

الدف والتطبيل الجميل على البندير والقصائد الحلوة والمدائح الجميلة والأصوات الرخيمة خلقت لنا أجواءا روحية وأصبحنا مع النغم كالمريدين وردد معنا السواح الشباب الأناشيد والمدائح والقصائد حسب المتاح والقدرات متابعين الأصوات ولا يعرفون المعاني ولا المحتويات فترة طويلة من الوقت حتى وصلنا إلى بلدة سرت وعلى الطريق الرئيسي تزودت بالوقود وملأت خزان السيارة حيث لا أريد أن أخاطر بالسفر والمحطات القادمة ممكن أن تكون مغلقة ليس بها وقود نظير الظرف وبالتالي أضطر للوقوف في مهب الرياح أنتظر الفرج 

دخل الحاج عبدالرازق لشراء طعام من المطعم حيث كنا جياع ودخلت وراءه خلسة إلى المطبخ وكم راعني عندما شاهدت الأواني والطبيخ والقذارة في أبشع الصور مما إرتعبت وإشمأززت وتقززت كيف هذا الطعام يقدم للزبائن وليس به أي نوع من الشروط الصحية حتى تضمن نظافته وصلاحيته حيث أكوام الذباب والحشرات والغبار وقلت سبحانك رب العالمين تعطي وتهب الصحة والعافية لم تشاء من الغافلين 
وطلبت من الحاج عبدالرازق أن يتوقف عن الشراء والطلب ونخرج بسرعة وسوف نشتري من المحطة القادمة  طعاما جافا حيث ليست لدي الرغبة في الآكل لهذا  ولا اريد رفاقنا السواح أن يشاهدوا المنظر والقذارة حتى لا يصبح لديهم ذكريات سيئة عن  مشاهداتهم ، كيف يقدم الطعام للجياع على الطريق الصحراوي  في وطننا ليبيا ، حيث يوما سوف يكتبون مذكراتهم عن المأساة  مما وافق وركبنا السيارة وواصلت المسيرة إلى بنغازي بإذن الله عز وجل ونحن جياع .

إستمر الحاج عبدالرازق في الدف على البندير ومدح القصائد حتى وصلنا إلى الحد الفاصل بين ولايتي برقة وطرابلس  النصب الشاهق العالي وتوقفت بالمحطة وتزودت مرة اخرى بالوقود الذي يكفي ويزيد للوصول إلى مدينة بنغازي ، ثم توقفت بالساحة الكبيرة بجانب المحلات ومركز الشرطة وإشتريت أرغفة خبز كبيرة وعلب سردين وطماطم وبصل وعدة زجاجات مياه غازية ، وعمل الحاج لنا وجبة شهية من السندويتشات النظيفة وقدم لكل واحد منا واحدا كبيرا "جامبو"، ووضع البعض على الورق في حالة أي واحد يرغب المزيد وكان عشاءا جيدا وأكل الجميع بنهم وشربنا زجاجات المياه الغازية وإستلقيت على الظهر أشاهد في إرتفاع النصب وضخامته ، ومن خلال الحديث عرفت لماذا أقيم وتم تشييده في هذا المكان 

لقد عرفت القصة التاريخية التي لا يعرفها الكثيرون وهي أنه الحد الفاصل عندما تم تقسيم الإمبراطورية الرومانية بين الوارثين حيث تم الإتفاق بين الطرفين على القسمة بحيث يخرج عداء سريع من الغرب مرورا بأوروبا  وجبل طارق وشمال أفريقيا والعداء الأخر يخرج من القسطنطينة جنوبا إلى الشام وساحل البحر الابيض المتوسط ومكان اللقاء هو الحد الفاصل ، وفعلا بعد مضي من الوقت في الجري بسرعة كل عداء حسب جهده ، تقابل العداؤون في هذه النقطة وتم وضع الحدود وأصبحت دولتان الرومانية الغربية قيادتها وعاصمتها روما والشرقية قيادتها وعاصمتها القسطنطينية.

وجاء المجنون بعدها بسنوات وأمر بالإزالة للمعلم والنصب بحجة أنه يريد ويرغب في الوحدة للوطن وليس الفصل ونسى وتناسى أنه تاريخ مضى وسجل بمداد من الذهب  وأي إنسان يهدم ويدمر أي معلم ونصب تاريخي مهما كانت الأسباب للتغطية في نظري خطأ كبير حيث يصبح  الوطن بدون سمو وحضارة ماضية ولا حضارة معاصرة ولن يكون له مستقبل واعد لأجيال الغد القادمة عندما يطمس التاريخ ويزور من مجانين مثل مجنوننا القذافي لقاء أطروحات ومصالح خاصة تنتهي  مع الوقت وتذوب وتتلاشى.

حيث معظم تاريخنا الصحيح طمس وزور من قبل ملوك ورؤساء وكتاب غير صادقين ، وبالتالي ضاعت كثير من المعالم وتهدمت معظم  النصب التاريخية  بقصد أو بدون قصد والكثير بعوامل الزمن وتعرية الطبيعة أو قلع حجارتها من الغافلين الذين لا يعرفون قيمتها للبناء بها في بيوت أخرى نظير الجهل وهي كانت شواهد شامخة  دامغة على الأحداث السابقة وضاعت الهوية والأصالة ، لقاء الشطحات الخاطئة من مجانين متعصبين ذوي عنصريات جهوية وعصبيات لمناطقهم لا تمت للعلم والبحث الهادف السليم بأي وسيلة ووضع 

المفروض هو المتابعة الصادقة والصيانة اللازمة الدورية الدائمة لجميع المواقع الاثرية المهمة  حتى يتعلم الجميع أحداث الماضي الحقيقية بدون مغالاة ، ويعرفون أن ليبيا بها سمو وحضارات سابقة وليست معبرا للغزاة كما يتشدق الكثيرون من كتاب التاريخ الخاطئ مما ضيع الكثيرون من الباحثين في المتاهات حيث ليبيا بها حضارة منذ بداية الخليقة ولكن منسية مازالت تحت الأنقاض وإحداها الحضارة "الجرمانتية" بالجنوب التي تسبق الحضارة الفرعونية لكن لم يتم الحفر عليها والكشف بطرق علمية  حتى  تظهر للعالم وأهمها اكتشاف "كهف الإنسان الأول"  في الجبل الأخضر  مقابل البحر  على الطريق غرب ميناء رأس الهلال  وقبل الوصول إلى بلدة سوسة بحوالي 15 كم ، الذي يقال من العلماء أن عمره أكثر من مائة ألف عام نتيجة الحفريات والكشف المبدئي وغيره من عشرات بل مئات الأشياء حيث ليبيا عامرة بالتاريخ القديم والآثار تحتاج لمن يهتم ويبحث ويدرس بدقة ويراجع بالحق والصدق بإهتمام وتأني وصبر حتى يصل مع الأيام للهدف العلمي ويتحقق المطلوب. 

بعد الإستراحة حوالي الساعة بدأت الرحلة والمسيرة وبعد مرور بعض الوقت وإهتزاز السيارة  والشبع من الطعام  إستغرق الجميع في النوم وبدا البعض يشخرون بأصوات خفيفة وخفت أن أنام مثلهم وتصبح مصيبة خوفا من عمل حادث شنيع وبالأخص أنا أقود بسرعة عالية ، وطلبت منهم اليقظة ولكن بعد فترة غالبهم النعاس وناموا مرة أخرى  مما جننت وركزت على الطريق وضغطت على بدالة السيارة وزودت السرعة إلى المائتين كم بالساعة ، عسى أن يخافوا وينتبهوا ولكن لا أحد مهتما حيث نائمون .

وفجأة شاهدت شيئا مرميا على الأرض في منتصف الطريق يشبه إطار عجلة عربة شحن  أكيد سقط من إحدى الشاحنات المارة ، وفكرت في جزء من الثانية  لو حاولت إجتنابه والإبتعاد عنه إلى أحد الجانبين سوف تنقلب السيارة عدة مرات  نتيجة السرعة العالية وقررت المقامرة والمغامرة ودهسها بالمقدمة مواجهة والذي يحدث  يحدث حيث ليس لدي خيار وأنا أسير بهاته السرعة العالية ، إن كان الإطار والعجلة فاضية بدون ترس يصبح حظ من السماء ، وإن كانت العجلة كاملة وبها ترس الحديد عندها مصيبة من المصائب والسيارة سوف تتأثر ، ومسكت المقود بقوة وصرخت وناديت  عاليا طالبا النجاة من الله عز وجل.

ضغطت على الفرامل بقوة دفعة واحدة ورفعت الرجل لأترك المجال حتى تخفف السيارة السرعة وضغطت مرة اخرى وكانت الضربة والصوت العالي  حيث صدمت بعنف ومواجهة بالسيارة الجسم الملقى العجلة على الطريق وسمعت الخبطة العالية بصوت مدو كبير كالمدفع مما الجميع أفاقوا دفعة واحدة وإصيبوا بالذهول من تسارع الأحداث فجأة مرة واحدة ونادى وصاح  الحاج عبد الرازق مذعورا من الصدمة ، طالبا الرب الخالق على السلامة  والنجاة وأوقفت السيارة بعد حوالي المائة متر وركنت على الجانب الأيمن للطريق السريع وأضواء المصابيح تنير المكان وفتحت الباب  وحاولت النزول بصعوبة وأخيرا خرجت وبالكاد الركب قادرة على الحمل للجسم حيث الرعشة من أثار الدهشة والصدمة الغير متوقعة وكانت الطريق بها قطع كثيرة من العجلة  "الكاوتشوك"  البعض منها تشعل بوميض من النار كانها شموع موزعة على طول المسافة من مكان الضربة تضىء نظير الدهس بسرعة كبيرة والضغط على الإسفلت والإحتكاك الشديد وثقل  جسم السيارة هو الذي أفادنا في عدم الإنقلاب عدة مرات.
الأهم قبل المهم النية الصافية وترديد المدائح والقصائد والمدح لله عز وجل  الواحد القهار والنبي محمد صلى الله عليه وسلم ورضاء الوالدين هو الذي أنجانا من المصائب والحادث وتأكدت تحت السيارة  إذا كان فيها أي قطعة من المطاط الملتهب خوفا من الإنفجار حيث خزان الوقود ممتلئ أكثر من الثلثين والحمد لله تعالى لم اجد إلا البعض حيث السيارة مصفحة من تحت ومددت يدي بالخطأ مما لذعتني السخونة وسحبتها بسرعة وأنا أتآلم ، وأحضرت عودا من الحطب على جانب الطريق ونمت على الأرض على الظهر  ومع  ضوء مصباح يدوي قلعت القطع الساخنة وتأكدت أنه لايوجد أي شئ ممكن يسبب لنا أي مشكلة واسترحنا بعض الوقت مزيدا للتأكد وحتى ترجع الأنفاس من الدهشة  والصدمة وحمدنا الله تعالى وواصلت المسيرة والجميع يقظ حيث طار النوم .

أحاديث كثيرة خلال الطريق ومعظمها عن الحادث والشكر للخالق على النجاة حتى وصلنا إلى مدينة بنغازي حيث بدأت المضايقات حيث في كل ركن شارع توجد دوريات شاهرة السلاح في الوجه لأي خطا ممكن يحدث ، مما أضطر للوقوف والرد على الأسئلة بأدب مما الحرس يفهم بإحترام ويفتح لنا الطريق بإحترام حتى وصلت إلى المدخل الرئيسي لميناء بنغازي حيث توقفت بجانب الدورية وأنزلت السائح ورفيقته وحقائبهما، وشكروني شكرًا جزيلاً على المعروف والتوصيل والطعام وأعطوني عناوينهم في كندا وأمريكا إذا أحببت التواصل والمراسلة وودعوا الشيخ عبد الرازق والسيد غازي وتركتهم في أمان بجانب حرس الدورية.

إستمريت في السير والسيد غازي يرشد في الطريق حتى وصلت إلى البيت الذي يقصده وتوقفت حتى نزل وضرب الجرس حتى فتح الباب وكانت فرحة بوصوله وحاول بقوة إستضافتنا ولكن إعتذرت وودعناه وذهبنا إلى بيت صهري إبن العم ووالد زوجتي وكان الطقس بديعا و كنت أستمع إلى أذان الفجر من الجوامع وهي تردد وتدعو النائمين للصلاة  ومازال الظلام قائم ، والشمس لم تظهر وتضئ الكون بعد. 

أخيرا وصلت إلى البيت وقضيت وقتا وأنا انتظر حتى فتح الباب من الحاجة وهي مذعورة من الطارق في الفجر حيث لا أمان بعد  زوار الليل والنهار الأمن في كثير من الأحيان يدقون الأبواب للقبض على البعض بحجة حماية الثورة "الإنقلاب الأسود"  وفرحت عندما سمعت صوتي وفتحت الباب بسرعة ودخلنا إلى الصالون بعد التحية والسلام وقامت مشكورة بتجهيز فراشين للنوم والراحة بناءا على طلبنا حيث لا نريد طعاما بل جياع للنوم ، وطلبت من الحاج عبد الرازق عدم الإزعاج إلى الظهر والغداء معا ، حيث سوف أوصله إلى بيته في بلدة توكرة القريبة شرقا من بنغازي حوالي 80كم فقط  في طريقي إلى مدينة درنة ، ووافق.

أثناء عز النوم حوالي الساعة التاسعة أيقظني وقال هيا للفطور والسفر ، ورددت عليه  وأنا أغالب في النعاس من التعب والإرهاق طوال الليل وأنا اقود صاحيا يقظ ، ياحاج ليس هذا الإتفاق بيننا ، سوف أوصلك لبيتك في بلدة توكرة بعد الغداء ورجعت للنوم وخلال بعض الوقت كنت نائما بعمق.

المهم قبل وجبة الغداء نهضت من النوم وحمام بارد مما إسترجعت النشاط وسألت على الحاج عبدالرازق وقالوا لقد سافر بعد الفطور  وسألتهم عسى ان يكون غير غاضب مني وكان الرد منهم أنه فرح وسعيد على الوصول إلى المنطقة الشرقية من طرابلس بعد غياب طويل  والنجاة من الحادث  
                                                        رجب المبروك زعطوط 

البقية في الحلقات القادمة 

No comments:

Post a Comment