Wednesday, October 17, 2012

شاهد على العصر 22


بسم الله الرحمن الرحيم

شاهد على العصر

22



وصلنا إلى طرابلس بسلامة وأمان وذهب الرفيق السيد غازي إلى عنوان أحد الأقارب للإقامة معه حتى يوم السفر إلى درنة والرجوع ،  وبالنسبة لي أقمت في فندق البحر الابيض الذي يعز علي وكان من ضمن سلسلة  فنادق " السيد ساسي "  رجل الأعمال الكبير الذي وقتها كانت لديه عدة فنادق كبيرة درجة أولى تشرف ليبيا ، وتحصلت على غرفة وأقمت بها ، وذهبت لزيارة إبن الخال  " م ب " المقيم هناك وكان عازبا وقتها حيث مطلقاً زوجته الألمانية ويعمل كأحد المدراء  ضمن شركة البريقة للوقود والغاز .

وقد فرح بي كثيرا وكان من ضمن ضيافته زوج خالتي الحاج عبد الرازق الحاسي وفي نفس الوقت زوج عمته ، من بلدة توكرة حيث قامت الثورة وهو في طرابلس ولم يستطيع الرجوع لبيته وقضى جميع الوقت مقيما معه وكان ابن الخال  " دون جوان  " يريد ويرغب أن يكون البيت فاضيا حتى يستطيع ان  يلبي نزواته الغرامية ووجود الحاج عبدالرازق الكبير في السن  والمتدين وشيخ الطريقة الأسمرية أو العيساوية في بلدة توكرة  مقيما معه طوال الوقت خلال تلك المدة أصبح حاجزا وعائقا كبيرا له وبالأخص  جميع الأعمال  معطلة والجميع في شبه أجازات مرضية وهو يريد السهر والسمر والمرح .

طلب مني أن أخذه معي عندما ارجع ووافقت على الطلب وأنا محرج حيث أنا شخصيا أدخن بنهم ولا أريد الإحراج معه حيث أحترمه كثيرا وأتعامل معه مثل الوالد وبيننا معزة خاصة وحب وإحترام متبادل ، وفي نفس الوقت الحاج طلب الرجوع معي ووافقت ، وقضيت عدة أيام مع أبناء شحادة السادة " نصوح وسعيد " وراجعت الأعمال بالمكتب وقام الجميع بدعوتي لحضور عدة مآدب للغذاء والعشاء وقضيت وقتا سعيدا متابعا الأخبار المتضاربة والتي جميعها تدل على الذبذبة في الحكم والسلطة حيث قرارات كثيرة تصدر من عقل مجنون وتلغى بسرعة وبساطة مما إستغل البعض من المنافقين الوضع وأصبحوا بالقمة وتحصلوا على كثير من الأموال وبالأخص من الأجانب المقيمين حيث بدأ الكثيرون في الرحيل عن الوطن طواعية وباعوا أملاكهم وشركاتهم ومحلاتهم بأسعار متدنية حيث لا أعمال ولا سوق رائج مثل السابق .

كانت فرصة للكثيرين من رجال الأعمال الليبيين المرموقين فقد إستفادوا ماديا برحيل اليهود عام 1967 م عام النكسة وخسارة الحرب وسيناء ومرتفعات الجولان في سوريا والضفة الغربية والقدس الشريف ،  بتأثير من حكومات إيطاليا وبريطانيا وقتها لدعم دولة إسرائيل وتكبير الحالة وزيادة الكراهية  والدس والفتن  وأن العرب وحوش وبلع الطعم البسطاء من الطرفين وقامت المظاهرات في ليبيا والتعدي في بعض الحالات على عائلات يهودية مسالمة  بطرق ومخططات مدروسة ودعم من قوى الشر من السفارات الأجنبية لخلق البلبلة وزيادة الكراهية لخلق الرعب للجالية حتى قادتهم ومرؤسيهم يطلبون السماح بحمايتهم وطلب الهجرة برغبتهم …

صورة  قديمة نادرة جداً لليهود في ليبيا 
خرج البعض من اليهود كبار السن وهم يبكون من الحزن والأسى حيث لا يريدون الرحيل والخروج من الوطن الذي عاشوا به منذ آلاف السنيين  ، ولا يعرفون وطنا آخر غيره  ولكن نتيجة الضرورة القصوى والسياسة الوسخة  والخوف على حياتهم خرجوا وفي نظري الشخصي كانت غلطة وخطا كبير السماح لهم بالهجرة والخروج الجماعي دفعة واحدة حيث هؤلاء مواطنون ليبيون ولا فرق بيننا إلا الدين ونحن كمسلمين نؤمن بسيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وانه النبي الذي نزلت التوراة عليه بوحي من السماء من الله عز وجل .

كما نؤمن أيضاً بالتوراة و أنه كتاب مقدس تم ذكره عشرات المرات في القرآن الكريم العظيم ، وسيأتي اليوم الذي يعترف به الآخرون مستقبلا أن أجدادنا وساساتنا قد أخطأوو فالعالم الآن صغير في عصر العولمة ،  وعلينا قلب الصفحات السابقة والعيش في سلام وأمن وأمان مع جميع البشر وبالاخص مع الذين يوحدون ويؤمنون بوحدانية الله سبحانه وتعالى من اليهود والمسيحيين والمسلمين   …

علينا الحوار والحوار حتى نصل إلى حلول وتفاهم يرضى جميع الأطراف ونتعاون مع بعض للحد من الإرهاب والتطرف الديني لدى الجميع حتى ننعم بالسلام ونتقدم معا ونتعاون  في العلوم بشراكة حقيقية كما يحدث الآن في الدول الغربية المتقدمة ، ونحن لدينا الأوطان الواسعة والثروات الرهيبة التي تحتاج للإستكشاف والبحث عنها وإستخراجها والصرف السليم حتى نفوز وننجح بدل الصرف للبلاين من الأموال على السلاح  والجيوش والأمن ،  وأوطاننا بحاجة للإصلاح والبناء والتشييد والعيش جميعا في أمان ، بدلا من لغة الإرهاب والدم ، حيث العنف يولد العنف ولن نرتاح أبدا نحن العرب طالما نحن مرضى عقول .

كان عام النكسة وخسارة الحرب أثناء العدوان الإسرائيلي والحرب الخاطفة وخسارة ٣ جيوش عربية في وقت واحد ،  نتيجة الدراسات والتخطيط حتى لا ينجح العرب ويتقدمون للإمام ، وتوجيههم إلى العداء والحرب مع إسرائيل حتى تستنفذ جميع الطاقات والأموال ويجدها فرصة الملوك والحكام الطغاة  والعسكريون المغامرون للوصول للمقدمة ورأس السلطة بحجج وتهييج للجماهير وسيلة للحكم بالقوة وإستعمار الشعوب وعدم الحرية لمواطنيهم حتى تستنفذ الطاقات في الحروب المتتالية الخاسرة والناجحة من الطرفين إلى ماشاء الله عز وجل .

في نظري لن نتقدم طالما نحن نفكر بهذه العقليات الضحلة  من رواسب الماضي ، حيث في نظري عدونا الحقيقي ليس دولة إسرائيل ولا الغرب ولا الشرق ،  بل العدو الحقيقي هو  أنفسنا وجهلنا وتطرفنا ، فقد إستغلت القوى الخفية نظير مصالحها من الغرب والشرق مآسينا والتطرف لدينا ولدى اليهود  وخلقت الفتن ومولت الإرهاب ودست الفتن ،  ونحن كلا الطرفين بلعنا الطعم المغري وكرهنا بعضنا نظير التحديات الكاذبة وحب البقاء  نظير سياسات قذرة من قوى خفية وأصابع سوداء نظير المصالح المادية ولا يهم ضياع البشر من العرب واليهود في عمليات إنتحارية بين فترة وأخرى لزيادة جذوة النيران بأن تلتهب من جديد ولا تخمد ولا تنتهي طالما المخطط ماض للإمام ومتقدم ونحن الطرفين نقدم وندفع الثمن الغالي …

الحل في نظري بسيط للغاية بدأ به الشهيد الرئيس أنور السادات الذي إغتيل بتخطيط حتى لا يتم السلام الحقيقي بسرعة  ، وعلينا إتباع الخطوات ومد الآيادي بسلام عن قناعة والعمل معا بشراكة حقيقية وثقة عمياء لدى الأطراف  ،  فنحن أولاد عم تربطنا أخوة دم وعلينا وعليهم الفهم أن مصلحتنا معا ، وبالحوار المقنع العادل مع الوقت سوف نصل لحلول تشرف الطرفين بحيث لا كاسب ولا خاسر لأي طرف  ، وسوف يرجع الفلسطينيون المبعدون للعيش في أراضيهم في أرض فلسطين جنبا بجنب في سلام وأمن مع اليهود ، وجميع يهود العرب المبعدين سوف يرجعون إلى أوطانهم العربية الأصلية إذا أرادوا الرجوع ، وبالعمل معا بثقة عالية سوف نقلب جميع الموازين على رؤوس المتشددين ،  والشرق والغرب سوف يكونون لنا مساندين فنحن من جنس واحد ولدينا العقول والمواهب والثروات الخيالية والأراضي الواسعة الإستراتيجية في وسط الكرة الأرضية والعالم بحاجة لنا  ، فلماذا لا نغتنم الفرص للسمو والحضارة طالما نحن أحياء نرزق أن نزرع نبتة الخير ونرعاها لتكبر وتنمو حتى يأتي يوم الحصاد والجني والفرحة ، وحتى إن متنا نترك لأجيالنا القادمة الخير والسلام  .
كان العدد من المهاجرين اليهود عن طواعية من مدينة بنغازي بالشرق وطرابلس بالغرب يتراوح العدد من 18 ألفا إلى 22 ألفا حسب المعلومات المتوفرة والتي تحصلت عليها من البعض المراجعين  ، والآن يبلغون المائتي الف من أصول ليبية ويطالبون بالتعويض والرجوع ، فما هو الحل ؟؟؟؟

الحل هو الحوار الهادف بهدوء وبدون تشنج  من غير عنصريات ولا عصبيات فارغة ،  بل ننظر للأمور من زوايا أخرى لم يتبعها ساساتنا وحكامنا من قبل بالسابق ،  علينا إستخدام العقل والبدا في الحوار الهادف لخلق الثقة بين الأطراف حتى نستطيع فك جميع المشاكل العالقة مع الوقت ،، حيث الوقت هو الكفيل بدمل الجراح ان أحسنا العلاج .

وبعدها بعامين في بداية السبعينات  إستفاد هؤلاء رجال الأعمال والتجار المرموقين مرة آخرى من رحيل الإيطاليين من على تراب الوطن .حيث بطرق شريفة وغيرها فاسدة مسيئة تحصلوا على ثروات وأملاك وشركات كبيرة ووكالات تجارية مع الوقت أثمرت بقوة وأصبحوا من الرأسماليين يشار لهم بالبنان أنهم مشاهير ومحظوظين ،،، والواقع معظمهم بسطاء ساعدهم الحظ حتى وصلوا للقمم .

إنني متأكد ان الكثيرين من المتطرفين لا يستطيعون الفهم لما أعني وأقول ؟؟؟ فأنا عربي مسلم ليبي حتى النخاع يحز بالنفس مآل الآمة العربية وهي ترزح في الوحل غير قادرة على النهوض نظير الجهل وعدم التحدي بالعقل ، حيث معظم حكامنا ومسؤولينا يؤمنون بالسلام ويتعاملون مع اليهود بطرق شتى ضمن أطراف اخرى وواسطات  تمتص طاقاتنا وخيراتنا نحن معا ، والسؤال الصعب لماذا لا يتحلى هؤلاء بقوة الشخصيات بالحق ويفتحون باب الحوار راسا من غير وسطاء وعندها أنا متأكد انه مع الوقت سوف نصل إلى حلول مرضية فنحن وهم بشر وأولاد عم وكتابهم المقدس التوراة ورسولهم موسى عليه الصلاة والسلام نبي من أنبيائنا ،  ذكر  بنوا اسرائيل في القران الكريم عشرات المرات  ، ونحن كمسلمين عرب نؤمن ونقدس الكتب السماوية الثلاثة التوراة والإنجيل والقران الكريم التي أتت من السماء بوحي من الله عز وجل ،  والخلافات في التفسيرات والعمل شئ طبيعي يحتاج إلى فهم وعقل وعدم التطرف والقتل والإرهاب حيث ديننا بحثنا على السلام والأمن والأمان للجميع من البشر ضمن الآية الشريفة " لكم دينكم ولي دين "  
والارض للجميع وليست حكرا لاحد للعيش بأمان أمن وسلام .

من كثرة المشاغل ومتابعة أحداث الثورة ، يوم السفر نسيت الوعد بأن أرجع بزوج خالتي إلى الشرق بقصد وبدون قصد وخرجت من طرابلس متجها إلى بنغازي وتوقفت بالمحطة الاخيرة في ضاحية الفرناج للتزود بالوقود ، ووجدت إبن الخال ينتظر هناك ومعه الحاج عبد الرازق  وكانت مفاجأة لي وحاولت الإعتذار والتغطية وأنني نسيت  مما خففت من الحدة والغضب ووضع الحاج عبدالرازق متاعه القليل وكان معه دف مدور كبير " بندير " لإستعماله في قراءة  القصائد والصلوات على الرسول محمد عليه الصلاة والسلام والتمجيد للرب الواحد الأحد الخالق  ، على رنات ودقات الدف الذي يصدح ويجعل الإنسان المريد في الطريقة يسرح ويحلم أنه وصل روحيا إلى أعلى المراتب .

ودعت إبن الخال وركب الحاج عبدالرازق بالخلف وبجانبي السيد غازي وتوكلنا على الله عز وجل  الرحلة والسفرة إلى بنغازي وأنا شبه مكتئب أحترق في صمت حيث لا استطيع التدخين في حضرته طوال الطريق التي سوف تستغرق حوالي ١٠ ساعات قيادة إذا كل شئ مر   بسلام  ولا يحصل لنا أي عائق…

فتح الحوار الحاج عبدالرازق  وقال يا أبنانئ الرحلة طويلة وخذوا راحتكم  وعندكم الإذن والذي يريد ان  يدخن فليدخن وأعتبروني في مثل سنكم ولا تأخذكم أي كلفة معي مما إرتحنا وبدأنا في التدخين ونحن فرحى سعداء فالحاج ظريف وصريح ويحكي لنا عن مغامرات وقصص عفى عليها الزمن لقطع الطريق بدون أن نشعر بالملل وأنا اقود بسرعة عالية والعدادات أمامي يشير العقرب على أكثر من 160 كم في الساعة   ونحن لا نحس بالسرعة فالسيارة كانت جديدة ومريحة .
   
عند مرورنا بمنطقة الخمس حيث أطلال لبدة  التاريخية ليست ببعيد  ، شاهدنا أحد الشباب السياح ومعه صديقته رافعين أيديهم طالبين التوصيل ومررت أمامهم بسرعة وتوقفت لأخذهم معنا في الرحلة وقد فرحوا كثيرا عندما رجعت بالخلف لهم ولم اتوقع ان يكون معهم متاع ثقيل كثير من حقائب الظهر الممتلئة بالثياب وعلب الطعام المحفوظ وآلات التصوير واشياءا اخرى لا اعرفها وفتحت حقيبة السيارة الخلفية ومع حقائبنا امتلأت وبالكاد والدفع بالقوة مع الضغط حتى تمكنا من قفل الغطاء ونتيجة الثقل من الخلف مقدمة السيارة إرتفعت بعض الشئ عن الطريق ، وركب السائح على المقعد الخلفي بالمنتصف وصديقته بالطرف جانب الباب الشمال وبدأت الرحلة … والله الموفق.

                                                              رجب المبروك زعطوط

البقية فى الحلقات القادمة  


No comments:

Post a Comment