Monday, October 15, 2012

شاهد على العصر 21



                                                                                       شاهد على العصر   
                                                             الإنقلاب الاسود
                                                             21


              فجر 1 سبتمبر 1969م نهضت من النوم حوالي الساعة السابعة صباحا وأنا خالي البال عن مايحدث من أمر جليل بالوطن ولم أعرف ساعتها أنني سوف أعيش  واشاهد الإنقلاب الأسود " ثورة الفاتح " وأصبح شاهدا على قيامها ونهايتها بعد 42 عاما من الحكم اللعين حكم المجنون القذافي الذي أخرنا  وأخذ زهرة العمر ونحن نعاني القلق والضغط والمطاردات ومحاولات الإغتيال  والسجن والتحقيق مما أصبنا بالأمراض وعشنا ظروفا صعبة من جراء الإرهاب والزحف والتأميم   طوال هذا الوقت والزمن  ووصل بالوطن إلى التخلف والوراءً وضيع الثروات الخيالية في مشاريع جنونية وأهم الأمور ضياع وقتل عشرات الآلاف من الشهداء في حروب في أفريقيا حيث  لا ناقة ولا جمل ولا مصلحة للشعب الليبي فيها تحت أي ظرف  أيا كانت  .

يضاف إلى ذلك مساندة ومساعدة الإرهاب والقتل عن طريق العمد والقصد للليبيين  في سجن أبوسليم  وأماكن عديدة من الإستراحات والمعسكرات في الخفاء والأمر بإسقاط الطائرة الليبية للتخلص من البعض والظهور أمام العالم أنهم ضحايا الإرهاب كما يصوره له عقله المريض أنه حجة يتحجج بها وقتل الأجانب الغرباء الضحايا  في حوادث الطائرات المدنية مثل  قضية " لوكيربي الشهيرة "  وقضية الطائرة الفرنسية في صحراء النيجر وقضية  تفجير الملهى الليلي "  لا بيل "  في مدينة برلين بألمانيا ووضع قنبلة في احد المقاهي في شارع جوان رود بلندن لتصفيتنا وكنت يومها ووقتها مع الرفاق المناضل السيد جاب الله مطر والمناضل الصابر مجيد في المحل ، وأصابني هاجس قوي شديد بالمغادرة وأصريت على الجماعة بالخروج  وأنا لا أدري  ما السبب ولكن شيئا روحانيا كما اعتقد  يطلب مني بقوة الخروج والذهاب وخرجنا من المقهى على عجل وذهبنا لبيت الصابر للعشاء والسهرة في أمن وأمان وسمعنا بحادثة التفجير  في نشرة الأنباء المسائية في القناة الإخبارية وحمدنا الله كثيرا على النجاة فقد زرعت قنبلة من أحد العملاء الليبيين من اللجان الثورية الأدعياء لتصفيتنا والقضاء علينا أيام المطاردة ونحن بالغربة والهجرة نناضل الشيطان إبليس عليه اللعنة إلى يوم الدين ، وغيرها من مئات الاشياء المخيفة والمرعبة التي يندى الجبين من ذكرها   خلال 4 عقود ونيف من الحكم الأسود للشعب الليبي .

رجعت بالذاكرة لليوم الاول من الإنقلاب  الأسود حيث  الموسيقى العسكرية تصدح والشعب يستمع ولا يعرف ماذا يحدث والإحتمال الكبير ان الملك قد تنحى عن العرش أو توفي والشعب عاش في القلق يريد ان يعرف والكاذب والمنافق وجد سوقا كبيرة في إطلاق الشائعات وانه يعرف ، والموسيقى مازالت تدق دقات رتيبة وبعدها صمتت ونطق أحد المذيعين وقال البيان الأول وأن ثورة الشعب نجحت  والقوات المسلحة قبضت زمام الامور في ليبيا الوطن وبدأ يشرح بعض الأمور الهامة وصرخ معظم أبناء الشعب من الفرحة والسعادة بسماع الأنباء المدوية ، وبدأت التكهنات لمعرفة من وراء الثورة  من ضباط شباب ولا احد يعرف …

الساعة التاسعة صباحا كنت بالمكتب وشاهدت أثناء الدخول  الوالد  وهو واقف على رصيف الشارع أمامه متكئا على عكازه يشاهد المارة  متأثرا حزينا  من فرحة الشباب الغير فاهمين لما يدور من أحداث ممكن تكون وبالا على الجميع من غير أن يدرون ، حيث  الوالد من مريدي الطريقة السنوسية ومحبي الملك محمد ادريس السنوسي والوضع الملكي بالروح والجسد حتى النخاع ….


 حييته ولم يسمع  وينتبه حيث كان مهتماً بالأخبار الحزينة وغير مصدق أن الملك قد أبعد ببساطة عن العرش من قبل الجيش الذي ضحى من أجله الكثير عندما وضع لبنته وكيانه في الغربة وأسسه من لاشئ في الكيلو ٩ غرب القاهرة على الطريق الصحراوي  بدايات الحرب العالمية الثانية من رجال وشباب المغتربين الليبيين  بمساندة الدولة البريطانية وإنضمامه تحت لواء الجيش الثامن " الحلفاء "  ليحارب المستعمر الطليان "والمحور " من خلف الخطوط في أخطر العمليات الحربية من التسلل والتخريب والتدمير للمصالح الحيوية لجيوش المحور وأهمها مخازن التموين بالوقود للآليات من سيارات ودبابات وقطع الجسور لتأخير السير على الطرق .

الآن ضباطه الشباب يثورون عليه وينسون الماضي المرير بكل ببساطة  من غير وفاء .وأن العهد الملكي ينتهي بسرعة في لحظات  بإنقلاب أسود هباءا منثورا من غير مقاومة  ومساندة الملك في محنته من الذين حاربوا من أجله وضحوا بالعزيز والغالي حتى تم الإستقلال الذي كان يعد حلما قبلها ، والوطن ليبيا تصبح دولة ناشئة مستقلة  لها كيان بين الأمم وعلم يرفرف ويرحل منها المستعمر الإيطالي مهزوما غصبا عنه بعد إستعمار 34 سنة جميعها تعذيب وإرهاب وقتل لعشرات الألوف  والإبادة الجماعية في المعتقلات في البريقة ومرادة في حدود المنطقة الشرقية "برقة"

عشرات الأشياء من المكتسبات الوطنية والخطوات الراشدة للحكومة الناشئة  والتي كانت جليلة  تحت إشراف الملك سليل الأسرة الطاهرة  الذي كان  طوال الوقت يدعوا للخير والمصالحة الوطنية بين جميع فئات وشرائح الشعب ويعمل جاهدا لإسعاده ، حيث الدولة إلناشئة الجديدة فقيرة ، لم يستكشف ويستخرج النفط بعد! وخزائنها فارغة ليست لها أرصدة ولا ميزانيات ضخمة مثل الآن ، وكانت تعاني شظف العيش وبالكاد تعيش على المنح وتأجير القواعد العسكرية لبريطانيا قاعدة " العدم " بالشرق قرب مدينة طبرق ، ولأمريكا قاعدة " هويليس " فى الغرب بطرابلس العاصمة …

حيث وقتها لا أحد مهتم بها بل يطلق عليها كناية من البعض الغربيين أنها " صندوق من الرمال "  لا أمل فيها ولا نجاح  حيث شحيحة المياه للإنتاج والزراعة ، قليلة العدد  للسكان نظير الإبادة والأمراض ،  الجهل ضارب أطنابه إلا من القلائل الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة  ممن يحملون الشهادات العالية وقت الإستقلال في 24 ديسمبر من سنة 1951 م …

حضر الموظفون للمكتب حسب العادة  وكنا نسمع  الأناشيد والموسيقى العسكرية من الراديو حيث وقتها لا قنوات فضائية عاملة والحصول في مدينتنا درنة  على الإرسال لدولة مصر وإسرائيل واليونان وإيطاليا بعض الأحيان في ليالى الصيف الهادئة كان صعبا ولا نعرف إلا القليل فقد كنا مثل الأطرش في الزفة يمشي غير سامع مع الآخرين البسطاء الموسيقى والزغاريد بدون هدف  لا يعرف إلى أين يذهب … وطلبت منهم المغادرة مانحا لهم أجازة مفتوحة حتى تتجلى الامور وأمرت بإقفال المكتب إلى أجل غير معلوم .

ذهبت إلى المصنع حيث يعمل فيه مجموعة من العمال الطليان وطلبت منهم العمل وقفل الأبواب وشددت الحراسة حتى لا يقتحم من قبل غوغاء ساعة الفوضى والحمد لله عز وجل لم يحدث أي شئ من الفوضى والإقتحام ،  بل فرحة عارمة من نسبة كبيرة من الشعب بدون معرفة من يكون على راس السلطة  ، المهم زوال السلطة والنظام الملكي حيث الجميع مهيئون من خطابات الرئيس عبد الناصر الثورية التي تدعوا الجماهير إلى الوحدة العربية ومحاربة إسرائيل المغتصبة لأرض فلسطين العربية بالقوة سنة 1948 م …

إختلط الحابل بالنابل و غاب وتوارى رجال العهد السابق في بيوتهم ينتظرون ماذا سوف يحدث… وذهبت إلى فندق الجبل الأخضر وشاهدت الجموع الغفيرة من أبناء الشعب وهي تتجمع فرحة وترقص والبعض يخطب والجميع مؤيد الثورة غير عالما بأنها إنقلاب أسود و أنه  يوما ما سوف يدفعون الثمن الغالي من أعمارهم لقاء التشفي في الملك الطاهر الزاهد للحكم والملك  الذي يعرف طريق الله عز وجل وليس مثل  الشيطان إبليس القادم مرتديا أقنعة شتى زائفة ، والذي حتى تلك اللحظات  لم نكن نعرف بالضبط من هو  الزعيم رئيس الإنقلاب ؟؟  ومن جماعته ورفاقه؟؟؟  ومن وراءه من القوى الخفية والأيادى السوداء  الذين ساندوهم عن طريق  القوة  البندقية والعسكر حتى نؤيد ونفرح  ، أو  نتوقف ونعارض ، الأمر طالما الوضع ممكن السيطرة عليه بسهولة لو تحدى الشعب الإنقلابين بقوة في اليوم الأول  .

ذاك اليوم الأسود لم اعتقد ولم يخطر على البال  إنني أشاهد التغيير الكبير وأن الثورة التي يتشدقون بها لها أبعاد كبيرة سيئة سوف تكون وبالا على معظم الشعب الحر البرئ الذي يساق إلى الموت عن طواعية وهو لا يعرف المصير الأسود ولا يعلم … مثل دفع قطيع الغنم إلى الذبح في السلخانة وهو يجري طواعية للهدف  ، أليس بمأساة ؟؟؟ أنه شئ طبيعي وسنة الحياة وجزء منها أن يساق الخروف للذبح  لأنه خلق لهذا الأمر حتى تستمر الحياة.
ولكن ان تسرق دولة لها كيان علم وملك وحكومة معترف بها في الأمم المتحدة من لصوص تافهين ضباط شباب صغار بالسن قليلي التجربة والعلم نظير الإندفاع وتصديق التراهات والخطابات الثورية من راديو صوت العرب بالقاهرة في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات والوحدة العربية الزائفة بدون علم ولا دراسات ووضع الأساسات السليمة  التي تحتاج إلى وقت طويل حتى تتحقق في وضح النهار والشعب يرقص موافق على الذبح طواعية من غير أن يدري  ؟؟   يعيش الخداع وهو مسلوب الإرادة ضمن مخططات ودراسات من أساطين وأساتذة الشر الذين يعرفون كيف يكيدون المكايد ويوجهون الجماهير ويخدعونهم خداعا تاما مثل السحر إلى مسارات تخدم مصالح القوى الخفية الأجنبية وهم فرحى بالنصر ، أليست بأمر مؤسف ومأساة ؟؟؟ 

إنني أنا شخصيا ، أتحمل بعض الأمر حيث  كنت غرا مخدوعا ضمن معظم أبناء الشعب وعشت فرحة التغيير وأنا ضمن الموافقين ولم أتعلم الدرس وأمامي البرهان السليم الوالد الله عز وجل يرحمه ويحسن له أحد الأبطال المجهولين الذي كان له الدور الكبير في الجهاد والعمل النضالي في السر حتى تحقق الإستقلال ولم استشر حتى اعرف مغبة الإندفاع فقد كنت اعتقد وقتها أن الوالد لا يعرف إلا القليل وأن العصر تغير محتاج إلى دماء جديدة شابة حتى تتحقق الآمال وتتخلص من الإستعمار والجهل ونتوحد كشعوب عربية مسلمة في بوتقة واحدة كما كنا بالماضي أيام العز والأمجاد .

لقد نسيت أن هؤلاء الزعماء الجدد الذين وصلوا للسلطة من الحضيض والصفر مغررين بالخداع والعمالة ،  مثل بعض الزعامات الآخرى من العرب وقتها يساقون للهدم والتدمير والذبح للآخرين من أبناء الشعب نظير الدفاع عن ثوراتهم المزعومة التي يساقون اليها من القوى الخفية العالمية ،  وهم يعتقدون أنهم على الحق وسائرون في الطريق الصحيح بكل الأسف ،  أليست بمأساة أن نساق نحن وراءهم في الخداع من عوام حاقدين  ونتورط بالمصائب مثلهم ونتأخر سنوات طويلة من أعمارنا ونتخلف للوراء طواعية عن جهل …

جلست ضمن العديد من الرفاق الشباب في مقهى شرفة الفندق  نحتفل بالحدث الجليل الذي يحدث وقتها وكبرت الحلقة مع مرور الوقت  والجميع متلهف لسماع الأخبار والتعليقات بلا حدود ويتكهنون والبعض يؤكد على صحة الأخبار وأن فلان وفلان من ضمن القائمين على الثورة ومع الوقت وطول الزمن معظم التكهنات هراء .

رجعت للبيت حوالي العصر فقد صدرت الأوامر بعدم التجول في الشوارع عند المغرب وحلول الظلام ونزلت قوات كثيرة جنود  من المعسكر الذي بالمدينة  تلبي الأمر من قياداتها وهم لا يعرفون من هم حيث وقتها جنود الجيش تدربوا على إطاعة الأمر من الذين اعلى رتب منهم مهما كان الأمر صحيحا أو خطئا…

الغريب في الأمر أن الشعب تعاون بكل سهولة ولم يخرج معظمهم وكأن سحرا أسودا أعماهم عن الرؤية ولم يتساءل أي احد لماذا هذا الأمر وهم مؤيدون ولا معارضة ، بل طواعية لبوا النداء والأمر ، أليس بأمر مذهل أن يحدث بسهولة ؟؟؟ إنني لا اعرف …

الأسبوع الأول مر والشعب في جميع أنحاء ليبيا غير مصدق قيام الإنقلاب وأن العهد السابق سقط بسهولة من غير إطلاق رصاصة واحدة ترفض الأمر ، إلا احد ضباط  البوليس مع عساكره في المركز سلحهم بالبنادق التي في حوزته بالمركز  في منطقة  ببنغازي على ما أعتقد وأذكر  في منطقة القوارشة  رفض الإستسلام وتحدى الجيش حتى يأتيه أمر من قيادته العليا مما بسبب لهم  في مشكلة ولم يستطيعون عمل أي شئ وتحدى حتى جاءه الأمر من قائده الأعلى رتبة الذي كان نزيل السجن والتحفظ وقتها ، عندها لبى الأمر وإستسلم  ، لقد نسيت إسم هذا البطل ولا أذكره الآن فقد مرت حوالي  44 عاما على الموضوع …

حادثة قتل واحدة وجرح البعض آحدهم من " آل العقيلي "  من اخوتنا قبيلة الدرسة من منطقة " بطة " في الإذاعة عندما رفض الحراس دخول أفراد من الجيش بدون أوامر حفاظا على الإذاعة  وتم إطلاق الرصاص بين الطرفين حتى يتم إذاعة البيان الاول .

استمر الأمر بحظر التجوال ساريا لمدة الشهر الأول وكل يوم يذاع أمر واليوم الثاني  يلغى بكل البساطة ولم يتساءل أي أحد من الشعب لماذا هذا التخبط  ؟؟ الذي يدل على الجنون واللعب بعقول الشعب البرئ الساذج  الذي أعطاهم الحق بأنهم عديمي التجربة صغارا بالسن وسوف يتعلمون مع الوقت كيف يسوسون الوطن ، والواقع الذي اثبته التاريخ  على مدى 42 عاما من الحكم أن رئيسهم  الملازم معمر بومنيار القذافي مجنون عظمة ، مجنون بجميع المقاييس شيطان رجيم ، إبليس في صورة إنسان حقود حسود لبس أقنعة كثيرة في البدايات حتى خدع الجميع ، وكان المفروض إيداعه بمستشفى المجانين حتى يفيق من جنونه  أو يموت ونرتاح منه .

لولا مساندة الشعب لم يكن الإنقلاب لينجح  حيث وزعوا الجنود كحراس في الأسواق والشوارع الرئيسية بحجة الحفاظ على السكان بأن لا تحدث فوضى ولا تعدي على المحلات ولا سرقات وتركوهم بدون رعاية ولا توزيع  طعام ولا أي نوع من أنواع الرعاية ، والبعض سقط مريضا من الجوع والسهر طوال الوقت بدون أن يغفوا وينام ، ولولا الشعب المضياف الذي كل بيت أمامه جنود شاركوهم الطعام بالمتاح  طوال الوقت حتى  مر الأمر على سلام وتناقصت ساعات الحظر ثم إنتهت .

أذكر حكاية طريفة وقعت لي مع البعض من الجيران الذين الآن جميعهم توفوا وفي ذمة الله عز وجل  رحمهم الله تعالى بواسع رحمته ، فقد كان بيت الوالد الكبير يفتح على الشارع الرئيسي وله إمتداد بالطول كبير حتى يصل إلى زقاق بالخلف وكنت أسهر في الزقاق مع أبناء الجيران وأذكر منهم المراحيم ( بشير الهنيد والحاج فتح الله الطشاني وأخوه علي والسيد أوحيش الباح )  الذي كان أمام باب بيته يضع الحصير في الزقاق الضيق ويحضر عدة الشاي ونسهر ونسمر إلى بعد منتصف الليل في الجو والطقس الصافي ليالي الصيف شهر سبتمبر حيث لا عمل نمارسه فقد كنا في إجازة طوال الوقت ومسموح بعض الساعات بالنهار  للتجوال  في الفترة الأولى لشراء السلع الغذائية والمواد الأساسية للعيش ، وكان الحراس الجنود يمرون ذهابا وإيابا في الشارع وكنا نسمع  أصوات خطواتهم الرتيبة التي تدق من أحذيتهم التي بالمقدمة والمؤخرة بها قطع من الحديد حتى لا تذوب من الإستعمال المستمر أيامها بشارع الإسفلت الأمامي ولا يدخلون الأزقة حيث لا يعرفون متاهاتها و إلى أين توصل …

كنت عندما لا أحضر يصرون على الحضوروالسهر معهم غصبا عني كمودة وإحتراما منهم ولسماع القصص العديدة عن السفريات والمغامرات التي قمت بها ، مما تعبت من الحضور وخططت لوقف السهرات وتأجيلها لوقت قصير وكان معي مسدس ذو صوت عالي بدون رصاص قاتل  وعندما سمعت وقع الأقدام للحراس بالشارع الإمامي وبيننا وبينهم حوالي 100 متر في منعطف  الزقاق أخرجت المسدس وأطلقت في الجو الهادئ عدة إطلاقات ذات صوت عالي لشد إنتباه الحرس للقدوم والبحث عن من أطلق الرصاص .

قفز الجميع بسرعة وجروا بسرعة البرق إلى أبواب بيوتهم القريبة المفتوحة وبالنسبة لي قفزت على السور في لحظة وتواريت داخل البيت وراء النافذة لأشاهد ماذا يحدث ؟؟ والوحيد الذي تأخر  دقائق عن الدخول كان السيد " اوحيش الباح " الذي كان يضع في الحصير والعدة وكانون النار داخل البيت حتى لا يتركها بالشارع ، وجاء الحرس بسرعة وتم القبض عليه وكنت أسمع بوضوح جميع الحدث وطلب منهم بضع دقائق حتى يضع الأشياء داخل البيت وعندما إنتهى من الأمر دخل فجأة وقفل الباب ودق الحرس الباب ورد عليهم ألا تعرفون أنه أمر بالحظر وعدم التجوال ؟؟ مما ابتسموا من الدعابة وقالوا له لا تخرج مرة ثانية وإلا سوف نحبسك حتى الصباح .

دعابة أخرى فقد كنت أسهر بعض الاحيان مع الرفاق في فندق الجبل الأخضر بوسط المدينة وأرجع للبيت عند منتصف الليل مخالفا ساعات الحظر حيث معروف للجميع … و في  إحدى الليالي كان من ضمن المجموعة صديقي " الحاج محمد الكيش " مأمور الجمرك لميناء مدينة درنة وكان ضابطا ذو رتبة عالية بحرس الجمارك ، وكان قد شرب الكثير من المشروبات الكحولية  ليدفن همه وعدم رضاه على الثورة المشئومة وطلب مني توصيله لبيته ولم استطيع الرفض حيث بيته ليس في طريقى مما لا محالة سوف أقع في أحد مراكز التفتيش للجيش ، وتصبح مصيبة وبالأخص حالة سكر ولا أريد وأرغب أن يعرف الوالد الأمر وقلت للمأمور عندي جناح فاضي غير مشغول وبإمكانك المبيت والراحة حتى تفيق  بالصباح ولكن أصر على الذهاب معي وخاطرت وقبلت توصيله وبصعوبة ساندته حتى ركب السيارة في الميدان أمام الفندق وتحركت السيارة ووصلت للمنعطف الأول أمام مبنى المصرف التجاري وكان هناك بالصدفة دورية حرس لا أعرف من أين أتت وطلبوا مني التوقف وهم شاهري السلاح وتوقفت وبدأت الأسئلة ورددت عليهم بكل الأدب محاولا السماح لي بالسير ، وفجأة خرج المأمور من السيارة وصاح فيهم بلهجة الأمر وأنه ضابط ويحمل على كتفيه عدة مراسيم ملكية ، مما ذهلوا من التحدي وذكر الملك وأصروا على القبض علينا وأخذنا إلى المعسكر حتى يبت في الأمر من الآمر هناك ، وإستسلمت للأمر حيث لا استطيع عمل أي شئ …

في تلك اللحظات العصيبة وصل أحد ضباط الجيش المسؤولين على الدوريات والمناوبة تلك الليلة وكان صديقي وأعرفه معرفة جيدة الضابط النقيب على ما أعتقد " السيد الناجي الجدائمي " وسلم علي وأمر الجنود بترك سراحنا والذهاب ولكن طلبت منه أن يسير بالمقدمة حتى نصل إلى بيوتنا مما وافق وسار بسيارته الفولكس واجن الصغيرة واضعا رشاشته البريتا على المقعد بجانبه مستعد لضرب النار لأي أمر طارئ ،  وسار أمامنا وأنا أتبعه حتى بيت المأمور وتوقفت حتى نزل وساندته  وتأكدت أنه فتح الباب ودخل حيث عائلته في بنغازي وقتها وهو أعزب ، وسار أمامي النقيب الناجي مرة آخرى يفتح الطريق حتى وصلت لبيتي ودعوته للدخول ولكن رفض حيث لديه عمل ومناوبة على الدوريات تلك الليلة .

لا عمل بالمكتب والموظفون يحضرون كل يوم لعدة ساعات يتسامرون وكأنهم بنادي ثم يذهبون لقضاء حوائجهم الشخصية مثل العادة قبل أن تحل ساعات المنع والتجوال ، وبالليل السهر مع عدة مجموعات كل مرة أذهب إلى واحدة وأرجع على القدمين بدون سيارة مع الأزقة الضيقة التي ليست بها دوريات للمراجعة والمراقبة حتى أصل للبيت من الزقاق الخلفي.

كانت الأخبار متضاربة وأعلن إسم ضابط محبوب من الجميع كتغطية عدة أيام حتى ضمنوا النجاح للإنقلاب ثم أعلن إسم الملازم ذو النجمتين معمر بومنيار القذافي الذي رقي دفعة واحدة إلى رتبة عقيد  على أنه الرئيس لمجلس قيادة الثورة المكون من 12 عضوا عسكريا وليس منهم ضابط واحد من مدينة درنة مع أنه وقتها بالجيش الذي لا يتجاوز عشرة الآف مجند اكثر من مائة ضابط من جميع الرتب ، ولكن الرئيس  العقيد المعقد يعرف أنهم أذكياء ولن يتركوه يلعب كما يريد ويرغب في مصير الوطن  وهمشهم عن قصد وترك البعض من الرجال الحقيقيين في الثورة  في الصف الثاني أمثال الضباط إبريك الطشاني واحمد المقصبي وجبرين الحداد والناجي الجدائمي الذي بعدها كون فيلق قوة المغاوير " الصاعقة " عصب الجيش  ، وغيرهم من الضباط صغار الرتب أما العقداء والمقدمين ذوي الرتب العالية  فقد أدخلهم للسجن حتى يتم الفحص لهم وأنهم ليسوا بخطيرين على النظام الجديد قبل إطلاق السراح وإبعادهم عن الوطن بناءا على النصائح من مستشاري الشر السيد فتحي الديب المصري وغيره من المستشارين العسكريين  الذين بعثهم الرئيس عبدالناصر ليحاول إحتواء رجال الإنقلاب الأسود من الضياع حيث وجد الفرصة سانحة  لإبتلاعهم بسهولة وضم ليبيا للحصول على ثرواتها حتى يستمر في التجديف والكذب والخطابات بالساعات وهو لا يمل ولا يكل وكأنه استاذ ومعلم  يشرح الدروس للسذج  وهم يصفقون بحرارة تشجيعا لسيادة الرئيس الدكتاتور الذي زج بالكثيرين من أبناء الشعب المصري الأبرياء وبالأخص  من جماعة الإخوان المسلمين الذين يطالبون بالحكم بالشريعة الحقة والدين السليم بدون شوائب حيث الدين الإسلامي صالح لكل زمان ومكان …

خلال الشهر الأول للثورة حدثت أشياءا كثيرة خاصة كانت لها أثار سيئة بالنسبة لي أولها ضياع وتعطيل شركات البناء والمقاولات الإيطالية بمدينة البيضاء التي العهد الملكي السابق كان مهتما بها ليجعلها العاصمة السياسية لليبيا في المستقبل وكانت الكثير من المشاريع تحت الإنشاء والتشييد والتعمير أو مخططاتها ورسوماتها تحت التجهيز لإعتمادها في سنوات قادمة ولكن الإنقلاب الأسود أوقف جميع البناء وأصبحت مدينة البيضاء العامرة بالسابق عدة سنوات من بداية الإنقلاب إطلالا خاوية ، حتى من الله عز وجل وتزوج العقيد المعقد السيدة صفية فركاش البرعصية القاطنة في درنة وتعمل ممرضة وأصول عائلتها من مدينة البيضاء  ، حيث ازدهرت مدينة البيضاء مرة ثانية بعدة مشاريع مما راجت التجارة فيها وكثر عدد السكان وفتحت الجامعة أبوابها للطلبة وأصبحت مدينة يقصدها الكثيرون للعمل بها .

أول المصائب لي كانت إفلاس جميع الشركات الإيطالية التي لدي عقود معها ولي مبالغ كبيرة لتحصيلها وقدمت الشكوى للمحاكم حتى وصلت إلى المحكمة العليا التي تغيرت وأصبحت محكمة الشعب  ولكن لا أذان تسمع ولم أتحصل على شئ وبعد خمس سنوات في المحاكم نظير ظروف سياسية أخرى حكمت محكمة الشعب  بإسقاط الدعاوى وأن الثورة غير مسؤولة وبالتالي ضياع كل شئ  فلا عدل في الدولة ولا قانون ولا دستور والشكوى لغير الله عز وجل مذلة مما سكت وصمت عن المطالبة حتى الآن بعد مرور 44 عاما ولكن الأجر حاصل ويوما بالآخرة حقوقي المغتصبة سوف تكون درر و جواهر وجوائز في ميزان الحسنات بإذن الله تعالى.

المصيبة الثانية ،  ضياع مصنع الرخام وكمياته وإسطول العربات الكبيرة والتي اكثر من عشرون شاحنة نقل ثقيل كانت بالمستودع في مقر الشركة بالبيضاء وضياع وسرقة أكثر من 800 إطار عجلات لعربات النقل الثقيل جديدة من المستودع برأس الهلال وكنت شريكا بالنصف  مع الإيطالي السيد رفائيللي روزاريو بورفيدو حيث زودته بالرأسمال لشرائها وعملنا غلطة كبيرة استغلها محامي النقض في إبطال القضية ، حيث صدر قانون يمنع عمل الشاحنات الخاصة  والسير بالليل من الساعة السادسة مساءا حتى السادسة صباحا منعا للضجيج والحوادث ، والمسموح للعمل شاحنات الشركات للعمل طوال الوقت حتى تنهى أعمال البناء والتشييد بسرعة وحتى لا نتعطل في النقل ولدينا عقود كبيرة لنقل المواد وبالأخص مادة الشرشور والرمل إضطررنا للتنازل عن الأسطول جميعه وسجلناه بإسم  شركة ريفيللي مع وجود مستندات تثبت الحق  ، ولم نعلم الغيب ولا المستقبل  إن الإنقلاب الأسود سوف يحدث بعد التسجيل بفترة ويتم الحجز للجميع بدون وجه حق ونحن أصحابها الأصليون ، أليست بأمر مؤسف ومأساة أكملتها غصبا عني؟؟؟

المصيبة الثالثة … أغراني شريكي الإيطالي في اليوم السابع للثورة وخفض اسعار حصته برقم رمزي مما اشتريت منه حصته مع وعد بأن ادفع له جميع ماله في مدينته " افيلينو " جنوب شرق مدينة ساليرنو ، ميعادا محددا قبل نهاية السنة 1969/12/31م  حتى يدفع ديونه مع البنك وإلا يخسر جميع أملاكه المرهونة  ووعدته والحمد لله تعالى في الوقت المحدد وصلت  واوفيت بالوعد ( قصة طويلة سوف يتم سردها في وقتها ) .

ضاع جميع الرأسمال في مدينة البيضاء وخسرت الكثير وكان مركزي المالي قبل الثورة والإنقلاب الأسود أكثر من مليون جنيه ليبي وقتها بحيث اعد من الأثرياء في مدينة درنة ( كيلو الذهب سعره بسعر أحسن بيت ممكن شراؤه بمبلغ 500 جنيه ) وخسرت معظم الرأسمال ولم يبقى لي إلا البيت الذي اسكنه مع العائلة  ومصنع البلاط والرخام وشركة زعطوط لبيع مواد البناء والوكالة البحرية لتفريغ  ومناولة السفن والشركة مع  السادة نصوح وسعيد شحادة في طرابلس  ، وعلي إلتزامات وديون كثيرة للمصرف والعائلة ومصاريف والتزامات شهرية  مثل رواتب للموظفين والخفراء والعمالة المطلوب سدادها وليس لدي أي دخل ولا سيولة حتى أوفي بالإلتزامات الثقيلة وقتها .

 عشت أياما وشهورا صعبة والجميع من العائلة والمعارف والأصدقاء بدأت نظرات التشفي والشك بأنني على حافة الإفلاس ، والوحيد الذي ساندني بقوة طوال الوقت كان الوالد الله يرحمه سندا قويا أعطاني  جميع السيولة التي يملكها عن طواعية بدون الطلب منه وكان يواسيني طوال الوقت ويقول لا تخاف ولا تحزن  المولى الله عز وجل موجود وأنت تعمل في الخير وطيب القلب وهذه الأمور الصعبة عبارة عن إمتحانات للتجربة هل سوف تصمد وتتحدى أو  تيأس وتسقط ، وكنت أجيبه قائلا أنا مقامر ومغامر بطهارة قلب وضمير وأعرف جيداً ماذا أعمل من خير والرب لن ينساني …

قررت السفر لمدة بسيطة حتى أغير الجو في الشهر الأول من الإنقلاب الأسود وذهبت لزيارة سريعة إلى طرابلس لزيارة المكتب هناك ورافقني السيد  غازي الشلماني مدير مكتب المحافظة لمراجعة حقوقه في طرابلس وسافرنا بالسيارة المرسيدس وكانت الطريق معظمها خالية إلا من بعض البوابات التي لا تعطيل فيها عبارة عن تسجيل بسيط …  والله الموفق.

                                                                     رجب المبروك زعطوط 

                                                             مدينة شتوت غارت ، ألمانيا يوم 2012/10/14م
  
البقية فى الحلقات القادمة …    
  

No comments:

Post a Comment