Saturday, October 13, 2012

شاهد على العصر 20


                                             بسم الله الرحمن الرحيم


                                                شاهد على العصر

                                                       20


Beirut in the 60s
               في أحد أيام  صيف عام 1967م بعد النكسة المؤثرة  وخسارة الحرب وأفول نجم الرئيس عبد الناصر ، نظير الأخطاء القاتلة والإعتماد على أعوان فاسدين منافقين كسروا له ظهره والنتيجة كانت الخسارة الأليمة وضياع الجنود البواسل في حرب خاسرة نتيجة الضربة المفاجئة الخاطفة القاصمة ، على المطارات الحربية المصرية وضرب الطائرات المقاتلة وهي جاثمة على الأرض وخسارة 3 جيوش عربية في فترة بسيطة من قبل دولة إسرائيل الصغيرة وقتها ، والتي كان القادة العرب يستهزئون بها ، وهي كانت تستعد وتجهز  نفسها للجولة والحرب في صمت لأنه بالنسبة لها كانت عملية حياة أو موت ، عملية بقاء ووجود في المنطقة ، أو الإزالة من الخارطة إلى ماشاء الله عز وجل .

 كنت في إحدى الرحلات بروما إيطاليا ، وتصادف في أحد الأيام  بالأصيل أنني كنت بالمقهى على الرصيف لفندق " ماسيمو دي آزاليو " المقيم به ، أتفرج على حركة السير للبشر ، وفجأة  بالصدفة شاهدت السيد " عوض صالح شنيب " رحمه الله عز وجل من مدينتي درنة وتربطنا بعائلة شنيب أواصر صداقة ومصاهرة ونسب وهو يمر من أمامي وغير منتبه لجلوسي وناديت إسمه مما إستغرب من الأمر وتطلع حواليه من ذا الذي يعرفه ويناديه في الغربة وشاورت له وتطلعت العيون وشاهدني وإبتسم ومددت له يدي بالمصافحة ودعوته لشرب فنجان قهوة مما لبى الدعوة وجلس .

تحدثنا في كثير من الأمور العامة والخاصة والتي إستغرقت عدة ساعات وبعدها دعوته للعشاء مما وافق وعرفت منه أنه يرغب في السفر إلى بيروت لبنان لإستيراد كمية من الساعات ماركة " جوفيال " من المنطقة الحرة  المطلوبة بكثرة لسوق مصر حيث ممنوع  إستيرادها رأسا نظير حصار الغرب وعدم وجود العملة الصعبة  ويتم وصولها عبر ليبيا حيث تصل إلى مدينة درنة وبعدها تهرب إلى هناك حيث الربح الكبير ودعاني لمرافقته في الرحلة لعدة أيام ، وكان لدي الوقت للسفر والترحال إلى أي مكان وبالأخص إلى مكان جديد لم تتاح لي الفرص  من قبل والذهاب إلى هناك للإستكشاف ووافقت على السفر والرفقة والمغامرة وزيارة بيروت لبنان .

منذ عدة أسابيع  عندما كنت في مدينة درنة في زيارة صباحية للميناء لمراجعة إحدى السفن وهي تفرغ البضائع معطيا التعليمات للمسؤول وكنت مستعجلاً ولدي ميعاد مهم بمدينة البيضاء لبحث بعض الأعمال المهمة ، زارني  السيد " فيكتور جبيلي " الوكيل لشركة أبناء نعيم شحادة للتجارة والتصدير في بيروت ، وقدم نفسه وتعارفنا و إعتذرت له حيث كنت مشغولاً وحددت له ميعادا بالمساء في المكتب على الساعة السادسة كي نتقابل ونتحدث في الأعمال و عن إمكانيات التعاون التجاري إذا كان هناك  نصيب .

تأخرت في البيضاء ورجعت إلى درنة وذهبت إلى المكتب وأنا متأخر حوالي النصف ساعة عن الميعاد وعلى الباب قابلت السيد " فيكتور جبيلي" وهو خارجا ويبدو عليه الإنزعاج  من مدير المكتب " م ب " وطيبت خاطره وأدخلته إلى مكتبي وعاملته كضيف بجميع الإحترام والتقدير ، وتحدثنا عن الكثير من المواد التي يمكن إستيرادها من لبنان وبالأخص الجير الذي يخلط مع الإسمنت ويستعمل في تغطية الحوائط ،  وكان مطلوبا بشدة وقتها للأسواق ، وإشتريت منه كمية بسيطة حوالي 200 طن من الإسمنت الأبيض كفتح باب للمعاملة التجارية ، وإرضاؤه حيث ضيع يوما كاملاً من الصباح إلى المساء في الإنتظار ، ووعد بأن يقوم بإرسالهم  في أقرب وقت والدفع ضد المستندات عندما تصل السفينة وترسى على الرصيف .

ثم دعوته على العشاء وغيرت مكان إقامته من فندق " العمامي" البسيط إلى فندق الجبل الأخضر المميز وقتها حيث به طاقم إيطالي للخدمات وكان المطعم يقدم  أشهى المأكولات  حيث لدي جناح محجوز طوال الشهر رقم 12 الذي مازلت أذكره لإستعماله وقتها للضيوف المميزين وحجزت له سيارة خاصة لتوصيله إلى مدينة بنغازي بالصباح الباكر مما إرتاح لحسن المعاملة  ، وودعته منتصف الليل وهو مسرور سعيد بالمعرفة .

المهم تم الإتفاق مع السيد " عوض شنيب " على السفر اليوم الثاني  بعد الظهر حيث لدي أعمال لأنهيها ، وتحصلنا على تذاكر  على متن الخطوط  الجوية الإيطالية "أليتاليا" المسافرة ليلاً على الساعة العاشرة ، ووصلنا إلى المطار قبل الإقلاع بفترة وجميع الإجراءات كانت سهلة وقتها وليست مثل الآن صعبة مما يجعل المسافر يتعب ويشمئز من إجراءات الأمن والتفتيش المستمر والأسئلة العقيمة من بعض رجال الأمن .

أقلعت الطائرة والرحلة إستمرت حوالي 3 ساعات بالجو وقدموا لنا وجبة عشاءا شهية ، وشرب صديقي بعض النبيذ ، ووصلنا إلى بيروت وكان الجو ساحرا بالصيف والنسمات خفيفة ،  وبعد إتمام جميع الإجراءات خرجنا وركبنا عربة أجرة وكانت الساعة حوالي الثانية صباحا ، وأصر صديقي على إستئجار شقة وذهبنا  لمشاهدة البعض وكنت كلما يسألني هل أعجبتني أقول له لا ، حيث أريد وأرغب في الأقامة بفندق نظير الأمن والخدمات بدلاً من شقة أضطر إلى العمل والجهد ولو لتجهيز فنجان قهوة .

كانت معظم الفنادق في بيروت محجوزة نظير المؤتمرات والسياحة وبالأخص من دول الخليج حيث لبنان وشعبه الماسة و جوهرة  من طينة أخرى وطبقة مميزة من العرب حيث الحضارة و السمو والتقدم ولكن أياد الشر والشرور القوى الخفية بعدها بسنوات عديدة عصفت به ودخل في حرب أهلية أكلت الأخضر واليابس حتى لا ينهض ويتقدم .

أخيراً ختمنا الإقامة بعد جهد جهيد ونحن نبحث من فندق لآخر حتى تحصلنا مع الفجر على غرفة واحدة عبارة عن جناح كبيرة في فندق " نابلي " بمنطقة الحمراء في وسط بيروت ، وكنا مرهقين من التعب والسهر وشد الأعصاب والقلق في البحث عن مكان آمن نظيف للنوم والراحة ، ومنتصف النهار  أفقنا وجهزنا أنفسنا ، وبدأت في الإتصالات الهاتفية وطلبت رقم الشركة ورد علي عامل البدالة وسألني من أريد ؟؟؟ وذكرت له الإسم حسب الكارت الموجود معي والذي معنون بإسم صاحب الشركة " نعيم شحادة " وطلبته وكان الرد الله يرحمه وحدث إلتباس في الموضوع وإعتقدت أنه الذي قابلني في درنة منذ عدة أسابيع وصدمت من الرد وقلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم !

أردت إنهاء المكللمة وفجأة سمعت الصوت المميز وكان السيد فيكتور حيث الكرت الذي أعطاه لي بإسم صاحب الشركة وليس بإسمه مما حدث الإلتباس والخلط لدي وقلت له عن الإسم  مما فرح وقال أين أنت ؟؟ وقلت له في بيروت في فندق نابلي بالحمراء ، وقال إنتظرني سوف آتي لك لنتغدى مع بعض ونتحدث .

خلال ساعة وصل إلى الفندق وفي معيته شابين من نفس العمر و كانا أخوة ، وقدمهما لنا بأنهم أصحاب الشركة السيد محمود شحاده المدير وأخوه السيد ماجد وتعرفنا على بعض وبعدها الدعوة لتناول وجبة الغداء مع إننا تناولنا فطورا متأخرا ولا نشعر بالجوع ، وأخذونا إلى مطعم فخم في منطقة الروشة على الكورنيش إسمه " يالديزلار " وهو مقابل الصخرة الكبيرة في البحر التى يقولون عنها صخرة الإنتحار ، حيث الكثيرون من التعساء رموا بأنفسهم منها إلى البحر وماتوا بغباء .



كان المطعم فخما والطعام جيدا وقدموا  لنا صحونا صغيرة تعدت المائة على الطاولة كمقدمة لفتح الشهية وكانت تجربة لي وأول مرة تحدث مما إستغربت من الموضوع ولم أعلق ، ثم الوجبة الرئيسية وكانت شواءا مما لذ وطاب من اللحم الشهي ، جعلتنا نأكل الكثير من غير أن ندري  وأثناء الحديث قال السيد فيكتور موجها الحديث لي بأنني محظوظ حيث تم اليوم شحن كمية الإسمنت الأبيض التي طلبتها مع كمية 500 طن جير للتاجر السيد نعمان سفراكس ، وتوقفت اللقمة بالحلق من المفاجأة  وخفت من الغصة وشربت كوبا من الماء بسرعة لتمرير اللقمة ، حيث السفينة سوف تصل لميناء درنة خلال 3 أيام قبل وصول الشحنات الأخرى خاصتي التي تحت الشحن من جزيرة صقلية " سيشيليا " مما سوف تعمل هزة في السوق وتجعلني ضيعت زمام المبادرة ويهبط السعر .

قررت المغامرة وبدأت أفكر كيف أستطيع الحصول على الشحنة أو تأخير ميعاد وصول السفينة  وإهتديت للحل ، وأثناء الحديث وقبل الإنتهاء من شرب القهوة والمغادرة لنوم القيلولة قدمت لهم عرضا مغريا صعبا رفضه ، وقلت لهم ، إذا تعطوني كمية الجير التي على السفينة الآن بحيث تصبح جميع الحمولة خاصتي والمناولة والتفريغ على إسم وكالتي البحرية سوف أشتري منكم حمولة 10 سفن مما كان وقع الطلبية مثل الصاعقة حيث لا زبون في ليبيا يستطيع المغامرة ويشتري الكمية دفعة واحدة .

ونسوا أنني كنت وكيلا موردا لعدة شركات إيطالية ضخمة لبناء مدينة البيضاء ، العاصمة الإدارية المستقبلية لليبيا ، وكان الأمر كبيرا لهم  ، أصبحوا بين نارين فقد قدمت لهم الطعم الشهي للموافقة والربح الكبير المستقبلي في المعاملات ، أو الرفض والمحافظة على الإسم والقيم التجارية ؟؟  وقلت لهم لا تعطوني جوابا الآن فكروا في الموضوع وبالمساء نلتقي للعشاء والسهرة ونهضت من على الطاولة وقلت لهم أوصلوني للفندق حيث أريد الراحة بعض الوقت ونوم القيلولة 

غيرت الفندق نابلي بناءا على طلب السيد فيكتور حيث يريدنا ان ننتقل  إلى فندق فخم على البحر قريبا من الشركة حتى أتواصل معهم وطلبت من رفيقي السيد عوض ان ياتي معي ولكنه حبذ الإقامة في الفندق  نابلي  لانه قريبا من  وسط المدينة بضاحية الحمراء حيث يستطيع التجوال ماشيا من غير ان يستعمل عربات أجرة لقضاء أعماله وودعته وإنتقلت مع الجماعة حيث تم الحجز ، ووصلت إلى الفندق وسجلت واخذت جناحا مطلا على البحر وعندما دخلت شاهدت المناظر الخلابة وكان الفندق بجوار الفندق المشهور سان جورج وفي نفس شهرته ولكن بمرور الزمن  نسيت الأسم . 

الساعة السادسة بعد نوم القيلولة والراحة لفترة بسيطة  وصل الجماعة إلى  الفندق ودعوتهم إلى   الجناح وبدأنا في الأحاديث والتي معظمها كانت عن كيفية العمل وتشجيع  الإستيراد من لبنان حيث لديهم مصانع عديدة وموادهم المنتجة مواصفاتها جيدة تضاهي الصناعات الاخرى في كثير من دول أوروبا ، وكان وقتها الصين لم تفتح أبوابها بعد المغلقة وترزح تحت الحكم الشيوعي بدون أي إنفتاح على الغرب خوفا من تغلغل الرأسمالية حسب ما يقولون وقتها ويروجون من دعايات .

بعد حديث طويل محاولين بلباقة ان لا اتشبث بالرأي وأترك هذه الشحنة لصاحبها التاجر الاخر وفتح صفحة جديدة لأعمال مستقبلية ولكن كنت صريحا معهم إنني لست بحاجة إلى لبنان  ولدي  عدة مصادر في إيطاليا تستطيع تلبية الطلبات العديدة ، وعندما شعروا باليأس وأنني غير متنازل عن العرض وافقوا على الامر … ونظمت لهم حفلة بسيطة إستمرت إلى منتصف الليل حيث تعشينا وسهرنا في نادي ليلي وشاهدنا عدة برامج فكاهية ، ورجعت إلى الفندق حوالي الواحدة صباحا وأنا مرهق من قوة التفكير والتركيز حتى لا اضيع حيث أنا اقارع  تجار ورجال أعمال أقوياء متخصصون لديهم الخبرات القوية ،  وبالأخص السيد فيكتور جبيلي الذي يتكلم عدة لغات ومارس العمل التجاري طوال سنوات وتعلم وتحصل على خبرات قوية من  خلال ممارسته البيع والشراءً  في الأسواق ، أما نحن فمازلنا صغارا بالسن تنقصنا التجارب  ولكن مع الوقت والممارسة سوف نتعلم الطرق الجديدة العصرية ونتغلب على الأساتذة لأنه لدينا العزيمة والجرأة وقوة الإرادة حيث نحن اصحاب الشركة ولسنا موظفين حتى نرجع للآخرين ونستشير مما في بعض الأوقات تضيع الصفقات نظير التعطيل والمشاورات .

اليوم الثاني تم إصدار التعليمات بالراديو القبطان بأن لا يسلم الاوراق والمستندات التي بحوزته كالسابق وأن  يحتفظ بها ويرجعها لهم عندما يرجع إلى لبنان ، وإن الشحنة كاملة بإسم شركة فلان والمناولة والتفريغ على إسم الوكالة الفلانية التي أنا صاحبها وليس لدي شركاء والحمد لله تعالى .

جميع الاوراق والمستندات الاصلية إستلمتها وتم الحجز على خطوط " ميدل إيست " الجوية اللبنانية اليوم الثالث وغادرت بيروت بعد الظهر ووصلت مطار بنينا بنغازي بالسلامة حيث لدي بعض الأعمال لانهيها وبعد العشاء غادرت إلى درنة ووصلت بعد منتصف الليل بساعة ومررت بجانب الميناء وشاهدت أضواء سفينة راسية وعرفت انها القادمة من لبنان .

الصباح الباكر كنت بالميناء وشاهدت  السيد ابوبكر قاطش وكيل التاجر السيد نعمان سفراكس المالك سابقا لشحنة الجير والتي بقدرة القادر تغيرت في منتصف الطريق وأصبحت مالكها حيث ساعدنا القدر والحظ وتمكنت من الحصول عليها ، فالحمد والثناء والشكر لك يا رب العالمين على التوفيق والفوز والنجاح .

تحدثت مع الوكيل وقال لي أن السفينة تحمل  500 طن جير لهم ، 200 طن إسمنت أبيض لي ولم أريد إحراجه و انه مخطأ ، وللتأكيد على صحة كلامه  اخرج من جيبه برقية وصلته عن طريق البريد بالموضوع وانا بالسر وداخل النفس  أتأسف على الغافل كيف تغيرت الصفقة منهم لي وأن التجارة لها قصص كثيرة ومكايد ومغامرات وأعمال شريفة وغير شريفة  وصراعات ودهاء ومكر لقاء النجاح والفوز والربح . 

المهم رست السفينة ونزل منها المرشد رئيس الميناء الحاج سالم رقص وقال ان الشحنة بكاملها  ملك لي وكانت صدمة للوكيل ولم يعرف ماذا يقول وركب سيارته وغادر الميناء وهو يرغي ويزبد كيف وقع الخطأ ولم يعرف أنني بالأمس كنت  قادما من بيروت لبنان وأنني لعبت اللعبة بشطارة وتحصلت على الصفقة بمهارة ودهاء ومقامرة ، ولولا شدة العزم وإغراء شركة أبناء شحادة  بالصفقة الكبيرة لن يرضوا بالمخاطرة .

بدأنا في التفريغ وكان السوق بحاجة ماسة للسلعة وتحكمت في الزبائن ووصلت الشحنة الأولى من سيشيليا إيطاليا ثم الثانية وبعدها الثالثة وساعدني القدر والحظ وبعت جميع الكميات من الميناء ولم يدخل للمستودع ولا كيسا واحدا وحققت أرباحا جمة كبيرة حيث لا منافسة ، فانا الوحيد الذي لديه السلعة ووضعت الشروط وسعر البيع التى تناسبني ولم يستطيع أي زبون المعارضة نظير الحاجة .

تعددت الرحلات إلى بيروت  وكنت كل شهر اقوم بزيارة عمل  والشحن للجير والإسمنت الأبيض مستمر حمولة سفينة كل أسبوعين بحيث تم استئجار سفينة خاصة للعمل تحمل من لبنان وتفرغ في ميناء درنة وترجع مرة اخرى مما وفرنا فى مصاريف الشحن  .

الرحلات مستمرة حيث لبنان وقتها كما قلت جوهرة تتقدم كل يوم إلى الامام وتنهض واواخر الستينات جميع الصفقات تعقد فيها حيث نقطة عبور ولها طابع خاص حيث الماضي والحاضر القديم والجديد بها وشعبها مثقف فقد كانت وردة العرب التي تعطر في الأجواء الأخص وكانت جميع الزيارات في التعرف على بعض التجار ورجال الأعمال ووفقت في كثير من الصفقات وحققت أرباحا جمة وربطتني مع عائلة شحادة علاقات روحية وثيقة وصداقة كنت اعتقد أنهم أخوة من الدهر وليس من الظهر وقدمت لهم الكثير من العون والمساندة وبعد مرور سنوات عديدة تخالفنا على بعض الأمور المالية سوف يأتي ذكرها وسردها  في محلها .

من خلال زياراتي العديدة إلى بيروت لبنان عرفت من السيد محمود ان له أخوة يعملون في طرابلس مع احد رجال الأعمال الليبيين من "ال الدغيس " ولهم شراكة معه وغير مرتاحين  للمعاملة السيئة حيث يريدون فض الشركة والعمل لوحدهم وطلبوا المساعدة والمساندة في الكفالة لهم حيث في العهد الملكي السابق الأمور منظمة وبالأخص في العمالة الوافدة حيث العمل فى ليبيا له شروط وقوانين تضمن حق الجميع .

بطيبة قلب وضمير أردت مساعدتهم وقلت لا مانع ، عندما ينتهي العقد لهم سوف أقوم بالإجراءات القانونية  وكفالتهم حيث لا اريد ولا ارغب في التعدي والدخول في صراع مع الغير من رجال الاعمال الليبيين على أمور ممكن تكون غائبة عني وليست لدي جميع المعلومات واتورط في تحديات وصراع أنا في أشد الغنى عنها .

تأكدت بعد ان القيام  ببعض البحث البسيط من خلال العلاقات وكفلت الأخوة  السيد نصوح رحمه الله تعالى وأخوه سعيد وكان لدي مكتب مستأجر في عمارة السيد صلاح الدين طاطاناكي رحمه الله تعالى واعطيت لهم الحق باستعماله بدون ان ادخل في البداية  في أي نوع من الأعمال أو الشراكة والإبتزاز لعرق ومجهود الاخرين كما يحدث في الخليج الان حيث لا أؤمن بالإتجار في عرق الاخرين مهما كان السبب …

اذكر حكاية حدثت في أواخر العهد الملكي انه صدرت قوانين صعبة ومجحفة في حق الوافدين بحيث صعوبات جمه للتجديد للعمالة وكان لدي محاسب من طرفهم اسمه السيد عبد الكريم كوثراني ( لا أعرف الآن إن كان مازال على قيد الحياة فقد طالت المدة ، واذكر انه هاجر إلى استراليا ) وكان الرجل محاسبا قديرا دمث الأخلاق خدوم  أمين في قمة الإخلاص والوفاء مهما شكرت لن أوفيه الحق فقد كان إنسانا يشرف أي رجل اعمال بان يعمل لديه وأن يتخذه صديقاً .

تصادف أن إقامته إنتهت وأردت تجديدها ولكن تعطلت ثم رفضت من قبل احد المدراء بمكتب العمل الرئيسي في طرابلس ، وحاولت المستحيل ولكن الرفض البات إستمر وحدثت مشادة مع المدير الذي عاملني بجفاء وقسوة وحاول طردي ، وخرجت من المكتب وأنا اكاد انفجر من الغيظ والغضب كيف هذا المدير المتعجرف يتطاول علي وانا قد عاملته بكل أدب و إحترام! 

قررت أن أتحدى المدير!  فقد كان لي صديق قديم يكبرني في السن السيد " ص م "  واستشرته وقال احسن شئ ان تذهب إلى القصر  وتشتكي حتى يبتون في الأمر ، وخطر على البال سكرتير الملك الخاص وإبن عمته السيد ادريس بوسيف وكانت تربط والدي مع اسرة " ال بوسيف " صداقة وعلاقة روحية من أيام الجهاد والنضال ضد المستعمر الإيطالي من قبل ، وإسم الوالد والأسرة معروفين في القصر أنهم يساندون ومن مريدي الطريقة السنوسية التي على راسها شيخها وزعيمها  الملك محمد ادريس السنوسي.

طلبت من صديقي الذهاب للقصر وكانت أول مرة ألتجئ إلى الواسطة والشكوى من مسؤول ، وتوقفنا بالبوابة عدة دقائق حتى تم الإتصال الهاتفي ودخلنا بسرعة بمجرد ان ذكرت الاسم للسكرتير  وتم استقبالنا في صالون فخم وجاءت المرطبات بسرعة ثم جاء السيد " فتحي الخوجه " على ما اعتقد ان لم تخني الذاكرة وكان مسؤولا كبيرا بالقصر دمث الخلق نعم الرجل وسألني بكل الأدب  وحكيت له القصة بصدق وعن عجرفة المدير وطريقة معاملته الجافة ، وبالأخص أنا قادم من المنطقة الشرقية من 1350 كم لأنهي هذا الأمر ، وقال بأن السيد  إدريس الآن في مدينة طبرق مع الملك وأنه يحل محله في غيابه ،  لقد وصلت ورفع السماعة وطلب توصيل الخط بالمدير وخلال لحظات تم التوصيل وكان المدير على الخط يرتجف من القلق حيث مكالمة من القصر وقال له بلهجة الأمر معطيا إياه  درسا في المعاملة بأن يسوس أبناء الشعب بالأدب وبدون تكبر ويحاول المساعدة قدر الإمكان وكنت أستمع له وهو يرد ويقول نعم سيدي ،  وقال لي أذهب إليه وإذا حصل  أي تعطيل إتصل بي وأعطاني رقم هاتف مكتبه الخاص بالقصر ، وشكرته على الخدمة ورجعت إلى المدير ومازال على إنتهاء  الدوام نصف الساعة، ووجدته في الإنتظار على رأس السلم وهو يعتذر على الجفاء والقسوة وعطل جميع الموظفين في إنهاء المعاملة  وخلال ساعة كانت جميع الإجراءات إنتهت واستلمت البطاقة التي كانت حسب العادة تستغرق الشهر من المتابعة .

ودعنا كما إستقبلنا بكل الحفاوة وعرفت وتعلمت السر الكبير أن رجل الأعمال الناجح والتاجر  لا يستطيع النجاح في غابة الوحوش  الكاسرة إن لم يكن له سند كبير في الحكومة والسياسة حتى يستطيع أن يتغلب على جميع الصعاب ،  فمن غير صداقات ومعارف قوية يصبح بأخر الطابور تتقاذفه الرياح .

أواخر شهر يوليه عام 1969 م ، أخذت الزوجة معي في اول رحلة للخارج معا ومعنا الطفلة الاولى هدى وتركت الأبناء مصطفى وأميرة حيث كانوا صغارا في السن مع جدتهم في بنغازي لتعتني بهم وقضينا  حوالي 3 اسابيع في سياحة وإستجمام وزرنا روما إيطاليا وكنا في ضيافة صديقي السيد " قسطوني ناردكيا " التاجر الذي أتعامل معه في الإستيراد لمواد البناء  وأقمنا في استراحته " بيكولا كابري " القريبة من روما التي يستعملها لقضاء العطل ، وعرفته بالقنصل الليبي السيد عاشور بن خيال  الذي حضر مع زوجته عدة حفلات ومآدب في الاستراحة على شاطئ البحر في عطلة نهاية الأسبوع ،  وقبل السفر بيومين إلى بيروت لبنان قضيناهما في بيته في روما وكانت  زوجته السيدة شريفة صديقة زوجتي تعرفها من قبل مما قضين وقتا جميلا مع بعض .

بعدها السفر إلى بيروت لبنان وكان السيد محمود في الإنتظار بالمطار ورأسا إلى منطقة "عاليه "  بالجبل حيث الطقس معتدل وكان لنا حجز لجناح كبير في احد الفنادق الفخمة حيث قضينا وقتا جميلا  ، وتعرفت زوجتي بعائلة آل شحادة ووالدتهم السيدة أميرة التي أسميت إبنتي الثانية على إسمها تبركا بها حيث كانت سيدة فاضلة … 

كان أخوهم السيد نصوح مع عائلته ، والذي كانت كفالته وأخوه سعيد  في ليبيا على إسمي والذي أصبحنا شركاء في العمل في طرابلس في الإستيراد لمواد البناء عن طريق مكتبي ، موجودا في بيروت لتقضية إجازة الصيف مما كانت فرصة لإجتماع العائلات مع بعض وقام مشكورا بعمل برنامج سياحي لزيارة المعالم في لبنان أذكر منها زيارة مغارة " جعيتا " اما باقي الايام فلم اكن معهم حيث قضيتها في الذهاب للمكتب والبحث عن صفقات تجارية والإستيراد إلى ليبيا حيث السوق مزدهر .

رجعت إلى ليبيا عن طريق مدينة بنغازي في الأسبوع الأول من شهر اغسطس 1969 م وقضيت عدة أيام في بيت صهري ، وأخذت الأولاد من جدتهم ورجعت إلى درنة وكانت رحلة وإجازة جميلة ولم احسب أن أخر الشهر واليوم الأول من سبتمبر سوف يحل الإنقلاب الأسود وينتهي العهد الملكي الزاهر ويحل الشيطان إبليس القذافي على رأس السلطة وتفتح صفحات سوداء من الإرهاب والقتل والتعذيب لأبناء الشعب البرئ الطاهر الساذج لقاء مصالح للقوى الخفية والإيادي السوداء ويحل الظلام على الوطن بأقنعة زائفة أخرى . والله الموفق.

                                    رجب المبروك زعطوط 

                                 برلين المانيا 2012/10/12 م 
                     
    
البقية في الحلقات القادمة …       


No comments:

Post a Comment