Thursday, October 11, 2012

شاهد على العصر 18


                                              بسم الله الرحمن الرحيم
 
 
                                               شاهد على العصر
 
                                                        18


           في نظري الحياة مبادىء وأخلاق ، طهارة وعفة بدون طمع  ورجل الأعمال والتاجر أهم المواصفات المفروض  لديه الأمانة حيث يتحصل على الثقة من الآخرين في معاملاته معهم وعدم المحاولات للغش والتحايل أو الضغط والإستئثار بحقوق الآخرين  بدون وجه حق ، واضعا مخافة الله تعالى دائما أمام ناظريه حتى يربح ويشتهر في السوق والأوساط التجارية المحلية أو العالمية حسب وضعه ومركزه المالي  وعلاقاته التجارية  حتى يتعامل معه الآخرون بصفاء بدون أي خوف من التلاعب أو التحايل .

كثيرون من التجار ورجال الأعمال إستغلوا الفرص وحاولوا الضغط على البعض من الموردين عندما يقعون بالشراك ويسدون السبل أمامهم كنوع من الضغوط حتى يرضخون لشراء بضائعهم بأرخص الأسعار  حيث  نظير بعض الأخطاء يعملون من الحبة قبة أو خلقها بالتحايل نتيجة ظروف وضغوط معينة حتى يصبح لهم الغطاء القانوني للإستيلاء ، ونسوا وتناسوا  أثناء الغفلة  العقاب الإلآهي وأن عين الله عز وجل الساهرة موجودة تراقب بدقة وتحاسب سواءا بالدنيا أو بالآخرة 

لقد مررت بحالات كثيرة شاءت الفرص والأحداث أن أكون طرفا فيها بالصدفة ولم إستغلها بل ساعدت الضحايا المظلومين على الخروج منها حسب الحالة ، الرأي والقناعة  أنهم مظلومون وأنا دائما بطبيعتي  نظير صفاء القلب أحاول أن أساعد وأنهض بالمظلوم حسب  القدرات والوضع  ولا أقصر مهما كان السبب لأنني مؤمن عن قناعة أن الذي يرحم ويعامل أي شىء بالخير والمنطق وبالأخص البشر ، يوما ما الرحمن الرحيم يرعاه ولن ينساه ويبعده في الوقت المناسب من السقوط  في كوارث الحياة ومطباتها وينقذه من عشرات المصائب بدون أن يعلم نظير أعماله الخيرة السابقة ورحمته ومساعدته للبشر المظلومين .

حدثت أحداث عديدة منذ سنين مضت وأذكر منها الآن عدة حالات رغبت أن أسطرها  للذكرى حتى تصبح عبرا لأجيالنا القادمة الشبابية حتى لا يتجبرون ولا يطغون عندما تتاح لهم الفرص ، مع أن العصر تغير وليس مثل السابق فنحن الآن في بدايات القرن 21 وعشرون عصر العولمة .

القصة البسيطة  أنه في  يوم في منتصف السبعينات كان أحد التجار اللبنانيين من بيروت  من آل الحريري ولطول المدة نسيت إسمه الأول ، قد باع لأحد المقاولين السيد " ع ر " بمدينتا درنة حمولة سفينة من الخشب حوالي 700 متر مكعب لإستعمالها في أعمال  البناء والتشييد ووصلت الشحنة ورصفت السفينة بميناء درنة وكانت أيامها  الرقابة شديدة على إستيراد السلع من أية أمراض بها حتى لا تنتشر في الوطن ، وليس مثل الآن كل شىء مفتوح بالحدود بدون رقابة فعلية وإستغلها الأشرار في توريد السلع الفاسدة وبالأخص القادمة من الشرق من مصر حيث لا ذمة ولا ضمير لدى الكثيرين من التجار لقاء الربح الكبير مستعدون لبيع المواد والغذاء الفاسد المعلب السام ، وهم تجارالموت للأبرياء الغافلين ! 

لقد أراد المقاول أن يتحايل ويخفض قيمة الحمولة بنسبة كبيرة تعدت المعقول حتى يستفيد من فروق السعر وقام وأشاع عن طريق معارفه الخبيثين في الجمرك أن شحنة الخشب بها جرثومة " حفار الساق " حتى يتم الحجز للشحنة وعدم تفريغ السفينة في درنة ورجوعها ومغادرتها إلى الخارج من حيث أتت ، حيث سوف تكون مصيبة للتاجر المصدر وخسارة جسيمة حيث يضيع مبلغ كبير عليه فى الصفقة نظير الخبث والتحايل من المستورد لتخفيض الثمن والإستفادة بفرق مال زهيد نظير الضغط ولي الذراع لغريب ضيف لدينا بالمدينة ، ونسى أنه بظلمه هذا المتعمد سوف يحاسب الحساب العسير ، والله عز وجل الذي يعلم الخفايا وبيده الأمر والقضاء .

جاء تاجر الشحنة إلى مكتبي وهو حزين من المعاملة السيئة وهو غريب وتعرفت به حيث كانت لدي معاملات كثيرة مع بيروت لبنان ولدي صداقات كثيرة مع أبناء نعيم شحادة التجار وبعض رجال الأعمال ، وتعرفت بالرجل وسمعت القصة منه وهو حزين وطيبت خاطره وقلت له بأن يذهب إلى المستورد ويخاطبه بقوة و نصحته بعدم الرضوخ  فإما  يدفع المستندات غدا في المصرف وتقفل المسألة و يستلم الشحنة وإن رفض فليتنازل رسميا عليها عن طريق محرر العقود موثقة وأنا مستعد للدفع وشراؤها منه . لقد فرح كثيرا بالحل المقنع وإثارة الغيرة لدى المستورد  فقد  أنهيت له المشكلة … مع العلم أنني بعملي هذا فتحت نيران الغضب والسخط على أكتافي من المقاول ولكن لن أتأثر فلست متحايلاً بل أساند الحق ضد الظلم والقهر والله عز وجل لن ينساني و سوف ينصرني! 

وفعلا ذهب إليه في مكتبه وقال له عن العرض بقوة ، مما تنازل حيث لا يريد خسارة الصفقة حيث الموضوع من أساسه ملفق ليس له أساس من الصحة واليوم الثاني تم التسديد  للمستندات في المصرف وحولت للخارج وجاء الرجل ليشكرني على الموقف النبيل الذي وقفته معه  وأصبحنا أصدقاء ولكن لطول المدة نسيت الإسم ، وذكرني بهذه القصة أحد الأصدقاء عندما كان مراسلاً صحافيا في دمشق في أحد المؤتمرات والإجتماعات وسأله السيد " الحريري" عندما عرف أنه من مدينة درنة وسأله عني وشكرني له كثيراً على الموقف النبيل مما بهر الجميع وبالأخص الصحفي السيد " ن د " الذي تربطني به أواصر صداقة  قديمة ، وشعر بالفخر للعمل النبيل والموقف المشرف .

القصة الثانية حدثت للمقاول اليوناني السيد " جانوس " وعائلته حيث كان مقاولا كبيرا ونفذ مشروع مطار مرتوبة وسلمه للدولة وأراد أن يسافر ولكن أياد الشر الخبيثة ضغطت عليه حتى يدفع رشوة كبيرة ويتنازل عن بعض المعدات والمواد التي تبقت من البناء وإلا سوف يقدم إلى القضاء بتهمة أنه متهرب من الضرائب ، ورفض الرجل حيث كانت بحوزته المستندات الدالة على الدفع والمخالصة النهائية وتم حجز جوازات سفرهم بطرق غير شرعية ولا قانونية بل لإظهار القوة والتخويف حتى يقبضون منه المال الحرام ، هكذا كانت تدار الأمور أيام العهد السابق الطاغي ، الترهيب  للأبرياء والضغط عليهم حتى يرضخوا  للمطالب الغير شرعية بدون وجه حق .

فوجئت بحضور المقاول وزوجته وإبنه الشاب إلى المكتب حوالي الظهر يشكون من سوء المعاملة وإذا كان بالإمكان المساعدة ، وكانت الزوجة العجوز تبكي بحرقة ودموعها تتساقط وتنهمر وأنا لا أعرف القصة وماذا حدث وكان الأبن يتحدث الإنجليزية بركاكة ولكن مفهومة كترجمان حيث والديه لا يعرفون التحدث بالإنجليزية غير بضع كلمات وطلبت بعض الوقت حتى أتصل بالجوازات وأستوعب القصة ونجد حلولا لها ، وعفويا قلت لهم بأن يأتوا إلى المكتب الساعة السادسة مساءا .

حوالي الساعة الثانية والنصف شاهدت رئيس عرفاء الجوازات المكلف بالجوازات يمشي على رجليه إلى بيته القريب من المكتب قادما من بعيد وكان لدي به معرفة وسألته بصراحة عن موضوع اليوناني والعائلة ، ورد علي بخجل وقال أنه يتأسف حيث أن مسؤوله طلب إعاقتهم بدون وجه حق نظير المساعدة لأبناء عمه من المنطقة  وقلت له مالحل للمشكلة ، وكان رده إذا يهمك أمرهم بالإمكان تسليم الجوازات لك حيث لم أبلغ المديرعن الموضوع بعد والجوازات بحوزتي … وقلت له إذا لم تكن أية مسؤولية لك أو لي أحضرهم الآن وسوف أعطيك هدية قيمة ووافق  ورجع إلى إدارة الجوازات وقلت له تمهل سوف أوصلك بالسيارة حيث لا توجد وقتها بمدينتنا سيارات أجرة وقال لا حتى لا ترتبط الأمور بعلاقتنا معا في حالة أي واشي حيث كنا وقتها نعيش عصر الإرهاب والقهر 

غاب حوالي الساعة وحضر إلى المكتب وأعطاني جوازات السفر الثلاث ولم اصدق أنها صارت بحوزتي وقلت له غدا سوف أوفي بوعدي لك مما إبتسم وقال ياحاج أنت مضمون ! ووضعت الجوازات بدرج المكتب وذهبت للبيت للغداء والقيلولة بعض الوقت والخامسة مساءا كنت بالمكتب من جديد ،  ووصلوا في الميعاد وأدخلتهم إلى مكتبي و كانوا في حالة يرثى لها من التأثر والقلق وقلت لهم إستريحوا فقد تحصلت على جوازاتكم!وتهللت وجوههم من الفرحة ولم يصدقوا الأمر حتى فتحت الدرج وسلمتها لهم ، وكانت فرحتهم بالنسبة لي سعادة غامرة لا توصف فقد فرجت على مظاليم كربتهم .

رجاني الأب والأم أن أرعاهم حتى يسافروا بالغد إلى أثينا باليونان عن طريق معارفي وعلاقاتي  وطيبت خاطرهم ، وأمرت لهم بعصير الليمون البارد حتى يرتاحوا مما أفرحهم كثيراً!  وطلبت بالهاتف مكتب شركة طيران في بنغازي التي أتعامل معها وتحدثت وتحصلت على حجز 3 تذاكر درجة أولى بالطائرة بالغد من مطار بنينا بنغازي ، وبلغت سائقي الكتوم " ف ب خ "  رحمه الله تعالى الذي أثق فيه ثقة عمياء بالمهمة وأن يأخذهم الساعة الخامسة صباحا بالفجر إلى مطار بنينا الذي يبعد عن مدينتنا حوالي 300 كم ، وبالمطار يستلم التذاكر من الوكيل للحجز حيث يعرفه ويقف معهم حتى يسافروا على متن الطائرة وينتظر حتى تقلع الطائرة زيادة في التأكيد ، وسألوني عن  ثمن  الوساطة وقيمة التذاكر وقلت لهم وأنا أبتسم كل هذا المعروف هدية لكم ،، لا أريد مالا ،، وخدماتي وعملي خالص لوجه الله تعالى و الذي عملته لأنني إقتنعت بقضيتكم وأنكم على الحق ووجدت أنكم ظلمتم من قبل أناس طغاة سماسرة لا يشرفوننا ، حيث بأعمالهم الدنيئة يفسدون سمعتنا كليبين شرفاء ،،  حيث فى كل وطن ومجتمع يوجد الصالح والطالح  ،ولكن الحمد لله عز وجل أنها فرجت .

بالفجر حسب التعليمات أقلهم السائق حتى مطار بنينا بنغازي وسلمهم التذاكر ووقف معهم حتى صعدوا الطائرة وأقلعت وخابرني بالهاتف أنهم الآن في الجو وأنهم في طريق العودة ، وحوالي الظهر إستلمت مكالمة أخرى من مطار أثينا من العائلة يشكرون على المجهود والمعروف وأنه لدي بيت دائما في اليونان مرحبا بي كضيف مميز في أي وقت أشاء .

كم شعرت بالفرحة أن المهمة مضت على خير وسلامة وأن العائلة وصلت إلى وطنها اليونان  معززين مكرمين ، حيث الحياة في نظري مواقف نبيلة وبألأخص ساعة الصفر في الوقت الصعب والمواجهة حيث يعرف الرجال الصابرون القادرون ذوي العزم والحسم والجرأة  فليس كل رجل يعتبر  كامل الرجولة قوي الشخصية إلا  بعد النجاح في الإمتحانات الصعبة والمواقف الخطيرة التي تحتاج إلى جرأة وتنفيذ وبالأخص مساعدة المظلومين أو الدفاع عن الدين والوطن ،،، النفس والكرامة والقيم ،، فكثيرون من المنافقين الأدعياء الأنذال عبارة عن واجهات هشة ونمور من ورق أشباه رجال وقت الصدام والحسم يتلاشون ويهربون للوراء ويبقون بالخلف ويدفعون بألأبرياء الضحايا للموت والفداء .

مرت الأيام والشهور وبعد سنة كنت في زيارة أعمال في أثينا اليونان وكان لدي يومين عطلة نهاية الأسبوع وخطر ببالي السيد " جانولس " وأنا أقلب في كروت الأسماء وإتصلت به هاتفيا وأعلمته أنني بالمدينة بفندق الهيلتون وجاء مسرعا مع إبنه وزوجته وأصروا على ضيافتي وإنتقلت معهم وأقمت في إستراحة خاصة على أحد الجبال في أحد ضواحي العاصمة وكنت أشاهد البحر من عدة جهات وحفلات مستمرة وقدمني إلى جميع معارفه أنني أنقذتهم العام الماضي حتى تعبت من الإطراء والإمتنان والشكر وإنتابني الخجل .

قصة أخرى أن مجموعة من الشباب في منتصف السبعينات يريدون الهجرة بسرعة عن طريق البحر خفية حيث لا يستطيعون السفر عن طريق المطار حيث مطلوبون للخدمة العسكرية ، ورتبت لهم الأمر بحيث أولا يتحصلون على تأشيرات سفر لدخول اليونان من القنصلية اليونانية في بنغازي لتسهيل الدخول وعدم الرفض ،، وثانيا يعملون في البحر عدة أيام في التفريغ للسفن الخاصة بي حتى تصبح وجوههم مألوفة ، وإتفقت لهذا الغرض مع قبطان سفينة الذي كنت أثق فيه ثقة عمياء ، ويوم السفر عملوا على ظهر السفينة وتعمدت خروج العمال بعد المغرب حيث الظلام حل وصعب المعرفة ، والطلبة المسافرون تواروا في المخزن مع الحبال والمشمعات وتم إغلاق العنابر وهم بالداخل ساعة الزحمة وتمت إجراءات السفينة وغادرت الميناء وأنا أراقب وأدخن السيجارة تلو الأخرى حتى أتأكد من أن لا تحدث أية مشكلة أو عائق ، ولم أرتاح حتى غابت في الظلام وشاهدت أنوارها من بعيد وإطمأنيت  على الموضوع وقلت داخل النفس مع السلامة .

لكن الموضوع لم يغلق بالنسبة لي حيث الطلبة وصلوا بحمد الله تعالى اليونان والقبطان أكرمهم طوال الرحلة التي إستغرقت 3 أيام في البحر ، وباليونان بدل الكتمان والسر عاقروا الخمر والنساء ويتباهون في بعض الأحيان أنهم هربوا من ليبيا غصبا عن طوق وحصار الطاغية والفضل لفلان وأباحوا بإسمي للعلن ، مما سوف يعرضني للمسائلة والقبض والحجز والسجن نظير عمل المعروف والصنيع وعشت أياما صعبة كلها قلق ،، خوفا من إفتضاح الأمر.

تصادف أن مسؤول الأمن بالسفارة في أثينا ، السيد عبدالمولى العرفي من المرج رحمه الله عز وجل  زوجته  إحدى القريبات ويكره النظام الذي هو مسؤول أمن به ، وبعث لي في السر مع أحد الثقات من طرفه بأن هؤلاء سوف يسببون لي الضرر و الأفضل إرجاعهم للوطن ، وإضطررت لإرسال أحد الثقات حتى أقنعهم بالرجوع للوطن بهدوء من غير أن يعلم أي أحد ، وكانوا يعانون شظف العيش فقد إنتهى المال البسيط الذي كان في حوزتهم ، ومع الضمانات لهم بالرجوع من غير أن يعلموا من وراء الستار 

بالفعل ، ونظير الإفلاس ، تم إقناعهم بسرعة ورجعوا للوطن و تمت الأمورعلى خير وسلامة ولم يتعرضوا للمسائلة وتعلمت درسا أن لا أندفع مع أي أحد غر صغير في السن  في أمور سياسية خطيرة مثل هذه ، تعتبر تحديا للنظام حتى لا تطالني الشبهات وأتعرض للمسائلة والعقاب القاسي حيث وقتها كنا نعيش في ظل نظام إرهابي شرس ، لا يعرف إلا لغة واحدة ، التعذيب والقتل والدم ، لكل من يرفع رأسه ويتحدى العقيد المعقد المجنون . والله الموفق .
 
 
                                                              رجب المبروك زعطوط 

No comments:

Post a Comment